من الميدان

إلى «أم خالد» و«الحمرا» مرّة أخرى وبكل سرور: ماذا يقولون في عيدهم؟
إعداد: ندين البلعة خيرالله

هيّا معًا نستكشف ونعرف ونتعلم... هل خطر ببال أحد منّا أن علبة «مرتديلا» تفتح بحجر لتكون وليمة لـ«سيدنا الضابط وأنا»...
عشية عيد الجيش كانت لنا زيارة إلى مواقع متقدّمة للجيش في جرود راس بعلبك.
زيارتنا السابقة لهم كانت في عزّ الثلج. والمشقة التي كابدناها ذهابًا وإيابًا، كانت كافية لجعل أي عاقل يفكّر ألف مرّة قبل أن يعيد الكرّة، لكننا عدناها بكل سرور وطيبة خاطر، وفي عزّ «الشلاهيب»...


في الطريق كانت الأسئلة تدور وتدور...
ماذا يقول العسكري الرابض في أعالي التلال في عيده؟ كيف يقيّم الوضع منذ سنة حتى اليوم؟ ماذا يعني له العيد وهو الذي جعل من مركزه بيته الدائم؟ وكيف يتدبر العسكريون أمور حياتهم اليومية؟
البداية كانت لدى فوج الحدود البرية الثاني الذي أخذ على عاتقه مهمة ايصالنا إلى تلة «أم خالد»، في آلية كانت تنقل أيضًا وفدًا من الخبراء البريطانيين يقصد المنطقة للكشف على عتاد مراقبة متطوّر تمّ تركيزه حديثًا.
منذ وصولنا إلى التلّة لاحظنا أنّ الوضع يختلف عمّا كان عليه. نسأل، فيأتي الجواب من العريف زيتون الذي يؤكد أنّ الوضع قد تغيّر نحو الأفضل، فقد اتّخذ الجيش سلسلة إجراءات على الحدود وخصوصًا عند النقاط والمعابر التي يمكن أن ينفذ منها المسلّحون إلى الداخل: أقام حواجز وتحصينات على طول الحدود، وأقفل المعابر غير الشرعية لتُصبح المجموعات المسلّحة تحت مرمى نيرانه. وبكل ثقة وعزم يقول العريف: المنطقة باتت اليوم في قبضة الجيش وتحت سيطرته الكاملة.
عندما يسهر العسكري وسط الصخور القاسية مؤمّنًا نوبة الحراسة في موقع خطر، ما هي الأفكار التي تراوده؟ وما هي الصور التي ترتسم في مخيّلته؟ يقول العريف، أفكار كثيرة وصور مختلفة لكن المشهد الذي يلحّ على خيالي دائمًا، هو مشهد رفاقي الأسرى يعودون من خلف التلال...
نشعر بعمق الأسى في العيون، ننتقل إلى موضوع آخر.

 

العيد للبنان ولنا الواجب
نسأل الجندي رستم ماذا يعني له عيد الجيش وهو في هذا الموقع؟ يقول: عيد الجيش هو عيد لبنان الواحد، القوي. واجبنا واحد هنا أو في أي موقع آخر. تأقلمنا مع جميع الظروف المناخية والحياتية والميدانية. شخصيًا لا شيء يخيفني أو يخفّف من عزيمتي، لقد أصبحنا جزءًا من هذه التلال...
نودّع الشباب نتمنى لهم العافية والسلامة وأعيادًا عديدة، ونتابع جولتنا لنصل الى نقطتنا الثانية: مركز تلة الحمرا الذي يعتبر مركزًا متقدّمًا جدًا لجهة الحدود اللبنانية السورية. وهو المركز الذي شهد حكايات بطولة سطّرها الجيش بدمه منذ أشهر.
يشير عناصر من السرية الى الدشم التي استحدثوها وإلى التحصينات التي جعلت المركز عصيًا على أي محاولات لخرقه.


• ماذا عن الأوضاع الحياتية في المركز؟
- يضحك الرقيب محمد ويقول: «في الشتاء كنا نذيب الثلج لنشرب ولنستحم، الآن لم يعد لدينا مشكلة فالمستلزمات الحياتية من ماء وأكل مؤمنة كليًا وبشكل يومي».


