رحلة في الانسان

إستشراف المستقبل...
إعداد: غرس فرح

 

أي أساس يجعله علماً ؟؟؟؟

منذ القدم، احتلّت ظاهرة التوقّعات حيّزاً كبيراً من إهتمام البشر، باعتبارها أحد أشكال الوقاية من محاذير المجهول، أو التحسّب لمخاطره. وعلى الرغم من أن الإنسان البدائي، كان، بحسب النظريات العلمية، أكثر مقدرة على إستشفاف الغيب، وتدارك المستجدات غير المنظورة، بقيت هذه الظاهرة لقرون خلت، حكراً على عالم السحر والشعوذة، وما يتخلله من ممارسات خارجة عن المألوف.
اليوم، وفي ظل الإعتقاد بصعوبة وجود ظواهر خارجة عن دائرة العلم، يتمّ التركيز جدياً على ما يسمى بعلم «الباراسيكولوجي» أو «ما وراء النفس»، بهدف ضمّه الى العلوم البيولوجية والفيزيائية. ويبقى السؤال: هل يُعتبر إستشراف الغيب ظاهرة خارقة، أم أنه حالة طبيعية تنتاب من يدرّب عقله الواعي على ولوج البُعد الإدراكي في لا وعيه؟

 

موجة الإحتمال
لا يخفى على أحد أن الدراسات الحديثة المتعلقة بالتوقعات، حوّلت «علم الغيب» منذ عقود، الى علم قائم بذاته.
وعلى الرغم من أن الباحثين لم يتمكنوا حتى الآن من وضع تفسيرات محددة وواضحة للظواهر غير المألوفة التي نشهدها من حين الى آخر، إلاّ أنهم توصلوا الى الإقرار بوجود بُعد غير منظور متصل بكل علم من العلوم التقليدية وهو ما أطلق عليه عالم الطبيعيات المعروف أروبين شرودنجر إسم «موجة الإحتمال» أو «البعد العلمي الجديد».
ما هو هذا البُعد؟
منذ قرون، أبدى علماء الأحياء والنفس والرياضيات إهتماماً بالغاً بهذا البُعد، وقطعوا أشواطاً من أجل إلحاقه بعلم الفيزياء، وما يتخلله من متغيرات.
واللافت أن علم الرياضيات كان قد اقترن منذ عهد فيتاغوراس بما عُرف آنذاك بـ«البُعد الوجداني»، وشكّل جزءاً لا يتجزأ من العمل العقلي. وهو ما عكس بصدق التلاحم بين العقل البشري و«البُعد الخارجي» أو «الماورائي».
ومع مرور الزمن، وتطوّر النظرة الى العمل العقلي وتعقيداته، فرضت وقائع الأحداث غير المألوفة، وضع نظريات تناولت البعد الذي نحن بصدده، عبر تفسيرات نأتي على ذكر أهمها.
 

نظرية وجود حاسة سادسة
نسمع الكثير عن وجود حاسة سادسة تؤمّن للإنسان معرفة غير عادية أو إحساساً باطنياً يتخطّى مسالك الحس المعروفة الى الإدراك الخفي. وهو ما يفسّره العلم الحديث بأشكال مختلفة، كان أهمها نظرية العالم الإحيائي المعروف جوزيف سينيل.
تؤكد هذه النظرية أن الأجسام كافة الموجودة على الأرض، تبث ذبذبات متلاحقة تسري الى مسافات بعيدة، وتخترق جميع الحواجز كموجات اللاسلكي. والدليل على وجودها، هو إهتداء معظم الحيوانات والطيور والحشرات الى مساكنها بفضل أجهزة موجودة في أجسامها. وهي أجهزة شبيهة الى حد ما بالرادار، مهمتها تلقّي هذه الذبذبات، وتتبعها الى مصادرها. وحسب اعتقاد «سينيل»، فإن دماغ الإنسان مزوّد جهازاً مماثلاً ولكن أقل بروزاً وتطوّراً. وحدد مكان هذا الجهاز في «الجسم الصنوبري» الموجود في دماغه، والذي لفت إنتباه العلماء في الآونة الأخيرة، خصوصاً أن العلم لم يحدد له حتى الآن وظيفة واضحة. لكن آخر الدراسات التي واكبت تشريح آلاف الأجسام الصنوبرية في أدمغة البشر والحيوانات، أشارت الى أن أحجامها في أدمغة الإناث والأطفال وأفراد القبائل البدائية، كانت أكبر منها في أدمغة الذكور وكبار السن، وأفراد المجتمعات الحضارية. كذلك لوحظ تطوّره لدى الحيوان، وضموره عموماً لدى الإنسان، ما عدا بعض الذين يتدرّبون على استخدام حسّهم الباطني.
هذا يعني أن الجسم الصنوبري المشار اليه، والذي تباينت التفسيرات بشأن وظيفته الأساسية، هو جسم يتطوّر في أدمغة من يتدربون على استخدامه وضبط قدراته على استقبال ذبذبات الأجسام من أبعاد مختلفة. وهذا يفسّر، بحسب أصحاب هذا الرأي، تمكّن البعض من توقّع أحداث مستقبلية بنسب مختلفة. الى ذلك، فهم لا يسقطون من الحسبان دور الصدفة في تحقّق بعض التوقعات وكذلك التحليل العقلاني لحيثيات الماضي والحاضر من أجل ربطها بالمستقبل.

