قانون دولي إنساني

إدماج القانون: التدريب والمعدات والعقوبات
إعداد: أحمد زكريا
المندوب الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر لدى القوات المسلّحة - لبنان

تناولنا في مقالات سابقة موضوع إدماج القانون الدولي فى أنظمة القوات المسلّحة، أي عملية تحويل القواعد القانونية إلى آليات وتدابير عملية. وهذه القواعد وجدت في قانون النزاعات المسلّحة والقانون الدولي لحقوق الإنسان بغرض الاستخدام الرشيد للقوة فى مواقف العنف المختلفة. واستكمالًا لما سبق وعالجناه في هذا السياق، نتناول في ما يلي إدماج القانون في أنظمة القوات المسلّحة للتدريب والمعدات والعقوبات.

 

الإدماج في التدريب
يجب أن يشمل التدريب مكونات قانون النزاعات المسلّحة والقانون الدولي لحقوق الإنسان بطريقة واقعية. ويركز تدريب من يحملون السلاح على إكساب الأفراد خبرة عملية بكيفية أداء وظائفهم مع الامتثال للقانون. كما يمكّن الضباط وضباط الصف والجنود من اكتساب المهارات والخبرات اللازمة، ويجب أن يؤدي إلى اكتساب القدرة على إبداء ردود الأفعال الصحيحة. ويمكن لهذا الأمر أن يتحقق عن طريق تكرار الممارسة، ويكون القائد المباشر هو الشخص الأنسب والأكثر فاعلية في هذا المجال.
ومن الأهمية بمكان أن يتم إدماج مبادئ القانون في التدريب اليومي بأكثر الأشكال واقعية وبقدر الإمكان، وذلك جنبًا إلى جنب مع تدابير الامتثال ووسائله وآلياته، وعلى النحو المنصوص عنه في العقيدة والتكتيكات والإجراءات المنقّحة. وتُعد إضافة بضع ساعات فقط من قانون النزاعات المسلّحة والقانون الدولي لحقوق الإنسان إلى برنامج التدريب القائم من دون تعديل مضمونه، أمرًا بعيدًا كل البعد عن الفاعلية.

وقد ثبت أن طريقة التدريس الأكثر فاعلية هي الممارسة العملية، إذ يمكِّن هذا النهج المشاركين من الاحتفاظ في أذهانهم بنحو 90? من المحتوى، بعد أسابيع من انتهاء الدورة. وتتحدد نسبة الجزء النظري إلى الجزء العملي من التعليم في كل مستوى من مستويات التسلسل الهرمي، وفق الرتبة والمسؤوليات.
بالإضافة إلى ذلك، يجب إجراء تقييم مستمر لفاعلية التدريب. ويظل السلوك في أثناء العمليات هو الاختبار النهائي، كما تُعد مراجعات ما بعد العمليات أداة أساسية في عملية التقييم، غير أن الدروس المستفادة عن طريق التدريب اليومي والتمرينات، تُعد أيضًا مكونًا أساسيًا في هذه العملية. وإذا ما أظهر التدريب أن الوسائل والآليات القائمة عن طريق عملية الإدماج غير كافية لتمكين الأفراد من احترام القانون، فإنه سيكون من الضروري اتخاذ تدابير تصحيحية على مستويي العقيدة والتعليم، وتعديل التدريب على هذا الأساس.

 

 

أمثلة عن الإدماج في التدريب القتال

التداعيات

الانعكاسات الميدانية

الحكم القانوني

يجب أن تتضمن جميع التمرينات في ميدان القتال أو على الخرائط أو بمساعدة الكمبيوتر، التعامل مع أسرى الحرب، بحيث يكتسب المنفّذون من مختلف المستويات الخبرة العملية اللازمة لأداء هذه المهمة بصورة صحيحة تحت الضغط.

وبناءً عليه:

• يجب أن تعرف القوات القتالية في أدنى مستوى ما يجب القيام به عند القبض على أسرى الحرب.

• يجب تجهيز نقاط التجميع بالأفراد وممارسة الواجبات ذات الصلة.

• يجب أن يكون أفراد الخدمات اللوجستية قادرين على التعامل بفعالية مع أسرى الحرب.

• يجب أن يكون الإجراء بأكمله جزءًا من عملية التقييم والدروس المستفادة، بما يؤدي إلى اتخاذ تدابير تصحيحية أو إجراء تحسينات، بما في ذلك ما يكون على مستوى العقيدة والتعليم.

