محاضرة و نقاش

االاستاذ نصري خوري حاضر عن العلاقات اللبنانية السورية

ما هي تحديات المرحلة الراهنة وما هو مفهوم العلاقات المميزة؟

 

بدعوة من الإدارة السياسية في الجيش العربي السوري الشقيق, ألقى الأمين العام للمجلس الأعلى السوري اللبناني الأستاذ نصري خوري محاضرة في صالة 8 آذار في دمشق بعنوان “العلاقات اللبنانية السورية”, حضرها مدير الإدارة السياسية اللواء غسان فارس, ومدير التوجيه في الجيش اللبناني العميد الركن الياس فرحات, وحشد من ضباط الجيشين العربي السوري واللبناني. تناول المحاضر تحديات المرحلة الراهنة ومفهوم العلاقات المميزة, وعرض لنشاط المجلس الأعلى السوري اللبناني ومؤسساته. وفي ما يلي نص المحاضرة.

 

أيها الحفل الكريم
يكتسب لقاؤنا اليوم والأمة تحتفل بذكرى الجلاء أهمية خاصة وأبعاداً وطنية وقومية كبيرة, وكيف لا يكتسب مثل هذه الأبعاد وهو يتم في قلب الأمة النابض صموداً وعطاءً وبطولة, وعلى هذه الأرض التي سطّر أبناؤها أروع ملاحم البطولة وجسّدوا وقفات العز بأسمى معانيها في وجه كل غاز معتدي, لا بل كيف لا يكتسب هذا اللقاء مثل هذه الأهمية وهو يضم هذه الطليعة من قيادات جيش الأمة, جيش تشرين البطولة والتحرير, الذي روى بدماء أبطاله كل حبة تراب من أرض سورية ولبنان وفلسطين, وقدم الآلاف من الشهداء من أجل تعزيز صمود الأمة, وتحصين مواقفها في مواجهة جميع الأخطار والتحديات, التي واجهتها وما زالت تواجهها. وإذا كان هذا اللقاء يرتدي مثل هذا الطابع الهام فإن ما يجعله يكتسب بعداً قومياً إضافياً كونه يتناول موضوعاً جوهرياً ألا وهو موضوع العلاقات السورية ­ اللبنانية المميزة, على ضوء التحديات الراهنة العاصفة بأمننا القومي من كل حدب وصوب. والقراءة في بحر هذه العلاقات لا يمكن أن تستوفي شروطها, ما لم ننطلق من فهم دقيق لطبيعتها التاريخية المميزة, ودور تلك الروابط العميقة الجذور في رسم آفاقها المستقبلية. ولكي يمكن لنا أن نستعرض هذه العلاقات بكل روح موضوعية, فإننا سنحاول أن نتطرق عليها إنطلاقاً من العناوين التالية: تحديات المرحلة ­ الترجمة القانونية والعملية لمفهوم العلاقات المميزة ­ الإنجازات والصعوبات ­ آفاق المستقبل.

 

* تحديات المرحلة:
ليس من السهل في هذه العجالة أن نقوم بتحديد شامل للتحديات المتعددة التي تواجهنا سياسياً وثقافياً وإقتصادياً في هذه المرحلة, ولكن بإختصار يمكن القول بأن التحدي الأساسي والرئيسي لمصيرنا ووجودنا, يبقى أولاً وأخيراً ذلك المتمثل بالمشروع الصهيوني الإمبراطوري وبخططه الرامية الى تحقيق إستهدافاته الستراتيجية بشكل مرحلي وتدريجي, ومحاولاته الدائمة للإستفادة من المتغيرات الدولية لتحقيق هذه الأهداف. وهذا ما تجلى بأبشع مظاهره في المرحلة التي تلت 11 أيلول والتي شهدت تحولاً أميركياً الى حالة من فقدان الصواب والعقل والمنطق, والى تشويه للمصطلحات ولمعانيها وبالتالي الى تشويه القيم والمفاهيم, إن لجهة اتهام العرب بالإرهاب والمساواة ما بين الإرهاب وحق الشعوب بالمقاومة لتحرير أراضيها المغتصبة, أم لجهة تصوير دولة العدو على أنها دولة تكافح الإرهاب. ومثل هذا التشويه للحقائق والمفاهيم, ومثل هذا الإستغلال لحالة فقدان التوازن والصواب لدى الولايات المتحدة الأميركية, عملت دولة العدو على الإستفادة منه من أجل تحقيق أهدافها وغاياتها المرحلية وفق خطة نظامية رسمتها الدوائر الصهيونية العليا. والخطط المرحلية لهذا العدو تتمحور برأينا حالياً حول إستهدافين:
الأول, ويرمي الى إستكمال خطواته الرامية الى تحقيق ما يسمى في قاموس الحركة الصهيونية بـ”إسرائيل الصغرى”, والتي تعني إستكمال السيطرة على ما تبقى من أراضي فلسطين, وذلك كمرحلة أولى عبر شن حرب إبادة عنصرية بحق أبناء شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة تنفيذاً للخطة المعروفة بـ”الترانسفير”, والتي ستشمل لاحقاً أبناء شعبنا الذين صمدوا في الأراضي التي اغتصبت عام 1948. وما يجري حالياً على أرض فلسطين من مذابح مبرمجة, واستخدام جميع وسائل القتل والتصفية لقوى شعبنا الحية والمقاومة, ومن تدمير ممنهج لكل البنى الإقتصادية والإجتماعية والثقافية, ما هو في الواقع إلا خطوة من خطوات هذا المشروع الذي سينفذ في إطار تغطية أميركية كاملة, وفي إطار خطة لإعادة رسم خريطة أمتنا, تعد لها الدوائر الأميركية المتصهينة والقابضة على مفاصل القرار في الولايات المتحدة الأميركية.


