قانون دولي إنساني

إدماج القانون في العقيدة العسكرية والتعليم
إعداد: احمد زكريا
المندوب الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر لدى القوات المسلّحة- لبنان

تحدّثنا في العدد السابق عن مفهوم إدماج القانون وعناصره الأساسية والإجراءات التي يتطلّبها.
في ما يلي نعالج كيفيّة إدماج القانون في العقيدة العسكرية وفي التعليم، على أن نعالج في العدد اللاحق إدماجه من خلال التدريب والمعدّات، ونظام العقوبات.

 

الإدماج في العقيدة

أولًا، تعريف العقيدة العسكرية:
يجب أن توفّر العقيدة توجيهًا للسلوك القانوني. وهنا، تُفهم العقيدة على أنها جميع المبادئ النموذجية التي توجه أفعال من يحملون السلاح على المستويات الاستراتيجية والعملانية والتكتيكية، بصرف النظر عن الأشكال التي تتخذها هذه المبادئ. ومن ثمّ، فإنّها تشمل، جميع التوجيهات والسياسات، والإجراءات، ومدوّنة قواعد السلوك، والكتيبات المرجعية، وقواعد الاشتباك - أو ما يعادلها - التي تعمل على تثقيف من يحملون السلاح، وتدريبهم وتوجيههم، في أثناء حياتهم المهنية، مما يوّفر لهم مفردات مشتركة، ويوجّه عملية صنع القرار والتكتيكات والسلوك المتبع في العمليات، لتتوافق مع متطلبات القانون.

 

ثانيًا، مدونات قواعد السلوك والكتيّبات والإجراءات القياسية:
إنّ إدماج القانون في العقيدة لا يتحقق عن طريق مجرد إدماج قواعد القانون الواجب التطبيق ومبادئه في مدوّنات قواعد السلوك والكتيّبات والإجراءات أو اقتباسها فيها. ويجب أن تصبح مبادئ القانون ذات الصلة وآلياته، جنبًا إلى جنب مع وسائل ضمان احترام الأشخاص والأعيان التي تحظى بحماية خاصة، جزءًا طبيعيًا لا يتجزأ من كل مكوّن من مكوّنات العقيدة. ويُعدّ تنقيح الكتيّبات والإجراءات المتعلقة بعملية صنع القرار أمرًا بالغ الأهمية من أجل الامتثال للقانون.
إنّ تحديات الحروب الحديثة وإنفاذ القانون هي من التعقيد بحيث يجب ألاّ تترك المسؤولية عن الامتثال لقانون النزاعات المسلّحة والقانون الدولي لحقوق الإنسان، لوظيفة واحدة محددة ضمن مجموعة الموظفين. وفي ما يتعلق بأي أمر ميداني أو تكتيكي، يجب أن يكون الموظفون المعيّنون (إدارة الأفراد، والاستخبارات، والعمليات، والخدمات اللوجستية) على معرفة دقيقة بما هو مطلوب منهم القيام به لضمان الامتثال. وعلاوة على ذلك، فإنه من الأهمية بمكان أن تتضمن إجراءات صنع القرار، الآليات اللازمة لتبادل المعلومات والتنسيق، بحيث لا يتم إغفال أي مسألة، وبحيث يتلقى القائد، في الوقت المناسب، كل ما يلزم من المعلومات المتاحة.
كما يجب أن تُجرى عملية مراجعة للكتيّبات المرجعيّة على مستويات مختلفة من تسلسل القيادة، أو أن يتمّ تكييفها بحيث تتيح الأوامر والإجراءات وقواعد الاشتباك، الامتثال للقانون في حالات متنوّعة ومعقّدة في أثناء العمليات (على سبيل المثال وجود أهداف عسكرية في مناطق مأهولة بالسكان، وحفظ القانون والنظام في أثناء المظاهرات العنيفة).

 

ثالثًا، أمثلة على الإدماج في العقيدة:
توضح الأمثلة الآتية، في سيناريوهات القتال وإنفاذ القانون على حدّ سواء، إدماج الأحكام القانونية ذات الصلة في العقيدة.

 

عمليات القتال

المتطلبات

الانعكاسات الميدانية

الأحكام القانونية

يجب أن توفّر العقيدة ما يلي:

• تعريف الميزة العسكرية والإصابة أو الضرر العرضي.

• وسائل تحديد مقدارهما عند الاختيار بين مسارات العمل المختلفة المتاحة.

• آليات لتحقيق توازن فعال وتقديم توصيات للقائد في أثناء عملية صنع القرار.

• تدابير تحقّق التوازن وتوفّر عناصر صنع القرار.

• مسؤوليات محددة لضباط الاستخبارات والعمليات أو غيرهم في هذا الصدد.

• كيف يمكن تقييم الخسارة بصفة عرضية، وتقدير الميزة العسكرية المنتظرة؟

• كيف يمكن تحديد مقدار كل منهما بالنسبة إلى الآخر؟

• كيف يمكن تحقيق التوازن بينهما؟

• كيف يمكن التأكد من مراعاة  هذا التوازن عند اتخاذ كل قرار؟

«تعتبر الأنواع الآتي ذكرها من الهجمات، من بين هجمات أخرى، بمثابة هجمات عشوائية»:

الهجوم الذي يمكن أن يسبب بصفة عرضية خسارة في أرواح المدنيين، أو يوقع إصابات بينهم، أو يلحق أضرارًا بالأعيان المدنية، أو أن يحدث خليطًا من هذه الخسائر والأضرار، ويفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة.

 

(البروتوكول الأول الإضافي،

المادة 51-5ب).

