إستراتيجيا الأمن الجماعي ما بين تعدد الأقطاب والقطب الواحد

إستراتيجيا الأمن الجماعي ما بين تعدد الأقطاب والقطب الواحد
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد في الجيش دكتوراه علاقات دولية

عام

يكمن مضمون الأمن الجماعي في الحيلولة دون تغيير الواقع الدولي, أو الإخلال بأوضاعه, والعلاقات فيه, أو تبديلها بما يلائم مصالح دولة ما, وذلك باتخاذ إجراءات دولية جماعية ضاغطة, أو مانعة لمحاولات هذه الدولة أو مجموعة الدول. كذلك فإن نظام الأمن الجماعي ينكر استعمال العنف المسلح كوسيلة لحل التناقضات والخلافات بين الدول, وسياساتها, ويؤكد على اعتماد الطرق والأساليب السلمية.

ولما كانت القوة في الماضي، وما تزال، الأساس في تحديد إطار استراتيجيات الدول والمحرك لأنماط العلاقات الخارجية وتقرير طبيعة أهداف سياساتها, وباعتبار أن إمكانات الدول في مجال القوة ليست متساوية في الكمّ والكيف, فإن الأقوى كان وما زال يستغل هذه القوة لفرض مصالحه على الآخرين من دون اعتبار لمصالحهم, وبغض النظر عمَّا يسببه من أضرار لهذه المصالح. من هنا كانت فلسفة "الحق للقوة" (Might makes right) هي السائدة في المجتمع الدولي منذ القديم. وعلى الرغم من النظريات المثالية الحالمة, فإن القوة هي الواقع في التعامل الدولي, أما الأخلاقيات فتقع في مكان ما بينهما.

انطلاقاً من هذا الواقع ونتيجة للحروب التي لم تتوقف عبر التاريخ, قام منظرو السياسة الدولية بوضع النظريات لإقامة السلام العالمي, ونظام الأمن الجماعي لردع المعتدي مهما كان قوياً أو ضعيفاً لتمكين المجتمع البشري من العيش بسلام وكرامة, وفق مبادئ وأسس تلتزم احترام الدول كافة, وعلى قدم المساواة.

فهل تحقق ذلك فعلاً؟

إن منظري السياسات الدولية يعتبرون أن أعلى منافع البشرية وخيرها يكمن في سيادة القانون، الدولي منه أو الخاص, وضرورة تطبيق القوانين التي اتفق عليها. ولكن الواقع التطبيقي والممارسة الفعلية في العلاقات الدولية يؤديان إلى التساؤل حول ماهية القانون المقصود. فالقانون ليس شيئاً مجرداً, كما لا يمكن فهمه بمعزل عن المكوّنات السياسية التي أنتجته, ولا عن المصالح الاقتصادية التي يخدمها. ذلك أن القوانين الدولية, والنظام الدولي المنبثق عنها, إنما هي تعبير عن إرادة القوى التي صاغت هذه القانون ووضعت قواعدها، ورغباتها ومصالحها, وهي تعمل في الحقيقة, وبنسبة كبيرة من الواقع, لخدمتها, وتحقيق أهدافها.

فهل يعتبر ما ورد "مجرد نظرية" أم أن ما حدث عبر التاريخ وحتى اليوم, يعطي صدقية واقعية معينة لما نقول؟ وكيف؟...
 

أ - الأمن الجماعي بين اليوتوبيا والواقع 

القسم الأول : تطور فكرة الأمن الجماعي

1 – الأمن الجماعي في العصور القديمة

تمتد هذه الحقبة من بداية التاريخ المعروف وحتى سقوط الإمبراطورية الرومانية العام 476 م, ويذكر المؤرخون القدماء أكثر من دليل على وجود علاقات دولية في العصور القديمة يحكمها بعض القواعد, كمعاهدات الصلح التي أنهت الكثير من الحروب, إلا أنها كانت ضيِّقة ولا تشمل إلا الشعوب المتجاورة التي كانت تشن الحروب بعضها على البعض, وما كان يتطلبه ذلك من عقد تحالفات ومعاهدات صلح.

لقد تم العثور على عدة نصوص لبعض المعاهدات القديمة, من بينها معاهدة تحالف أبرمت في القرن الثالث عشر قبل الميلاد بين "رمسيس الثاني" فرعون مصر و"خاتيسار" ملك الحثيين، كذلك معاهدات صداقة وعدم اعتداء بين بعض بلدان الشرق القديمة.

كما تبين للباحثين في تاريخ الشرق القديم أن العلاقات بين الشعوب في تلك الآونة لم تكن مقتصرة على ميادين القتال والقيام بالحرب أو الغزو, بل عرفت هذه الشعوب الكثير من العلاقات السلمية المستقرة, وذلك من خلال اتفاقات ومعاهدات, كما أن هذه الكيانات كانت تعرف كيفية القيام بالوساطة والتحكيم كوسيلة لحل المنازعات بينها سلمياً( 1 ).

وقد تميَّزت العلاقات في زمن الإغريق (قدماء اليونان) بصورتين هما: العلاقات القائمة بين المدن اليونانية نفسها، وتلك القائمة بين اليونان والشعوب الأخرى. فقد كانت بلاد اليونان تتشكَّل من "مدن دول", تتمتع كل منها باستقلالها, وهذا ما أدى إلى قيام بعض القواعد التي تنظم علاقات هذه المدن زمني الحرب والسلم, كإعلان الحرب قبل بدئها وتبادل الأسرى وحرمة اللجوء إلى أماكن العبادة.

أما علاقة اليونانيين بالشعوب الأخرى فكانت تقوم على العداء وحب السيطرة انطلاقاً من نظرة الاستعلاء والاعتقاد بتفوق حضارتهم على بقية الشعوب, فانطلقوا للسيطرة على العالم في زمن الاسكندر الكبير وفرضوا قانونهم الخاص على الشعوب التي أخضعوها.

ولم يختلف الرومان كثيراً عن الإغريق في نظرتهم إلى ما عداهم من الشعوب، وتميَّزت علاقاتهم بها بسلسلة متواصلة من الحروب انطلاقاً من سياسة روما العليا في السيطرة على العالم, وضم أكبر عدد ممكن من الأقاليم إلى الإمبراطورية, وهو ما حدث بالفعل, إذ أخضعت روما معظم العالم  القديم، وكانت معاهدات الصلح التي أبرمت مع هذه الشعوب والدول المغلوبة تمليها إرادة الغالب وتفسر وفق رغباته.

 

2 – الأمن الجماعي في العصور الوسطى

تمتد هذه الحقبة منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية العام 476 م. وحتى معاهدة وستفاليا العام 1648, وفيها استمرت حياة الأمم تدور في حلقة مفرغة من الحروب، وظلت فكرة "الحق للأقوى" تسيطر على العلاقات بين الدول, وبين أمراء الإقطاع، خصوصاً في أوروبا, إلى أن ظهرت الديانة المسيحية وانتشرت ونشرت قيمها.

أ· تأثير المسيحية: أدى انتشار المسيحية في أوروبا إلى خلق رابطة دينية قوية بين معتنقيها, كما أدى التبشير بمبادئها والدعوة إلى التآخي والمساواة بين الشعوب والأفراد ونبذ الحروب، إلى بروز نمط جديد في الفكر الكوني قائم على السلام. كذلك, أوجدت المسيحية فكرة الحرب العادلة, فلم تعد الحرب مباحة إلا عند الضرورة, ولسبب عادل, وبعد استنفار الوسائل السلمية لرفع الظلم. وكذلك وضع نظامان مهمان هما: (السلام الإلهي) ويقضي بحياد الأماكن المقدسة ورجال الدين والأطفال والعجزة، و(الهدنة الإلهية Trève de Dieu) التي تمنع الحرب في أيام محددة من الأسبوع كالسبت والاثنين وأيام الأعياد.

وكان لانتشار المسيحية تأثير في التوفيق بين دول أوروبا، أدى إلى قيام أسرة دولية مسيحية تخضع لسلطة البابا, وقد ساعد على توطيد هذه الفكرة الإسلام وتهديده بانتزاع السيادة على العالم من المسيحية. 

 

ب- تأثير الإسلام

أدى انتشار الإسلام ووصوله حتى جنوب فرنسا إلى تكاتف الأمم الأوروبية تحت لواء البابا الروحي لدفع "هذا الخطر", فاصطدمت هاتان الكتلتان في حروب متعددة أدت إلى انقسام العالم إلى قسمين, إنما لم تمنع الطرفين من اكتشاف كل منهما للآخر, واكتشاف المبادئ الإنسانية التي قامت عليها كل من الديانتين. وقد دلَّت الحروب بينهما على المبادئ التي تحكم هذه الحروب وروح التسامح والعدالة الإسلامية, ومعاملة الأسرى والأطفال والنساء والعجزة. وفي القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تدل وتدعو إلى حسن معاملة الأسرى, واللجوء إلى السلم, وعدم شن الحرب إلا دفاعاً عن النفس وعن ديار المسلمين ( 2 ): ( سورة الممتحنة الآية 8, وسورة البقرة الآية 191, وسورة الأنفال الآية 61) *.

 

ج- الأمن الجماعي بين الديني والدنيوي

أدى اعتزاز البابا بسلطته الروحية واعتباره المسيحية أساسا للعلاقات الدولية، إلى التدخل في شؤون الدول والملوك، وإقصاء الهيئات الحاكمة التي لا تعترف بسلطانه, ما ولَّد شعوراً لدى هذه الدول بضرورة التحرر من سلطة الكنيسة, فراحت توحِّد قواها الداخلية مستعينة بظهور حركة النهضة العلمية والاكتشافات الجديدة في العالم وبروز حركات الإصلاح الدينية في القرن السادس عشر.

لقد أثرت حركة الإصلاح الديني في أوروبا فانقسمت بين مؤيد للكنيسة ومدافع عنها وعن مصالحها, ومعارض يعمل للاستقلال عن النفوذ الكنسي. وتصادم الفريقان في حرب ضروس عمّت كل أوروبا وعرفت بحرب "الثلاثين سنة" التي انتهت بمعاهدة "وستفاليا" العام 1648، وهي المعاهدة التي شكَّلت اتجاهاً جديداً في العلاقات الدولية وتأطيراً لنظرية الأمن الجماعي الأوروبي, واستقت مبادئها من وحي الأديان وكتابات المفكرين والفلاسفة الذين تأثروا بفلسفة اليونان المثالية خصوصاً مأثورات أفلاطون في كتاب "الجمهورية", وتوماس مور في كتابه "اليوتوبيا", وغيرهما( 3 ).