أما الإستهداف الثاني فيرمي الى متابعة هذا العدو سعيه لفرض مفاهيم السلم الإسرائيلي على شعبنا وأمتنا. فإندحاره من الجنوب وفشل مؤامراته على أرض لبنان, لا يعني أنه قد تراجع بشكل نهائي عن مشروعه هذا, بل يعني أنه بصدد إعادة النظر بالأساليب والوسائل لا أكثر ولا أقل. والسلم الإسرائيلي يرتكز على مقولة الأرض المفتوحة والمشرّعة الأبواب لدولة العدو, بحيث تتاح لها إمكانية العبث بمجتمعنا والتغلغل في كل مفصل من مفاصل حياتنا وتفاصيلها. بكلام آخر, هذا المشروع الحربي بامتياز وبصياغاته المختلفة, يستهدف وجودنا وكياننا وحضارتنا, لذلك يمكن القول بأن المشروع الصهيوني يبقى أولاً وأخيراً, في ظل هذه الرؤية, ذلك المشروع الإمبراطوري بكل أبعاده التاريخية المعروفة, وبكل شروطه ومراحل تنفيذه, مع تبديل في طريقة العرض ولغة التسويق أحياناً, وتعديل في سلّم الأولويات وأساليب التنفيذ أحياناً أخرى. من هنا فإن مرحلة المواجهة الراهنة والمستقبلية هي مرحلة مواجهة مباشرة مع مجتمعنا بكل مخزونه الحضاري والتاريخي, وهذا يقتضي قيام مشروع نظامي معاكس ركيزته الأساسية تحصين مجتمعنا وإستنفار كل طاقاته من أجل بنائه على قواعد صلبة ومتينة, ومثل هذه العملية ليست بالأمر السهل بل هي تقتضي إستنفار كل الإمكانات وزجها في ورشة عمل شاملة تتم في إطار تفاعل وتكامل ما بين كيانات الأمة. وإنطلاقاً من هذا فإن عملية التعاون والتكامل السوري اللبناني, وما نجم عنها من وحدة في المسار والمصير, إنما هي عملية تؤسس لقيام نواة دينامية صلبة قادرة في المرحلة الأولى على التخفيف من أضرار هذه الهجمة الشرسة والحد من إندفاعها وإعداد العدة لتوسيع دائرة التحصين والتصدي, إن في إطار مشرقنا العربي أم على صعيد العالم العربي. وهذا ما حصل فعلاً سواء في جنوب لبنان أو عبر الإنتفاضة المباركة في فلسطين, أو من خلال العمل على إعادة إحياء روح التضامن العربي, واستنهاض الوعي الشعبي وقواه الكامنة في مختلف أرجاء أمتنا وعالمنا العربي, لما له من دور أساسي في حث الأنظمة على تدعيم هذا المحور الصامد. وإنطلاقاً من هذا الدور المحوري السوري ­ اللبناني تعرضت وما زالت العلاقات تتعرض لحملات ضغط متعددة الأوجه هدفها الإساءة لمفهوم العلاقات المميزة وتشويه معانيها وأبعادها, تمهيداً لضرب وحدة المسار والمصير التي تعمدت بدماء آلاف الشهداء من أبطال الجيشين السوري واللبناني وأبناء الشعب الواحد في الدولتين. من هنا أهمية القراءة في صفحات العلاقات السورية ­ اللبنانية إنطلاقاً من هذه التحديات, وعبر إلقاء نظرة ولو سريعة على الترجمة العملية والقانونية لها, وبالتالي ما تم تحقيقه من خطوات وتذليله من صعوبات وآفاقها المستقبلية؟

 

* الأطر القانونية والخطوات التي تم تحقيقها:
نعني بالأطر القانونية للعلاقات معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق وما نجم عنها من إتفاقات تعتبر جزءاً مكملاً لها.

أ ـ ­ معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق:
لقد جاءت معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق لتجسد عملياً ما نص عليه إتفاق الطائف بشكل صريح حيث ورد فيه: “وتقوم بينه وبين سورية علاقات مميزة تستمد قوتها من جذور القربى والتاريخ والمصالح الأخوية المشتركة, وهو مفهوم يرتكز على التنسيق والتعاون بين البلدين وسوف تجسده إتفاقات بينهما في شتى المجالات”, وهذا يعني في ما يعنيه أن موضوع العلاقات المميزة بين البلدين, إنما هو ثابت وفاقي أساسي, من الثوابت التي نص عليها الطائف. وإنطلاقاً من هذه الرؤية لطبيعة العلاقات المميزة, جاءت المعاهدة لتشكل قفزة نوعية في مسيرة العلاقات بين البلدين, خلال المرحلة التاريخية الحديثة, وذلك لعدة أسباب يمكن إختصارها بما يلي:

­ أولاً: إرساء قواعد التعاون والتنسيق على الروابط الأخوية المميزة التي تستمد قوتها من جذور الإنتماء والمصير الواحد, ومن التاريخ المشترك والمصالح المشتركة.

