اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية للعام 1949 أبعادها، إطارها القانوني، وأهميتها

اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية للعام 1949 أبعادها، إطارها القانوني، وأهميتها
إعداد: العميد الركن المتقاعد د. رياض شـيّا
ضابط متقاعد في الجيش اللبناني

المقدمة

تعد اتفاقية الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية للعام 1949 حدثًا بارزًا ومهمًا في تاريخ لبنان الحديث وفي مسار النزاع، لا بل الصراع اللبناني – الإسرائيلي الذي استحوذ على مساحة واسعة من هذا التاريخ، ولا يزال يمثّل العامل الأكثر إثارة في تقلّب الأوضاع اللبنانية وتطورها.

هذا الصراع،الذي أشعل وقوده إعلان قيام "إسرائيل" في 14 أيار 1948، سيمتد ردحًا طويلًا – حتى يومنا هذا – مثقلًا بالعنف والقتل والتدمير والتشريد[1]. إن الطابع المسلح الدموي الذي غلب على هذا الصراع يعود لسببَين: الأول، لارتباطه بالصراع العربي - الإسرائيلي المفتوح، والذي تشكل القضية الفلسطينية بأبعادها كافة محورًا له. أما السبب الثاني فيتعلق بالأيديولوجية الصهيونية لإسرائيل القائمة على العدوان والتوسع، والذي يشكّل لبنان واحدًا من مجالاتها الحيوية. فمنذ وُجدت "إسرائيل" على الحدود الجنوبية للبنان، وهي مستمرة في الاحتفاظ بالجنوب اللبناني أرضًا ومياهًا في دائرة أطماعها[2].

جاءت الهدنة التي أعلنتها الاتفاقية اللبنانية - الإسرائيلية، كما الاتفاقيات العربية - الإسرائيلية الأخرى، لتوقف القتال الذي اندلع فور إعلان قيام "إسرائيل"، ولتتوّج مساعيَ حثيثة بذلتها منظمة الأمم المتحدة، سواء في مجلس الأمن أم في الجمعية العامة، أم في جهود ممثليها الذين انتدبتهم إلى فلسطين. فالوضع على الساحة الفلسطينية قد شكّل يومها ولا يزال تهديدًا للأمن والسلم الدوليَّين، كما وصفه قرار مجلس الأمن الرقم 54 الصادر في 15 تموز[3]1948. فاستدعى ذلك تدخلًا من المنظمة الدولية، ولا سيما من مجلس الأمن، الذي تُشكّل حماية الأمن والسلم أهم واجباته وأبرز نشاطه، وبخاصةٍ في إجراءات المجلس الزجرية التي نص عليها الفصل السابع من الميثاق في حالات تهديد الأمن والسلم الدوليَّين. وبعد عدة إعلانات لوقف إطلاق النار، وبالاستناد إلى الفصل السابع، أمر المجلس في قرارَيه الرقمَين 61 و62 الصادرَين في 4 و16 تشرين الثاني/ نوفمبر [4]1948 أطراف النزاع في فلسطين، مصر، سوريا، الأردن، لبنان و"إسرائيل" بإعلان هدنة عامة تتضمن إقامة خطوط هدنة دائمة يُمنع تجاوزها، وانسحابًا وتخفيضًا للقوى المسلحة من جانبَي هذه الخطوط ضمانًا لها. فالتزم الأطراف جميعًا تنفيذ هذين القرارَين، ووقعوا أربع اتفاقيات، من بينها اتفاقية الهدنة العامة بين لبنان و"إسرائيل" في 23 آذار 1949.

من هذا المنطلق، اكتسبت اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية أهمية في البعدَين الإقليمي والدولي. فهي بالنسبة لطرفَيها المباشرَين، إطار قانوني لضبط النزاع بينهما. وهي في الوقت نفسه، تجاه الأمم المتحدة ومجلس الأمن أداة للحفاظ على الأمن والسلم الدوليَين.

