سلام يا وطني

إلى أمي
إعداد: إلهام نصر تابت

كنت فقط أحاول أن أعرف ما الذي يجري.

لم أتخيل قط أنّ الشرفة التي أحبها، الشرفة العابقة بعطر الحبق والياسمين، الملونة بأزهارك الجميلة، ستقتلني.

كيف انهارت بلحظة وألقت بي تحت، تحت، أمام سناك أم عبدو؟

أعتقد أنّ الصاج كان حاميًا، شممت رائحة الزعتر وأنا أحاول أن أمنع سقوطي.

لا لم أكن طائشًا، لم أرتكب ما يستوجب هذا القصاص. كنت فقط أنظر باتجاه النار، وأحاول أن أعـرف ما الـذي يجـري.

لم استطع أن أعرف، هل عرفت أنت ما الذي جرى؟

أرى هنا بقربي روان وألكسا ومحمد والياس وسحر ورالف، وآخرين أعرفهم. أرى أيضًا كثيرين لا أعرفهم، لكنّني أعتقد أنّهم مثلي لم يفعلوا ما يستوجب هذا القصاص. أرى في عيونهم جميعًا أسئلة كثيرة.

ما الذي حصل يا أمي، لماذا لا أستطيع العودة إلى شرفتنا الجميلة؟ وعدتني روان بأن تأتي وتشرب القهوة عندنا، على الشرفة نفسها. أخبرتني أمس أنّها جمعت قسط الفصل الأول للعام المقبل. أخبرتني أيضًا أنّها تتوقع أن تجمع قسمًا من قسط الفصل الثاني قبل أن ينتهي الصيف. سناك أم عبدو كان يعمل جيدًا رغم الأزمة.

أرى الكثير من السواد يا أمي، لم أشاهد آخر غروب لشمس بيروت من شرفتي. أرى بيروت وقد طحنها الدمار، أكل الركام قلبها، افترش شرايينها.

رأيت النار من شرفتنا، سمعت زمامير سيارة الإطفاء، ثم اختفت معالم مدينتي. ماذا حصل يا أمي؟ عندما كنت صغيرًا كنت تعرفين كل شيء، تجيبين عن أسئلتي كلها. هل تعرفين الجواب اليوم؟

إلى جانبي من كانوا في السيارة التي أسرعت لإخماد الحريق، هم أيضًا لا يعرفون ما الذي حصل!

كنت تخافين عليّ من حوادث السير وأولاد الحرام، وكنت تصلين كثيرًا لأعود كل يوم سالمًا إلى البيت. كيف لم تعرفي أنّ الموت مُخبأ في عنبر مواجه لشرفتنا؟ أما من أحد كان يعرف؟ لو كان محمد يعرف لاكتفى بيوميته الزهيدة، ولما مدّد دوامه لقاء خمسة آلاف ليرة إضافية. أخبرني للتو أنّ أمه كانت بحاجة إلى دواء وأشياء كثيرة. يريد أن يعرف من سيتكفّل بدوائها وحاجاتها بعد اليوم؟

هل تذكرين يا أمي يوم أخبرتك بأنني أريد الرحيل من لبنان؟ هل تذكرين كيف أمسكت دموعك بقلبي ومنعتني من التفكير بالموضوع مجددًا؟ يومها قلت لي: الحرب خسّرتني والدك، لن أقبل أن تخسرني إياك الغربة. قلت أيضًا: سنبقى هنا في وطننا. في هذه الأرض التي مات كثيرون لتبقى لنا، ومن بينهم والدك.

كيف أحوالك يا أمي؟ أخشى أن أكون قد خذلتك برحيلي. أُقسم لك، لم أشأ أن أجرحك. لم أكن أريد الرحيل. فقط كنت أحاول أن أعرف ما الذي يجري. خرجت إلى الشرفة. كيف أتى الموت إلى شرفتنا الجميلة؟ لماذا أتى قبل الغروب؟ كنت أنتظر قهوتك والشمس يا أمي.

سلام يا أمي.

سلام يا مدينتي.

سلام يا وطني.

لكنني أريد أن أعرف ما الذي حصل؟ وكيف حصل؟

كثيرون هنا مثلي أتوا على عجل، يريدون أن يعرفوا. هل نطلب الكثير؟