 

 

 

عمليات إنفاذ القانون

المتطلبات

الانعكاسات الميدانية

الأحكام القانونية

يجب أن توفّر السياسات والإجراءات ما يلي:

• تعريف لمبدأ الضرورة وللظروف التي يسمح فيها باستخدام القوة.

 • وسائل وآليات تتيح تحقيق توازن فعال في عملية صنع القرار بين الضرورة والتناسب.

• تدابير توفّر عناصر صنع القرار لتحقيق التوازن.

• مسؤوليات محددة على مستويات مختلفة من تسلسل القيادة في ما يتعلق بتقييم الوضع والاستخدام التدريجي للقوة في الاستجابة.

• ما هي الظروف التي قد تُستخدم فيها القوة؟

• كيف يجب أن تطبق القوة لضمان استجابة تدريجية ومتناسبة؟

• كيف يمكن تحقيق التوازن بين الضرورة والتناسب؟

لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين استعمال القوة إلاّ في حالة الضرورة القصوى وفى الحدود اللازمة لأداء واجبهم.

 

(مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، المادة 3).

 

 


الإدماج في التعليم
أولًا، تعريف التعليم:
يركّز التعليم على توفير المعرفة النظرية للعاملين، بما يجب القيام به. ويُعد تدريس محتوى القانون الواجب التطبيق في الدورات التدريبية خطوة واحدة مباشرة. في المقابل يجب تكييف عدد ساعات التدريس ونسبة الجزء النظري إلى الجزء العملي لتلائم احتياجات المتلقين، وفق رتبهم، أو السلاح الذي ينتمون إليه، أو الفرع التابعين له، أو المنصب الذي يشغلونه. ويتعين دائمًا أن يكون التدريس عمليًا وواقعيًا بقدر الإمكان، غير أنه يمكن تبنّي نهج أكاديمي على نحو متزايد كلما علت رتب المتلقين وارتفع مستوى المسؤوليات التي يضطلعون بها.
غير أن المعرفة بالقانون ذي الصلة وحدها ليست كافية، إذ يجب أن تكون تدابير الامتثال للقانون ووسائله وآلياته، على النحو الذي حددته العقيدة والإجراءات المنقحة، جزءًا لا يتجزأ من جميع الموضوعات التي يتم تدريسها. ولا يعني هذا الأمر أن جميع الدورات التدريبية يجب أن تتضمن وحدة دراسية عن القانون الواجب التطبيق، أو أن تشير إليه صراحة أو باستمرار، وإنّما يجب أن يكون موضوع الدراسة، ذا صلة، بمعضلات واقعية تتعلق بالامتثال للقانون، مما يتيح للضباط من جميع الرتب تعلّم كيفية احترام القانون في حالة معينة.

 

ثانيًا، أمثلة على الإدماج في التعليم:
توضح الأمثلة الآتية، (بالنسبة إلى حالات القتال وحفظ الأمن على حدّ سواء)، كيفية إدراج الأحكام القانونية ذات الصلة في عملية التعليم.

 

القتال

المتطلبات

الانعكاسات الميدانية

الأحكام القانونية

يجب أن يوفّر التعليم معرفة نظرية بما يلي:

• التعريف «بالسكان المدنيين، والأشخاص والأعيان المدنية» على وجه التحديد.

• تحديد المسؤوليات ضمن تسلسل القيادة (وفق مختلف المستويات والتخصصات) لتفادي الأشخاص والأعيان المحمية.

• تأهيل الأفراد للتفكير في مسارات بديلة للعمل.

• تخطيط العمليات وتنفيذها من دون تعريض الأشخاص والأعيان المحمية للخطر.

• تخطيط عملية إجلاء المدنيين وتنفيذها.

• توفير مسافات آمنة.

• اختيار الأسلحة وفق كل حالة، ورصد آثارها من أجل الحدّ من الأضرار العرضية.

• من هم «السكان المدنيون والأشخاص والأعيان المدنية»؟

• ما هي التدابير الملموسة التي يمكن اتخاذها لاحترامهم؟

•كيف يمكن ضمان تطبيق هذه التدابير في جميع الأوقات؟

«تُبذل رعاية متواصلة في إدارة العمليات العسكرية، من أجل تفادي السكان المدنيين والأشخاص والأعيان المدنية».

 

(البروتوكول الأول الإضافي، المادة 57-1)

 

 

عمليات إنفاذ القانون

المتطلبات

الانعكاسات الميدانية

الأحكام القانونية

يجب أن يوفّر التعليم معرفة نظرية بما يلي:

• الظروف التي يكون فيها التوقيف أو الاعتقال قانونيًا.

• الظروف التي يكون فيها التوقيف أو الاعتقال تعسفيًا.

• الإجراءات الواجب اتباعها، وفق القانون، لضمان أن التوقيف أو الاعتقال ليس تعسفيًا.

• المسؤوليات على مستوى تسلسل القيادة، حسب التخصص، عن القيام بمهمات تتعلق بالحرمان من الحرية.

• تحديد إجراءات مكتوبة تتيح تنفيذ التوقيف والاعتقال بشكل قانوني.

• ما هي الظروف التي يمكن فيها الحدّ من الحرية؟

• كيف يمكن ضمان أن عمليات التوقيف والاعتقال ليست تعسفية؟

• كيف يمكن تحقيق التوازن بين استخدام القوة وحق الفرد في الأمان؟

«لكل فرد حق في الحرية وفى الأمان على شخصه. ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفًا. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلّا لأسباب ينص عليها القانون وطبقًا للإجراء المقرر فيه».

 

(العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والحقوق السياسية، المادة 9-1).