طفولة وتربية

إدارة الغضب والتعامل برقة مهارات أساسية
إعداد: ريما سليم ضوميط

لحياة أكثر سعادة فلندرّب أطفالنا على اكتسابها باكرًا!

من منّا لا يصادف في حياته اليومية مواقف غير مقبولة تزعجه وتثير غضبه، كأن تجد سائقًا يخالف تعليمات السيرغير عابىء بالإزعاج الذي يسبّبه للآخرين، أو جارًا يحتل موقف سيارتك ويجبرك على البحث عن موقف لركن سيارتك. وقد يأتي الإزعاج من ابنك الصغير الذي يثير ضجة في المنزل، فيما أنت تستمع إلى نشرة الأخبار المسائية. ولكن من منّا قادر على التعامل مع هذه المواقف برقّة ولين محاولًا حل المشكلة «بالطرق السلمية»؟ والجواب هو قلّة نادرة، أما السبّب فهو أننا لم نتعوّد على اللطف كنمط حياة منذ الصغر.

 

أسلوب حياة
الرقّة في التعامل، على بساطتها، مهارة لا يتقنها الكثيرون، لا سيما في ظل الظروف الإجتماعية الضاغطة التي تخيّم على مجتمعنا المعاصر. والرقّة، كما يؤكد الخبراء، هي الطريق الى السعادة، التي تؤدي بدورها إلى النجاح وذلك بحسب ما يزيد عن 250 دراسة  في علم النفس والإجتماع والفلسفة. ويشير الإختصاصيون إلى أن السعادة ترفع من مستوى الخلق والإبداع، وتؤدي إلى صفاء الذهن فتنمّي بذلك القدرة على حل المشكلات بطريقة منطقية، كما أنها تزوّد المرء بطاقة هائلة وتمنحه حافزًا قويًّا للتقدّم في مختلف المجالات. ويؤكد هؤلاء أن الأولاد السعداء يحققون نتائج افضل في المدرسة ومن ثم في المجتمع. كذلك يوضحون أن الإنسان الذي يتصرّف برقة ولين ينقل «العدوى» إلى أفراد أسرته أولًا ومن ثم إلى محيطه ومجتمعه. ويشيرون إلى أن التعامل بلطف مع الآخرين هو أسلوب يكتسب بسهولة خلال مرحلة الطفولة إذا ما اعتمد كأسلوب دائم في الحياة اليومية.
في هذا الإطار، يقدم الخبراء التربويون بعض النصائح التي تساهم في غرس بذور الرقة واللين في نفوس الصغار عبر اعتماد طرق معينة في التعامل معهم.

 

منح الشعور بالأمان
التعاطف مع احتياجات الطفل ومنحه ما يحتاجه بمحبة، وهذا لا يعني أن نشفق على طفل يصرخ مطالبًا بلعبة لا نرغب في شرائها، أو أن نرضخ لبكاء طفل يريد تناول الحلوى بدلًا من طعام الغداء. وإنما المقصود هو تفهّم مخاوف الصغار وحاجاتهم، ومساندتهم عند الحاجة. ويقدّم أحد الخبراء المثل على ذلك: في الساعة التاسعة مساءً، وفيما انت ترتاحين على الأريكة أمام شاشة التلفزيون، يأتيك صوت ابنتك الصغيرة من غرفة نومها لتطلب منك مرافقتها إلى الحمّام  لأنها تخاف الظلمة. من المؤكد أن أول فكرة ستطرأ على رأسك هي الصراخ عاليًا والمطالبة بقسط من الراحة من دون التعرض للإزعاج، لكن الطيبة تفرض عليك أن تضحّي ببعض من راحتك الشخصيّة لمنح صغيرتك ما تحتاجه من شعور بالأمان. يقول  الخبراء أن تضحية بسيطة كهذه تغني عن مئات الإرشادات والتوجيهات، وتعلّمها درسًا في التعامل بلطف مع الآخرين والوقوف إلى جانب العائلة والأصدقاء عندما يحتاج احدهم إلى الدعم والمساندة.

 

قراءة لغة الطفولة
الإصغاء جيّدًا إلى لغة الطفولة وقراءة ما وراء التصرفات المزعجة من رسائل يوجهها إليك طفلك. فالتذمّر لأسباب غير مبرّرة، والشكوى من آلام وهمية، والمشاكسة والإزعاج المستمر، إلى غيرها من التصرفات التي نراها غريبة، قد تكون صرخات استغاثة تخفي وراءها توقًا إلى الحنان، ورغبة في الإهتمام المفقود. فالطفل المشاكس ليس طفلًا يعشق إزعاجك وإعاقة تقدّمك في الحياة، وإنما هو طفل يحتاج إلى الرعاية والحب، فامنحيه ما يحتاج وقوّمي تصرّفاته السلبية بأسلوب إيجابي.

 

تعاون وعطاء
من الضروري غرس بذور التعاون في نفس الطفل عبر مدّه بالمساعدة عندما يحتاجها. وهنا ينبغي التمييز بين المواقف التي تستدعي التدخل، وتلك التي تفرض المراقبة عن بعد. فإذا كان الطفل يرمي الألعاب على الأرض، يجب عدم مساعدته في لملمتها، وذلك بغية تعليمه مبدأ الأعمال وعواقبها. أما إذا كان يبحث عن لعبة مفقودة فلا بأس في مساعدته لإيجادها وإظهار رغبة حقيقية في تقديم يد العون.
كما يمكن تعزيز روح العطاء لدى الولد من خلال المشاركة في أعمال خيرية بسيطة، كتشجيعه على جمع ملابسه القديمة التي لا تزال بحالة جيدة، ووضعها في صندوق مخصص للفقراء، أو مرافقته الى المتجر لشراء ألعاب للمحتاجين خلال فترة الأعياد.
 

القدرة على التسامح والتروّي
يعطي أحد الخبراء مثلًا على ذلك:  أنت في منزلك تعملين طوال فترة ما بعد الظهر، وقد أنهيت للتو ترتيب المنزل وتنظيفه، وتشعرين من جراء ذلك بتعب كبير. في هذه الأثناء، يفتح إبنك الصغير البرّاد ليتناول منه عصيره المفضل، فتسقط زجاجة العصير من يده وتنكسر مخلّفة شظايا الزجاج والعصير على أرض المطبخ! حادثة تستدعي الغضب من دون شك، ولكن هل نعالجها بالصراخ وتأنيب الطفل؟ يقول الخبير التربوي أن الغضب والتعنيف لن يحلّا المشكلة وإنما سيعطيان الطفل نموذجًا سيئًا عن كيفية التصرف في المواقف الحرجة. وهو ينصح بالتروّي وضبط النفس عندما يتطلب الأمر تنبيه الأطفال حول الصح والخطأ. وفي هذه الحالة، يتطلب الموقف أن تظهر الأم لطفلها أنها تسامحه على الخطأ الذي ارتكبه (يجب أن يعلم أنه ارتكب خطأ)، وأن تشرح له بهدوء أخطار العمل الذي قام به وعواقبه.
وأخيرًا ينصح الخبراء الأهل بترك مشاكل العمل والخلافات الشخصية وضغوطات الحياة اليومية خارج عتبة المنزل، ومبادرة الأولاد عند عودتهم من المدرسة بابتسامة عريضة مرفقة بعبارات الترحيب، وسوف يلاحظون خلال فترة زمنية قصيرة كيفية مبادلة الرقة بالمثل، وكيفية تعاطي الأولاد مع بعضهم البعض بلطف واحترام.