العوافي يا وطن

إرفعوا الغطاء عن المرتكبين
إعداد: إلهام نصر تابت

في أكثر من موقف ومناسبة حذرت قيادة الجيش جميع الأطراف من خطورة الأوضاع ودقتها في ظل محاولات إشعال الفتنة في عدة مناطق، وكان أبرزها ما حصل في الشمال وتحديدًا في طرابلس.
لم يتخلف الجيش لحظة عن أداء واجباته والتعاطي مع مختلف الملفات الأمنية بحزم، إنما أيضًا بتروٍ وحكمة حرصًا منه على المصلحة الوطنية العامة، وتلافيًا لإراقة الدماء في غير موقعها، وهذا ما تجلى بوضوح من خلال معالجته جميع التطورات والأحداث الخطيرة التي شهدتها البلاد في الفترة الأخيرة.
غير أن الموقف الذي أعلنه قائد الجيش خلال احتفال تكريم الضباط المتقاعدين في اليرزة (30/8/2012)، كان غاية في الحزم والوضوح، والأهم أنه كان مؤشرًا إلى نفاذ الصبر والخشية من دخول البلاد في الأسوأ الأسوأ... فقد قال يومها إن «الجيش أبلغ جميع الأطراف السياسية قدرته على حسم الأمور، وتوجيه ضربات قاسية ومكلفة إلى الجميع المسلحين لأي جهة إنتموا، شرط أن يرفعوا أيديهم عن هؤلاء المسلحين بمواقف إعلامية واضحة وليس بلغات مزدوجة».
هنا بيت القصيد، اللغات المزدوجة. صحيح أن الجيش يقوم بحفظ الأمن بتكليف من مجلس الوزراء، وبالتالي فهو يؤدي واجبه في ظل قرار السلطة السياسية، لكن الممارسات السياسية كانت تضع أحيانًا العصي في الدواليب من خلال تغطية المرتكبين، أو غضّ الطرف عنهم إذا كنا في غاية التفاؤل والبراءة. والنتيجة، إشكال هنا، حوادث هناك، ووضع يقارب الفلتان في أكثر من منطقة في الوقت نفسه، بينما وحدات الجيش تجهد للملمة الأوضاع ومنع إنهيارها. أخيرًا فاض الكأس فما كان من الجيش إلا أن وضع الجميع أمام مسؤولياتهم.
ففي الإحتفال إياه، أكد العماد قهوجي أن «الجيش لن يسمح لأي طرف سياسي بابتزازه في أي موضوع... وأنه لن يسمح لأي طرفٍ كان بالتلطي وراءه أو محاولة تجيير مواقفه لمصلحته... لأنه يلتزم سلطة الدولة وحدها...» محذرًا من تفسير صمت المؤسسة في اللحظات الحرجة خطأً واعتبار رحابة صدرها وطول أناتها ضعفًا.
هذا الموقف الصريح الواضح، أعقبته جولة قائد الجيش في طرابلس (1/9/2012) ولقاؤه الضباط والعسكريين في خطوةٍ شكلت استكمالاً للمبادرة التي أطلقتها قيادة الجيش في شأن طرابلس.
وبعد أيام قليلة (5/9/2012) أعلنت قيادة الجيش في بيان صادر عن مديرية التوجيه، أنّه على أثر تفاقم الجرائم المنظمة في الفترة الأخيرة، قامت مديرية المخابرات ووحدات الجيش المنتشرة في مختلف المناطق بتكثيف تحرياتها وتعزيز إجراءاتها الأمنية، حيث تمكنت من كشف قسم كبير من العصابات المجرمة... كما أعلن البيان «أن قيادة الجيش وضعت بالتعاون والتنسيق مع قيادات الأجهزة الأمنية والرسمية المختصة، خطة دقيقة لتفعيل عملية مكافحة الجرائم المذكورة بغية إجتثاثها من جذورها...».
التطورات على الأرض في الأيام اللاحقة كشفت مدى جدية التدابير ومدى إصرار قيادة الجيش على التزام ما وعدت به اللبنانيين، حيث أكدت مرارًا أنها لن تسمح بالعبث بالإستقرار وتهديد السلم الأهلي أيًا كان الثمن.
ففي 7/9/2012 أعلن بيان صادر عن مديرية التوجيه أنه «تنفيذًا للإستنابات القضائية المتعلقة بعملية الخطف وبالأحداث الخطيرة التي حدثت على طريق المطار، قامت قوة من الجيش، بدهم عدد من المطلوبين للعدالة بمذكرات توقيف، حيث أوقفت بعض المطلوبين من بينهم المدعو حسن المقداد...».
وفي بيان مماثل صدر في اليوم التالي، أعلنت القيادة «أن قوى من الجيش دهمت منطقة الرويس والأحياء المجاورة لها في الضاحية الجنوبية، لإلقاء القبض على مطلوبين للعدالة... وبحثًا عن أشخاص مخطوفين بعد أن أعلن سابقًا أفراد من آل المقداد مسؤوليتهم عن خطفهم».
وأضاف البيان: «أبدى عموم أهالي المنطقة وعائلة المقداد تجاوبهم الكامل مع إجراءات الجيش، وتم توقيف عدد من المطلوبين... فيما صودرت كميات من الأسلحة والذخائر والأعتدة الحربية...».
وتوالت التطورات في الأيام اللاحقة حيث أعلنت القيادة في 9/9/2012، أن مديرية المخابرات وضعت يدها على عصابة مؤلفة من ستة أشخاص، تمكنت قوى الجيش من توقيف ثلاثة منهم في محلة البحصاص - طرابلس، ضبطوا في أثناء قيامهم بخطف أحد المعارضين السوريين... وأعلن البيان أن هذه الخطوة تأتي في إطار خطة أمنية متكاملة تشمل ملاحقة جميع القضايا الأمنية حتى النهاية.
بعد ساعات (11/9/2012) كانت قيادة الجيش تعلن تحرير أربعة مخطوفين سوريين بعد دهم مكان وجودهم في محلة حي السلم، إثر عملية رصد ومتابعة من مديرية المخابرات. وفي إطار استكمال الإجراءات الميدانية الصارمة لتوقيف المطلوبين للعدالة على خلفية خطف أشخاص من جنسيات مختلفة وقطع طرقات وإطلاق نار...
هذه الإجراءات أدّت بعد يومين (13/9/2012) إلى توقيف ماهر المقداد، في عملية دقيقة نفذتها قوة تابعة لمديرية المخابرات.
كان هذا البيان الأخير عشية زيارة قداسة الحبر الأعظم البابا بنديكتوس السادس عشر إلى لبنان، وما واكبها من إجراءات أمنية.
لبنان بمختلف مناطقه بدا في أجواء أخرى مختلفة تمامًا عن تلك التي سادته خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة...
«العوافي» يا جيش الوطن، «العوافي يا وطن».