قضايا إقليمية

إسرائيل على رأس اللجنة القانونية في الأمم المتحدة!
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وفي تاريخ الأمم المتحدة نفسها على السواء، نجح العدو الإسرائيلي بالفوز برئاسة إحدى أهم اللجان الدائمة الست للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي اللجنة القانونية. هذا الأمر، وللأسف جعل الطريق أمام حصول اسرائيل على مقعد غير دائم في مجلس الأمن، مفتوحًا على مصراعيه.


المؤسف أنّه في الوقت الذي تزداد فيه إسرائيل تطرّفًا وتدير ظهرها للقرارات الدولية وتنتهك المعايير الدولية لحقوق الإنسان وتوسّع نشاطاتها الاستيطانية وتستمر في حصار قطاع غزة، وبناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، وفي تنفيذ عمليات الإعدام الوحشي للفلسطينيين خارج القانون، وانتهاك حقوق الأسرى في سجونها، وتهويد مدينة القدس وهدم المنازل، وتمارس سياسة التمييز العنصري، وتخترق القانون الدولي في كل يوم وكل مكان، يقوم المجتمع الدولي بمكافأتها، الأمر الذي يعطي هذا الكيان ضوءًا أخضر للاستمرار في التنكّر للقرارات الدولية وقواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان جميعها.
لقد تناسى هذا الانتخاب تصنيف ممارسات دولة الاحتلال بـ«جرائم الحرب» في فلسطين، وهو تصنيف جاء عبر عدة مؤسسات حقوقية دولية من بينها الأمم المتحدة نفسها. وما يدعو إلى السخرية أنّ هذه الدولة الأكثر انتهاكًا للقانون الدولي أصبحت على رأس اللجنة المسؤولة عن كفالة احترام هذا القانون وحفظ السلم والأمن في العالم. يتضمّن هذا المنصب بالتحديد المسؤولية عن البروتوكولات الملحقة باتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب، والانتهاكات التي ترتكبها الدول، بما يعني أنّ اختيار كيان الاحتلال لهذا المنصب، سيجعل منه بكل بساطة المرجع المسؤول عن تمرير بروتوكولات تخصّ هذه الاتفاقية، رغم الاتهامات المتكررة له بانتهاك هذه البروتوكولات والمواثيق.
يضيف هذا التطوّر إلى رصيد إسرائيل بمقدار ما يحسم من رصيد الدول العربية المعنوي والقانوني، بل ومن رصيد الأمم المتحدة نفسها ومن سمعتها. فهل يمكن للأمم المتحدة أن تحظى بأي صدقية حين تصبح الدولة، التي ما طبّقت في أي يوم من الأيام أي قرار دولي، عضوًا في مجلس الأمن؟! لا سيما وأنّ اللجنة القانونية هي اللجنة المفوّضة بوضع المعاهدات الجديدة، والمختصة بتبنّي تلك المعاهدات والتوصية بها لدى الدول للتوقيع عليها لاحقًا والمصادقة عليها والانضمام إليها. والمفارقة أنّ المندوب الدائم لإسرائيل، العنصري المتطرّف داني دانون، قد حصل على 109 أصوات لمصلحته مقابل عشرة أصوات لممثل السويد و4 أصوات لممثلة اليونان و4 أصوات لممثل إيطاليا، بينما توزعت أصوات المجموعات المعترضة على العديد من مندوبي دول مجموعة أوروبا الغربية ودول أخرى. والواقع أنّ اسرائيل لم تنجح بقدراتها وسمعتها الذاتية بل بسبب ضغوط مارستها الولايات المتحدة ودول كبرى، وكثير من الدول استجابت لهذا الضغط خوفًا من العقوبات بدل أن تقف مع الحق وضد الظلم الذي يمثله.
بالتالي فإننا مع هذا الوضع، أمام حالة أخرى صارخة من النفاق وازدواجية المعاييـر. والعجـيـب الغريب أنّ العنصري دانون تبجّح بعد الفوز فقال: «إنّني فخور أن أكون أول سفير لإسرائيل ينتخب لهذا المنصب الرفيع، لأنّ إسرائيل تتمتّع بدور قيادي في القانون الدولي ومحاربة الإرهاب»!!. وقال إنّ هذا الانتخاب جاء بعد معركة دبلوماسية طويلة خـاضـتـهـا الـبـعـثـة ضد اعتراض دول مجموعة عدم الانحياز ومؤتمر التعاون الإسلامي.
يحصل كل هذا في حين أنّ إسرائيل تزداد تطرّفًا وتدير ظهرها لجميع المبادرات السلمية العربية والأجنبية وتوسع نشاطاتها الاستيطانية وتخترق القانون الدولي في كل ممارساتها ثم يقوم المجتمع الدولي بمكافأتها!
لقد كان انعقاد المؤتمر الصهيوني في فندق بلتيمور بمدينة نيويورك الأميركية في العام 1942، وبمشاركة ترومان، الذي أصبح سيد البيت الأبيض بعد أقل من ثلاث سنوات بدعم يهودي صهيوني، بمثابة الخطة الأولى في هذا الاتجاه. ولا جدال أنّ هذا التحرّك البارع مكّن الحركة الصهيونية من كسب أولى معاركها السياسية الكبرى التي دارت رحاها فوق مسرح الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1947، وانتهت بتبنّي قرار تقسيم فلسطين، وهو القرار الذي وضع اللبنة الأولى لإضفاء الشرعية الدولية على الدولة اليهودية التي أعلن بن غوريون قيامها في العام 1948، وها هو نتنياهو يكمل الطريق ويكرّس يهودية الكيان المحتل وعنصريته بإقرار نهائي لقانون القومية. ومنذ ذلك الحين راحت الحركة الصهيونية تغزل شباك السيطرة التدريجية على مراكز صنع القرار الأميركي، ومن ثم الدولي، إلى أن تمكّنت منها تمامًا.
في تاريخ العلاقات الدولية أمثلة ونماذج لعلاقات «خاصة» تربط بين دول غير متكافئة القوة، لكن لا يوجد فيه مثال واحد لكيان صغير سيىء السمعة والسلوك كإسرائيل، استطاع، من خلال عمل خبيث ومثابر ومتدرّج ومتقن، أن يستولي على عقل القوة الأعظم في العالم وقلبها، وهو وضع انعكست أخطاره وتداعياته السلبية الهائلة على السلم والأمن الدوليين، خصوصًا وأنّ هذا الكيان هو الأكثر انتهاكًا في عالم اليوم لقواعد القانون الدولي والإنساني وبنوده وقراراته.
خلاصة القول إنّ حصول كيان الاحتلال الإسرائيلي على رئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة، إنّما يمثّل صفعة للقانون الدولي، ومكافأة دولية لإرهاب الدولة المنظّم وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ومهزلة تكرّس عمليات تسيّس القانون الدولي وازدواجية المعايير فيه، فبدلًا من محاسبة الاحتلال على جرائمه، تتم مكافأته على احتلاله وجرائم حربه وانتهاكاته لكل القوانين والأعراف المرعية الإجراء.