 

التخاطر أو الإستفسار الوجداني للمعلومات
حسب بعض الأبحاث التي تناولت علم التخاطر (Telepathy)، في عدد من الجامعات الأميركية، فإن الإدراك داخل الدماغ لا يعتمد كلياً على الحواس العادية كاللمس والبصر والسمع وسواها. وبالنسبة الى الباحثين ثاوليس ووايزنر اللذين أجريا دراسات مسهبة في هذا المجال، فإن مهمة الحواس الخمس المعروفة هي إيصال إشارات من الخارج الى الدماغ عبر الخلايا العصبية. وعندما يلتقط الدماغ هذه الإشارات، يحولها الى معلومات يتلقاها العقل الواعي من خلال بُعد غير محسوس. وهذا يعني أننا جميعاً قادرون على إدراك الأشياء من دون حواس ولكن من داخل أدمغتنا. وهذه المقدرة بالذات قد تتطوّر لدى البعض لتتيح لهم التقاط المعلومات من أدمغة الغير، ومن الأشياء المحيطة بهم. ويؤكد أصحاب هذا الرأي أن هذه المقدرة تقوى كما سبق وأشرنا بقدر التدرّب على استخدامها.

 

وفي الجلد أيضاً أجهزة إلتقاط
في دراسة أجرتها جامعة موسكو على جلد الإنسان والحيوان، بينات واضحة عن وجود جسيمات حسّاسة مهمتها التقاط الموجات الفوق ضوئية، أي الموجات التي لا تلتقطها الحواس العادية.
وقد تمّ رصد هذه الجسيمات بواسطة جهاز خاص مرَرّه الباحثون على أجسام المجموعات التي خضعت للتجارب. وعُرف أن العلماء الروس تمكّنوا من إثبات مقدرة الإنسان على التمييز بين الألوان من خلال جلده.
هذه وسواها من المعلومات والنظريات، أفسحت المجال في الآونة الأخيرة، أمام إستيعاب الكثيرين لبعض الظواهر غير العادية، وإدراجها ضمن دائرة العلوم التقليدية. مع ذلك فإن هذه المعلومات، وخصوصاً تلك المتعلقة باستقراء المستقبل، لم تمنع الأكثرية الساحقة من التساؤل بارتياب شديد:
إذا ما أخذنا بالاعتبار أن «علم الغيب» هو علم في متناول الإنسان، فهل هذا يعني أن بإمكان الجميع الإطلاع على خفاياه والتّحكم بممارسته؟
الباحثون في هذا الحقل يؤكدون على أن باستطاعة الجميع تلقي الموجات المغنطيسية واستقبالها من خارج نطاق حواسهم المعهودة. وهو ما يخوّلهم تقصّي الأبعاد الخفية عبر إدراكهم الباطني. لكن كثرة هذه الموجات تجعل الأشياء تختلط على الذين يجهلون قواعد ضبطها وتحديدها، وتنظيم إستقبالها. ومن هنا برأيهم أهمية التدرّب على تنمية القدرات الفطرية الفائقة، أو الأحاسيس الباطنية البدائية، تلك الأحاسيس التي ميّزت الإنسان في وقت كان بحاجة ماسة اليها.