إقتصاد ومال

إهدار الغذاء يضرّ بالمناخ ويؤدّي إلى شحّ المياه
إعداد: تريز منصور

الفاو: العالم يهدر سنويًا أغذية بـ 750 مليار دولار

 

العالم أمام مشكلة أمن غذائي حقيقية، ففي حين يتنامى عدد الفقراء في العالم ليسجّل اليوم نحو 870 مليونًا، ترتفع نسبة كميات الطعام المهدور بطريقة مذهلة إذ تقارب قيمتها نحو 1.3 مليار سنويًا، وفق تقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو» (FAO). ومع توقّع ارتفاع عدد الفقراء إلى 9 مليارات نسمة العام 2050، فإن هدر ثلث قيمة الغذاء في العالم يمثّل واحدة من كبرى مشاكل العصر.
لذلك ندّد البابا فرنسيس بما سماه «ثقافة الهدر» وقال: «في عالم تتزايد فيه النزعة الاستهلاكية  فإن إلقاء بقايا الطعام في القمامة هو مثل السرقة من الفقراء».
ما هي نتائج هدر الغذاء، وما هو تأثيره على الاقتصاد والبيئة والمجتمع، وهل من تدابير عالمية  للحدّ من تفاقم  هذه المشكلة؟

 

الشويري: على الجميع التحرّك
المهندس الزراعي إيلي الشويري (وحدة البرامج في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة FAO) أوضح لمجلة «الجيش» أن «منظمة الأغذية والزراعة كشفت في تقرير «بصمة الفاقد الغذائي» (Food wastage – Food print) الصادر في أيلول الفائت، أن إهدار كميات مذهلة من الغذاء مقدارها 1.3 مليار طن سنويًا (بما يوازي ثلث الإنتاج العالمي)، ليس سببًا جوهريًا لخسائر إقتصادية هائلة فحسب، بل انه يلحق ضررًا جسيمًا بالموارد الطبيعية (كالماء، الطاقة، الأراضي المستخدمة، التنوّع الحيوي...)، التي تعتمد البشرية عليها لسدّ حاجاتها الغذائية...».
وأضاف قائلاً: إن الغذاء المنتج وغير المستهلك يبتلع كل سنة مياهًا تضاهي كميتها التدفّق السنوي لنهر الفولغا في روسيا (وفق التقرير)، ويسبّب حوالى 3.3 مليارات طن من إنبعاث غازات الإحتباس الحراري الـ«ميتان» (Methane) إلى أجواء كوكب الأرض. وتفوق الخسائر الإقتصادية المباشرة (باستثناء الأسماك والأطعمة البحرية) الـ 750 مليار دولار سنويًا.
وبالتالي من غير الجائز السماح لثلث مجموع الغذاء في العالم أن يؤول إلى الإهدار بسبب الممارسات غير الملائمة، بينما هناك نحو 870 مليون شخص يتضوّرون جوعًا كل يوم.
ومن هنا يتعيّن على المزارعين وصيادي الأسماك وجميع الجهات المعنية، من أسواق «السوبر ماركت» والحكومات والمستهلكين الأفراد، تطبيق المعايير اللازمة في كل حلقة ربط على امتداد السلسلة الغذائية البشرية (الإنتاج، القطاف، التوضيب، النقل...)، للحيلولة دون وقوع خسائر غذائية في المقام الأول، وإعادة استخدام الغذاء متى أمكن ذلك أو إعادة تدويره، للإستفادة منه.

 

سلوك المستهلكين وعوامل أخرى
أضاف الشويري: إن جملة من العوامل المرتبطة بسلوكية المستهلكين وضعف التواصل في مواضيع سلسلة التجهيز، تكمن وراء المستويات العليا من الخسائر الغذائية لدى مجتمعات الرفاه. وفي هذا السياق، يخفق المستهلكون في التخطيط لتسوّقهم أو يسرفون في الشراء.
وتقوم محلات البيع بالتجزئة بالتخلص من مقدار كبير من الأطعمة المنتهية صلاحيتها، كما تحصل  الكثير من الخسائر خلال عملية النقل.
ويجب ألّا نهمل دور الضوابط والمعايير التي تحدّد جودة الأطعمة، فهذه الأخرى مسؤولة عن هدر الكثير من الطعام. وكذلك مظهر السلعة الغذائية، فالمحاصيل التي لا ترقى إلى معايير الجودة يتمّ تركها في الحقول لتموت وتتعفّن.
على صعيد البلدان النامية، تقع خسائر كبرى في مرحلة ما بعد الحصاد، خلال الجزء المبكّر من سلسلة التجهيز، ممّا يشكل مشكلة رئيسيّة، تُعزى إلى القيود المالية والهيكلية التي تعانيها أساليب الحصاد والخزن، ومرافق البنى التحتية للنقل، وعادة ما يترافق ذلك مع عوامل الظروف المناخية المؤاتية التي تسببّ تلف المواد الغذائية كالحشرات والفطريات مثلاً.
ووفق منظمة «الفاو» تتكبد البلدان النامية الخسائر الغذائية الأعلى خلال الإنتاج الزراعي، بينما تميل الخسائر إلى الارتفاع في مراحل الاستهلاك والبيع بالمفرد لدى أقاليم الدخل المتوسط والأعلى بما يراوح بين 31 و39 في المئة  من الخسائر الكليّة.
يبلغ الهدر في المنتجات الزراعية في الفترة الممتدة بين الإنتاج والتسويق نحو 55 أو 60 في المئة، وعلى صعيد الاستهلاك يبلغ نحو 40 إلى 50 في المئة، ليصل بعد الحصاد إلى ما بين 15و20 في المئة.