على الصعيد الأول، استمرت الاتفاقية منذ توقيعها ولغاية العام 1967، نظامًا فعّالًا لمراقبة الأمن في منطقة الحدود بين لبنان و"إسرائيل". لكنّ حرب الخامس من حزيران 1967، دفعت بـ"إسرائيل" إلى إعلان تخلّيها عنها وعن النظام الذي أنشأته تلك الاتفاقية الدولية، مخالفةً في ذلك مبادئ وقواعد القانون الدولي المستقرة المتعلقة بالتعامل بين الدول، والالتزامات التي ترتبها الاتفاقيات الدولية.

أما على الصعيد الثاني، فإن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، منذ توقيع الاتفاقية حتى يومنا هذا، لا يزالان يعتبران بأنها إطار قانوني دولي قائم وصالح وواجب التطبيق للحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والدولي.

لكن سياسة العدوان والغطرسة التي تنتهجها "إسرائيل" في المنطقة عامة وتجاه لبنان خاصة، أظهرت بأنها غير مكترثة للقانون الدولي ولا للشرعية الدولية، وغير معنية بالأمن والسلم في هذه المنطقة من العالم. فالدعم الذي وفّرته عدة قوى عالمية لـ"إسرائيل"، أدى إلى عجز الأمم المتحدة على إرغامها التقيّد بالقرارات والمواثيق والاتفاقات الدولية، ولا سيما تلك التي وقّعت هي عليها ومن ضمنها اتفاقية الهدنة مع لبنان.

لم يقلل ذلك من أهمية الاتفاقية ومن استمرار وجودها سواء في نظر فقه القانون الدولي أو الأمم المتحدة بهيئاتها المختلفة التي أصدرت عددًا كبيرًا من القرارات التي تدعو إلى الحفاظ على الاتفاقية وتفعيل أجهزتها والعمل بمضمونها. وهكذا، فإن الاتفاقية شكّلت ضمانًا قانونيًا وعمليًا للبنان، إذا أُحسن تطبيقها؛ كما شكّلت بالنسبة للأمم المتحدة آلية لضمان الأمن والسلم والاستقرار الدولي.

السؤال الذي يُطرح: لماذا هذا الاعتبار لاتفاقية كهذه مضى عليها أكثر من سبعين عامًا؟ فهل لها الأهمية بعد هذه المدة لتبقى قائمة ويجب التمسك بها؟ وهل تشكل فعلًا إطارًا قانونيًا لضبط النزاع بين لبنان و"إسرائيل"؟

هذه الأسئلة ستكون موضع بحثنا، فنستعرض أهمية اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية للعام 1949 وموقف"إسرائيل" منها في القسم الأول، ونتناول الإطار القانوني الذي تشكله هذه الاتفاقية لإدارة الوضع على الحدود بين لبنان و"إسرائيل" في القسم الثاني، ومن ثم أهم مضامين الاتفاقية في القسم الثالث، بالإضافة إلى خلاصة عامة لما توصل إليه البحث والتوصيات التي اقتُرحت.

 

1- أهمية الاتفاقية وموقف"إسرائيل" منها:

إن الأهمية التي تكتسبها اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية ترجع لأسبابٍ متعددة، يندرج أكثرها في كونها صُممت لتكون أداة في يد الأمم المتحدة للإمساك بالوضع الأمني بين لبنان و"إسرائيل" بأكمله ولخدمة الأمن والاستقرار في المنطقة وفي العالم، سيما والأمم المتحدة هي الطرف الثالث الموقّع على الاتفاقية، ولتكون تاليًا مرجعًا يحتكم إليه الطرفان أمنيًا فيما بينهما.

بداية، لا بد من القول إن اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية هي معاهدة دولية تتمتع بكل المواصفات التي حددها القانون الدولي، وهي تُلزم "إسرائيل" باحترام حدود لبنان المعترف بها دوليًا. فالمادة الخامسة – الفقرة الأولى من الاتفاقية تنص على أن «خط الهدنة يتبع الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين»[5].

هذه الإشارة الصريحة للحدود الدولية بين لبنان وفلسطين يستدعي إلقاء نظرة سريعة إلى تاريخ هذه الحدود والمراحل التي مرت بها.