­ ثانياً: الإيمان الراسخ بأن تحقيق أوسع مجالات التعاون والتنسيق, إنما يخدم المصلحة العليا المشتركة للبلدين ويوفر السبل لضمان تطورهما وتقدمهما وحماية أمنهما.

­ ثالثاً: شمولها جميع أوجه التعاون السياسي والأمني والعسكري والإقتصادي والإجتماعي والثقافي, مما يساعد على فتح قنوات التفاعل والتكامل بين البلدين وعلى إعادة الدورة الحياتية الواحدة الى حالتها الطبيعية.

­ رابعاً: تأكيد صريح وواضح لا لبس فيه على أن يتم كل ذلك في إطار سيادة وإستقلال كل من البلدين, وفي إطار القواعد الدستورية والأنظمة والقوانين المعمول بها في البلدين.

 

­ خامساً: الحرص على تلافي ثغرات أساسية حصلت سابقاً وأدت الى ما عرف بالقطيعة, وأهم هذه الثغرات عدم وجود أجهزة مشتركة تتولى معالجة الأمور, وبالتالي تتولى وضع الخطط المستقبلية للتعاون والتنسيق ومتابعة تنفيذ ما يتم الإتفاق بشأنه, وهذا ما استدركته مواد المعاهدة عندما نصت على إنشاء الأجهزة المشتركة التالية: المجلس الأعلى ­ هيئة المتابعة والتنسيق ­ اللجان الوزارية المتخصصة ­ الأمانة العامة. وقد أنيط بهذه الأجهزة السهر على تنفيذ بنود المعاهدة وحسن تطبيق ما ينجم عنها من إتفاقات.

ب ـ ­ الإتفاقات المكملة للمعاهدة:
نصت المعاهدة في أحكامها الختامية على ما يلي: “تعقد إتفاقيات خاصة بين البلدين في المجالات التي شملتها هذه المعاهدة, كالمجالات الإقتصادية والأمنية والدفاعية وغيرها, وفقاً للأصول الدستورية في كل من البلدين وتعتبر جزءاً مكملاً لهذه المعاهدة”.
وإنطلاقاً من هذا النص ومن الحرص على فتح آفاق التعاون بين البلدين, وتأطيره في أطر قانونية تأخذ بعين الإعتبار الأصول الدستورية والقانونية المعمول بها في الدولتين, كما تأخذ بعين الإعتبار الظروف الموضوعية التي قامت في كل من البلدين في ظل هذه التشريعات, تم العمل على عقد عدد من الإتفاقيات بعد مناقشات ودراسات مستفيضة بين الجانبين, في إطار اللجان والهيئات الوزارية والفنية المشتركة, كان منطلقها الأول والأخير تحقيق المصالح المشتركة للبلدين, وهذه الإتفاقات يمكن تبويبها تحت العناوين التالية: إتفاقات ذات طابع سياسي ودفاعي ­ إتفاقات ذات طابع إقتصادي وإجتماعي ­ إتفاقات ذات طابع ثقافي ­ إتفاقات قضائية.
­ في الموضوع السياسي: إنطلاقاً مما نصت عليه المادة الأولى من المعاهدة لجهة قيام أعلى درجات التعاون والتنسيق بين البلدين في جميع المجالات السياسية وغيرها, وفي المادة الخامسة منها حيث حددت المبادئ التي تقوم عليها السياسة الخارجية العربية والدولية للبلدين, ومن النص الذي حدد مهام اللجنة المشتركة للشؤون الخارجية, قامت أعلى درجات التعاون والتنسيق بين لبنان وسورية, إنطلاقاً من رؤية إستراتيجية واحدة للمخاطر المحدقة بعالمنا العربي, وهذه الرؤية تجلّت بوحدة المسار والمصير في مواجهة مختلف تجليات المشروع الصهيوني, وتحدياته المصيرية, بحيث جاءت المواقف اللبنانية ­ السورية لتشكّل صخرة الصمود والتصدي, ولتساهم في كشف هذه المخططات العدوة وإفشالها والى إعادة الروح لعملية التضامن العربي, وتصويب بوصلته بالإتجاه الصحيح. ومثل هذه الرؤية الستراتيجية للتحديات المستقبلية هي التي تم التأكيد عليها مجدداً وبشكل مفصل ودقيق, خلال إجتماع المجلس الأعلى الأخير الذي عقد في بيروت, والذي جاء ليشكل محطة تاريخية هامة في سياق العمل السوري ­ اللبناني المشترك وعلى مختلف الصعد. والمواقف التي أعلنت في البيان الصادر عقب إجتماع المجلس الأعلى, جاءت لتؤكد على الثوابت الستراتيجية المشتركة وعلى التمسك بها وعلى متابعة النضال من أجل تحقيقها, وهذا ما شكل بوصلة للقمة العربية التي عقدت في بيروت, وساعدها على تحقيق خطوات هامة أهمها تلك المعالجة التي حصلت بجهد سوري ­ لبناني مميز ما بين العراق والكويت والسعودية, بالإضافة الى إعادة التأكيد على الثوابت السورية ­ اللبنانية المشتركة, المتعلقة بمفهوم السلام العادل والشامل كما تراه العين السورية ­ اللبنانية الثاقبة.
­ على صعيد التعاون في مجال الدفاع والامن: لقد كانت إتفاقية الدفاع والأمن الموقعة بتاريخ 1/9/1991 أولى الإتفاقيات التي تم توقيعها في إطار تنفيذ ما نصت عليه معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق. وإنطلاقاً مما نصت عليه هذه الإتفاقية من أسس وقواعد للتعاون والتنسيق وما أنشأته من أطر لتحقيق الأهداف المرسومة والمحددة, كان ذلك التعاون المميز في مختلف مجالات الدفاع والأمن والذي حقق الكثير من الإنجازات التي يصعب حصرها. ولكي لا نقع في الإطالة سنحاول إيجاز ما تحقق في النقاط التالية:
­ دعم القوات العربية السورية الحكومة اللبنانية ومؤازرتها في إعادة بسط سلطتها على جميع المناطق التي كانت خارج الإحتلال الإسرائيلي, عند المباشرة بوضع إتفاق الطائف موضع التنفيذ. ولقد كان لهذه المساعدة الأخوية الدور الحاسم في إعادة الإستقرار والهدوء الى ربوع لبنان, وفي إعادة بناء الدولة ومؤسساتها وإطلاق مسيرة النمو والإنماء ومسيرة إستعادة الدولة لدورها في مختلف الصعد.


