دورات

إعلاميون على مقاعد الدراسة
إعداد: تريز منصور

يولي الجيش اللبناني أهمية كبرى لنشر القانون الدولي الإنساني وتطبيقه، ليس في صفوف عسكرييه فقط، بل في مختلف شرائح المجتمع اللبناني بما في ذلك طلاب الجامعات وخريجوها. في هذا الإطار نُظمت الدورة الأولى في القانون الدولي الإنساني لخرّيجي كليات الإعلام من الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة. بلغ عدد المشاركين 26 طالبة وطالبًا، بينهم عدد من الإعلاميين المحترفين الذين تابعوا المحاضرات باهتمامٍ وتفاعل، واعتبروا ما اكتسبوه قيمة مضافة وزادًا معرفيًا يتيح لهم ممارسة عملهم بمزيد من الفاعلية.

 

اجتمع طلاب وإعلاميون على مقاعد الدراسة في كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان لمدة أسبوع، تابعوا خلالها محاضرات نظّمتها مديرية القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في الجيش اللبناني، بالتعاون مع دياكونيا Diakonia (منظمة تعمل في مجال القانون الدولي الإنساني)، التي قدّمت الدعم المادي والفني لإنجاح هذه الدورة.

أتت هذه الدورة بعد عدة دورات سبقتها خلال السنوات المنصرمة لطلاب كليات الحقوق والعلوم السياسية، وهي تندرج في إطار تعزيز العلاقات بين الجيش اللبناني والجامعات اللبنانية والمنظمات الحقوقية الدولية، والعمل على نشر القانون الدولي الإنساني وتفعيل تطبيقه.

 

لماذا وكيف؟

يوضح مسيّر أعمال مديرية القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان العقيد الركن زياد رزق اللـه لمجلة «الجيش» أنّ قيادة الجيش تحرص على تنفيذ التزامات لبنان في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني التي صادق عليها. وانطلاقًا من هذا المبدأ، تنظّم قيادة الجيش - مديرية القانون الدولي الإنساني، دورات في القانون الدولي الإنساني لفئاتٍ مستَهدفة، يمكن أن يُسهم مضمونها في نشر المعرفة حول هذا القانون وأهمية تطبيقه.

بدأت هذه الدورات في العام 2014 مع طلاب الحقوق والعلوم السياسية، وقد ارتأت القيادة تعميمها على خرّيجي كليات الإعلام لاحقًا، نظرًا لأهمية معرفة الإعلاميين بالمواضيع المتعلقة بقواعد إدارة العمليات العدائية والأسلحة المقيدة والمحظورة، بالإضافة إلى استخدام القوة خلال عمليات حفظ الأمن.

تضمّنت الدورة منهاجًا مكثّفًا شمل المواضيع الآتي ذكرها: مدخل إلى قانون النزاعات المسلحة، تصنيف النزاعات، الأسلحة والقانون الدولي الإنساني، الفئات المحمية في القانون الدولي الإنساني، فئات الأعيان المحمية في هذا القانون، حماية الأعيان الثقافية (القلاع والأبنية التراثية...)، استخدام القوة خلال عمليات إنفاذ القانون، المحاكم الجنائية الدولية، الحياد (مبادئ وتعريفات، أحكام عملية تتعلق بقانون الحياد) بالإضافة إلى دراسة بعض الحالات عبر إجراء تمارين تطبيقية.

حاضر في الدورة عدد من الضباط من مديرية القانون الدولي الإنساني، بالإضافة إلى ضباط من الجيش اللبناني خضعوا لدورة مدرب، ويمتلكون خبرة كافية بذلك. تضمنت المحاضرات عدة مواضيع في القانون الدولي أبرزها: مدخل إلى قانون النزاعات المسلّحة، إدماج القانون في العمليات العسكرية، الأسلحة ومبادئ قانون النزاعات المسلّحة، مسؤولية القادة على المستويات كافة، الحياد والاحتلال، والنزاعات المسلّحة غير الدولية. والتزامًا من المديرية بالتخصصية، قُدّمت محاضرتان متخصصتان: الأولى حول «دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر» قدّمتها مندوبة بعثة بيروت في هذه اللجنة السيدة مريم حداد، والثانية حول «تعريف المحاكم الجنائية الدولية ودورها»، قدّمتها مديرة مكتب دياكونيا في بيروت السيدة يلينا بيلماناتس Jelenna Plamenac (خبيرة في المحاكم الجنائية الدولية).

ويؤكد العقيد الركن رزق اللـه في معرض تقييمه للدورة بأنّها «كانت ذات قيمة علمية أكاديمية، و نتائجها مشجّعة، على الرغم من الشك الذي راودنا في البداية حول إمكان نجاحها، لعدة اعتبارات من بينها كيفية تفاعل عناصر الدورة مع بعضهم البعض، في هذه الظروف الصعبة».

ويقول: «يعود الفضل في ذلك إلى الخبرة العالية لدى المدربين، ونُضج المشاركين في هذه الدورة، وحماستهم لمتابعتها. لقد كان التفاعل إيجابيًا، وجرى في إطار علمي راقٍ. تقبّل الجميع أفكار بعضهم البعض، كما أبدوا رغبتهم في متابعة دورات مماثلة في المستقبل».