 

الحدود بين لبنان و"إسرائيل":

يمكن العودة بالحدود الدولية بين لبنان و"إسرائيل"، من الناحية القانونية، إلى تاريخ 23 كانون الأول 1920، عندما وقّعت دولتا الانتداب فرنسا وبريطانيا ممثَّلتَين بـ G. Leyquesعن الأولى و Hardinge of Penshurst عن الثانية، حول تنظيم شؤون الحدود والمياه وسكك الحديد وما إليها من شؤون تربط مناطق الانتداب. ووفق المادة الثانية من هذا الاتفاق، كُلّفت لجنة بترسيم الخط الحدودي على الأرض وعلى خرائط ميدانية بين لبنان وسوريا من جهة وفلسطين من جهة ثانية. وفي أوائل حزيران 1921، بدأت لجنة ترسيم الحدود عملها على الأرض، وكان على رأسها من الجانب الفرنسي المقدم بوليه Paulet ومن الجانب البريطاني المقدم Newcomb[6]. ورفعت هذه اللجنة، المسماة «لجنة بوليه – نيوكومب»، تقريرها الختامي المتضمن وثيقة ترسيم الحدود في 3 شباط 1922 تحت عنوان «التقرير الختامي لتثبيت الحدود بين لبنان الكبير وسوريا من جهة وفلسطين من جهة أخرى، ومن البحر المتوسط حتى الحمة (وادي اليرموك السفلي)[7]. تضمّن التقرير تحديد 71 نقطة فصل، 38 منها على الحدود اللبنانية - الفلسطينية، أي من النقطة رقم 1 حتى النقطة رقم 38، والباقي من النقطة 39 إلى النقطة 71 على الحدود السورية – الفلسطينية، وقد أُرفق هذا التقرير بخريطةٍ ميدانية عليها الترسيم المنجز للحدود. وفي 7 آذار 1923 وبعد تبادل المذكرات بين فرنسا وبريطانيا، أُبرم اتفاق بوليه – نيوكومب، وأصبح الترسيم معمولًا به ابتداء من 10 آذار 1923. وعلى أثر ذلك، أُودع الاتفاق عصبة الأمم وأصبح له طابع دولي؛ وإن القرارات الدولية العديدة المتعلقة بلبنان التي تشير إلى حدوده المعترف بها دوليًا في الجنوب، إنما تقصد الحدود التي عيّنها اتفاق بوليه – نيوكومب هذا.

جرى الترسيم الثاني للحدود بعد توقيع اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية في 23 آذار 1949، حيث أجرت لجنة مراقبة الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية المشكّلة سندًا لتلك الاتفاقية ترسيمًا جديدًا للحدود، هو نفسه ترسيم بوليه - نيوكومب، وأعادت إحياء نقاط الحدود الـ 38، ووضعت نقاط فصل ثانوية ووسيطة فيما بينها، ليبلغ العدد الإجمالي 143 نقطة. هنا لا بد من الإشارة إلى وقوع خلافٍ على ترسيم الحدود بين النقطة الأخيرة رقم 38 والحدود السورية بسبب عدم التزام "إسرائيل" بالحدود التي رُسمت في اتفاق بوليه - نيوكومب، وهو لا يزال قائمًا إلى اليوم.

أما الترسيم الثالث فحصل بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000 تطبيقًا للقرارَين 425 و426 الصادرَين عن مجلس الأمن الدولي في 19 آذار 1978 بعد احتلال "إسرائيل" لأجزاءٍ من الجنوب اللبناني في العام [8]1978. هذا الترسيم لم يكن للحدود، بل لما اتُفق على تسميته بالخط الأزرق كخط انسحاب للقوات الإسرائيلية، وهو لا يعد خط الحدود الدولية بين لبنان و"إسرائيل"، بل الأقرب إليها، وذلك بسبب استمرار احتلال "إسرائيل" لثلاث عشرة نقطة مختلفة المساحة على الحدود وتعد خرقًا للحدود الدولية[9].

وهكذا، فإن المادة الخامسة التي تضمنتها اتفاقية الهدنة هي فائقة الأهمية بالنسبة للبنان، فتكرس الحدود الدولية في جنوب لبنان، وتضع حدًا لأطماع "إسرائيل" في الأراضي اللبنانية، لا سيما وأن "إسرائيل" ترفض تعيين حدودها، ما يؤشر إلى طموحاتها الإقليمية. وقد تكون هذه المادة بالذات هي من الأسباب الضمنية التي جعلت "إسرائيل" تتحيّن الفرص للتملّص من موجبات اتفاقية الهدنة وإعلان تخلّيها عنها. هذا يقودنا للتعرف على موقف "إسرائيل" من اتفاقية الهدنة.