 

3 – معاهدة وستفاليا ( 1648 )( 4 )

وضعت هذه المعاهدة القواعد والأسس لقيام الأمن الجماعي، واتخذت العلاقات الدولية بعدها اتجاه التعاون والمشاركة بدلاً من السيطرة والإخضاع، وأهم ما أوجدته المعاهدة ما يأتي:

– اجتماع الدول لأول مرة للتشاور وحل مشاكلها على أساس المصلحة المشتركة. 

– إقرار المساواة بين الدول المسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية, وإلغاء سلطة البابا الدنيوية. 

– إرساء العلاقات بين الدول على أساس ثابت بإقامة سفارات دائمة لديها. 

– اعتماد فكرة التوازن الدولي كأساس للحفاظ على السلم وردع المعتدي. 

- تأسيس فكرة تدوين القواعد القانونية وإلزاميتها. 

– إرساء فكرة سيادة الدولة في الداخل وتجاه الدول الخارجية. 

 

4 – الأمن الجماعي في العصور الحديثة

أدى تعاظم قوة بعض دول أوروبا، كفرنسا، إلى الإخلال بهذه المعاهدة، فتكاتفت وتجمَّعت في حرب ضد فرنسا لويس الرابع عشر، انتهت بعقد معاهدة "أوتراخت" العام 1713, التي أكدت على مبادئ معاهدة "وستفاليا" بإعادة تنظيم أوروبا. وفي المرة الثانية تجمَّعت دول أوروبا لمحاربة توسع إمبراطورية نابليون بونابرت، واستطاعت إلحاق الهزيمة به في معركة "واترلو" العام 1815، ثم عقدت مؤتمر فيينا في العام نفسه لإعادة تنظيم أوروبا من جديد. 

أ- مؤتمر فيينا 1815 :

كان همّ أعضاء المؤتمر إعادة التوازن الدولي في أوروبا على أساس إرجاع الملوك الذين قضى بونابرت على سلطانهم, إلى عروشهم. وقد عكس هذا المؤتمر إرادة الدول المنتصرة في الحرب ضد نابليون, وهي إنكلترا والنمسا وبروسيا وروسيا، دون رغبات الشعوب التي أثَّرت فيها مبادئ الثورة الفرنسية وأفكارها, ولذلك عقدت هذه الدول "التحالف المقدس" لقمع أي ثورة تهدد البيوت المالكة في هذه الدول. والعام 1818 عقدت معاهدة "إكس لاشابل" بين هذه الدول بعد انضمام ملك فرنسا لويس الثامن عشر, فيما نصبت هذه الدول نفسها قَيِّمة على السياسة الأوروبية وأعطت لنفسها حق التدخل في جميع المنازعات الأوروبية والدفاع عن نظام المَلَكية في أي مكان تراه مهدَّداً.  
 

ب- تصريح " مونرو" 1823( 5 )

عندما حاولت الدول الأوروبية التدخل في الأراضي الأميركية لصالح إسبانيا، صرَّح الرئيس الأميركي "جيمس مونرو" رافضاً أي تدخل للدول الأوروبية في شؤون القارة الأميركية أو احتلال أي جزء من أراضيها, وبذلك وضع حداً لتدخل أوروبا في القارة الأميركية, وأسس لنمط جديد للولايات المتحدة في علاقاتها الدولية مع أوروبا والعالم في ما بعد.

 

ج- المؤتمر الأوروبي والنظام الدولي

شكل مؤتمر فيينا أساساً لتشكيل الجماعة الدولية الحديثة, وبدأ يتسع مع اتساع الحركة الدولية والثورة الصناعية وحركات الاستعمار, واستقلال الدول, وظهور القوميات, وبدأ يشمل دولاً غير مسيحية, نظراً إلى اتساع دائرة المشاكل وضرورة حلها, فكان يعقد مؤتمر في كل مناسبة ترى الدول الكبرى, أو إحداها، ضرورة لذلك, أو مصلحة لها في عقده, وهكذا سيطرت هذه الدول على السياسة الدولية وفرضت وجهة نظرها في النصف الشرقي من الكرة الأرضية, وبذلك سمِّيَ هذا النظام الدولي الذي كان يشرف على العالم بنظام "المؤتمر الأوروبي", والذي تميَّز بسياسة عقد المؤتمرات لحل المشاكل التي واجهت العالم خلال القرن التاسع عشر, واستمرَّ حتى الحرب العالمية الأولى. وقد استطاع أن يؤسس للكثير من المعاهدات والقوانين التي ما زالت في الكثير منها قائمة حتى اليوم, كاتفاقيات جنيف 1864 الخاصة بمعاملة جرحى الحرب, واتفاقيات لاهاي 1899 و1907 الخاصة بقواعد الحرب والحياد, وتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية, وكذلك محكمة التحكيم الدولي الدائمة في لاهاي.
 

د- عصبة الأمم المتحدة (Société Des Nations)

أدى التنافس الاقتصادي, ونمو الشعور القومي, والرغبة في السيطرة لدى الدول الأوروبية الكبرى، إلى الحرب العالمية الأولى 1914, والتي استمرت أربع سنوات رأت خلالها البشرية الويلات والكوارث, وقد دفعها ذلك مع نهاية الحرب مطلع العام 1919, وخلال عقد مؤتمر فرساي، إلى خلق تنظيم دولي جديد عرف باسم "عصبة الأمم" لمنع الحرب وفض المنازعات الدولية بالوسائل السلمية. وهذه الفكرة كانت تخالج نفوس الكثير من السياسيين والمفكرين منذ زمن بعيد, وهي إيجاد هيئة دولية عليا ودائمة تتولَّى النظر في علاقات الدول وتعمل على توطيدها, وتكون أداة لحفظ السلام العام، وحلِّ المنازعات بالطرق السلمية وعبر المفاوضات, والعمل على تخفيض التسلح.

لم تثمر الجهود التي بذلتها العصبة لصيانة السلم الدولي, ولم تستطع المواثيق والمعاهدات التي أبرمت تحت جناحها, منع وقوع الصدام بين الدول وقيام الكثير من الحروب المحليَّة, كما عجزت عن منع, أو إيقاف الكارثة الكبرى التي تمثَّلت في اندلاع الحرب العالمية الثانية العام 1939.

 

هـ - منظمة الأمم المتحدة (UNO  )( 6 )

كانت الحرب العالمية الثانية شاملة, أصابت بنتائجها دول العالم المحاربة, وغير المحاربة, وقد استمرت ست سنوات, وكادت تقضي على النظام العالمي كله. ولما انتهت بهزيمة المعتدي, تداعى زعماء الدول المنتصرة إلى مؤتمر عقد في سان فرنسيسكو في الولايات المتحدة العام 1945 ووضعوا ميثاقاً جديداً للعلاقات بين الدول وتحريم اللجوء إلى الحرب إلا دفاعاً عن النفس, وتسوية النزاعات بالطرق السلمية, وفرض الجزاء والعقوبات على المخالفين, وأوكلت هذه المهمة إلى هيئة دولية دُعِيَت "منظمة الأمم المتحدة" وتستند إلى ميثاق مكتوب يتضمَّن الأمور الإجرائية والإدارية الضرورية للقيام بالعمل على أكمل وجه. 

وهكذا تحقَّقت على أرض الواقع لأول مرة تلك الفكرة المثالية في تحقيق الأمن الجماعي من خلال هيئة دولية قادرة على فرضه: عبر مجموعة من القواعد الملزمة, والتي وافقت الدول المؤسسة على احترامها والتزامها، وتشجيع الدول الأخرى كافة على الانضمام إلى هذه المنظمة الدولية الجديدة.

وقد جاهدت المنظمة الدولية, كي تبقى وفيَّة لميثاقها وملتزمة القوانين التي سُنَّت لحماية الأمن الدولي ونشر العدالة بين البشر من خلال الأجهزة والفروع التابعة لها, ولكن الواقع الدولي, وصراع القوى الكبرى ولعبة التوازن والمصالح الخاصة بهذه القوى, أَثَّرت جميعها مباشرة على دور المنظمة وفاعليتها, لا بل كانت في صميم إنشائها وتركيبها. فالمنظمة ولدت كتعبير عن "تحالف متوازن" بين القوى الكبرى المنتصرة في الحرب ولإرادتها ومصالحها, عَبَّرت عنه من خلال أجهزة المنظمة, وتوجهاتها العامة, سواء في هيكليتها البنيوية, أم في إطار عملها, وقدرتها على فرض قوانينها, وتطبيقها في ما بينها, وعلى الدول الأخرى, فهل نجحت منظمة الأمم المتحدة في القيام بدورها مجرداً كما ينص الميثاق ؟

 

القسم الثاني الأمم المتحدة بين طموح الميثاق وخيبة الوفاق

5 – الميثاق والدور

ورد في ديباجة الميثاق "إن شعوب الأمم المتحدة قد آلت على نفسها أن تنقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي جلبت للإنسانية الويلات والأحزان, وتؤكد إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان وكرامته ومساواة الرجل والمرأة, والأمم صغيرها وكبيرها, كما أخذت على نفسها تحقيق العدالة واحترام قواعد القانون الدولي، ورفع مستوى الحياة والرقي الاجتماعي.( 7 )

أما في مقاصد الهيئة ومبادئها في المادتين الأولى والثانية فقد ورد في المقاصد ما يأتي:

أ- حفظ السلم والأمن الدوليين وقمع العدوان وحل المنازعات الدولية وفق القانون الدولي.

ب- المساواة في الحقوق بين الشعوب وحقها في تقرير مصيرها.

ج– التعاون الدولي لحل المسائل ذات الصفة الاقتصادية والثقافية. 

د– اعتبار الهيئة مرجعاً لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك الغاية المشتركة, ولتحقيق هذه المقاصد تعتمد الهيئة المبادئ الآتية:

1.  المساواة في السيادة بين جميع الأعضاء.

2. التزام مبادئ الميثاق من قبل الأعضاء كافة.

3. حل المنازعات الدولية بالوسائل السلمية وعدم تعريض السلم والأمن والعدل الدولي للخطر. 

4. عدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد أية دولة من الأعضاء.

5. تقديم العون إلى "الأمم المتحدة" في أي عمل تقوم به وفقاً للميثاق والتزام قراراتها.

6. تعمل الهيئة على تشجيع الدول غير الأعضاء للعمل وفق هذه المبادئ. 

7. عدم تدخل الأمم المتحدة في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي للدول

لقد أوكل الميثاق مهمة تطبيق هذه المبادئ والمقاصد إلى أجهزة رئيسة كما ورد في الفصل الرابع المادة (7), الفقرة (1): -  تنشأ الهيئات الآتية فروعاً للأمم المتحدة: جمعية عامة – مجلس أمن – مجلس اقتصادي واجتماعي – مجلس وصاية – محكمة عدل دولية وأمانة عامة "( 8 ). 

لقد أناط الميثاق مهمة الحفاظ على الأمن الجماعي بثلاثة من هذه الأجهزة وهي الجمعية العامة, مجلس الأمن, ومحكمة العدل الدولية, فكيف تعمل الأجهزة وما هو دورها؟
  

أ- الجمعية العامة

وهي تتألف من جميع الدول الأعضاء في المنظمة على قدم المساواة, وهي صاحبة الحق في مناقشة الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين, ولها الحق في إصدار التوصيات بهذا الشأن, وتفقد هذا الحق إذا باشر مجلس الأمن النظر في المسألة, ويبقى إذا طلب منها المجلس ذلك. إذًا فالجمعية العامة لها حق إصدار التوصيات وإصدار القرارات الملزمة, وهذا ما أضعف دور الجمعية العام فتحوَّلت إلى منبر للخطابة وعرض المشاكل الدولية, من دون صلاحية فرض الحلول. وقد حاولت الأمم المتحدة, سد هذه الثغرة بإصدار بعض الوثائق لتفسير بعض نصوص الميثاق, حول الحل السلمي للنزاعات الدولية, ودور الأمم المتحدة في منع النزاعات وإنهائها، والمواقف التي تهدِّد السلم والأمن الدوليين. كما أقرَّت الجمعية الإعلان الخاص بتقصِّي الحقائق في ميدان حفظ السلم والأمن الدوليين (القرار 59/46). كذلك أوجدت نظاماً بديلاً عن مجلس الأمن يعرف باسم "الاتحاد من أجل السلام" الذي حاول إحلال الجمعية العامة محل مجلس الأمن والالتفاف على المادة 12 من الميثاق, في حال عجز المجلس عن القيام بمسؤولياته( 9 ) ( حالة وقف العدوان على مصر العام 1956 من قبل فرنسا وبريطانيا وإسرائيل عندما تعذَّر على مجلس الأمن القيام بذلك).

 

ب- مجلس الأمن

حدَّد الميثاق عدد دول المجلس بخمس عشرة دولة على أن تكون خمس منها دائمة العضوية(10), والعشر الباقية تنتخب لمدة سنتين, ويكون لكل من هذه الدول مندوب واحد لدى المجلس. وقد عهدت الأمم المتحدة إلى هذا المجلس التبعات الرئيسة في أمر حفظ السلم والأمن الدوليين, ووافقت على توكيله العمل بالنيابة عنها في القيام بالواجبات التي تفرضها هذه التبعات, وفقاً لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها, ومنحته السلطات الخاصة للقيام بذلك بموجب بنود الفصول 6 و7 و8 و12 من الميثاق, أو المواد 33 حتى 54 والمواد من 75 حتى 85.

ينفرد مجلس الأمن وحده بحق التدخل لتسوية المنازعات بين الدول الأعضاء سواء حين تطلب منه الدول المعنية ذلك, أو بطلب من الجمعية العامة, أو من الأمين العام للأمم المتحدة, لا بل قد يتدخَّل تلقائياً إذا وجد في النزاع تهديداً للأمن الدولي. للمجلس أن يوصي الدول المتنازعة باللجوء إلى أي وسيلة يراها مناسبة من المفاوضات المباشرة إلى التحكيم إلى القضاء الدولي, أو الإحالة على المنظمات الإقليمية صاحبة العلاقة، كما أنه قد يتوسَّط بين الأطراف, أو يعيِّن ممثلاً عنه أو يطلب ذلك إلى الأمين العام للأمم المتحدة, أو يطلب ذلك من طرف ثالث. ويتمُّ ذلك بغضِّ النظر عن موافقة الأطراف أو عدمها, وكل هذا يعني ان للمجلس سلطة تقديرية كاملة في الاختيار بين الوسائل المتاحة بموجب الفصل السادس من الميثاق (الحلول السلمية). 

إلا ان الميثاق منح مجلس الأمن بموجب الفصل السابع, السلطة لتقدير التدابير الدائمة أو المؤقتة لحل النزاعات بالقوة. فقد أجازت المادة 42 من الميثاق للمجلس "أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي, أو لإعادته إلى نصابه", على أن تضع الدول الأعضاء تحت تصرف المجلس "ما يلزم من القوات المسلحة والمساعدات والتسهيلات الضرورية" (المادة 43)، كذلك تشكيل لجنة لأركان الحرب لإسداء المشورة والمعونة إلى المجلس وقيادة هذه القوات على أن تكون هذه الأركان من قوات الدول الدائمة العضوية في المجلس, وتعمل تحت إشرافه (المادة 47). إلا أن المادة 51 من الميثاق منحت الدول فرادى أو جماعات حق الدفاع المشروع عن نفسها إذا وقع اعتداء عليها, على أن تبلغ ذلك فوراً إلى المجلس الذي يعود له اتخاذ ما يراه مناسباً من التدابير لحفظ السلم والأمن الدوليين. 
 

ج- محكمة العدل الدولية( 11 ) يقع اختصاص المحكمة في الإفتاء والقضاء وذلك في مجال إيجاد الترتيبات التي تجنب اللجوء إلى استعمال القوة. كذلك فان حكمها في القضايا التي تختص بها يكون ملزماً وغير قابل للطعن, إلا إن حصر طلب الإفتاء في القضايا بالجمعية العامة ومجلس الأمن حدَّ من إمكان الإفادة من المحكمة, ( نشير هنا, إلى قرارها الأخير بشأن "جدار العزل العنصري" في فلسطين وإن كان غير ملزم من الناحية العملية, فإن صدوره يشكل أهمية قانونية دولية, ومعنوية, يثبت لا شرعية الجدار ومخالفته للقانون الدولي ).

 

6 – عالم القطبين: أو خيبة الوفاق

فرضت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية نفسها على الأمم المتحدة مع أرجحية للولايات المتحدة التي ساهمت بفاعلية في هذا الانتصار, وتم نقل مقر الأمم المتحدة إلى نيويورك بعد أن كان مقر "عصبة الأمم" في جنيف في أوروبا, فبدأ بذلك عهد من عمل الهيئة, وأحلام وردية تراود مخيلة المؤسسين بانتهاء عهد الحروب, وبداية عهد جديد من السلام. ولكن الواقع الجديد الذي أفرزته الحرب, واقتسام أوروبا بين الحلفاء من جهة والاتحاد السوفياتي من جهة ثانية, أعاد التوتر إلى العلاقات الدولية. فقد أدَّى امتلاك الولايات المتحدة للقنبلة الذرية وحسمها للحرب بواسطتها إلى دفع الاتحاد السوفياتي لامتلاك قنبلته الذرية العام 1949, كما أن بروز الخلاف العقائدي السوفياتي مع دول الغرب, دفع الولايات المتحدة إلى إنشاء "حلف شمال الأطلسي" (NATO) مع دول أوروبا الغربية للوقوف بوجه المد الشيوعي, فتكتَّلت دول أوروبا الشرقية مع الاتحاد السوفياتي في حلف مضاد عرف بـ "حلف وارسو", وازداد بذلك توتر العلاقات بين الشرق والغرب( 12 ), والتي كانت وصلت إلى شفير الحرب خصوصًا في أثناء الأزمة الكورية العام 1950, حيث اضطلعت الأمم المتحدة بدور في منعها من الاتساع, ثم وقفها في ما بعد, على الرغم من تعطيل دور مجلس الأمن من خلال استعمال حق النقض (VETO). هذا الحق الذي أعطته الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية لنفسها, لنقض أي قرار تراه أي دولة منها يعمل في غير مصلحتها. لقد أدى قيام الأحلاف والاستعمال المتكرر لحق النقض إلى تحجيم دور المنظمة الدولية في الكثير من النزاعات الدولية التي واجهتها منذ إنشائها العام 1945, (الحروب العربية – الإسرائيلية, والقرارات الصادرة حول القضية تعكس إلى حد بعيد لعبة توازن القوى). إن النظام الدولي الذي قام خلال الحرب الباردة استند إلى بروز قوتين عظميين هما الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية (Super–Powers), وترك هامشاً ضيقاً للدول الأخرى التي اصطفت حول هذين القطبين أو المعسكرين, ولم تستطع دول عدم الانحياز أن تخترق جدارهما أو تكون قوة ثالثة لها فاعلية وقوة أي منهما.

لقد أدى اصطفاف هذه الدول حول كل من المحورين إلى نزاعات متعددة في العالم, أو حروب المحاور "بالواسطة", ولكنها لم تذهب إلى حروب حقيقية وغير محسوبة, تؤدي بهما إلى المجابهة الشاملة, وإن كانت قد وصلت أحيانًا إلى عتبة الانفجار النووي: أزمة كوبا وحرب 1973 بين العرب وإسرائيل.

وقد قام هذا النظام الدولي على الأسس الآتية:

أ· الردع النووي كوسيلة لتنظيم العلاقة بين المعسكرين وإقامة التوازن. 

ب· التحكم بالنزاعات على الأطراف واحتوائها. 

ج· تغليب العامل السياسي – الاستراتيجي على العامل الاقتصادي. 

كما يرى بعض المحللين السياسيين أن توازن القوى أو الرعب النووي قد حمى النظام الدولي, أو تحوَّل هو إلى نظام دولي قائم على فكرتين تسيطران على العالم, الفكر الشيوعي الاشتراكي, والفكر الرأسمالي الليبرالي. وهذه البنية الثنائية المتماسكة نظمت موازين القوى بهذه الطريقة وكل المحاولات للتملص من هذا "المشدّ الحديدي" المحكم, تم تحييدها أو تخديرها( 13 ).