­ وفي إطار هذا التعاون تمت المساعدة وبمختلف الوسائل, على إعادة توحيد الجيش اللبناني وبنائه بناءً وطنياً وبتوجيهات وطنية وقومية واضحة, وعلى تأمين كل ما يحتاجه من تجهيزات وعتاد وتدريب, مما فتح الآفاق واسعة أمام تعاون وثيق تجلّى في مختلف المجالات.
­ بالإضافة الى مساعدتها في إعادة بناء الجيش وتقويته, فقد ساهمت أيضاً مساهمة فعّالة في إعادة بناء سائر القوى الأمنية, لتلعب هي الأخرى دورها كاملاً في إطار صيانة الأمن والإستقرار والسيادة والإستقلال.
­ وإنطلاقاً من التنسيق القائم في إطار اللجان المشتركة, ساهمت سورية في مساعدة جميع القوى الأمنية في جميع المهمات التي طلب منها المساعدة بها, بحيث بات القاصي والداني يعرف بأن المس بالأمن الوطني في لبنان خط من الخطوط الحمر الممنوع تجاوزها, وذلك بفضل هذا التنسيق.
­ وإذا كان هذا التعاون الأخوي قد لعب مثل هذا الدور الحاسم على الصعيد الداخلي, فإن الإنجاز الأهم الذي تحقق بفضله كان إنجاز التحرير, تحرير الجنوب والبقاع الغربي, من الإحتلال الإسرائيلي نتيجة إحتضان المقاومة من قبل الدولتين ومن قبل الجيشين الشقيقين.
­ وما يوازي هذا الإنجاز بأهميته, الطريقة التي تمت بها عملية الدخول الى الأراضي المحررة, والتي أدت الى إفشال المخططات العدوة التي كانت ترمي الى إثارة الإقتتال الطائفي والفتنة الطائفية في المناطق التي اندحرت منها.
ولقد جاء إجتماع اللجنة العسكرية المشتركة الأخير وإنطلاقاً من توجيهات المجلس الأعلى, ليعبر خير تعبير عن مدى العمق الذي وصلت إليه علاقات التعاون والتنسيق ما بين الجيشين الشقيقين, ولتؤكد للجميع بأن جميع الأمور المشتركة إنما تعالج في إطار الأجهزة المشتركة التي أنشأتها المعاهدة بكل روح أخوية, وإنطلاقاً من المصلحة العليا المشتركة للبلدين. وبالتالي فإن السعي لتحويل العلاقات السورية ­ اللبنانية الى علاقات نموذجية, إنما هو هدف مشترك لقيادتي البلدين ولجميع الأجهزة المشتركة وعلى رأسها المجلس الأعلى. وإذا كانت خطوة إعادة التمركز التي وضعت تفاصيلها اللجنة العسكرية المشتركة, تمثل محطة متقدمة من مراحل التعاون, وتؤشر بشكل لا يقبل الشك الى المدى العميق الذي وصلت اليه العلاقات بين البلدين, فإن القرارات الأخرى التي صدرت عن إجتماع المجلس الأعلى في بيروت, تعطي دليلاً إضافياً الى أن مسيرة التكامل بين البلدين في مختلف المجالات إنما هي مسيرة لن تتوقف مهما واجهت من صعوبات.
 على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي: يشكل اتفاق التعاون الإقتصادي والإجتماعي الذي وقّع في أيلول عام 1993 وما انبثق عنه من إتفاقيات وبروتوكولات, الإطار القانوني الراهن للعلاقات الإقتصادية والإجتماعية بالمعنى الشامل لهذه العملية, فالإقتصاد في ظله يعني كل قطاعات الإنتاج ولا يقتصر الأمر على عملية تبادل المنتجات الوطنية بين البلدين, وهذا ما يفرقه عن إتفاق عام 1953 الذي اقتصر على تبادل المنتجات, فما الذي ينص عليه اتفاق 1993؟ كي لا ندخل في التفاصيل, نشير الى أن هذا الاتفاق يتمحور حول أربعة محاور أساسية:

