إقتصاد ومال

إقتصاديات المونديال «راحت السَكرة»! فماذا عن الفكرة؟
إعداد: تريز منصور

«المونديال» الذي يسحر بكرته الصغيرة المليارات من البشر، بات في يومنا هذا عنوانًا للربح المالي والنمو الإقتصادي، وهدفًا أمام المسوّقين والتجار. فهو مربح جدًا للدول المتطوّرة والغنيّة، ويثير الشكوك حول ذلك بالنسبة الى الدول الفقيرة التي عليها أن تنفق أموالًا باهظة لتأمين البنى التحتية والتجهيزات اللازمة.

 

المونديال والنمو
تاريخيًا، أثبتت الأبحاث العلمية وجود علاقة قوية بين الرياضة الدولية ومستوى التنمية الاقتصادية الوطنية. وأصبحت الرياضة في القرن العشرين ظاهرة إجتماعية للبلايين من البشر في العالم. ففي البلدان المتقدمة تؤدي الرياضة دورًا مهمًا في التنمية الاقتصادية، إذ تمثّل 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تواجه الدول الأقل نموًّا تحدّيات كبيرة لجعل الرياضة عاملًا في التنمية الاقتصادية. ومن تجلّيات الرياضة في التنمية استضافة التظاهرات العالمية، وأهمها كأس العالم «المونديال» أو الألعاب الأولمبية.
للأحداث الرياضية الكبرى تأثير كبير على التنمية الاقتصادية حتى لو كانت عابرة أو محدودة، إلا أنها تشجّع ممارسة الرياضة الجماهيرية، وهذه الممارسة تؤدي إلى تطور سوق المعدات الرياضية وتجهيز الأجواء لمختلف الرياضات. وعلى سبيل المثال عندما استضافت باريس الألعاب الأولمبية، سجّل مبيع الملايين من القمصان والأحذية، التي انتعشت بفضلها صناعات النسيج والسلع الرياضية. وقد أدّت هذه الدينامية دورًا إيجابيًا في التنمية الإقتصادية في البلدان الأقل نموًّا. وتؤدي الرياضة دورًا أساسيًا في تسويق منتوجاتها عن طريق مجموعة من الخدمات، كالإشتراكات في المؤسـسات الخاصة بالرياضة والترفيه الرياضي، وحقوق البث الإذاعي والتلفزيوني والصحافة بصفة عامة، والإنفاق على الإعلام والإعلان والأدوات التجارية الاستهلاكية الأخرى، فضلًا عن ارتفاع في حركة السياحة الرياضية، مع انتقال أعداد كبيرة وضخمة من روّاد الفرق الرياضية المختلفة ومشجعيها...

 

شروط ومعايير
يحرّك «المونديال» نشاط عدّة مجالات تجارية وإستهلاكية مرتبطة به، كما سبق وأسلفنا، ولكن لاستضافة مباريات كأس العالم، شروط ومعايير دولية ضرورية واجب احترامها. وبالتالي يترافق التحضير لـ«المونديال» عادة مع إنفاق مليارات الدولارات الأميركية. وعلى سبيل المثال قدّرت كلفة التجهيز «لمونديال 2014» في البرازيل بنحو 14 مليار دولار أميركي (تضاربت الأرقام حول هذه الكلفة، حيث يعتقد البعض أنها لم تتجاوز الـ 3.4)، والتي تضمّنت بناء ملاعب ومشاريع خاصة بالطرق وأخرى لتحسين وسائل النقل. أمّا الإتحاد الدولي لكرة القدم الـ«FIFA» فخصّص نحو 576 مليون دولار، منها 35 مليون دولار للفائز الأوّل و25 مليون دولار للثاني و22 مليون دولار للثالث و20 مليون دولار للرابع. كما خصّص 8 ملايين دولار كحد أدنى للمنتخب الذي يخرج من الدور الأول. وإذا ما صدقت الأرقام التي تقول بأنّ البرازيل أنفقت نحو 14 مليار دولار أميركي، تكون كلفة «مونديال 2014» الأغلى في تاريخ بطولات كأس العالم. وكانت ألمانيا قد أنفقت في «مونديال 2006» نحو 6 مليارات دولار. ثم يأتي بالترتيب كلّ من: اليابان وكوريا الجنوبية بكلفة 5 مليارات دولار العام 2002، جنوب أفريقيا في المرتبة الرابعة بكلفة 4 مليارات دولار، وفرنسا العام 1998 بتكلفة 340 مليون دولار، ومثلها الولايات المتحدة الاميركية العام 1994.
والجدير بالذكر، أن حجم إنفاق البرازيل على التجهيز للـ«مونديال» قد أثار حفيظة مجموعات كبيرة من المواطنين البرازيليين الذين فضّلوا أن تُنفق هذه الأموال على الحاجات الأساسية للشعب البرازيلي الفقير، بحيث أنّ ملايين الفقراء في البرازيل والذين يقدّرون بنحو 32 مليون شخص يرزحون تحت خط الفقر. لكنّ ثمةّ رأي آخر، ركّز على استفادة البرازيل من استضافة نهائيات كأس العالم، إذ تدفّق الملايين من عشّاق كرة القدم على ساو باولو لمتابعة المباريات، فضلًا عن مئات الصحافيين ووكالات الانباء ومحطات التلفزيون والوفود الرسمية التي تمثّل 32 دولة.