إن هذا النظام الدولي الثنائي القطب (Bipolarization) أوجد استقراراً عالمياً, وَجَّنب العالم حرباً عالمية مدمرة, إلا أنه كبّل الأمم المتحدة وحدّ من فاعليتها, كما ورد في الميثاق, وأصبحت غير قادرة على ممارسة دورها بفاعلية إلا من خلال توافق القوى العظمى خصوصًا الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي, وذلك خلال أربعة عقود ونيِّف (1945 – 1991) إلا أنها استطاعت أن تؤدّي الكثير من الأعمال الاقتصادية والإنسانية والاجتماعية, والثقافية خصوصًا في دول العالم الثالث, والدول الفقيرة, وتخفيف نتائج الحروب والمجاعات وغيرها, إنما بقيت محكومة دائماً باعتبارات سياسية واضحة تعكس واقع القوى المهيمنة على القرار الدولي. 
 

خلاصة أولى

تدل وقائع التاريخ أن الدول في علاقاتها لم تنجح في إقامة الأمن الجماعي كما يحلم الفلاسفة والمفكرون ومنظِّرو السياسية الدولية.  فنمط الدولة أو الإمبراطورية المهيمنة التي تفرض الأمن بقوتها العسكرية لم تستمر, ولم تستطع السيطرة على العالم كله, وطوال الوقت, إما بسبب التوترات ضدها, أو بسبب اتساع الحيِّز الجغرافي الذي تسيطر عليه, أم بسبب تجمع القوى المضادة لها وتحالفها ضدها, لذلك كان مصيرها إلى زوال.

كذلك فان نظام "توازن القوى" كان غير قادر على الصمود, والاستمرار بسبب التغيُّر المستمر داخل هذه القوى وطبيعة تحالفاتها القائمة على المصالح, فهو ينطلق من افتراض أن الأصل في العلاقات الدولية هو الصراع (Conflict). أما التعاون فهو الاستثناء, وهو بذلك عكس نظام الأمن الجماعي, الذي يعتبر ان الأمن كل لا يتجزأ, وأن دفع العدوان مسؤولية مشتركة وتضامنية. 

إن استراتيجيا الأمن الجماعي تبلورت من خلال عدة صيغ لتنظيم المجتمع الدولي في أعقاب الحروب الأوروبية بدءاً من معاهدة "وستفاليا" العام 1648, مروراً بمعاهدة "أوتراخت" العام 1713, وصولاً إلى معاهدة "فيينا" العام 1815, عقب هزيمة نابليون بونابرت, والذي استمر حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى, وخلق "عصبة الأمم" العام 1919, والتي لم تنجح في تحقيق كل أهدافها, وكانت الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية العام 1945 تعبيراً أخيرًا عن الإرادة الدولية وتنظيمها للأمن الدولي( 14 ) واختصاراً لموازين القوى, عكست في بنيتها وممارستها أنماطا ثلاثة من وسائل تحقيق الأمن الجماعي وهي : الهيمنة, وتوازن القوى, والتشاور, وخضعت لهذا الواقع. فهي شجرة تفيء الدول الضعيفة إلى ظلها وتحط فوق قمتها "النسور" لترتاح أو تبني أعشاشها. 

 

القسم الثالث الأمم المتحدة  في ظل هيمنة الولايات المتحدة

عام

قال الرئيس "جورج واشنطن" العام 1789 "إنه موكل بمهمة عهدها الله إلى الشعب الأميركي"(15). وقال الرئيس " توماس جيفرسون" العام 1801 "الأميركيون شعب الله المختار"(16), و في نهاية القرن التاسع عشر بدأ رجال الفكر الأميركيون بصياغة رسالة مستقبل "المجتمع العظيم" و حلمه, هذا الحلم الذي عبَّر عنه المفكر والمؤرخ الأميركي جون فاسك في كتابه "أفكار سياسية أميركية" العام 1885, و يحكي الحلم قصة خيالية عن حفلة غداء لمناسبة عيد الرابع من تموز ضمت عدداً من الأميركيين, وتحدث خلالها ثلاثة رجال عن مستقبل الولايات المتحدة. فقال الأول : "أتطلع إلى الولايات المتحدة التي تحدُّها شمالاً أميركا الشمالية وجنوباً المكسيك وشرقاً المحيط الأطلسي, وغرباً المحيط الهادئ". وقف الثاني وقال: "لا لا هذه رؤية محدودة جداً، إن حدودنا تشمل الجنس الإنكلوساكسوني اجمع. أتطلع إلى ولايات متحدة يحدها شمالاً القطب الشمالي, وجنوباً القطب الجنوبي, وشرقاً مشرق الشمس, وغرباً مغرب الشمس", فحيّا الحاضرون النبوءة بحماس بالغ وتصفيق حاد, هنا نهض المتحدث الثالث وقال: "لندع الماضي والحاضر, ولنضع وحسب مصيرنا الواضح في الحسبان. هذه حدود ضيِّقة شديدة التواضع, إنني اطلع إلى الولايات المتحدة التي يحدها شمالاً الشفق القطبي الشمالي, ويحدها جنوباً تقادم الاعتدالين, ويحدُّها شرقاً السماء الأولى, ويحدها غرباً يوم القيامة".

وقال المفكر الأميركي أوليفر هولمز (1841 – 1935): "الحق يمتلكه الشعب القادر على قهر الشعوب الأخرى". وقال الرئيس الأميركي الأسبق "تيودور روزفلت (1858 – 1919): "أمركة العالم قدر أمتنا ومصيرها"( 17 ). وخلال الحرب العالمية الأولى أكد الرئيس الأميركي وودرو ولسن: "إن الولايات المتحدة إنما أسست لمصلحة البشرية "( 18 ). واستمر الحلم الأميركي وبدأت ملامح تحققه مع نتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية حيث كان المنتصر الوحيد فيهما هو الولايات المتحدة الاميركية, والتي تمتلك قدرات متنوعة وهائلة في المجالات المختلفة، وعقيدة ليبرالية رأسمالية جعلتها تهيمن على القسم الأكبر من اقتصاد العالم وتتحكَّم به. 
 

7 – الأمم المتحدة في ظل هيمنة القطب الواحد

أ-  إمبراطورية الفوضى والسيطرة على العالم

أفادت الولايات المتحدة الاميركية من الحرب العالمية الثانية بمعايير مختلفة وكبيرة. فقد دمَّرت الحرب كلاً من أوروبا والاتحاد السوفياتي والصين واليابان، هذه الدول العظمى والإمبريالية التي، في الوقت نفسه, أسقطتها نزاعاتها المستمرة, فالتقطت الولايات المتحدة هذه اللحظة التاريخية في سعيها نحو الإمبريالية والسيطرة الكونية, فهي تنتج نصف الإنتاج الصناعي العالمي وتحتكر التكنولوجيا الحديثة التي ستحدد مسار التطور في النصف الثاني من القرن العشرين, يضاف إلى ذلك احتكارها للسلاح النووي, الذي حسم الحرب وأرعب كل دول العالم في ذلك الوقت.

كان الرئيس شارل ديغول يعتقد أن هدف الولايات المتحدة الاميركية منذ العام 1945 هو السيطرة على مجمل العالم القديم (أوراسيا)، وأنها تقدَّمت لتحقيق هذا الهدف بالفعل من خلال كسر أوروبا من الأطلسي حتى الأورال( 19 ). 
 

ب- مشروع الهيمنة

يعتبر البعض أن الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة بدأت مشروعها في الهيمنة من خلال مؤتمر "بوتسدام" (تموز/يوليو – آب/أغسطس 1945). ويعطي هذا المشروع دوراً هاماً للبعد العسكري وكان أساسه الاحتكار النووي. وقد وضعت استراتيجية عسكرية شاملة لتطبيقه بسرعة فائقة قائمة على تقسيم العالم إلى مناطق أوكلت قيادتها إلى قيادة عسكرية أميركية. ولم يكن الهدف حصار الصين والاتحاد السوفياتي فحسب, بل السعي لامتلاك الوسائل التي تجعل من الولايات المتحدة السيد المطلق في أنحاء الأرض كافة وربما الفضاء بعد ذلك, أو نشر "مبدأ مونرو" الذي منح الولايات المتحدة الحق الحصري في إدارة العالم الجديد وفق مصالحها الوطنية, وأن توضع سيادة هذه المصالح فوق كل مبدأ آخر, وتنمية الحذر المنهجي إزاء كل ما يتعلق بالقانون الدولي والأمم المتحدة, التي لم تحظَ يوماً بقناعات الطبقة المسيطرة في الولايات المتحدة، والتي لم تقبل أن يكون القانون الدولي فوق ما تعتبره ضرورات الدفاع عن مصالحها الوطنية.

وعلى الرغم من اللحاق المزدوج, اقتصادياً من قبل أوروبا واليابان, وعسكرياً من قبل الاتحاد السوفياتي, فان التراجع الأميركي في المشروع وإن كان قد سمح ببروز هيمنات مستقبلية بديلة (أوروبا, اليابان, الصين) إلا أنه عاد للظهور بقوة, بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وبقاء الولايات المتحدة لاعباً وحيداً وقادراً على الساحة العالمية.

 

ج- الإمبريالية الجماعية والنيوليبرالية

إن إدارة العالم وفق المبادئ الليبرالية الجديدة(20) والتي تضعها مجموعة الدول الصناعية السبع (وأخيراً الثماني)(21) من خلال المؤسسات التي تسيطر عليها وتسيُّرها وفق مصالحها (البنك الدولي – صندوق النقد الدولي – منظمة التجارية العالمية) وغيرها, تهدف إلى إعادة رسم الدول واقتصاداتها وهيكلتها وفق مصالح هذه الدول الثماني وعلى رأسها الولايات المتحدة, التي تعلن أنها لن تقبل ولا تحتمل إعادة بناء قوة اقتصادية وعسكرية أخرى تخرق احتكارها وسيطرتها على الأرض, والتي أعطت لنفسها الحق بشن الحروب الوقائية من دون العودة إلى الأمم المتحدة، وأجبرت حلفاءها الأطلسيين على اللحاق بها في حرب الخليج العام 1991 وأفغانستان العام 2001, ولكنها لم تستطع ذلك بفعالية في حربها على العراق العام 2003. 