- المحور الأول: ويدعو الى السير بإتجاه التكامل الإقتصادي بصورة تدريجية من خلال تبني المبادئ التالية: “حرية إنتقال الأشخاص ­ حرية الإقامة والعمل وممارسة النشاط الإقتصادي ­ حرية تبادل البضائع والمنتجات الوطنية ­ حرية إنتقال الرساميل ­ حرية النقل والترانزيت وإستعمال وسائل النقل في البلدين وبينهما ­ حرية الإيصاء والإرث وحرية التملك في إطار القوانين والأنظمة النافذة”.

- المحور الثاني: ويطرح كهدف مرحلي ضرورة العمل على تحقيق السوق المشتركة, وذلك بصورة تدريجية وبمرونة تراعي طاقة إقتصاد البلدين على استيعاب المتغيرات التي تقتضيها هذه العملية”.

- المحور الثالث: ويشير الى السبل والوسائل والآليات التي من شأنها أن تساعد على تحقيق هذا الهدف واللجان المشتركة المنوط بها أمر السهر على وضع الخطط وتنفيذها.

- المحور الأخير: وينص على الإستمرار بتطبيق إتفاق 1953 في ما خص التبادل التجاري, الى حين التوصل الى صيغ تنفيذية جديدة إنطلاقاً من اتفاق 1993.

 

هذه هي أهم المحاور التي أوردناها باختصار لما تضمنه إتفاق 1993, والذي أكد في مادتين أساسيتين منه على ضرورة العمل بمرونة وبصورة تدريجية على تحقيق الهدف المنشود “أي التكامل”, وعلى ضرورة الأخذ بعين الإعتبار, طاقة إقتصاد كل من البلدين على إستيعاب المتغيرات التي تقتضيها عمليات التكامل, أي بكلام آخر ضرورة الأخذ بعين الإعتبار, الظروف الموضوعية القانونية والتنظيمية والإقتصادية, فماذا عن هذه الظروف الموضوعية؟ وكيف تم التعامل معها؟
في الواقع ليس من السهل التطرق الى جميع النواحي المتعلقة بالأوضاع الإقتصادية في كلا البلدين, لأن مثل هذا الأمر يقتضي دراسة بنيوية مقارنة تفصيلية, إلا أنه وبإختصار, يمكن القول بأنه منذ عام 1950, لا قبل ذلك وفي ظل نظام المصالح المشتركة, بدأت تظهر اختلافات في وجهات النظر حول التوجهات الإقتصادية في كل البلدين. ففي حين اتجهت سورية الى وضع سياسة إنمائية شاملة تقوم على تنظيم الإقتصاد على أساس الإنتاج وعلى توسيع دور القطاع العام في الحياة الإقتصادية, كان الإتجاه الغالب في السياسات الإقتصادية اللبنانية يقوم على تنمية قطاع الخدمات بكل تفرعاته أي خدمات التجارة والسفر والسياحة والمصارف والصحة والتعليم.
ومثل هذا الإختلاف في التوجه كانت له من دون شك إنعكاسات بنيوية وتشريعية وتنظيمية ومالية في كلا الدولتين, إلا أنه أدى في الوقت نفسه الى نشوء بنيتين إقتصاديتين متكاملتين تتسمان بتخصص متقابل في الإنتاج. مثل هذا الإستنتاج قد يفاجئ البعض, إلا أن نظرة سريعة على المعطيات, يمكن أن تحد من وقع المفاجأة, وأن تحرضنا على بذل الجهود من أجل تسريع وتيرة التكامل. والنظرة السريعة على المعطيات يمكن إختصارها بالقول أن الميزة التفاضلية في سوريا تكمن في قطاعي الزراعة والصناعة, فيما هي تكمن في لبنان في قطاع الخدمات والإمكانات الفنية والتكنولوجية, وعملية التكامل وفتح السوقين على بعضهما ستؤدي تدريجياً الى ميل الإقتصاد السوري الى التخصص في الصناعة والزراعة بشكل رئيسي, وميل الإقتصاد اللبناني الى التخصص في الخدمات بكل تشعباتها. علماً بأن البعض يرفض الأخذ بهذه النظرية, ونحن منهم, لذا يفترض بنا أن لا نقع أسرى هذا الإستنتاج السريع, بل يفترض بنا أن نأخذ بعين الإعتبار إمكانية تحقيق التكامل الإنتاجي ما بين قطاعات الإنتاج الصناعية والزراعية, ولا سيما في ميدان الصناعات الغذائية والغزل والنسيج والصناعات الكيميائية, هذا ناهيك عن إمكانات التكامل في ميادين السياحة والإتصالات والطاقة والنقل والمعلوماتية, ألخ...
على كل حال هذا الواقع الذي يحتوي في طياته حالات تباين وتمايز واضحة, وطاقات وإمكانات تكامل كافية, هو الواقع الذي كان لا بد من مواجهته بكل تشعباته, فكيف تم التعاطي مع هذا الواقع الموضوعي المعقد والمتشابك؟ عملياً وبعد دراسة متأنية وسلسلة من الإجتماعات كان لا بد من تجزئة الأمور ومعالجة ملفاتها المتراكمة منذ منتصف الخمسينات تقريباً بشكل تدريجي, يؤدي الغاية المرجوة, وإنطلاقاً من هذا التوجه تم العمل على المحاور التالية:
­ محور مراجعة الأمور العالقة وإيجاد الحلول الممكنة لها.
­ محور صياغة الإتفاقات والبرامج التنفيذية المكملة لإتفاق التعاون الإقتصادي والإجتماعي.
­ محور تشكيل اللجان الوزارية والفنية لوضع ما يتم التوصل إليه من إتفاقات موضع التنفيذ.

