العوافي يا وطن

إلى آخر رعشة قلب
إعداد: إلهام نصر تابت

على امتداد الوطن دماؤهم.
على امتداد الوطن عَرَقهم.
مسيرة التضحية يسلّمها السلف للخلف، ومع كل طلوع للشمس وإطلالة للقمر، يتجدّد النذر ممهورًا بالدماء الطاهرة، مضمّخًا بعطر التعب والتفاني.
ليس في وطني بقعة أرض إلا وقدّستها دماؤهم، ليس في وطني مدينة أو بلدة أو قرية إلا واستقبلت العَلَم يلف نعوشهم، وليس في وطني بيت إلا وسكنت وجدان أهله حكاية بطل منهم.
في الأيام السوداء، وما أكثرها في وطني، تشع شهادتهم نجمة تعلن تجديد عهد الوفاء للوطن بآخر رعشة قلب وآخر نقطة دم.
في بيوت أهاليهم وجعٌ يسير في الأيام ولا يتوقف. تظل الحكاية حارقة في انتقالها من جد لحفيد فتح عينيه على صورة معلّقة.
في ثكناتهم تقيم صوَرهم محروسة بقدسية عطائهم وعهود رفاقهم. رقدوا في التراب فصار ترابهم بخورًا، وصارت ذكراهم خارطة طريق لرفاقٍ عرفوهم وآخرين لم يعرفوهم.
في الأيام الصعبة، وما أكثرها في وطني، تنبري سواعدهم المعقودة على العزم، للتضحية في كل منطقة ومجال.
أقامت فِرقهم المختصّة جسورًا بديلة لتلك التي دمّرها العدو، وأعادت التواصل بين المناطق.
شقّت آلياتهم الطرقات في المناطق النائية، فخلقت شرايين تضخ الحياة.
تسلّقت مجموعاتهم جدران القلاع الأثرية لتُعيد إليها بهاءً أكله عشب الحرب والإهمال.
نادتهم الأحراج، فتصدّوا بصدورهم لنار الحرائق، وما لبثوا أن حملوا معاولهم وأعادوا اللون الأخضر إلى مساحاتٍ أكلتها النار.
ناداهم المحتجَزون في الثلوج والفياضانات فهبّوا إلى نجدتهم.
لم يعلنوا التعب مرة، وإن أكلت الشمس جلدهم أو حبس الصقيع الدم في أطرافهم.
لم يتردّدوا مرة، وإن كانوا يعلمون أنّهم يتعبون لأنّ في الدولة مَن لم يقم بواجبه.
تسير أيامهم بوتيرة العطاء إياها، سواء كانت الأيام سوداء أو صعبة أو كانت أيامًا عادية.
كم من مرّة خانهم عتادٌ قديم فعمِلوا من دون كللٍ على تأهيله بما أمكن، وما أمكن دائمًا قليل، مع ذلك لم يعجزوا مرة عن تنفيذ المهمة.
ننظر إليهم اليوم، ونحن على بُعد أيام من الاحتفال باليوبيل الماسي للمؤسسة المحتضنة هموم وطنها وأوجاعه. نتأمل في ثباتهم وهم يواجهون الظروف القاسية. نتعجب لصبرهم، تذهلنا قدرتهم على التحمّل. في ساحات الاحتجاجات، في مواجهة محاولات زرع الفتنة، كما في مواجهة الأخطار العابرة للحدود، ومواجهة ضيق العيش.
ننظر إليهم، ونعرف أنّهم يدركون أن لا مجال للتعب، لا مجال للحظة وهن، وإن أصاب التعب والوهن الآخرين بمختلف فئاتهم ومواقعهم.
ننظر إليهم، ونعرف أنّ ثباتهم هو خيط الأمل في الأفق الأسود، وأنّهم سيواصلون حماية هذا الوطن، إلى آخر رعشة قلب، وآخر نقطة دم.


العوافي يا جيشنا
العوافي يا وطن