 

د- إمبراطورية الفوضى

يرى بعض الكتاب ان مشروع سيطرة الولايات المتحدة على العالم ونشر عقيدة مونرو على الكوكب كله "مشروع مختل"( 22 ) وأسماه البعض "إمبراطورية الفوضى" لأنه سيتواجه حتماً مع مقاومات الشعوب والأمم في العالم القديم الذي يرفض الانصياع له، وستتصرَّف الولايات المتحدة كدولة "مارقة" فتستبدل القانون الدولي بالحرب الدائمة، وتنزلق إلى منحدر الممارسة الفاشية ودور البوليس العالمي.

 

8 – رؤية الولايات المتحدة للأمم المتحدة  

أ- خلال الحرب الباردة

سيطرت قواعد الحرب الباردة على منطق القوتين العظميين, في سلوكهما تجاه الأمم المتحدة ومواقفهما فيه, كما يأتي :

  1. عدم السماح بتدخل الأمم المتحدة في الصراعات التي كانت تدور بين الكتلتين المتصارعتين أو تضم حلفاء للقوتين العظميين .
  2. استبعاد دور المنظمة الدولية في الصراعات بين أعضاء الكتلة نفسها وحلها من خلال المنظمات الإقليمية لهذه الدول.
  3. استبعاد دور المنظمة في حل النزاعات بين الدول غير المنحازة.
  4. دور جزئي للأمم المتحدة في حالة النزاعات بين الدول المنحازة والدول غير المنحازة في حال كون المعتدي دولة غير منحازة.
  5. إعطاء دور للأمم المتحدة وتأييد قراراتها في حالة النزاعات بين دولة منحازة ودول غير منحازة في حال كان المعتدي دولة منحازة, كأزمة السويس 1956، والكونغو 1960، وأزمة قبرص 1963 –  1964, وذلك حفاظاً على التوازن الدولي. 

ويمكن إيجاز رؤية الولايات المتحدة للأمم المتحدة خلال فترة الحرب الباردة باعتبار الأمم المتحدة وسيلة غير مستحبَّة دائماً للسياسة الخارجية الأميركية, اقتصادياً واجتماعياً, أو في حفظ السلم والأمن الدوليين, واستمرار اعتماد الولايات المتحدة على المنظمة بالانخفاض تدريجاً وخصوصًا في القضايا التي ليس لها مصلحة فيها. أما في القضايا التي تمس مصالح الولايات المتحدة فكانت تبذل جهدها وقواها لتنال تفويض الأمم المتحدة للعمل بنفسها وبقواتها وتحت قيادتها نفسها, أو من خلال قوات الحلف الأطلسي (حرب الخليج الثانية 1990 – 1991) وحرب البلقان( 23 ). وبالإجمال فإن سلوك الولايات المتحدة تجاه المنظمة الدولية خلال فترة الحرب الباردة كان محكوماً بقواعد الحرب الباردة والصراع الدولي في ما يتعلق بالتدخل في الصراعات الدولية, وبالحد من تدخل الأمم المتحدة وبخاصَّة الجمعية العامة في القضايا الاقتصادية الدولية, والاكتفاء بتشجيع التعاون الدولي من خلال الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة. 

 

ب- بعد الحرب الباردة

1. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي

     مع انهيار النظام الدولي القائم على الثنائية القطبية وانحسار التنافس الأيديولوجي واندلاع حرب الخليج الثانية عام 1991, كان من المنطقي أن تلعب الأمم المتحدة دوراً أكثر فاعلية وحسماً في ترتيب العلاقات الدولية وتسوية النزاعات والأزمات الطارئة بين الدول, خصوصاً وأن التوازنات الحساسة التي فرضتها الحرب الباردة على أداء الأمم المتحدة في المرحلة السابقة, همّشتها وشلت فاعليتها في حل النزاعات بين الدول.  في هذه اللحظة التاريخية، وكالعادة، سارعت الولايات المتحدة الأميركية لاقتناص الفرصة, وقد باتت الدولة الأعظم, داخل المنظمة وخارجها, ولتعلن قيام " النظام العالمي الجديد "ةوغء8خ7غ حدود السيادة الوطنية للدولة المنفردة في مواجهة الإرادة الدولية وإيجاد آليات ( إنسانية ) لإضفاء الشرعية على التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء, مثلاً  ( العراق, الصومال, البوسنة والهرسك, السودان, إيران, كوبا, والصين إلى حد ما )( 24 ) . 

إن الرغبة في التدخل في شؤون الدول الداخلية منحتها الولايات تسميات حضارية مثل حقوق الإنسان, ونشر الديمقراطية, وإسقاط الأنظمة الاستبدادية التي تقمع شعوبها, وحماية الأقليات, واحتواء التطرف الديني, والقضاء على الإرهاب, واستئصال شأفة المخدرات ومحاربة التطهير العرقي, وإنقاذ الجياع والعطشى, وحماية البيئة, والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل الخ ...

 

2. بعد الحرب على العراق 

أ- تحرير الكويت:  شكَّلت حرب الخليج الثانية (1990 – 1991) وما نتج عنها ورافقها, نموذجاً يكشف تطور علاقة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة. فقد لجأت الأولى إلى دعم الثانية بعد احتلال العراق للكويت العام 1990 لاستصدار قرار من مجلس الأمن "يأذن للدول الأعضاء المتعاونة مع حكومة الكويت باستخدام جميع الوسائل اللازمة لحمل العراق على الانصياع لقراراته دون قيد أو شرط قبل 15 كانون الثاني/ديسمبر 1991( 25 )". ولضمان التفاف العالم حولها لجأت الولايات المتحدة إلى طرح شعار "النظام العالمي الجديد" الذي تضطلع فيه الأمم المتحدة بدور رئيس حالت الحرب الباردة دون تمكينها منه. 

وتحت هذا الشعار, تمكَّن مجلس الأمن من اتخاذ جميع قراراته استناداً إلى الفصل السابع من الميثاق, وذلك للمرة الأولى في تاريخ الأمم المتحدة, وفرض على العراق أشد العقوبات, كما حصلت من مجلس الأمن على تفويض باستخدام القوة ضد العراق, وهذا ما مكَّنها عملياً من مصادرة مجلس الأمن وإدارة الأزمة بشكل منفرد. ثم وضعت العراق تحت وصايتها بقرار من المجلس (القرار الرقم 678). ومنذ ذلك الوقت بدا واضحاً للمراقب المدقق أن المسألة العراقية أصبحت مكوّناً في استراتيجية الولايات المتحدة التي تهدف إلى السيطرة على العالم وعلى الشرق الأوسط من باب أولى, من بوابة الخليج الغني بالنفط, والعنصر الأساس لضمان تفوق الاقتصاد الأميركي.

ب– بعد تحرير الكويت : خلال السنوات العشر التي تلت تحرير الكويت, عملت الولايات المتحدة على التحكم بالعراق عبر مجلس الأمن والتحالف لضمان استمرار العقوبات "القاتلة", وتكثيف لجان التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل. كما عمدت إلى تدمير القوى العسكرية والاقتصادية بشكل منهجي بواسطة قواتها الجوية, وفرضت مناطق حظر للطيران، وعمدت إلى تشجيع القوى المعارضة وتنمية النعرات الطائفية والإتنية بين أبناء الشعب العراقي الواحد.  وقد تبيّن من تطور الأزمة العراقية خلال هذه الفترة, أن الأمم المتحدة كانت تتعامل مع الأزمات الأخرى وفق معايير مزدوجة, وأنه لا مكان لها في هذا النظام العالمي الجديد, وأن الولايات المتحدة التي ترفع شعاره إنما تهدف إلى السيطرة على هذا النظام, وتحويل الأمم المتحدة إلى مجرد إدارة تابعة لوزارة الخارجية الأميركية (Backyard State Department). وهكذا همّشت الولايات المتحدة دور الأمم المتحدة وصدقيتها الدولية. 

 

ج- المحافظون الجدد وجورج بوش الإبن و11 أيلول/سبتمبر 2001

أدى وصول اليمين المتطرف (المحافظون الجدد) بقيادة جورج بوش الإبن إلى السلطة, واستغلاله لأحداث أيلول/سبتمبر 2001 الإرهابية, إلى فرض مشروع الولايات المتحدة بقوة السلاح, فعمد إلى احتلال العراق من دون أيّ موافقة أو تفويض من مجلس الأمن، (آذار/مارس- نيسان/أبريل 2003 ). ومع استمرار المعارضة العراقية للاحتلال وتصاعد وتيرة المقاومة المسلحة ضد القوات الأميركية, وارتفاع أعداد القتلى من جنودها, وانكشاف خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل المزعومة, والفضيحة الأخلاقية والإنسانية لتصرف قواتها المسلحة في سجن "أبو غريب" مع المعتقلين العراقيين وجدت الإدارة الأميركية نفسها مضطرة إلى البحث عن سقف يحميها لاحتواء الأزمة, والتفتيش عن خروج مشرّف من العراق, فلم تجد أمامها غير الأمم المتحدة لتقدم لها هذا الغطاء, فقدَّمت مع حليفتها بريطانيا مشروع قرار( 26 ) لنقل السيادة إلى العراقيين, وطريقة إدارة العراق خلال المرحلة الانتقالية, ووجود القوات الأميركية.

ترى هل توقف المشروع الأميركي في العراق ومنه للسيطرة على العالم ؟!

يرى البعض أن تصرُّف الأمم المتحدة الحالي وصدور قرار مجلس الأمن ونقل السيادة واستبدال قوات التحالف بقوات أطلسية وغيرها تحت شعار الأمم المتحدة ما هو إلا من باب المناورة أو البقاء من خلال الآخرين, أو هو تبديل قبعات الجنود الأميركيين المرقطة بقبعات باللون الأزرق (Changement de Casquettes), فكيف ستتصرَّف الأمم المتحدة الآن, هل تسترد كرامتها ودورها من جديد وكيف ؟!. 
 