 

* ما تحقق وما يحتاج الى معالجة:

ليس من السهل الإحاطة بكل ما تم على صعيد العمل المشترك, في إطار المحاور التي أشرنا إليها أعلاه, كما أنه ليس من المتيسر أن نجيب تفصيلياً حول التساؤلات المثارة أعلاه, ولكننا سنحاول قدر الإمكان أن نشير الى بعض النقاط المفصلية خاصة في ما يتعلق بتسهيل عملية تبادل المنتجات الوطنية مع التعريج بشكل سريع على سائر القطاعات وما أنجز في نطاقها.
فعلى صعيد التبادل التجاري, لا بد من التذكير هاهنا بأن الإتفاق نص على الإستمرار بتطبيق أحكام اتفاق 1953 الى حين التوصل الى إتفاق بديل تنفيذي لنصوص اتفاق 1993. وفي هذا السياق كان لا بد من العودة الى هذا الإتفاق ونصوصه خاصة في ظل المتغيرات التشريعية والتعليمات التنفيذية الصادرة في كلا البلدين, وفي ظل ما حصل من ظروف موضوعية جديدة.
وفي إطار العودة الى هذا الإتفاق, يتبين بأن هنالك الكثير من العراقيل والصعوبات التي تعترض عملية تبادل المنتجات الصناعية والزراعية بين الجانبين, وهذا ما دفع بالجانب اللبناني الى طرح إقتراح يقضي بإطلاق حرية تبادل المنتجات الوطنية المنشأ بين البلدين, المنتجات الزراعية والصناعية. وعلى ضوء المناقشات تم التوصل الى الإتفاق بشأن إطلاق حرية تبادل المنتجات الصناعية الوطنية المنشأ وتخفيض الرسوم الجمركية عليه بواقع 25% والذي وقّع بتاريخ 7/2/1998, على أن ينفذ إبتداءً من 1/1/1999, والى تشكيل لجنة مشتركة من الفنيين لدراسة إمكانية إطلاق حرية تبادل المنتجات الزراعية بحيث يصار على ضوئها الى اتخاذ القرار المناسب. وبالفعل وعلى ضوء هذه الدراسة تم التوصل الى اتفاق بشأن تبادل المنتجات الزراعية وقّع بتاريخ 12/10/1999, وأصبح ساري المفعول بتاريخ 17/8/2000. وقد نص هذا الإتفاق على إطلاق حرية تبادل المنتجات الزراعية وتخفيض الرسوم الجمركية من تاريخ تنفيذه على 21 سلعة زراعية تم الإتفاق بشأنها, وألحقت بالإتفاق نسبة 50% كمرحلة أولى ومن ثم نسبة 10% سنوياً بحيث تحرر بعد خمس سنوات كلياً.
وبالإضافة الى هاتين الخطوتين الهادفتين الى تحقيق منطقة تجارة حرة ما بين لبنان وسورية, تم تحقيق العديد من الخطوات في عدة مجالات أخرى في ميادين النقل والإنتقال والطاقة والنفط والغاز والصناعة والمياه والري والسياحة والصحة والشؤون الإجتماعية, وغيرها من المجالات. والخطوات التي أنجزت في هذه المجالات, تصب كلها في إطار قنوات التفاعل والتكامل وإعادة دورة الحياة الإقتصادية الواحدة الى وضعها الطبيعي. إلا أنه وعلى الرغم من أهمية ما تحقق وعلى ضوء التطبيق العملي, تبيّن بأن الكثير من الصعوبات والعراقيل راحت تعترض عملية تنفيذ هذه الإتفاقات, ومن هذه الصعوبات ما له طابع إداري أو مالي أو تشريعي, في بعض الأحيان. وقد عملت اللجان المشتركة, على معالجة جميع هذه الأمور, إلا أن الكثير منها بقي عالقاً, الى حين إنعقاد المجلس الأعلى في بيروت مؤخراً, حيث جاءت توجيهات سيادة الرئيس الدكتور بشّار الأسد وقرارات المجلس الأعلى لتشكّل قفزة نوعية تاريخية مميزة أعطت زخماً كبيراً لعملية التعاون والتنسيق, في مختلف المجالات السياسية والدفاعية وبشكل خاص الإقتصادية والإجتماعية, وأهم هذه القرارات:
­ قرار الجانب السوري بإزالة جميع الصعوبات والقيود التي سبق للجانب اللبناني أن طرحها, من أجل تسهيل عملية تبادل المنتجات الوطنية المنشأ بين البلدين.
­ الطلب من اللجنة الإقتصادية والإجتماعية تشكيل لجنة لوضع خطة مرحلية للوصول الى السوق المشتركة السورية اللبنانية واعتمادها.
­ الموافقة على إقتراح الجانب اللبناني بإقامة سد على نهر العاصي وعلى مشروع السد المتفق عليه على النهر الكبير الشمالي.
­ إعفاء مؤسسة كهرباء لبنان بنسبة 50% من إجمالي الديون المترتبة عليها لكهرباء سورية وإعادة الرصيد إبتداء من 1/1/2003.
­ إعادة النظر بسعر بيع الغاز السوري الى لبنان على ضوء الإقتراحات المقدمة من الجانب اللبناني.
­ التعاون مع الحكومة اللبنانية في مجال تشجيع الزراعة بصفة عامة, وزراعة القطن في البقاع وعكار, واتخاذ جميع الإجراءات المطلوبة لذلك.
­ دراسة إمكانية إقامة مصنع مشترك للتبغ في البقاع ومصنع للغزل والنسيج في عكار.
­ دراسة إمكانية إقامة مصفاتين مشتركتين للنفط في طرابلس والجنوب.
­ الطلب من وزيري النقل وضع حجر الأساس لمشروعي إعادة تأهيل خطي سكك الحديد ما بين طرابلس والعبودية ورياق وسرغايا.
هذه القرارات جاءت من دون شك لتطلق ورشة عمل ديناميكية على صعيد مختلف اللجان, وكان أول بوادرها إجتماع لجنتي الإقتصاد والنقل واللجنة الإقتصادية والإجتماعية واللجنة المشتركة للمياه, حيث بوشر بوضع جدول زمني لتنفيذ هذه القرارات, لا بل حيث بوشر باتخاذ سلسلة من القرارات بشأن إلغاء القيود عن العديد من السلع التي كان استيرادها مقيداً بجهات القطاع العام في سورية, أو بإجازات استيراد في لبنان, بالإضافة الى اتخاذ قرار بتطبيق الإتفاق الثنائي علي السلع المستثناة من الجانبين في إطار منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى, والى الإتفاق على إلغاء الدولار التصديري الى لبنان فقط وعلى إلغاء الإستمارة الإحصائية ورسم الإستيراد والطابع من الجانبين, وتكليف لجنة لوضع آلية التنفيذ خلال مهلة شهر من تاريخه.
هذا على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي فماذا عن الشؤون الثقافية والتربوية والقضائية؟