• نسأل: إذًا تكيّفتم جيدًا مع الظروف؟
- فيردف قائلًا: «طبعًا والأهم أننا اكتسبنا مزيدًا من التمرّس والخبرة في استخدام السلاح، خصوصًا الرمي بواسطة «الهاون»».

 

الرجال أيضًا يبكون
الرقيب علي كانت له حكاية أخرى، فهو الذي سحب رفاقه الذي استشهدوا في الكمين الغادر منذ عدّة أشهر، «بكيتهم كالطفل، كنا نتشارك الخطر والسهر والصحن وفنجان القهوة...»، يصمت قليلًا قبل أن يتابع بإصرار: في عيد الجيش، عهد علينا أن نظلّ شجعانًا أوفياء لتظل هذه المؤسسة بكل ألويتها ووحداتها، بضباطها ورتبائها وجنودها، الملاذ الآمن لكل اللبنانيين والبنية الأساس لدولة متقدمة، نريدها أن تمتلك كل عناصر الاستقرار والازدهار والأمن.
نصعد إلى نقطة حراسة حيث يتمركز المجند الأيوبي. معنويات «مثل النار»، قوة قلب وثقة بالنفس وبالسلاح. يطلعنا المجند على مهمته الأساسية: «الحراسة والمراقبة عبر مناظير نهارية وليلية والقيام بمهمات استكشافية وصدّ محاولات التسلّل المحتملة». «المركز بيتي» يقول، وعن عناصر السرية: «نحنا متل عيلة هون كل واحد بيخاف على التاني وبيحميه بعيونو».


سيدنا وأنا...
ممازحًا، يخبرنا المجنّد الأيوبي أنّه في إحدى المرّات شعر بالجوع ولم يكن المركز مجهّزًا بالمستلزمات الحياتية بعد. كل ما توفّر حينها كان علبة «مرتديلا» شكّلت وجبة الغداء لشخصين: «سيدنا الضابط وأنا»، يقول، ويشرح: استعنا بحجر لفتحها، وأكلنا معًا، «لقمة إلي لقمة لسيدنا».

 

برجك عيد
تصل إلى مسامعنا أصداء الأغاني الوطنية تصدح في سماء المنطقة. لعيد الجيش وقعه الخاص ونكهته المميزة في المجوقل الذي بدأ بالاحتفال منذ الصباح الباكر، وعند وصولنا إلى مركزه كانت بانتظارنا «حلوينة العيد»... وكذلك عصير التوت البارد.
في غرفة عمليات المجوقل قدّمنا التهاني بالعيد للعسكريين الذين رحّبوا بنا بحرارة. نقترب من عنصر من السرية ونسأله:


• ماذا يعني لك العيد هذه السنة؟
- يجيب الرقيب أول محمد من سرية الدعم: «لقد استشهد الرائد ربيع كحيل قبل العيد ووقع ضحية الإجرام والغــدر، والعيــد بالنسبــة إلينــا تجديــد لعهدنا بمحاربــة الإرهــاب بأشكالــه المختلفــــة حتــى الرمق الأخير من حياتنــا وحتــى آخــر نقطــة دم في عروقنــا».
ويضيف: «الوفاء بالعهود من شيمنا وهو يقتضي أن نطوّر قدراتنا وخبراتنا بشكل مستمر وهذا ما نفعله من خلال التدريب المتواصل».

 

نحمي وندعم
نودّعه ونتوجّه إلى سرية الاستطلاع، هناك نلتقي الرقيب أول الصالح الذي يكشف لنا أنّ مهمته الأساسية هي المراقبة الدقيقة ودراسة الخرائط وتحديد أهداف العدو ونقاط التمركز، مؤكدًا أنّ المجوقل في جهوزية تامة وهو يقوم بمهمتين أساسيتين: الأولى حفظ الحدود والثانية تأمين الغطاء الأمني والدعم الناري للوحدات المنتشرة.
وبثقة يؤكد: «المجوقل قادر أن يحسم أي معركة محتملة بعد بضعة دقائق من تدخّله، والويل للعدو إذا هجم أسود المجوقل وزغردت هوانينه...».
ينتهي مشوارنا، ونعود حاملين في قلوبنا حكاية أمل...