القسم الرابع منظمة الدور, أم دور المنظمة 

9 – منظمة الدور, بين التحدّي والاستجابة

أ- التحدّي: أنشئت الأمم المتحدة لتضع حداً للنزاعات الدولية, ولتوقف الحروب, وللمساعدة على تقدم الشعوب ورقيها، من خلال الأجهزة التابعة لها. وقد واجهت الأمم المتحدة منذ إنشائها تحديات كبيرة بدءًا من صدور قرار تقسيم فلسطين العام 1947، وإنشاء إسرائيل العام 1948. وعلى الرغم من صدور المئات من القرارات الدولية من مجلس الأمن والجمعية العامة فإن الحروب اندلعت في أكثر من منطقة من العالم طوال نصف القرن الماضي, وحتى اليوم, ويشكل النزاع في الشرق الأوسط والقرارات التي صدرت لاحتوائه نموذجاً لما أمكن لهذه المنظمة ان تقوم به من أدوار, وهذا ليس لعلة في الميثاق أو القانون, إنما بسبب التدخلات السياسية من قبل الدول الكبرى, والهيمنة الاميركية على آلية صنع القرارات ( ** ), خدمة لأهداف الولايات المتحدة وحلفائها ومصالحهما في المنطقة والعالم, وهذا ما عرَّض صدقية المنظمة, ونظام الأمن الجماعي ككل للخطر من خلال ما يأتي:

1 إستمرار النزاعات وتجاوز دور المنظمة

إستمرت النزاعات الإقليمية من دون تسوية, في كلٍ من الشرق الأوسط والسودان وأفغانستان والشرق الأقصى والشيشان وبعض دول أفريقيا الغربية.

2 حيازة أسلحة الدمار الشامل والإرهاب

ما زالت إسرائيل تمتلك ترسانة من الأسلحة النووية وغيرها, من دون مراقبة, ومن دون توقيعها على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT) كذلك كوريا الشمالية, بينما تُشَنُّ الحروب على دول لا تمتلكها (العراق) وتخضع للتفتيش والعقوبات دول ما زالت دون العتبة النووية (إيران).

كما أن هناك دولة تشن إرهاب الدولة ضد شعب في أرضه (إسرائيل), وتحرمه من أبسط حقوقه الإنسانية التي نادى بها ميثاق المنظمة وإعلان حقوق الإنسان, وتمارس ضده أقصى تدابير القهر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتمييز العنصري, وتمنعه من ممارسة أبسط الحقوق في تقرير مصيره على أرضه, وكل ذلك تحت نظر الأمم المتحدة وسمعها. 
 

3 تراجع معدلات التنمية وزيادة حدة الفقر

لقد انخفض معدل المساعدات الرسمية للتنمية, وهمّش دور الأمم المتحدة في إطار التعاون الدولي من اجل التنمية, وذلك لصالح كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي (IMF)، والمنظمة العالمية للتجارة (WTO), وهذه كلها تسيطر عليها الدول الغنية, والتي تسيطر بدورها على الأمم المتحدة وتتحكَّم بتمويل أنشطتها لصالح الدول النامية إنفاذاً لسياساتها الخاصة. 
   

الاستجابة

1. أمام هذه التحديات (العولمة) دعت الأمم المتحدة خلال انعقاد قمة الألفية لعام 2000 إلى "إعلان قمة الألفية" ووضعت أهدافاً تنموية ثمانية يلزم لتحقيقها إطار زمني حتى العام 2015, ولكن عدم استجابة الدول الغنية المهيمنة على النظام الدولي, وعدم وفائها بالتزاماتها التي قطعتها على نفسها, سواء في المؤتمرات العالمية التي عقدت في التسعينيات من القرن الماضي, أم في قمة الألفية والمؤتمرات اللاحقة, تضع الأمم المتحدة وصدقيتها في وضع حرج للقضاء على الفقر كأحد أسباب الإخلال بالأمن والسلم في العالم.

2. تقرير الأمين العام للأمم المتحدة: بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على "إعلان قمة الألفية "أصدر الأمين العام للأمم المتحدة تقريراً لعرضه على الجمعية العامة (الرقم 323 في 2 أيلول/سبتمبر 2003) والتي شارك فيها العديد من رؤساء الدول والحكومات, ووزراء الخارجية, وفيه شرح لأهمية مواجهة التحديات العالمية, وتهديد السلم والأمن الدوليين. وتساءل الأمين العام عن شرعية استخدام القوة في العلاقات الدولية (إشارة إلى غزو العراق) من دون تفويض من مجلس الأمن, كما تساءل عن قانونية استخدام القوة لمنع اعتداء وشيك, وذلك باللجوء إلى الضربات الإستباقية والحرب الوقائية.   
 

10 – دور المنظمة

قال "داغ همرشولد" الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة : "لم تخلق الأمم المتحدة لتقود البشرية إلى الجنة, بل لتنقذها من الجحيم". 

أ- المستقبل بعيون وردية

إنطلاقاً من هواجس الأمين العام السابق للأمم المتحدة وتوصيفاته في تشخيص الأمراض الدولية, والتي تنعكس تلقائياً على النظام الدولي, وتلوُّن دور الأمم المتحدة السابق بمختلف الألوان القاتمة بحكم معرفته وتجربته، فقد حاول أن يعيد رسم هذا الدور وتلوينه بألوان فاتحة, أو وردية, واقترح لتحقيق دور أكثر فاعلية للأمم المتحدة, القيام بالخطوات الآتية.

تكليف فريق رفيع المستوى لدراسة عدة مقترحات حول إصلاح أجهزة الأمم المتحدة على ان يرفع هذا الفريق تقريره في آب 2004, ومن هذه المهمات( 27 ):

أ- تحليل التهديدات الحالية والمتوقعة للسلام والأمن الدوليين. 

ب- تقييم الإجراء الجماعي الذّي يمكن اتخاذه لمواجهة هذه التهديدات. 

ج- إعداد توصيات حول ما تحتاجه الأمم المتحدة لتصبح أداة فعالة ومشروعة للرد على تلك التهديدات. 

د- النظر في دور كل من مجلس الأمن, والجمعية العامة, وغيرها من أجهزة منظمة الأمم المتحدة .

هـ - كيفية تنفيذ إعلان قمة الألفية, وخاصة الأهداف التنموية الثمانية, وعلى رأسها خفض الفقر المدقع الذي يلف ربع سكان الأرض( 28 ). 

أعدَّ هذا الفريق تقريراً تمَّ إعلانه في كانون الأول/ديسمبر العام 2004, اعترف – ضمن توصيات أخرى – بأهمية تطوير دور الأمم المتحدة لتعزيز السلام باقتراح إنشاء "لجنة لبناء السلام". وقد تبنَّى الأمين العام هذا الاقتراح في تقريره إلى الدول الأعضاء, تمهيداً للقمة العالمية التي عقدت في أيلول/سبتمبر العام 2005, والتي وافقت الأمم المتحدة فيها على إنشاء هذه اللجنة التي كان من أهدافها تطوير عمل الأمم المتحدة في مجالي بناء السلام وتعزيزه خصوصًا بعد انتهاء النزاع والحروب الأهلية, والتنمية المستدامة في هذه الدول. كذلك اقترح الفريق المعيَّن ضرورة إصلاح مجلس الأمن وزيادة عدد أعضائه من 15 إلى 24, وتقسيم الأعضاء التسعة عشر المتناوبين وفقاً للمناطق، على أن تكون عضويتهم لأربع سنوات.

 

ب- بين القبعة الزرقاء وقبعة العم سام

(1)  الأزمة:

تعيش الأمم المتحدة اليوم أزمة وجودية تتعلَّق بمصيرها ودورها المستقبلي. فما تعانيه يعود إلى التوظيف المصلحي من قبل الولايات المتحدة, كما أن الدول المتقدمة والغنية لا ترى في المنظمة الدولية المنبر الأصح أو الإطار المؤسسي المناسب لحل المشاكل الدولية. وعلى الرغم من الازدياد الملحوظ في نشاطها و تدخلها المتزايد في الشؤون الداخلية للعديد من الدول, من خلال حماية حقوق الإنسان, أو باب الإرهاب الدولي, هناك الكثير من الأزمات التي أبعدت فيها عن التدخل, أو رفض تدخلها فيها, وهكذا أصبح إصلاح الأمم المتحدة ضرورة لتجاوز هذه الأزمة.

لقد شكلت الأزمة البلقانية في التسعينيات من القرن الماضي لحظة تبلور الأزمة, فقد دخلت الأمم المتحدة "كوسوفو", وقامت الدول الأوروبية بقصف "بلغراد" دون قرار منها, فاضطرت الأمم المتحدة إلى الانحناء أمام الغطرسة الأميركية. كذلك شكَّل العراق إشكالية في تعاطي الأمم المتحدة مع الأزمات, بتلازم ملفت مع المشكلة الفلسطينية وقضية الشرق الأوسط, حيث أسست الولايات المتحدة مرجعية "مدريد" للسلام بدلاً منها وجعلتها أحد الأطراف المشرفة على العملية, وتلتها اتفاقيات أوسلو ووادي عربة وشرم الشيخ وغيرها كثير من الاتفاقيات والخطط برعاية أميركية وكأنّ الولايات المتحدة قد نزعت عن المنظمة قبعتها الزرقاء وألبستها قبعة العم سام بدلاً منها, وهذا ما ظهر واضحًا بعد احتلال العراق العام 2003 من دون قرار من المنظمة الدولية, إذ بعد ذلك بسنة عملت الولايات المتحدة على استصدار القرار 1546 تاريخ 8 حزيران/يونيو 2004 من المنظمة الدولية, وكمن يضع عربة الاحتلال الأميركية أمام حصان الأمم المتحدة, أو يلعب لعبة تغيير القبعات لتحافظ على مكاسبها من الاحتلال وتحفظ ماء وجهها الذي أهرقته ممارستها اللاأخلاقية في سجن "أبو غريب" في العراق", أو غيره من الأماكن.

 

(2) الحل ومشاريع الإصلاح

إن كل هذه الأزمات باتت تطرح ضرورة إصلاح المنظمة وإعادة النظر بالمنطلقات الفلسفية للتنظيم الدولي والآليات والوسائل اللازمة لتحقيقه, فكيف سيتم ذلك؟!. يرى الكاتب "إيمانويل تود" في كتابه "ما بعد الإمبراطورية "( 29 ), أن النظام الدولي الذي يجب أن يخلف وحدانية القطب الراهن التي يتبنَّاها لفيف من مفكري اليمين المحافظ الأميركيين فيقول: "لا يمكن لأميركا اليوم أن ترهب إلا الدول الضعيفة وسوف تكون في الصراعات الشاملة تحت رحمة تحالف يضم الأوروبيين واليابان وروسيا, وهؤلاء يجب أن يتفاوضوا مع إيران والعالم العربي لتمويلهم بالنفط, كما يجب على الأمم المتحدة أن تكون أداة للتسوية الشاملة, بعد أن تضم إلى عضويتها ألمانيا واليابان".

