قضايا إقليمية

إسرائيل وتداعيات الأزمة الإقتصادية العالمية
إعداد: احسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

إنخرطت الأزمة الإقتصادية العالمية، بأسبابها وتداعياتها ونتائجها في إسرائيل، ضمن سياق نقاشات ومشاحنات واسعة بين المحللين الإقتصاديين المختصين، ووصلت الى دوائر التجاذبات السياسية بين القوى والكتل الحزبية المختلفة ضمن أجواء من التوتر والإرتباك. وقد تمحورت هذه النقاشات بشكل أساسي حول مدى التدخّل الحكومي في الشأن الإقتصادي وآليته وضرورة ذلك أو عدمه، وحول الحاجة الى تخفيض بنود الموازنة والمخصصات الحكومية فيها في بعض المجالات، مع ضرورة المحافظة على شبكة الأمان الإجتماعي. كما وصلت هذه النقاشات ايضاً الى حد الحديث الإيديولوجي عن صواب طريق الرأسمالية بحد ذاتها. ورأى بعض الباحثين الإسرائيليين أن الأزمة بحجمها وخطورتها قد أعطت شرعية لعملية نقد ما يسمى «رأسمالية الكازينو» القائمة على التهور والمجازفة على غرار «وول ستريت» وليس الرأسمالية المتنورة والإجتماعية في فنلندا وهولندا على سبيل المثال.
واستخلص هؤلاء الباحثون أن السوق المالية المستقرة والباعثة على الثقة والأمل لا يمكنها أن تعيش من دون تدخل حكومي رعائي فيها وصولاً الى حد إمتلاك أجزاء منها، وهذا ما توصّل اليه ايضاً رجال إقتصاد بارزون في أميركا نفسها.
أما في اسرائيل فقد اهتمت وسائل الإعلام، ولا سيما الصحافة، بتداعيات هذه الأزمة التاريخية التي اعتبرها مفوّض بنك إسرائيل بأنها «الأولى من نوعها منذ قيام الدولة, وقد أصابتنا من دون ذنب لنا فيها». وشدّد على ضرورة قيام الحكومة بالإجراءات الكفيلة بالتخفيف من آثارها المدمرة على المواطنين وخصوصاً الطبقات الفقيرة.
وفي هذه الأثناء تسود حالة من الترقّب والذهول بانتظار ظهور آثار خطة الإنقاذ المالي الأميركية على أسواق العالم وإسرائيل. وهي خطة تشكّل، بحسب رأي المحلّل الإقتصادي سيفير بلوتسكر، في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، بداية علاج «طويل وشاق»، في حين تتراكم تداعيات الأزمة في مجمل مفاصل الإقتصاد الإسرائيلي متسرّبة من مدخلات كثيرة, أهمها في قطاعات التصدير والإستثمار والعمالة والإئتمان وانخفاض نسبة النمو السنوي وتقليص الإستهلاك الشعبي وتراجع الإستثمارات الخارجية وتناقص حجم الصادرات، ما أدى الى إخراج بعض المؤسسات والشركات الصناعية من سوق العمل. وهذا بدوره رفع من نسبة البطالة من 6.1٪ العام 2008 الى 7٪ العام 2009. وبحسب إحصاءات المكتب المركزي في اسرائيل, تراجع النمو من 5.2٪ في الربع الأول من العام الماضي الى 1.5٪ من الفترة ذاتها من هذا العام، وهي النسبة الأدنى منذ العام 2002.
وقد انخفض إجمالي الصادرات الإسرائيلية بنسبة 13.4٪ بسبب الركود في الولايات المتحدة وأوروبا وانخفضت صادرات الصناعة بنسبة 57.5٪ والخدمات السياحية بنسبة 45.5٪, وهبطت ايضاً الإستثمارات في مجمل فروع الإقتصاد بنسبة 17.8٪. وعكست الأزمة نفسها في مجال الموازنة لجهة تقليص نفقات الحكومة في العديد من الميادين وأبرزها الرفاهية والخدمات. ويبدو أن قطاع التكنولوجيا العليا، وهو قطاع تعوّل عليه إسرائيل كثيراً لجهة أهميته التصديرية، كان من القطاعات الأكثر تضرراً، حيث أن إجمالي إنتاج صناعات التكنولوجيا العليا (High Tech) هبط بمعدل 11.4٪ في أيلول 2008 و16٪ في الربع الثالث من العام نفسه، الأمر الذي أدى الى تسريح عدد كبير من العاملين في هذا القطاع الحيوي وتقليص إنتاجه وصادراته.