 

سياسات الدول
عن الحلول المرتجاة للحدّ من هذه المعضلة العالمية، أشار المهندس الشويري إلى أن عملية تخفيض نسبة فقدان الغذاء يجب أن تتمّ خلال جميع مراحل سلسلة الإنتاج. وبالتالي على الحكومات وضع استراتيجيات وسياسات، تمكّنها من مراقبة مراحل الإنتاج، البنى التحتية، وتحليل قيمة الربح والخسارة، كي تتمكّن في ما بعد من التدخّل لوضع القوانين المناسبة، للحدّ من نسبة الهدر.
وقد يكون من بين بعض الحلول على صعيد سياسات الدول، حثّ جميع المعنيين بسلسلة الإنتاج على الإستثمار في القطاع الزراعي، وإعداد برامج تدريب، وتوفير إرشادات زراعية وتقنية ملائمة.               
ومن الضروري منح أولوية عالية للعمل على تقليص الخسائر الغذائية في المقام الأول، بما يتجاوز مجرد خفض خسائر المحاصيل الزراعية بسبب الممارسات الرديئة، بمعنى بذل المزيد من الجهود لموازنة الإنتاج على نحو أفضل، إضافة إلى ضرورة تغيير ثقافة المستهلك، ولا سيّما خلال التسوّق، وارتياد الفنادق المطاعم.

 

فكّر، كل واقتصد
إلى ذلك تكون الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)، أحد أبرز الحلول الناجعة في هذا المجال، ولا سيّما المبادرات التي تقوم بها منظّمات المجتمع المدني، كتلك المبادرة التي قام بها برنامج الأمم المتحدة (UNEP) ومنظمة الفاو في بداية العام 2013، وهي عبارة عن حملة توعية تحت عنوان «فكّر، كل، واقتصد» (Think , Eat & Save). وقد كان هدفها توجيه المعنيين إلى اقتصاد أخضر متكامل، يتحقق عندما يتمّ اعتماد الموارد الطبيعية المتاحة بطريقة مستدامة. والتوجّه العام لهذه الحملة، يصبّ في خانة ضرورة تخفيض كميات الغذاء المهدورة بنسبة 50 في المئة خلال السنوات العشر القادمة.
وفي لبنان تحرّك المجتمع المدني من خلال إنشاء ما سمي «البنك اللبناني للغذاء» (Lebanese Food Bank) والذي يقوم بتجميع المتبقي في الفنادق والمطاعم، وتوزيعه على المحتاجين. كما أن مطاعم المحبة تعمل ضمن هذا التوجّه.
وقد نفّذت وزارة الزراعة اللبنانية، عدة مشاريع وبرامج بالتعاون مع منظمة الفاو ضمن خطة عمل للنهوض بالقطاع الزراعي وضعت منذ العام 2009، من خلال توفير الخبرات التقنية.
وأشار الشويري، إلى أنه من بين الحلول في مجال تعويض الخسائر الإقتصادية الناجمة عن فساد الطعام، تحويله إلى أعلاف للماشية، أو إعادة تدويره إلى مواد عضوية (أسمدة)، بدلاً من طمره في الأرض، والتسببّ بانبعاث غازات الميتان (Methan).
وقال أخيرًا إنه على الرغم من الصعوبات والعوائق التي يواجهها القطاع الزراعي عامة ومشكلة فقدان الغذاء خصوصًا، نلتمس وعيًا متزايدًا لدى جميع المعنيين بالقطاع الزراعي، ولدى الحكومات وصانعي قرارات الأمم المتحدة بالتعاون مع المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية. واعتقد أن مردود هذا الوعي وهذه المبادرات سوف يكون إيجابيًا، إذا ما توافرت جميع العوامل، من تأمين بنى تحتية للزراعة الجيدة، مرورًا بتوفير المعاملات السليمة ما بعد الحصاد، وصولاً إلى تغيير ثقافة المستهلك.