­ على الصعيد الثقافي والتربوي: لقد تم توقيع عدة إتفاقات للتعاون في المجال الثقافي والتربوي وأهم هذه الإتفاقات هي التالية: اتفاق تعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي ­ اتفاق تعاون في مجالات التربية والشباب والرياضة ­ اتفاق تعاون في مجال التعليم المهني والتقني ­ اتفاق تعاون ثقافي ­ اتفاق تعاون في مجال البحث العلمي.
ولقد نجم عن هذه الإتفاقات الأساسية عدة برامج عمل تنفيذية وبروتوكولات تعاون, ولا سيما ما بين الجامعة اللبنانية والجامعات السورية, وما بين المجلس الوطني للبحوث العلمية ومراكز البحوث العلمية المختلفة في سوريـة.
هذا بالإضافة الى عدة إتفاقات تنفيذية في ما خص الشباب والرياضة والنشــاطات الكشفيـة, وقد نجم عن هذه الإتفاقات سلسلة من النشاطات التي جرت في إطار تبادل الخبرات, والقيام بأبحاث مشتركة, وتنظيم ندوات ومؤتمرات, وتبادل الزيارات ما بين الطلاب والشباب, إضافة الى موضوع المنح الدراسيــة المتبادلة, والتعاون في الميدان التربوي يتوسع يوماً بعد يوم, ونحن نأمل أن تتسع دائرته لتشمل جميــع الجامعات والمعاهد والمدارس في لبنان, مما يساهم كثيراً في ترسيــخ المفاهيم الحقيقية والصحيحة للعلاقات الأخوية ­ السورية ­ اللبنانية, وبالتــالي يســاعد على إسقــاط الكثيــر من الأوهام والمفاهيم الخاطئة المزروعة في أذهان البعض في لبنان.
­ على الصعيد القضائي: إتفاق التعاون القضائي الموقع عام 1951 وهو يتناول جميع الأمور التي لها علاقة بالقضاء المدني وتبادل المجرمين وتبلّغ الأحكام, وقد طرحت فكرة تعديله إلا أنه تم الإتفاق على بقاء هذا الإتفاق لما يشكله من رمز ساطع على عمق العلاقات, وأن يصار الى توقيع إتفاقية ملحقة به تضم النقاط التي لم يتناولها هذا الإتفاق.