أما الدكتور بول كيندي, المؤرخ والأستاذ في جامعة يال الأميركية وفي كتابه الأخير الذي "برلمان الإنسان ... ماضي وحاضر ومستقبل الأمم المتحدة " . ''The parliament of man, "the past, the present and future of UN فيرى أن سجل الأمم المتحدة على مدى الأعوام الستين الماضية, يختلط فيه النجاح بالفشل. وبناء على ذلك فإنه يتوقع أن يتكرَّر الفشل وخيبة الأمل في الحقب القادمة, ولكن المنظمة لن تنهار بالكامل, كذلك فان إعادة بناء شاملة للمنظمة الدولية, كما تدعو إلي ذلك مشاريع الإصلاح الجذرية هي أيضا غير ممكنة الآن, وربما يمكن ذلك تدريجاً إذا أمكن التغلب على العقبات التي تضعها الدول الكبرى, والمشرعون الوطنيون, والآخرون الذين يفضِّلون أن تبقى الأمور كما هي. 

إلا أنه يرى أن هناك إمكانًا للإصلاح لمواجهة التحديات الجديدة التي لم تكن موجودة عند تأسيس المنظمة العام 1945, والممثلة بالبيئة والاحتباس الحراري وتحقيق التنمية لثلاثة مليارات إنسان في آسيا, كذلك مواجهة الإرهاب الدولي والدول الفاشلة (Failed states) الخ.

وتعتمد رؤية كيندي على إصلاح المنظمة بحد ذاتها وتنظيفها من شوائب البيروقراطية الإدارية, وكذلك يدعو إلى تغييرات كبيرة في دستور المنظمة, بل وتغيير الميثاق نفسه, وهذا ما يتطلَّب موافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وموافقة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن أو على الأقل عدم استخدامها حق النقض( 30 ) ...

أما الدكتور بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، فيرى أنه "يجب التركيز على المستقبل بشكل يتواءم مع التطورات التي تحدث في الحياة الدولية والنظام الدولي, وإننا اليوم بحاجة إلى جيل ثالث للنظام الدولي, يتميَّز بالجمع بين عضوية الدول, وعضوية ممثلي المنظمات غير الحكومية التي تمثِّل المجتمع المدني", لذلك فهو يرى ضرورة إصلاح وإعادة هيكلة المنظمة الدولية, وخصوصاً مجلس الأمن, وذلك بتوسيعه مع منح الدول الجديدة عضوية دائمة وحق النقض أيضًا, إنما مع تحديد استخدام هذا الحق في حالات معينة وفي فرض العقوبات أو الإجراءات الزجرية التي تحتاج إلى دعم عسكري وإلى قوات دولية( 31 ).  

 

الخلاصة العامة

حاولت المجتمعات البشرية عبر التاريخ إيجاد نظام أمن جماعي يخفف من آلام الشعوب ويحد من العدوان بين الدول ويؤسس لبناء نظام دولي قائم على السلام والمساواة والعدل.  لقد شكلت المعاهدات الدولية المختلفة عبر العصور الأساس النظري لهذا التنظيم الذي بدأ يتبلور مع معاهدة وستفاليا العام 1648 ومعاهدة فينيا العام 1815 والمؤتمر الأوروبي والحلف المقدس العام 1818, إلا أن نمو الحركات القومية والثورة الصناعية والاستعمار شجَّع الكثير من الدول الأوروبية على احتلال دول بعيدة واستغلال شعوب كثيرة طمعاً في نهب ثرواتها, ورغبة في زيادة قوتها. وكان التنافس على اقتسام العالم بين الدول الكبرى سبباً لاندلاع الحرب العالمية الأولى التي انتهت بإيجاد أول منظمة دولية للسلام هي عصبة الأمم العام 1919, ولكن هذه المنظمة لم تستطع أن تمنع الحرب والصراع بين الدول, فاندلعت الحرب العالمية الثانية العام 1939, والتي انتهت بنتائج كارثية على الصعد كافة, البشرية, والمادية, ما شجَّع على إعادة بناء منظمة جديدة و ميثاق جديد لتوطيد السلم العالمي, وحل النزاعات بالطرق السلمية، ومنع العدوان وتنمية الشعوب الفقيرة, وقد نجحت هذه المنظمة نسبياً في حل الكثير من النزاعات الدولية, وقامت بإنجازات مهمة في مختلف الميادين, غير أن سياسة الأحلاف وانقسام العالم إلى كتلتين كبيرتين, وتركيبة مجلس الأمن, وحق النقض لدى الدول الخمس الكبرى, وتحكمها في سياسة الأمم المتحدة أدى إلى شل دورها في الكثير من النزاعات, ومع أن سقوط الاتحاد السوفياتي وتفرد الولايات المتحدة على قمة النظام الدولي, أوقعا الأمم المتحدة في عدم التوازن, وأبعداها عن أي دور لا تريده أميركا, لا بل بدأت تستخدمها لتحقيق سياساتها المرسومة سلفاً لتحقيق أهدافها الاستراتيجية, ورغبتها الكامنة للسيطرة على العالم فأخضعتها لهيمنتها, وشلتها, ما افقدها هيبتها. لقد طرأت تحولات جذرية على دور الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة, وظهر كما لو أن هذه المؤسسة ستدخل كقيمة إضافية في إطار الآليات المعتمدة لإنشاء النظام الدولي الجديد, وبما أن هذه الآليات هي في جوهرها أحد العوامل المحركة للاستراتيجية الاميركية بعد الحرب الباردة كان من الطبيعي أن تشهد المنظمة بمجالاتها المختلفة عمليات جدية لإخضاع قراراتها وسياستها الإجمالية. 

إن الواقع الدولي يكشف أن الولايات المتحدة تفضل بقاء الأمم المتحدة كقاطرة جاهزة ومستعدة للحركة, حين تملأ بالوقود اللازم لقطع المسافة المطلوبة منها, أي التعامل مع كل أزمة على حدة, ووفق كل حالة وبالأساليب المناسبة, وبذلك تحوَّلت الأمم المتحدة إلى حديقة خلفية لوزارة الخارجية الاميركية, أو "حصان طروادة" للسيطرة على العالم. 

وهكذا نجد أن ما بين الدور الحقيقي المرسوم للمنظمة الدولية كما جاء في الميثاق, والدور المفروض من قبل القوى العظمى التي تتحكم بها مادياً ومعنوياً تكمن إشكالية وجودها, وجدوى الأمن الجماعي وترتيباته, فهل تكمل المنظمة الدور المفروض, وتتلاشى ؟ أم تستعيد دورها المرسوم وتصبح هي سيدة النظام الدولي ؟ القضية تحتاج إلى إعادة نظر جذرية والأهم من ذلك تحتاج إلى إرادة دولية قوية تعيد للمنظمة هيبتها عبر عملية إصلاح جذرية, تتناول ميثاقها وإدارتها وعضويتها وإعادة النظر في عدد أعضاء مجلس الأمن, واستعمال حق النقض VETO. كما أن من الضروري أيضاً إدخال دول جديدة إلى مجلس الأمن تمثل القوى الفعلية على الساحة العالمية, ليس اقتصادياً وحسب, إنما حضارياً وثقافياً, بحيث يصبح مجلس الأمن تجسيداً فعلياً للقوى الفاعلة في العالم ومنتدى لحوار حضاراته, وإرادة قواه الحية, لمجابهة التحديات الكبرى في عالم اليوم المهدد في إنسانه وبيئته وفضائه, ما قد يودي بحضارة إنسان هذا الكوكب إلى الفناء, وهذا التحدي يستحق استجابة تكون بمثل مستواه.