 

موقف "إسرائيل" من اتفاقية الهدنة:

لم يكن التزام "إسرائيل" بالاتفاقية منذ توقيعها في العام 1949 مستقيمًا وثابتًا، ولم تعطِها الأهمية التي تستحقها كاتفاقيةٍ دولية هي طرف فيها، وهي قائمة ومستمرة بضمانة مجلس الأمن الدولي. فـ "إسرائيل" كانت ترجع للاتفاقية وتستخدمها وتعترف بها خدمة لمصالحها، في حين كانت لا تعترف بها عندما ترى أنها عقبة أمام سياساتها ومخططاتها وطموحاتها، سيما والتوقيع عليها أعقبه صراعًا بين لبنان و"إسرائيل" لمدة عام. ففي العام 1948، احتلت العصابات الصهيونية جزءًا من الجنوب اللبناني وأصبحت على مشارف الليطاني، كما ارتكبت مجزرة مروّعة في قرية حولا اللبنانية سقط فيها أكثر من سبعين ضحية من أبنائها [10].

لذلك بدا الموقف الإسرائيلي من الاتفاقية متقلبًا ومترجرجًا. ففي الفترة الأولى الممتدة منذ توقيعها لغاية العام 1967، كان التزام "إسرائيل" بها مقبولًا بصورةٍ عامة. فقد كانت الاتفاقية عن حق هي التي تحكم الأوضاع على الحدود في مجالات شتى. فلجنة الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية المشتركة المنبثقة عنها كانت ممسكة بالوضع هناك بصورةٍ تامة، وتعقد الاجتماعات وتتلقى الشكاوى وتراقب خط الهدنة من دون صعوبات؛ وكان يرأسها ممثل لرئيس أركان لجنة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة، أو يرأسها هو شخصيًا عندما تدعو الحاجة. في هذا الإطار، يقول فريدريك هوف Frederick Hof (صاحب الخط الشهير في المنطقة البحرية المتنازع عليها بين لبنان و "إسرائيل" اليوم): «كان للجانبَين اللبناني والإسرائيلي أسبابهما الجيدة لرؤية لجنة الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية المشتركة تعمل بفعاليةٍ.

فلبنان أراد تجنّب أي عمل مثير قد يؤدي إلى إعادة دخول القوات الإسرائيلية الجنوب اللبناني. أما "إسرائيل"، فقد رغبت في التعاون مع لبنان، لتمنع عودة اللاجئين العرب في الوقت الذي عززت فيه خط المستوطنات اليهودية على طول الحدود»[11]. لكن موقف "إسرائيل" الراضي نسبيًا بالاتفاقية، سرعان ما تبدّل بعد حرب حزيران 1967 بينها وبين مصر وسوريا والأردن، فأعلنت سقوط الهدنة مع لبنان كما سقطت مع الدول العربية الأخرى. فبعد الحرب وصدور قرارات مجلس الأمن 233 و234، بات الموقف الإسرائيلي من الاتفاقية مغايرًا بالكامل لما كان عليه قبل هذه الحرب، معتبرًا أن الاتفاقية أصبحت لاغية. وامتنعت "إسرائيل" عن حضور اجتماعات لجنة الهدنة المشتركة متذرعة بحججٍ واهية ومغايرة للواقع، كقولها إن لبنان قد أعلن الحرب عليها كما الدول العربية التي شاركت في الحرب، وهي حجة غير صحيحة مطلقًا، وهو ما أكّده رئيس هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة الجنرال أود بول Odd Bull في أثناء حرب [12]1967. والذريعة الأخرى التي اتخذتها "إسرائيل" لتبرير تخليها عن اتفاقية الهدنة لاحقًا، كانت توقيع لبنان لاتفاقَي القاهرة في العام 1969 وملكارت في العام 1973 مع المقاومة الفلسطينية. ومن دون الدخول في نقاش قانوني في حق المقاومة الفلسطينية بالعمل المسلح ضد "إسرائيل" بعد أن اكتسبت اعترافًا دوليًا بها، وبات نشاطها مقبولًا من المجتمع الدولي. وهذا الاعتراف الدولي هو امتداد لحق تقرير المصير الذي اكتسبه الشعب الفلسطيني بموجب قرار الأمم المتحدة الرقم 2672 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 ديسمبر/كانون الأول [13]1970. لكن لبنان، ولعدة أسباب قام بإلغاء الاتفاقَين المذكورَين أعلاهما بموجب القانون الرقم 25/87 الذي أقره مجلس النواب اللبناني، وذلك لقطع دابر الادعاءات الإسرائيلية وذرائعها لإلغاء اتفاقية الهدنة.

