رحيل

إيمان حمصي «سيّدة القانون» التي غلبت الموت بأناملها السحرية
إعداد: جان دارك أبي ياغي

غابت إيمان حمصي، «سيدة القانون»، كما سمّيت بعدما احترفت العزف عليه احتراف الموسيقيين الكبار، ومنحته هالة وحضورًا ساطعًا نادرًا ما عرفه بصفته آلة وترية شرقية. غابت «شاعرة القانون» في مقتبل ربيع فنها (45 عامًا).
درست الموسيقى باكرًا جدًا ثم اختارت التخصص في فن القانون، بعد دراسة أكاديمية في المعهد الموسيقي الوطني العالي الذي تخرّجت منه العام 1999 حاملة أرقى شهاداته. ولم تكتف بدراسة الموسيقى بل أرفقتها بدراسة الهندسة وحصلت فيها على الدبلوم. ولعل هذا الإختصاص مدّها بخبرة أخرى في مهمة بناء الأعمال الموسيقية التي وضعتها للقانون، جامعة بين العزف والتأليف.
يكمن سر إيمان حمصي في إصرارها على منح القانون وظيفة مستقلة، إضافة إلى كونه آلة ترافق الفرقة العازفة وتؤدي دورًا في بناء الأعمال الموسيقية وتلوينها. جعلت الفنانة من القانون آلة على حدة، إن أمكن القول، وراحت تعزف عليه وحده مانحة إياه حيزًا إبداعيًا عميقًا، ومضفية إلى أوتاره مواصفات ميلودية وهارمونية غير مألوفة. ولعل المقطوعات التي ألفتها للقانون أو القطع الموسيقية التي خصتها به أو خصته بها، خير دليل على فرادة التجربة التي خاضتها في هذا الميدان.
هي إيمان حمصي المرّ المعروفة فنيًا بإسم إيمان حمصي والرائدة في العزف على آلة القانون حيث كانت تنقّل أوتاره بين أصابعها العشر بحسب تقنيات خاصة طوّرتها بنفسها نتيجة عشقها لهذه الآلة الجميلة، من دون إهمال الطريقة التقليدية في العزف عبر استعمال إصبعين.
ولدت إيمان الحمصي المرّ في لبنان العام 1967 وبدأت العزف على آلتها المفضّلة بعمر سبع سنوات وإجتهدت وثابرت إلى أن أصبحت أهم عازفة قانون في بلدها. منذ إطلالاتها الأولى مع السيدة فيروز أصبحت «سفيرتنا إلى النجوم» تصرّ على مشاركة «سيّدة القانون» جميع حفلاتها حبًا بها وتقديرًا لها. ومن جهتها، كانت إيمان تلغي وتؤجّل كل إلتزاماتها لتشارك السيدة فيروز حفلاتها. كما أطلت إيمان مع الفنان مارسيل خليفة الذي كان يخصص لها ولقانونها جزءًا كبيرًا من حفلاته الغنائية والموسيقية. كذلك شاركت في العديد من المهرجانات العالمية في أوروبا، آسيا وإفريقيا كعازفة منفردة (مهرجان البستان العالمي للموسيقى في لبنان، والبحرين، وبيروت، ومعهد العالم العربي في باريس)، كذلك شاركت بصفتها عضوًا في أوركسترا المعهد الموسيقي الوطني العالي اللبناني، وعزفت في العديد من تسجيلات الموسيقى العربية.
هي المرأة التي عشقت آلة تجنّبها كثيرون من العازفين الرجال نظرًا الى صعوبتها ولأنها «قانون صارم». ولكن إيمان ميّزت عزفها من خلال الوعي التقني الكامل للآلة وشروطها، والإحساس العميق بها، جامعة بين الكلاسيكية والحداثة والطابعين الشرقي والغربي.
كانت قبل رحيلها تتحضّر لإصدار أسطوانة جديدة بعد أسطوانتها السابقة «اللورد قانون»، تضم مقطوعات ومعزوفات، تراوح بين الاستعادة والتأليف، لكنّها أغمضت عينيها قبل أن تحقق مشروعها، تاركة وراءها خلود ألحانها.
العام 2012، كرّمها «مسرح المدينة» في إطار مهرجان «مشكال» الذي نظّم بالتعاون مع الإتحاد الأوروبي واغنوستيك للفنون المسرحية. كما كرّمت في حفلين خاصين أقامتهما في الكويت والبحرين (مهرجان القرين).