تمكّن المدربون من الوصول إلى عقول الإعلاميين المشاركين وقلوبهم، ونقلوا إليهم الصورة النموذجية للضابط اللبناني المثقف، فضلًا عن صورة الجيش اللبناني الذي يلتزم القوانين، حتى في أصعب الظروف وأقساها. فقد قدّم الجيش الكثير من الدماء في سبيل المحافظة على تطبيق القانون الدولي الإنساني في الميدان. ومثالًا على ذلك ما جرى في نهر البارد، حين أوقف الجيش المعركة لمدة أسبوع لإخراج المدنيين من المخيم، مقدّمًا نموذجًا راقيًا للقتال في العصر الحديث. جدير بالذكر أنّ عدد الضحايا المدنيين شكّل نسبة ضئيلة من عدد الضحايا العسكريين الذي بلغ 179 شهيدًا، وذلك خلافًا للصورة النمطية السائدة في النزاعات الحديثة.

في معركة «فجر الجرود» أيضًا، ظهر التزام الجيش تطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان إذ أُعطيت الأوامر للوحدات المقاتلة للتقيّد بالمادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربعة، وهذه المادة المتعلقة بالنزاع المسلح غير الدولي، تعطي ضمانات إنسانية للمتحاربين، مثل الحق بالعناية الطبية والمعاملة الإنسانية للأشخاص الذين أصبحوا خارج المعركة.

أخيرًا، يشير العقيد رزق اللـه إلى أنّ هذه الدورة شكّلت حافزًا لافتتاح دورات مماثلة في المستقبل، فالإعلاميون هم رُسُل الكلمة الحق والمعرفة. وهذه المعرفة ضرورية لإزالة الالتباس الذي يحصل أحيانًا بسبب عدم التمييز بين ما تجيزه القوانين وما تمنعه وما تقيّده، خصوصًا عندما يتعلق الأمر باستخدام القوة في أثناء تنفيذ عمليات حفظ الأمن.

 

تجربة غنيّة

تعكس آراء الإعلاميين الطلاب المشاركين أجواء هذه الدورة التي كانت بمنزلة تجربة جديدة غنيّة لهم. الإعلامية رجاء كمّوني (مستشارة إعلامية لدى اتحاد المصارف العربية، وطالبة ماستر في جامعة AUST)، رأت أنّ أهمية الدورة تكمن في موضوعها، وفي كيفية عرض المحاضرات التي زوّدت المشاركين معرفة وافية بالقانون الدولي الإنساني وآليات تطبيقه على الأرض. وإذ نوّهت ببراعة المحاضرين الضباط وخبرتهم، قالت إنّها ستعمل على نقل ما اكتسبته في الدورة إلى زملائها في العمل.

وأبدت كمّوني إعجابها بأداء الجيش اللبناني الذي يطبّق هذا القانون بدقّةٍ لامتناهية في الميدان، على الرغم من الثمن الباهظ الذي يتكبده في سبيل ذلك.

بدورها رأت إيفا عويس (طالبة ماستر في جامعة سيدة اللويزة NDU) أنّ التواصل المباشر مع الجيش اللبناني، يُعزّز الثقة به، ويُبرز التكامل بينه وبين الإعلام والمجتمع المدني على حد سواء. فهو يقف في الخطوط الأمامية في الميدان لحماية لبنان، كما يقف الإعلام أيضًا في الخطوط نفسها، لتوثيق الأحداث أمام الرأي العام.

وأعربت عويس عن سرورها لمتابعة هذه الدورة نظرًا لما تضمنته من مواد مهمة، كما عن رغبتها في المشاركة في دورات لاحقة مماثلة، شاكرة قيادة الجيش على لفتتها المهمة تجاه الإعلاميين.

أما الإعلامي أيمن المصري (طالب ماستر في جامعة الجنان، وإعلامي في إذاعة الفجر)، فقد شدّد على أهمية المشاركة في هذه الدورة، لما تحويه من معلومات قانونية وافية، تساعده في عمله الميداني خلال تغطية الأحداث والنزاعات المسلحة، إذ ألقت الضوء بشكلٍ دقيق على واجبات الإعلامي وحقوقه في أثناء التغطية.

وأكد المصري أهمية متابعة دورات مماثلة تتيح التواصل المباشر بين الجيش والمجتمع المدني، متمنّيًا تنظيم دورات تُعالج مواضيع تُساعد الإعلاميين على معرفة الحدود القانونية للتعاطي مع القوى الأمنية اللبنانية، وكذلك مع المؤسـسات الإعلامية للعدو الإسرائيلي مثلًا أو المجموعات الإرهابية... آملًا أن تُعزّز مناهج كليات الإعلام بمواد قانونية، تحدّد معايير التغطية الإعلامية، وخصوصًا تلك المتعلقة بالمؤسسات الأمنية.

في ختام الدورة، أقيم احتفال تخرّج حضره بالإضافة إلى الطلاب والضباط المدربين عدد من عمداء كليات الإعلام ومدرائها، تسلّم خلاله المشاركون إفادة بمتابعة الدورة من ممثل العماد قائد الجيش العميد الركن حسن جوني (قائد كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان). تلا ذلك نقاشات وتمنيات باستعادة التجربة الغنية في دورات أخرى ينظّمها الجيش.