• كيف تنفّذ القوات هذه المهمات؟

• هل تؤدي التشكيلات التابعة لها مهماتها على نحو ما تتوقعه منها الرتب العليا؟

• كيف ستنسق العناصر المقاتلة مع الخدمات اللوجستية والمسعفين؟

• هل تتسم التدابير المنصوص عنها في العقيدة بالعملية والواقعية؟

«يتم إجلاء أسرى الحرب بأسرع ما يمكن بعد أسرهم، ويُنقلون إلى معسكرات تقع في منطقة تبعد بقدر كافٍ عن منطقة القتال حتى يكونوا في مأمن من الخطر.

 لا يجوز أن يستبقى في منطقة خطرة، وبصورة مؤقتة، إلّا أسرى الحرب الذين يتعرضون بسبب جروحهم أو مرضهم لمخاطر أكبر عند نقلهم مما لو ظلوا في مكانهم.

 يجب ألا يُعرض أسرى الحرب للخطر من دون مبرر أثناء انتظار إجلائهم من منطقة قتال».

 

(اتفاقية جنيف الثالثة، المادة 19)

 

 

 

 

إنقاذ القانون

التداعيات

الانعكاسات الميدانية

الحكم القانوني

يجب أن يُكسِب التدريب المكلّفين بإنفاذ القانون الخبرة العملية اللازمة لأداء هذه المهمة بشكل صحيح وتحت الضغط.

وبناءً عليه:

• يجب أن يكون المنفّذون قادرين على استخدام مختلف الوسائل السلمية المتاحة للاستجابة لهذه الحالات (مثل التفاوض والإقناع، وتخطيط طرق الهروب للحشود).

• يجب أن يكون المنفّذون في أدنى المستويات قادرين على استخدام أنواع مختلفة من القوة الموضوعة في تصرفهم، بشكل مناسب وبما يتناسب مع التهديد.

• يجب أن تكون العملية برمّتها جزءًا من عملية التقييم والدروس المستفادة، بما يؤدي إلى اتخاذ تدابير تصحيحية أو إجراء تحسينات، بما في ذلك ما هو على مستوى السياسات والإجراءات والتعليم.

• كيف يمكن للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون فضّ التجمعات غير العنيفة وغير المشروعة من دون اللجوء إلى القوة؟

• إذا تم استخدام القوة، فما هو «الحد الأدنى» والمستوى «الضروري» في مجموعة مختلفة من الظروف؟

• هل تتيح الوسائل والآليات المنصوص عنها في السياسات والإجراءات، وتعليمات استخدامها بشكل فعّال، استجابة مشروعة؟

«في فضّ تجمعات غير قانونية لكنها غير عنيفة، يجب أن يتجنب المكلفون بإنفاذ القانون استخدام القوة، أو، إذا كان ذلك غير عملي، استخدامها بالحدّ الأدنى الضروري».

 

(المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، المادة 13)

 

 

المعدات
يجب أن تتيح المعدات استجابة قانونية لكل حالة. وهي توفر للأفراد المصادر اللازمة للقيام بالمهمات وفق القانون. ويجب أن يوفر أعلى مستوى من مستويات القيادة الوسائل والأساليب القانونية للأفراد، ومن ثم فإن على هذا المستوى التزام تحديد ما إذا كان استخدام سلاح معين (أي السلاح نفسه وطريقة استخدامه)، في بعض الظروف أو كلها، مقيّدًا أو محظورًا بموجب قانون النزاعات المسلّحة أو القانون الدولي لحقوق الإنسان أو كليهما.
وللتحقق مما إذا كانت المعدات تتيح الامتثال للقانون أم لا، ينبغي اختبارها في أثناء التدريب وفي حالات هي بقدر الإمكان أقرب ما يكون إلى الواقع.
بالإضافة إلى الأسلحة، من شأن تدريب يقوم خلاله المنفّذون بالبحث عن الضحايا وعلاجهم وإجلائهم في أثناء العمليات وبعدها، أن يظهر ما إذا كانت موارد الوحدة الطبيّة المعنيّة كافية ومناسبة أم لا. على سبيل المثال، قد يثبت عدم ملاءمة سيارات الإسعاف التي تسير على عجلات للأراضي التي أصبحت وعرة بسبب سير المركبات المجنزرة الثقيلة (مثل دبابات القتال الرئيسية) عليها، أو بسبب وجود الحطام والأنقاض في الشوارع عقب أعمال الشغب.

 

 

 

أمثلة عن الإدماج في اختيار المعدات القتال

التداعيات

الانعكاسات الميدانية

الحكم القانوني

يجب وضع آلية للمراجعة تتسم بالخصائص الآتية:

• أن يُعهد بالمسؤولية النهائية لفرد أو للجنة على النحو المنصوص عنه في التشريعات، أو اللوائح، أو الأوامر الإدارية، أو التوجيهات أو المبادئ التوجيهية.

• يحدد هذا الشخص أو اللجنة عملية المراجعة وصنع القرار.