هوامش ومراجع

( 1 ) – القانون الدولي العام, علي صادق أبو هيف, منشأة المعارف بالإسكندرية مصر, الطبعة الحادية عشرة 1975, ص 39 .
( 2 ) - القانون الدولي العام, عبد الباقي نعمة عبد الله, دار الأضواء, بيروت – الطبعة الأولى 1990, ص 52 و53 .
( 3 ) – الأمير, نيقولو مكيافللي, تعريب خيري حماد, مكتبة التحرير, بغداد الطبعة التاسعة 1988، ص 243. 
يوتوبيا : هي المكان المنشود لهناء البشر, وتعني باليونانية (ليس في مكان ما) جعلها توماس مور (1478 – 1535) عنواناً لكتابه الذي صوَّر فيه دولة مثلى تحقق السعادة للناس, وتمحو الشرور, وهي جزيرة خيالية.
( 4 ) - القانون الدولي العام, علي صادق أبو هيف, منشأة المعارف بالإسكندرية مصر, الطبعة الحادية عشرة 1975, ص 44 و45.
( 5 ) – المرجع السابق, ص 48.
" لقد دعمت الولايات المتحدة دول القارة الأميركية في محاولاتها الاستقلال عن الاستعمار الإسباني والبرتغالي (بعد تحررها من الاستعمار البريطاني) خلال الربع الأول من القرن التاسع عشر وفيه تبلورت السياسة الأميركية عبر مبدأ "مونرو" العام 1823, (أميركا للأميركيين), الذي يعتبره البعض تعبيراً دبلوماسياً عن رغبة الولايات المتحدة في القول: (إن أميركا هي للولايات المتحدة الاميركية). 
( 6 ) – معجم الدبلوماسية والشؤون الدولية, سموحي فوق العادة, مكتبة لبنان بيروت, طبعة جديدة 1986, ص 445. 
( 7 ) - القانون الدولي العام, علي صادق أبو هيف – مرجع سابق (ص 932 – 924) يتألف
        الميثاق من ديباجة و19 فصلاً, ويتضمن 111 مادة. 
( 8 ) – المرجع السابق، ص 925 – 926.
( 9 ) – القرار 377/5 Uniting for peace resolution  وبمقتضى هذا القرار أصبح للجمعية العامة حق إصدار توصيات بشأن القضايا المتعلقة بالسلم والأمن الدوليين ومن ضمنها استخدام القوة المسلحة, ولكن هذا القرار بقي دون سقف الإلزام, إلا بما تقتضيه مصلحة بعض الدول أو حماسها لتنفيذه. 
( 10 ) – هي : الولايات المتحدة الاميركية – الصين – فرنسا – الاتحاد السوفياتي – بريطانيا. 
( 11 ) – يقول الفيلسوف الصيني صن تزو : "ليست القوانين هي التي تحكم, بل الرجال من يحكمون". 
''There are no laws that govern, but there are men who govern" .The twenty years crisis 1919 – 1939, Edward Carr. Harper torch book – New York, 1926 – p 178. 
( 12 ) – أدى اصطراع الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على سيادة عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى ما يعرف بالقطبية الثنائية (Bipolarization) وانقسام العالم إلى قسمين واحد شرقي وآخر غربي, ولكل منهما أحلافه وتجمعاته, وتعبّر هذه الأحلاف عن عدم الثقة بفاعلية الأمن الجماعي الذي كرسه ميثاق الأمم المتحدة (الفصل السابع)، انظر كتاب : الأحلاف والتكتلات في السياسة العالمية, دكتور عزيز شكري المجلس الوطني للثقافة والآداب, الكويت – عالم المعرفة, العدد 7, 1978, ص 231 و233. 
( 13 ) -  سياسية القوة, د. غسان العزّي, مركز الدراسات الاستراتيجية بيروت, الطبعة الأولى 2000, ص 14. كذلك "الأمم المتحدة, ضرورات الإصلاح بعد نصف قرن", مجموعة من الباحثين، مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت, الطبعة الأولى 1996، ص 20. كذلك أنظر: "التكتلات والأحلاف في السياسة العالمية", مرجع سبق ذكره ص 204.
( 14 ) – ترى الكاتبة مارينا فنكلشتاين "أن الأمن الجماعي كالسراب, يومئ إلى الأفق, ويحمل الكثير من الوعد, ولكنه يبقى من الصعب الوصول اليه, لأن المطلوب الأساسي للأمن الجماعي بقي وهماً, فالتجربة أظهرت أن هذا الأمن يتعلق بنواة ثابتة لاتفاق القوى الكبرى ".  
- Marina Finkelstein, "The future and collective security ", in International conflict management prentice – Hall of Canada, Ontario, 1984, p 45. 
( 15 ) – العولمة مصطلح, يسعى إلى أمركة العالم, شوقي جلال – جريدة الحياة العدد 13084, 31/12/1998, ص 14 .
( 16 ) – المرجع السابق نفسه, المقال نفسه. 
( 17 ) - المرجع السابق نفسه, المقال نفسه .
( 18 ) – The twenty years crisis 1919 – 1939.  Ibid.  p 79. 
( 19 ) – جيوسياسة الإمبريالية المعاصرة, سمير أمين, مجلة المستقبل العربي, مركز دراسات الواحدة العربية, بيروت، العدد 303 – 5/2004 ص 32 و33. 
( 20 ) – الليبرالية الجديدة, أو النيوليبرالية تعني سياسة الأسواق الحرة والمفتوحة عبر العالم. 
( 21 ) – هذه الدول السبع هي : الولايات المتحدة, بريطانيا, كندا, فرنسا, إيطاليا, ألمانيا, اليابان, ويضاف إليها روسيا في ما بعد, ( G8 ) .
( 22 ) - جيوسياسة الإمبريالية المعاصرة, سمير أمين, المرجع السابق, ص 56 .
كذلك كتاب "ما بعد الإمبراطورية", إيمانويل تود, ترجمة محمد زكريا إسماعيل، دار الساقي, بيروت, الطبعة الأولى 2003.
( 23 ) – الأمم المتحدة ضرورة الإصلاح بعد نصف قرن, مجموعة من الباحثين, مرجع سابق, ص 29 وص 84. 
( 24 ) – يرى الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه "حرب الخليج" الصادر عن دار الأهرام 1992 "أن النظام الدولي القائم منذ الحرب العالمية الثانية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمصالح النفطية للدول الغربية الكبرى في المنطقة العربية عموماً, وفي الخليج بشكل خاص, وأن أي نظام دولي جديد لا يمكن أن تسمح به هذه الدول الكبرى ما لم يحافظ على استمرارية هذه المصالح".  
( 25 ) – الأمم المتحدة في العراق, د. حسن نافعة, جريدة الحياة، بيروت، العدد 15041 تاريخ 2 حزيران/يونيو 2004, ص 11. 
( 26 ) – القرار الرقم 1546 تاريخ 8 حزيران/يونيو 2004 صدر عن مجلس الأمن ويقضي بنقل السيادة إلى العراقيين حتى نهاية حزيران/يونيو 2004 وجراء انتخابات مطلع العام 2005. مع تشريع بقاء القوات الأجنبية. لقد قنن هذا القرار احتلال بلد شنت عليه الولايات المتحدة الأميركية حرباً من دون مسوغ قانوني أو قرار من مجلس الأمن, وأضفى الشرعية على نتائجها بعد أن كان حجبها عن شنها.  وهذا من دون شك يرسم صورة واضحة لدور الأمم المتحدة المطلوب من قبل الولايات المتحدة. للمزيد: انظر جريدة الحياة, مقالة راغدة درغام, العدد 15050 تاريخ 11 حزيران 2004, ص 11.
( 27 ) - الأمم المتحدة والسياسة الدولية, د. منير زهران, مجلة السياسة الدولية, القاهرة, مطبعة الأهرام, العدد 156 نيسان/أبريل 2004، ص 24.  
( 28 ) – قال الرئيس المكسيكي لويس أتشيفيريا الذي لم يتمكن من تخطي العتبة للفوز بالأمانة العامة للأمم المتحدة: "لقد نظمت البلدان الصناعية المجاعة في العالم الثالث بالقدر نفسه من المنهجية والروح العلمية اللتين وضعتهما في صنع القنبلة الذرية", من مقالة تحت عنوان حروب القرن المقبل تقودها الأمم المتحدة, محمود إبراهيم, مجلة الشاهد، بيروت, عدد ك2 1999،  ص 128
( 29 ) – ما بعد الإمبراطورية, إيمانويل تود, ترجمة محمد زكريا إسماعيل, دار الساقي, بيروت 2003. 
( 30 ) – بول كندى وقضية إصلاح منظمة الأمم المتحدة – السياسة الدولية العدد 169، يوليو 2007، المجلد 42، ص ،235 و236. 
( 31 ) - المرجع السابق نفسه، الصفحة 236. 

( * )- سورة الممتحنة الآية 8 : "لا ينهيكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتقسطوا إليهم إنَّ الله يحب المقسطين". 
وسورة البقرة الآية191: "واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشدُّ من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتَّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاءُ الكفرين".
وسورة الأنفال الآية 61: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم".

( ** ) – من المهم التذكير بتأثير الولايات المتحدة في اتخاذ قرارات كثيرة في مجلس الأمن بشأن السودان وقضية دارفور (2003 – 2007), وكوريا الشمالية وقضية الملف النووي الإيراني, وكذلك قضية لبنان وكثرة القرارات الصادرة بشأنه, وتأثير السياسة الأميركية خصوصاً خلال عدوان إسرائيل على لبنان في تموز/يوليو وآب/أغسطس 2006, وتأخير اتخاذ قرار بوقف العدوان لأكثر من شهر, وذلك لتحقيق أهدافها السياسية والإستراتيجية في لبنان والمنطقة من خلال هذه الحرب ...

The strategy of collective security between the multipolarity and the unipolar system
The researcher starts his study by defining the meaning of collective security outside the framework of the old theory of “the Law of the Jungle” and pointed out that the international policy theorists considered that the best interest of humanity lies in the supremacy.
After reviewing the idea of collective security since old times and until recently, listing the main stations which this idea crossed during its clarification to become a reality on the ground and legal provisions manifested in the United Nations, the researcher sheds light on the international organization which was incapable of ensuring collective security on the planet in spite of its integral and almost idealist charter especially in the world of the two poles and currently in the unipolar world.
The researcher concludes from the historic facts which he reviews that the nations didn’t succeed in their relations to establish collective security for many reasons. When the world entered the era of unipolarity, the Empire of Chaos emerged and this fact was manifested after the collapse of the Soviet Union and reached its peak when the new conservatives assumed power and controlled the American administration and consequently controlled the world lead by Georges W Bush and therefore the world rates of development deteriorated and poverty levels increased all over the world. And the blue berets are nowadays deployed all over the world …this means from one part failing to ensure collective security and threatening the human civilization with the danger of extinction from the other part.
La stratégie de la sécurité collective entre la pluralité des pôles et le monde unipolaire
Le chercheur procède son étude en définissant le contexte de la sécurité collective en dehors du cadre de l’ancienne théorie basée sur le dicton de la « loi de la jungle », en signalant que les théoriciens de la politique internationale ont considéré que l’intérêt suprême de l’humanité réside dans la suprématie de la loi.
Le chercheur passa en revue l’idée de la sécurité collective depuis l’antiquité et jusqu’à nos jours, en citant les phases par lesquelles l’idée passa jusqu’à son éclaircissement pour qu’elle soit enfin un fait accompli et des textes légaux incarnée par l’Organisation des Nations Unies. Puis il illumina sur l’organisation internationale qui, malgré que sa charte est plus ou moins perfectionniste, se montra incapable de réaliser la sécurité collective sur la planète, notamment dans le monde des deux pôles, et ensuite dans le monde unipolaire actuel.
D’après les faits historiques, le chercheur conclut que les états n’ont pas réussi, à travers leurs relations, d’établir la sécurité collective, et cela remonte à plusieurs raisons. Au moment où le monde entra dans la phase du pôle unique, l’empire de l’anarchie surgit après l’effondrement de l’union Soviétique, et atteindra son apogée après l’hégémonie des nouveaux conservateurs sur le centre de la décision américaine et mondiale dirigé par Georges W. Bush. C’est alors que les taux de développement se sont rétrécis et le taux de la pauvreté augmenta, les « casques bleues » s’avèrent déployées dans les différentes régions du monde…
Cela veut dire la défaillance de réaliser la sécurité collective, tout en menaçant l’existence de la civilisation de l’être humain sur la terre.