إن الأسباب الحقيقية للموقف الإسرائيلي من اتفاقية الهدنة يتمثل أولًا بالأطماع الإقليمية الإسرائيلية التي تقف اتفاقية الهدنة حائلًا دونها، والثاني يتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي وسقوط نظام الهدنة واحتلالها لأراضٍ عربية واسعة في أعقاب حرب حزيران 1967. لذلك رأت "إسرائيل" أن لا مصلحة لها باستمرار وجود اتفاقية الهدنة مع لبنان التي كرّست الحدود بينهما ومنعت اجتيازها، ما يشكّل عائقًا لطموحاتها الإقليمية. لكن الأمم المتحدة ومجلس الأمن لم يأخذا بالحجج والذرائع الإسرائيلية، وحافظًا على التمسك بالاتفاقية كما أسلفنا.

وفي معرض تبيان أهمية اتفاقية الهدنة أيضًا، لا بد من التذكير بأنها المعاهدة الدولية الثنائية الوحيدة بين لبنان و"إسرائيل". وتحمل صفات المعاهدة الدولية كافة كما نص عليها القانون الدولي، وهي في هذا الإطار قد أتت متوافقة مع قانون المعاهدات الدولية الذي كرّسته اتفاقية فيينا للعام 1969، سواء لجهة تعريفه بالمعاهدة وضرورة كونها خطية، أو لجهة موافقة الدول المتعاقدة على الالتزام بالمعاهدة. فقد نصت الفقرة الأولى من المادة الثانية من قانون المعاهدات «على أن المعاهدة هي اتفاق دولي معقود بصورةٍ خطية...»، والمادة 12 من هذا القانون، تنص على أن التوقيع هو أحد أشكال التعبير عن التزام الدولة بالمعاهدة. وهذا ما ينطبق على الاتفاقية اللبنانية - الإسرائيلية التي وقّعها ضباط عن الحكومتَين اللبنانية والإسرائيلية[14]، مع الإشارة إلى أنّ هذه الهدنة اتخذت طابعًا تقنيًا.

ولكون اتفاقية الهدنة هي المعاهدة الوحيدة الموقعة بين الطرفَين، تجدر الإشارة إلى أن "إسرائيل" رغم محاولاتها المتكررة، إلا أنها فشلت في إرغام لبنان على توقيعه لأي اتفاقية سلام معها، بمعزلٍ عن الحل العادل والشامل لأزمة المنطقة، والذي يجب أن يرتكز على مبادئ القانون الدولي وعلى القرارات الدولية ذات الصلة.

 