• المساءلة أمام وزارة الدفاع أو كيان مشترك بين الإدارات المعنية.

• تولي ممثلين عن مختلف القطاعات والإدارات إجراء عملية المراجعة.

• الاحتفاظ بسجلات بصفة منتظمة.

• بعد مراجعة وسائل الحرب، يكون تسلسل القيادة مسؤولًا عن التأكد من أن القوات لا تجري تعديلات على هذه الوسائل، أو تستخدمها بأي وسيلة من شأنها أن تجعلها غير مشروعة.

• ما هو الغرض العسكري المقصود أو الميزة العسكرية المتوقعة؟

• ما هي أنواع الإصابات التي ستقع؟

 • على أساس الإجابة عن السؤالين السابقين، هل يجب اعتبار الإصابة مفرطة أو الآلام لا مبرر لها؟

 • ما هي الخبرة المعينة اللازمة لتحديد هذا الأمر؟

 • من الذي يقرر شرعية الوسائل والأساليب قبل تقديمها؟

• من الذي يتأكد من عدم إدخال تعديل على الوسائل والأساليب القانونية؟

«يحظّر استخدام الأسلحة والقذائف والمواد ووسائل القتال التي من شأنها إحداث إصابات أو آلام لا مبرر لها».

 

(البروتوكول الأول الإضافي، المادة 35-2)

 

 

 

إنفاذ القانون

التداعيات

الانعكاسات الميدانية

الحكم القانوني

ينبغي أن يتمكن ضباط إنفاذ القانون من الحصول على المعدات الآتية:

• معدات وقاية مناسبة ومعدات أخرى لإرجاء استخدام القوة والأسلحة النارية.

• مجموعة من الوسائل غير العنيفة التي تحقق السيطرة على الوضع، والتواصل مع الضباط والمجرمين.

• مجموعة من الوسائل المختلفة التي تمكّن الضباط من الاستجابة بطريقة متدرّجة ومتناسبة.

يجب أن يعرف الضباط الآثار الناجمة عن الوسائل المختلفة التي توجد في تصرفهم.

 لن يكون لدى الضباط الذين يعملون بمفردهم المجموعة الكاملة من الوسائل المتاحة. لذلك يجب أن يتمكنوا من التواصل، ويتقنوا بعض المهارات، مثل مهارات التفاوض وحلّ النزاعات.

 يجب على الضباط الذين يعملون ضمن فرق، اتقان كل وسيلة من الوسائل المختلفة المتاحة.

• ما هي الوسائل غير العنيفة التي من شأنها أن تمكن الضباط من إرجاء استخدام القوة والأسلحة النارية؟

• ما هي التدابير المتناسبة، ومع أي مخالفة تكون متناسبة؟

• ما مقدار المعدات التي يمكن للضباط حملها وإجادة التعامل معها بصورة مقبولة؟

 

«يجب على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، في تنفيذ واجبهم، وبقدر الإمكان، استخدام وسائل غير عنيفة أولًا، ولا تُستخدم القوة والأسلحة النارية إلا إذا ظلّت الوسائل المذكورة غير فعّالة أو لا تبشّر على الإطلاق بتحقيق النتيجة المقصودة».

 

(المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، المادة 4)

 

 

 

العقوبات الفعّالة
تؤدي العقوبات دورًا وقائيًا رئيسيًا، ويجب أن تكون واضحة وفعّالة، ويمكن التنبؤ بها. وتبين التجربة أنه كلما كانت العقوبات واضحة، وأمكن التنبؤ بتطبيقها، أصبحت رادعة. كما أنها تُعد بمنزلة عقوبة فعالة لأولئك الذين لا يلتزمون القانون. ومن ثم، فإنها توفّر للقادة وسيلة لإنفاذ الأوامر وتحقيق الانضباط، وإظهار أن تسلسل القيادة بأكمله يتسم بالحزم في الدفاع عن قيمه الأساسية.
يمكن إنفاذ العقوبات عن طريق تدابير جنائية أو تأديبية. وبينما تكون العقوبات الجنائية ضرورية بلا أدنى شك، فإنها يجب أن تكون مدعومة بعقوبات تأديبية فعّالة على جميع مستويات تسلسل القيادة. وتوفر هذه التدابير الإدارية، التي تكون في الواقع تحت مسؤولية الرئيس المباشر، ميزتين رئيسيتين، وهما أنه يمكن إنفاذها بصورة عاجلة، وأنها واضحة للغاية لمن قد يرتكبون الجناية نفسها. ولذلك، فإن أثرها في الردع يكون فوريًا، مما يمنع السلوك غير المقبول من أن يتحول إلى سلوك جائز أو حتى مقبول.