إقتصاد ومال

إنخفاض أسعار النفط
إعداد: تريز منصور

هل يشهد العالم أزمة مماثلة لتلك التي أطاحت بالاقتصاد في 2008؟


يتخبّط العالم اليوم وسط أزمات كبيرة مختلفة، أمنية، سياسية واقتصادية. ومن أبرز هذه الأزمات ارتفاع الإنتاج النفطي الذي أسهم في تخفيض سعر برميل النفط بنسبة 70 في المئة منذ أوائل العام 2015 ولغاية تاريخه. وقد سجّل هذا الانخفاض إيجابيات كبيرة على مستوى المستهلك وأكلاف الإنتاج وميزان المدفوعات خصوصًا بالنسبة إلى الدول المستوردة لهذه المادة في جميع أنحاء العالم، ولكنه سجّل في الوقت عينه، خسائر مالية كبيرة طالت كبريات المصارف العالمية وشركات إنتاج البترول، وأثّر على الاستثمارات وعلى الوظائف.
وللوقوف على انعكاسات انخفاض سعر برميل النفط عالميًا وداخليًا، التقت مجلة «الجيش» الخبير في الشؤون الإقتصادية الدكتور مروان اسكندر، وهنا نص الحديث.    

 

الواقع النفطي اليوم
• لسعر برميل النفط تأثيرات كبيرة، من الناحيتين السلبية والإيجابية على الاقتصاد العالمي، فما هي قراءتك للواقع النفطي اليوم؟
- بلغ انخفاض سعر برميل النفط منذ أوائل العام 2015 الـ70 في المئة. وقد أثرّ هذا الانخفاض بشكل كبير على أكلاف الإنتاج والتنقّل والتدفئة. فالعالم يستهلك يوميًا مليون برميل من النفط، ما يعني أنّ الوفر النفطي لدى الدول المستهلكة يناهز  10 مليارات دولار. كما أن نسبة استهلاك الغاز عالميًا توازي 20 في المئة من نسبة استهلاك النفط، وبذلك تصبح نسبة الوفر بحدود الـ12 مليار دولار يوميًا. ويُعتبر هذا الوفر ضخمًا جدًا، بحيث يبلغ مجموعه أربعة تريليون دولار أميركي. يضاف إلى ذلك أن دولاً صناعية كثيرة رفعت قيمة ضرائب استهلاك النفط، ما أدّى إلى تخفيض عجوزات موازناتها.
وأضاف: في المقابل ساهمت سياسات خفض سعر النفط عالميًا، في نشوء أزمة مصرفية في أوروبا والولايات المتحدة، حيث تزيد ديون شركات النفط على التريليون ومائتي مليار دولار.
وقد تعرّضت الأسواق المصرفية لهزّة فهبطت أسعار أسهم بعض البنوك العالمية كـ«كريدي بنك» و«دوتشي بنك» و«بنك أوف أميركا» و«الشركة المصرفية العالمية» بنسبة 50 في المئة في أسبوع واحد، ونتيجة الخسائر صرفت هذه البنوك عددًا كبيرًا من موظفيها.
كما حصلت عدة إفلاسات لدى شركات إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأميركية والتي انخفض إنتاجها من 3.7 مليون برميل يوميًا إلى 2.9 مليون برميل، أي 800 ألف برميل يوميًا.
ممّا يعني تبخّر كلفة المستثمرين في الاستثمارات وفي الشركات والبنوك، وهذا مؤشر أن الاقتصاد العالمي لن ينمو بأكثر من نسبة 1.5 في المئة سنويًا، ومعظم هذه النسبة سيكون نتيجة النمو في الصين والهند.
لذلك، ثمّة خوف كبير من إنزلاق الأسواق المالية والاقتصاد العالمي إلى أزمة تشبه الأزمة المالية التي أطاحت بالاقتصاد العالمي منذ 2008 وحتى العام 2014.
في ما يخصّ الدول المنتجة للنفط إتفقت أربع دول منتجة، (السعودية، روسيا، قطر وفنزويلا) في 16 شباط الفائت على تجميد مستويات الإنتاج عند الحدّ الذي كانت عليه في شهر كانون الثاني. فارتفعت الأسعار في اليوم التالي 5 في المئة. وعقدت عدة اجتماعات بين وزراء النفط في فنزويلا والعراق وإيران، بغية التوافق على تجميد الإنتاج أو حتى على تخفيضه. لكن لا نتائج واضحة حتى الآن. والواقع أن السعودية التي كانت ترفض التخفيض، اقترحت إقراره بنسبة 5 في المئة، بهدف رفع سعر النفط إلى 50 دولارًا شرط أن توافق على ذلك الدول المنتجة والمصدّرة على حدّ سواء.
وأشار اسكندر إلى أن السعودية وروسيا وإيران والعراق تحتاج إلى رفع عوائد إنتاج النفط وتصديره.