2- الإطار القانوني لاتفاقية الهدنة

بالنسبة للإطار القانوني للاتفاقية، ومدى صلاحيتها لضبط النزاع اللبناني - الإسرائيلي بعد أن مرّ عليها زمن طويل حافل بالحروب والاحتلالات والتوتر الذي لم ينقطع، فيمكن القول إنه رغم كل التطورات والتقلبات التي شهدتها الأوضاع بين لبنان و"إسرائيل" منذ توقيع اتفاقية الهدنة بين الدولتَين في العام 1949، ولا سيما دخول "إسرائيل" الأراضي اللبنانية عدة مرات واحتلالها لأجزاءٍ من الجنوب اللبناني لمدةٍ طويلة. وعلى الرغم من العوامل الخارجية التي أُضيفت إلى الصراع اللبناني - الإسرائيلي، والعامل الفلسطيني والكفاح المسلح الذي مارسته منظمة التحرير الفلسطينية ضد "إسرائيل" انطلاقًا من لبنان أحيانًا كثيرة، والاتفاقات التي عقدت في أثناء ذلك كاتفاقَي القاهرة وملكارت في العامَين 1969 و1973؛ ووجود قوات الطوارئ الدولية في الجنوب استنادًا للقرارَين 425 و426 في العام 1978؛ وارتباط الوضع بين لبنان و "إسرائيل" بتطورات الصراع العربي - الإسرائيلي وتقلباته الذي شهد أربع حروب كبيرة في الأعوام 1956، 1967، 1973، و1982، وسقوط اتفاقيات الهدنة الثلاثة بين "إسرائيل" وكل من مصر والأردن وسوريا بعد حرب 1967، وتوقيع مصر والأردن لمعاهدتَي الصلح مع "إسرائيل" في كامب دايفيد ووادي عربة واتفاق أوسلو مع الفلسطينيين، وأخيرًا وليس آخرًا خروج القوات الإسرائيلية من لبنان في العام 2000 وادعاء تطبيقها للقرار 425 وصدور القرار 1701 في أعقاب حرب تموز 2006، فإن هذه التطورات والأوضاع وتداعياتها لم تنل على الإطلاق من اتفاقية الهدنة، التي بقيت تمثّل على الدوام الإطار القانوني الصحيح والوحيد المتوافر لضبط الوضع بين الطرفين، حتى مع صدور القرار 1701، فإنه قد جاء مستندًا لاتفاقية الهدنة ومكملًا لها وقد طوّر ملحق الدفاع الذي تضمنته الاتفاقية بالنسبة لحجم القوى العسكرية التي ستنتشر في الجنوب. والدليل القاطع على الثبات والاستمرارية في اتفاقية الهدنة هو وجودها في كل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالوضع بين لبنان و "إسرائيل"، حيث جرى ذكر اتفاقية الهدنة كأحد المراجع التي تستند إليها تلك القرارات، وأحيانًا جرى النص بصراحةٍ على أن اتفاقية الهدنة لا تزال صالحة وواجبة التنفيذ كما في قرار مجلس الأمن الرقم 450 تاريخ 14 حزيران 1979 [15] وغيره.

إن هذه الأهمية التي تحظى بها اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية وثباتها واستمرار صلاحيتها لغاية اليوم، ولاعتبارها إطارًا قانونيًا لإدارة الوضع بين لبنان و "إسرائيل"، يدعونا ذلك بالطبع لمعرفة أسباب هذا الثبات في الاتفاقية.

إن الأسباب والدواعي التي وفّرت لاتفاقية الهدنة هذه القوة والقدرة على الاستمرار والبقاء كأداةٍ ضابطة للنزاع رغم تقادمها عديدة، وهذه أهمها: الاتفاقية جاءت مندرجة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

- الاتفاقية حظيت بتصديق مجلس الأمن.

- الاتفاقية أسست هيئة دولية لمراقبة الهدنة ولا تزال تعمل إلى اليوم.

- إن الاتفاقية كانت محايدة ووفرت عدة ضمانات للفريقَين.

وفي ما يأتي سأحاول شرح هذه الأسباب باختصار:

بالنسبة لوقوع الاتفاقية ضمن الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، وكونها مصدّقة من مجلس الأمن، فلا بد من القول بأن اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية قد وُجدت أساسًا استجابة لقرار مجلس الأمن رقم 62 تاريخ 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1948 الذي صدر بالاستناد للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

والفصل السابع، كما هو معلوم، ينص على الإجراءات التي يُخوَّل مجلس الأمن اتخاذها لمعالجة أعمال العدوان والأوضاع التي تهدد الأمن والسلام في العالم (المادة 39)، وذلك وفق آلية متدرجة تبدأ باتخاذ تدابير مؤقتة (المادة 40) ثم اتخاذ تدابير قسرية وزجرية تصل لحد استعمال القوة العسكرية (المادتان 41 و42)[16].