 

زيادة كبيرة في المبيعات
لقد توقّع تقرير لمؤسـسة «موديز للتصنيف الائتماني» أنّ تحقق استضافة المونديال زيادة كبيرة في المبيعات في البرازيل على المدى القصير ورفع نسبة النمو الاقتصادي. وقدّرت المكاسب المالية للبرازيل بنحو 13 مليار دولار، علمًا أنه على صعيد التذاكر سجّل طلب 11 مليون تذكرة مقارنة مع 3.1 مليون تذكرة متوافرة.
ومن جهة أخرى، توقّع الإتحاد الدولي لكرة القدم الـ«FIFA» وفق دراسة مركز للإستشارات- عائدات قياسية من استضافة البرازيل لكأس العالم 2014 تناهز 5 مليارات دولار، ممّا يعني ارتفاع هذه العائدات بنسبة 36 في المئة عمّا حقّقه «مونديال 2010» في جنوب أفريقيا (3.655 مليارات دولار)، وبزيادة نسبتها 110 في المئة عمّا تحقّق في كأس العالم 2006 في ألمانيا ( 2.345 مليار دولار). وتأتي مصادر هذه الإيرادات بشكل رئيس من بيع حقوق النقل التلفزيوني للـ«مونديال»، وحقوق الرعاية والتسويق وحقوق ترخيص المنتجات والضيافة من تذاكر وإصدارات ومقتنيات، وذلك على مدار السنوات الأربع التي تسبق المونديال.

 

ارتفاع نسبة التضخم
على أرض الواقع، سجّلت مؤشرات إقتصادية سلبية في البرازيل تحت تأثير تداعيات استضافة «مونديال 2014»، فمؤشّر نسبة التضخم ارتفع بصورة مفاجئة مع إرتفاع أسعار المواد الإستهلاكية وإيجارات الفنادق والرحلات السياحية وكلفة الانتقال الجوي، وقد ارتفعت نسبة التضخّم الى 6.41 في المئة من 6.31 في المئة الشهر الذي سبق «المونديال» (أيار)، الأمر الذي دفع بالبنك المركزي البرازيلي إلى رفع أسعار الفائدة لاحتواء التضخم.
والجدير بالذكر هنا، أنّ استضافة المونديال في الدول المتطورة والغنية لا يصحبها إنفاق كبير، إذ أنّ هذه الدول مجهّزة مسبقًا (نسبيًا) على المستوى الرياضي والسياحي والبنى التحتية، في حين أنّ الدول الفقيرة غير المجهّزة، تتكبّد الكثير من الخسائر، كما أن الكلفة الباهظة للتجهيزات، قد تصل إلى درجة المخاطـرة بالتوازن المالي أحيانًا.
ومن النواحي السلبية الأخرى، يمكن ذكر كثافة عمليات المراهنة على نتائج المباريات، والتي تعتبر غير شرعية وتبلغ قيمتها مليارات الدولارات، وهي من الوسائل المستخدمة ايضًا في عمليات لتبييض الأموال، وتقع تحت مراقبة «الإنتربول» والـ«FIFA» والسلطات الأوروبية.

 

كلفة المونديال في قطر قد تبلغ مستويات قياسية
في هذا الإطار، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ ما تنفقه قطر لاستضافة كأس العالم، سوف يستحوذ على جزء كبير من الموازنة السنوية للحكومة التي تقدّر بـ62 مليار دولار أميركي، وقد تبلغ كلفة الإستضافة مستويات تاريخية لم يشهدها العالم والتاريخ. علمًا أن أسواق المال القطرية اهتزّت في الأسابيع الأخيرة تحت وطأة التوقّعات بفقدان الدولة الخليجية حق استضافة كأس العالم 2022.
 

ولبنان...
أخيرًا لا بدّ من الإشارة إلى أن كلفة «مونديال 2014» كانت عالية جدًا في لبنان، بحيث اضطرّت الحكومة اللبنانية إلى دفع 4 ملايين دولار إلى شركة «سما» القطرية التي تملك الحق الحصري بنقل «المونديال»، كي يتمكّن جميع اللبنانيين من متابعة المباريات. ولقد أشارت عدة تقارير إلى أنّ «المونديال» قد حرّك الأسواق إلى حدّ كبير، على الرغم من الظروف الأمنية الصعبة التي مرّ بها لبنان في تلك الفترة، وخصوصًا في المقاهي والمطاعم التي عرضت شاشاتها المباريات.