واتفاق 51 يتضمن الأبواب التالية:

­ تسليم المجرمين وتنفيذ الأحكام الجزائية والحالات التي لا يسمح بها بالتسليم (وهي بشكل خاص الجرائم السياسية)­ تنفيذ الأحكام غير الجزائية ­ التبليغات ­ الإنابات القضائية ­ الإعفاءات والحبس الإكراهي ­ أحكام نهائية.
أما الإتفاقية الملحقة فقد تناولت ما يلي: تبادل المعلومات وتشجيع الزيارات ­ ضمان حق التقاضي والمعونة القضائية ­ الحكم وأحكام المحكمين في المواد المدنية والتجارية ­ الإعتراف بأحكام المحكمين وتنفيذها.


* آفاق المستقبل:

لن نتناول الآفاق المستقبلية, بكل جوانبها إذ أن المجال لا يتسع لذلك في مثل هذه العجالة, ومن هنا فإننا سنقتصر على الشأن الإقتصادي بشكل خاص, من دون أن يعني ذلك أن مختلف الجوانب الأخرى لن تحظى باهتمام أوسع في المراحل المقبلة. فماذا عن آفاق التعاون الإقتصادي والإجتماعي؟
لا بد لنا من الإشارة الى أن المؤشر الأساسي للآفاق المستقبلية هو القرار الصادر عن المجلس الأعلي خلال إجتماعه الأخير, والقاضي بتكليف اللجنة الإقتصادية والإجتماعية ووضع مشروع خطة مرحلية لتحقيق السوق المشتركة والوصول الى التكامل ما بين البلدين وبالتالي رسم الآفاق المستقبلية للعلاقات الإقتصادية والإجتماعية بينهما. وإذا كانت عملية وضع مشروع الخطة قد أنيطت مؤخراً باللجنة الإقتصادية المشتركة, فإننا نرى أنه من الضروري بمكان, وفي إطار الخطوات التمهيدية المطلوبة, أن يصار, وبالتزامن مع وضع مشروع الخطة, الى القيام بالخطوات التالية:
­ وضع مشروع إتفاق ملحق باتفاق 1993 ينص على إلغاء جميع القيود والإستثناءات والرسوم, وعلى معالجة جميع الصعوبات ذات الطابع التشريعي أو الإداري أو المالي التي تعيق عملية تبادل المنتجات الوطنية بين البلدين.
­ وضع مشروع إتفاق يتعلق بإقامة الجدار الجمركي تدريجياً وخلال مهلة خمس سنوات.
­ إقرار مشروع خطة التكامل الزراعي والمباشرة بتطبيقها وإنشاء صندوق مشترك لتشجيع عملية التكامل ودعمها.
­ المباشرة بوضع خطة للتكامل الصناعي وإقرارها وتحديد مهلة زمنية للبدء بتطبيقها.
­ وضع خطة للتكامل السياحي وإقرارها والمباشرة بتطبيقها.
­ وضع إتفاق خاص بتشجيع إقامة المشاريع المشتركة, أو تسهيل عملية دمج المشاريع القائمة, أو إقامة شراكة استراتيجية في ما بينها.
­ وضع اتفاق خاص للتعاون في المجالين المصرفي والمالي.
­ العمل على تنسيق السياسات المالية والضرائبية والجمركية وتوحيد التشريعات الخاصة بذلك.
­ توحيد المكاتب الحدودية واعتماد تأشيرة دخول موحدة.
هذه الإقتراحات الملحة والضرورية, لا تغني أبداً عن ضرورة المباشرة بوضع الخطة المطلوبة, إذ بات من الملح والضروري معالجة الأمور بشمولية عوض إضاعة الوقت والفرص المتاحة في معالجة الأمور التفصيلية. مع التأكيد بأن الأمور التي أشرنا إليها أعلاه تشكل مجرد بنود أو فصول عن مشروع الخطة المطلوبة, والتي يفترض أن تشمل نواح أخرى عديدة.
على كل حال, تحقيق مثل هذه الخطوات يقتضي إطلاق سلسلة من ورش العمل المتخصصة بحيث يتحول النقاش حول موضوع التكامل الى نقاش عام وهم شعبي شامل يلقي على عاتقنا جميعاً مسؤولية العمل من أجل تحويله الى نموذج يحتذى به في إطار العلاقات العربية ­ العربية.
بالإضافة الى ذلك فإنه لا بد من إعطاء الشأن الثقافي والتربوي والإعلامي أهمية خاصة في هذه المرحلة وأن ننكب على إيجاد الآليات العملية, التي من شأنها أن تساعد على بلورة وعي ثقافي مشترك لحقيقة جذورنا الحضارية والتاريخية الواحدة.