كذلك هي الحال بالنسبة الى قطاع الصناعات العسكرية، التي طرأ عليها إنخفاض ملحوظ في الطلب، فقد جمّدت الهند صفقت بقيمة 2.5 مليار دولار مع الصناعات الجوية الإسرائيلية وكذلك فعلت تركيا، مع العلم بأن إسرائيل تعتبر خامس أكبر مصدّر للسلاح في العالم بعد الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وفرنسا، وهي تسيطر على ما نسبته 5.2٪ من حجم التجارة العالمية بالسلاح. وقد ذكرت إدارة الصناعات العسكرية الإسرائيلية أن إسرائيل باعت العام 2006 على سبيل المثال ما قيمته 4.4 مليار دولار من الأسلحة والخبرات الأمنية, منها مليار دولار الى الولايات المتحدة وحدها.
من ناحية أخرى تأتي مسألة المعونات الخارجية، حيث أن الأزمة الإقتصادية أدت الى تقليصها من ناحية والى تراجع قيمتها مع تراجع سعر صرف الدولار أمام العملة المحلية الإسرائيلية (الشيكل) وعملات أخرى في العالم.
أما على المستوى الشخصي للأزمة, فإن التقديرات تشير الى خسارة الإسرائيليين أكثر من 15 مليار دولار من جراء الإنهيارات المالية في البورصات وإفلاسات بعض الشركات التي لليهود فيها حصص كبيرة. وتبيّن أن أغنى 35 ثرياً في إسرائيل تراجعت قيمة ثرواتهم بنسبة 40٪ إذ كانت نحو 40 ملياراً وهبطت الى 26 ملياراً.
كما وأن الخسائر لم تلحق بكبار الأثرياء فحسب بل إنها ضربت المصالح الإقتصادية الصغيرة والمتوسطة, ما جعل الحكومة تضع خطة طوارئ لإنقاذها مخافة تفشي البطالة وتفاقمها وخروج آلاف العمال الى الشوارع، ومن ضمن ذلك جلب إستثمارات جديدة وخفض النفقات الحكومية وتوفير السيولة النقدية في المصارف لمواجهة الإختناق الإئتماني, وتحسين الإمتيازات الضريبية للمستثمرين الأجانب وخفض معدلات الفائدة.
هذه الأجواء البائسة تذكّرنا بأجواء الفرح الكبير الذي انتاب الإسرائيليين عشية الحرب الأميركية على العراق نتيجة توقعاتهم بجني فوائد كثيرة من جراء ذلك. إلا أن تلك الأجواء ما لبثت أن تبدّدت في أعقاب الأزمة العميقة التي وصلت اليها سياسة إدارة المحافظين الجدد السابقة برئاسة الرئيس السابق بوش, مع ما رافقها من أموال طائلة أنفقت على الحرب التي كان لإسرائيل ضلع كبير في نشوبها.
وفي الختام وبحكم ارتباط الإقتصاد الإسرائيلي بالإقتصاد الأميركي, فإن تداعيات الأزمة إنسحبت على التجارة والصناعة والزراعة والأمن وسائر مناحي الواقع السياسي - الإجتماعي, مما ينذر بمزيد من الركود والإنكماش والتباطؤ الإقتصادي.

 

تشير التقديرات الى خسارة الإسرائيليين أكثر من 15 مليار دولار من جراء الإنهيارات المالية في البورصات وإفلاسات بعض الشركات التي لليهود حصص كبيرة فيها

 

تداعيات الأزمة الإقتصادية العالمية انعكست على مختلف مناحي الواقع السياسي والإجتماعي في إسرائيل
مما ينذر بمزيد من الركود
والإنكماش والتباطؤ الإقتصادي