اقتصاد ومال

اتحاد أسواق المال في لبنان يعيد لبيـروت دورها الريادي في المنطقة
إعداد: تيريز منصور

العمل جار لإنشاء البورصة العربية

 

تحقيق التكامل المالي العربي يعتبر من الأهداف المهمة بالنسبة للعرب جميعاً, لما له من تأثير إيجابي على أسواق المال وبالتالي على الإقتصاد العربي بشكل عام.
هذا ما يسعى إليه إتحاد أسواق المال العربية (إتحاد البورصات العربية سابقاً) المنبثق عن جامعة الدول العربية, والذي اتخذ من بيروت مقراً له, بعد أن أمّنت له الدولة اللبنانية مقراً في وسط العاصمة. وقد تم الإفتتاح في 17 كانون الثاني 2003, بحضور الأمين العام للإتحاد الدكتور صعفق الركيبي (مدير بورصة الكويت), ووزير المال فؤاد السنيورة, ومدير عام بورصة بيروت الدكتور فادي خلف وعدد كبير من الإقتصاديين. والجدير ذكره أن نظام التأسيس حدد بيروت مقراً للإتحاد, ولكن الظروف الأليمة التي عصفت بلبنان حالت دون ذلك, مما إضطر الإتحاد لاتخاذ القاهرة مقراً له منذ العام 1982.
مع وجود الإتحاد في بيروت يمكن القول أن العاصمة اللبنانية بدأت تستعيد جزءاً مهماً من دورها المالي والإقتصادي بين العواصم العربية, وهي ساعية الى تعزيزه ليعود مركز استقطاب لكثير من المؤسسات المالية العربية.
في ما يلـي إضاءة على مراحـل تأسيـس الإتحاد إنطـلاقـاً من توصية صـادق عليهـا المجلـس الإقتصـادي العربي في العام 1978, إضافة الى الإضاءة على أهمية إتخــاذ الإتحاد لبيـروت مقراً له, وعلى أهدافـه ودوره والتـأثيرات الإيجابيـة التي قد تطرأ على السـوق المالـي اللبـناني والعربـي على حد سـواء؟

 

لمحة تاريخية

نشأ إتحاد البورصات العربية بتوصية من مؤتمر محافظي البنوك المركزية العربية, صادق عليها المجلس الإقتصادي العربي في حزيران 1978.
وقامت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في العام 1981, بتوجيه الدعوة الى رؤساء البورصات العربية الموجودة حينذاك, للنظر في إنشاء إتحاد بينهم, يهدف الى تنسيق الجهود في إطار القوانين والأنظمة المعمول بها في هذا المجال, وتذليل الصعوبات التي تعترض الإستثمار العربي وتوسيع قاعدته, وتنويع أدواته وتشجيع إدراج وتبادل الأوراق المالية بين البورصات العربية الأعضاء في الإتحاد.
وقد عقد أول إجتماع لمجلس الإتحاد في تونس في كانون الثاني 1982, حيث تم اعتماد النظام الأساسي وخطة عمل الأمانة العامة التي شكلت لتنفيذ قرارات المجلس.
ركّز الإتحاد خلال فترة الثمانينات ­ بالرغم من قلة عدد الأعضاء ­ جهوده على نشر الثقافة الإقتصادية المتعلقة بالأسواق المالية, كما عقد العديد من المؤتمرات والندوات بهدف التعريف بأهمية دور البورصات في التنمية الإقتصادية, وتشجيع إستثمار رؤوس الأموال العربية في الوطن العربي, ومعوقات إنتقال رؤوس الأموال بين الدول العربية.
التحوّل الذي شهدته السياسة الإقتصادية في الدول العربية منذ بداية عقد التسعينات من القرن الماضي, والذي اعتمد على تشجيع وتنمية دور القطاع الخاص في التنمية الإقتصادية, استدعى إنشاء هيئات أسواق المال بهدف إعادة تنظيم سوق المال لتعبئة الموارد, وتنسيق الجهود في التنمية الإقتصادية. ولكي يواكب الإتحاد تلك التطورات ويزيد من فاعلية دوره, اتخذ في كانون الأول 1994 قراراً بتوسيع عضويته وتغيّرت تسميته من إتحاد البورصات العربية الى اتحاد أسواق المال العربية. وقد أصبح يضم أعضاء عاملين (البورصات وهيئات أسواق المال) وآخرين منتسبين (شركات الوساطة وشركات المقاصة والمؤسسات المالية التي لها علاقة بالإتحاد).