 

واقع الاقتصاد العربي
• ما هو واقع الاقتصاد العربي اليوم؟

- من الواضح أن الدول العربية المنتجة للنفط، باتت تعاني عجزًا متوسّعًا في موازناتها، بدلاً من تحقيق فائض كما كان الوضع في السنوات السابقة ولغاية العام 2014.
يضاف إلى ذلك أن دول مجلس التعاون الخليجي كالسعودية والإمارات والبحرين وقطر، تتكبّد نفقات عسكرية كبيرة. وعلى سبيل المثال وقّعت قطر اتفاقًا مع تركيا لإقامة منشآت دفاعية أرضية لاستقبال 10 آلاف جندي تركي، إضافة إلى اتفاق آخر مع فرنسا لشراء 36 مقاتلة جويّة بقيمة 7 مليارات يورو.
أما إمارة دبي فلن تتأثّر كثيرًا بانخفاض أسعار النفط، لأنها تعتمد على إيرادات السياحة، التجارة والخدمات في المرتبة الأولى. كما أن انفتاح إيران اليوم سوف يفتح لهذه الإمارة عدة مجالات، نظرًا للعلاقات القديمة القائمة بين البلدين.
ويتابع قائلاً: إذا لم يرتفع سعر النفط خلال الأشهر الثلاثة المقبلة إلى مستوى الـ50 دولارًا كحدٍّ أدنى، فسوف تضطر دول الخليج إلى تقليص العمالة الأجنبية بنسبة 40 في المئة على الأقل. وهذه الإجراءات سوف تؤثّر على اللبنانيين والفلسطينيّين والباكستانيين والهنود وغيرهم من العاملين في منطقة الخليج. وبالنسبة إلى اللبنانيين خصوصًا، فإن تحويلاتهم التي كانت تبلغ نحو 10 مليارات دولار في الأعوام السابقة، قد انخفضت إلى نحو السبعة مليارات دولار في العام 2015. ومن المتوقّع أن تنخفض إلى الخمسة مليارات دولار في العام الجاري.
وبالإجمال، سوف تعاني موازنات الدول العربية كثيرًا من انخفاض أسعار النفط، وسوف تُجبر على اختصار المشاريع والاستثمارات في البنى التحتية. ولكن لا يوجد خطر إفلاس شركات عربية منتجة للنفط، نظرًا لانخفاض كلفة الانتاج (3 دولارات للبرميل الواحد، مقابل 30 دولارًا في الشركات الأجنبية ).   

 

جريمة كبرى بحق لبنان
• ماذا عن لبنان؟

- يستفيد لبنان من انخفاض أسعار النفط، فعلى صعيد المستهلك العادي انخفضت أسعار البنزين والمازوت... أما على مستوى الدولة، فسوف يطال الانخفاض عجز الكهرباء بنسبة تراوح بين 40 و 50 في المئة، ما يؤثّر إيجابًا على ميزان المدفوعات. ولكنه بالمقابل سوف يؤثّر على اللبنانيين العاملين في الخليج، لناحية خسارة الوظائف أو غياب إمكانات تحقيق أرباح في الشركات التي أسّسوها في تلك الدول.
وكذلك ثمّة ضرر أساسي على لبنان يتأتى من انخفاض أسعار النفط، سوف يظهر في غياب حماسة الشركات الأجنبية لإبرام عقود البحث والتنقيب عن النفط في مياهه الإقليمية. والبرهان على ذلك انخفاض عدد الشركات التي كانت ترغب في الاستثمار في هذا الحقل في لبنان من 16 إلى 4 شركات. كما أن التشريعات الحكومية التي تسمح بعقد اتفاقات التنقيب والتطوير والإنتاج، لم تنجز تفاصيلها لغاية تاريخه، وهذه جريمة كبرى بحق لبنان.
أخيرًا، دعا الدكتور اسكندر الدولة إلى بناء المصافي الخاصة بها لتكرير النفط بدلاً من استيراد المشتقات النفطية، معتبرًا أنه من الضروري تشغيل معملي الجيّة والبارد على الغاز، بغية تحقيق وفر مالي، وكذلك الإسراع في إبرام اتفاقات الاستثمار في الغاز والنفط.
وأكّد أنه إذا تمّ إقرار تخفيض الإنتاج النفطي بنسبة 5 في المئة، فسوف يرتفع سعر البرميل 10 في المئة. ولكنه أعرب عن اعتقاده بصعوبة التوصّل إلى اتفاق بين السعودية وإيران على تخفيض نسبة الإنتاج، علمًا أن الأخيرة كانت أعلنت في مطلع العام الحالي أنها بصدد إنتاج 500 ألف برميل خلال ستة أشهر.