 

نشاطات الإتحاد

في خلال فترة التسعينات قام الإتحاد بالعديد من الأنشطة وأهمها عقد ملتقى الوسطاء في البورصات العربية (1995 و1999), كما عقد مؤتمرات حول ربط البورصات العربية والإستثمار...
وسعى الإتحاد منذ العام 1996 الى الربط بين الأسواق المالية العربية, حيث قام بالإشراف على اتفاقية الربط الثلاثية التي عقدت بين الأسواق المالية العربية في كل من الكويت ومصر وبيروت, وأشرف أيضاً على الإتفاقية التي وقّعت بين شركات المقاصة في هذه الأسواق.
وأقام الإتحاد في السنوات الأخيرة العديد من الدورات التدريبية للوسطاء والعاملين في الأسواق المالية العربية الأعضاء. وحرصاً منه على مواكبة التطورات والمستجدات في مجال الربط بين الأسواق المالية, فقد عمل على تأسيس مشروعين هامين في مجالي التقاص وتوفير المعلومات ونشرها من خلال شبكة معلومات الأسواق المالية العربية, علماً أن المجالين المذكورين هما من أهم الركائز التي يتعيّن توفيرها لقيام ربط بين الأسواق المالية العربية. الى ذلك اتخذ الاتحاد الخطوات العملية لتأسيس المؤسسة العربية للتقاص, بحيث أقر مجلس النواب اللبناني (باعتبار مقر الإتحاد في بيروت) بتاريخ 28/10/1999 القانون رقم 138الذي ينص على إنشاء هذه المؤسسة, والتي تهدف بشكل رئيسي الى تسهيل إنسياب رؤوس الأموال العربية بين الأسواق المالية, وزيادة فعالية وسرعة إجـراءات التقـاص, وضـمان تسوية حقـوق المتعاملـين في هذه الأسواق. وقد وافــق العديد من البورصات الأعضـاء على الإنضمام إليها, وحدد القانون رأسمال الشركة بما لا يقل عن خمسة ملايين دولار أميركي أو ما يعادل هذا المبلغ بالنقد اللبناني أو الأجنبي.
وقد أسفرت جهود الإتحاد أخيراً عن تأسيس شبكة معلومات الأسواق المالية العربية, والتي ستقوم بتزويد المتعاملين في البورصات العربية بالمعلومات الحية المباشرة وبالمعلومات التاريخية حول أسهم الشركات المسجلة فيها كافة.
وبإنجاز هذين المشروعين تكون قد تحققت الخطوة الأولى على صعيد التكامل المالي العربي في بداية القرن الواحد والعشرين. ويضم الإتحاد حالياً 15 عضواً عاملاً من البورصات وهيئات أسواق المال العربية وأكثر من 60 عضواً منتسباً من شركات وساطة وشركات تقاص ومؤسسات مالية من مختلف الدول العربية.

 

رفع مستوى التواصل

عن أهمية افتتاح مقر اتحاد أسواق المال العربية ومشاريعه المستقبلية, تحدث الى مجلة “الجيش” رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لشركة “ميد كلير” (مركز حفظ ومقاصة الأدوات المالية للبنان والشرق الأوسط) السيد فؤاد خوري.
وقد أوضح السيد خوري أنه بعد تأسيس شركة المقاصة العربية بقانون صادر عن مجلس النواب في العام 1999, يجري العمل حالياً على وضع قوانينها الداخلية وتسوية الأمور التشريعية التي تختلف من بلد عربي الى آخر. كما يتم العمل أيضاً على خلق سوق مالي عربي موحّد (بورصة عربية) وتدرج عليها وبشكل متواز البورصات العربية أهم وأكبر الشركات العربية, وسوف يكون مقر هذه البورصة في لبنان, باعتباره مقراً لاتحاد أسواق المال العربية ولشركة المقاصة العربية. وسوف يستغرق العمل على إتمام هذين المشروعين الكبيرين والبدء بالعمل بهما مدة أقصاها سنة ونصف.
وأضاف: إن إختيار بيروت لتكون مركزاً للمؤسسات المالية العربية أمر طبيعي, باعتبار أن التشريعات المالية والسرية المصرفية التي يتمتع بها نظامنا المصرفي, تسهّل عملية التداول المالي, إضافة الى مميزات لبنان السياحية ومناخه المعتدل وحسن الضيافة التي يتمتع بها الشعب اللبناني. وكل ذلك ساهم بجعل بيروت مركزاً هاماً تعقد فيه المؤتمرات الدولية ثقافية كانت أم سياسية أم مالية...
وافتتاح مقر الإتحاد اليوم في بيروت خطوة هامة جداً, تساعد على وضع أسس متينة للمستقبل المالي في لبنان والشرق الأوسط.
وسوف يعمل إتحاد أسواق المال على رفع مستوى التواصل بين البورصات العربية على الصعيدين التقني والتشريعي, وبالتالي فإن عمليات تنقل رؤوس الأموال وعمليات الإستثمار العربية ستصبح سهلة وممكنة أمام المستثمرين العرب والأجانب بأسهم أهم الشركات العربية.
وهذه التطورات المالية الهامة سوف تجعل من لبنان مركزاً للأموال العربية في الشرق الأوسط.

تصوير: المجند محمد رمضان