والخطوة الأولى في هذه الآلية التسلسلية التي أخذها مجلس الأمن لمعالجة الوضع الذي كان متفجرًا في فلسطين، كان إصداره للقرار الرقم 54 تاريخ 15 تموز 1948، الذي قرر فيه أن الوضع في فلسطين يشكل تهديدًا للسلام وفق ما تعنيه المادة 39، ثم جاء القرار 62 تاريخ 16 تشرين الثاني 1948 كخطوةٍ ثانية وكتدبيرٍ مؤقت وفق المادة 40 الذي يأمر بإقامة هدنة دائمة بين لبنان و "إسرائيل" تُحدد فيها خطوط هدنة دائمة يُمنع تجاوزها وانسحابًا وتخفيضًا لقوى الفريقَين المسلحة ضمانًا للهدنة. فاستجاب الفريقان للقرار وأنجزا اتفاقية الهدنة.

من هنا يمكن أن تُفهم أهمية هذه الاتفاقية بالنسبة لمجلس الأمن، إذ إنها أتت استجابة لقراره ووفق الآلية المقررة في الفصل السابع، وهي بالتالي تمثّل رغبة وإرادة دولية أكثر منها رغبة لفريقَي النزاع اللذين انصاعا لإرادة مجلس الأمن الذي كان سيبادر لاتخاذ تدابير زجرية فيما لو لم يذعن الفريقان للقرار 62. كما أن المفاوضات التي جرت لإنجاز الهدنة وتوقيع الاتفاقية في رأس الناقورة تمت برعاية ومشاركة الأمم المتحدة وتوقيع ممثلها على الاتفاقية كطرفٍ ثالث.

ولتأكيده استمرار إمساكه بالوضع والنزاع بين الدولتَين، ولاقتناعه بأهمية اتفاقية الهدنة التي أُنجزت ورعايتها وعدم السماح بمخالفة أحكامها، قام مجلس الأمن بالتصديق على هذه الاتفاقية بموجب القرار الرقم 73 بتاريخ 11/8/1949.

فالموقع الذي تحتله اتفاقية الهدنة ضمن الفصل السابع يعطيها قوة مطلقة، ويجعل تطبيقها من قبل أطرافها إلزاميًا. أما عدم الاستجابة لشروطها أو عدم تنفيذها بالمطلق، كما هو الحال مع "إسرائيل"، فيحمّل الطرف الممتنع المسؤولية الدولية.

ومن ثم فقد تأكدت هذه الأهمية التي يوليها مجلس الأمن للاتفاقية، كأداةٍ قانونية ضابطة للوضع بين لبنان و "إسرائيل"، من خلال عشرات القرارات التي اتخذها في أثناء تدخله لمعالجة تقلبات هذا الوضع وحتى يومنا هذا، فكان يُذكّر فيها باستمرارٍ بضرورة التقيد بأحكام اتفاقية الهدنة.

وللتأكيد أيضًا على أهميتها وعلى جديتها وإصرارها على ضبط الوضع الأمني على الحدود، فقد نصّت الاتفاقية على إنشاء لجنة دائمة لمراقبة الهدنة تتبع للأمم المتحدة هي «اللجنة الإسرائيلية - اللبنانية لمراقبة الهدنة» (The Israeli Lebanese Mixed Armistice Commission ILMAC) مهمتها الإشراف على تنفيذ الهدنة ومراقبتها، ويرأسها رئيس أركان هيئة الهدنة التابعة للأمم المتحدة الـ UNTSO[17] أو أحد كبار الضباط من هيئة المراقبين. وهذه اللجنة لا تزال قائمة منذ العام 1949 حتى اليوم، وهي تعمل حاليًا في إطار قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب.

إضافة إلى هذه الأسباب الأربعة التي تعطي الاتفاقية القوة القانونية لاستمرارها، فإن الأساس الموضوعي الأكثر قوة هو التوازن والحيادية اللذان صيغت بهما الاتفاقية. وهذه الصفة مستمدة من الضمانات التي أعطتها الاتفاقية للفريقَين بالتوازي. فهي قد حرصت على احترام أمن الفريقَين والاطمئنان لعدم تعرض أي منهما لهجوم ٍمسلح من الفريق الآخر، كما فرضت بشكلٍ صريح قيدًا على القوات النظامية وغير النظامية لجهة عدم اعتدائها على قوات الفريق الآخر وبشكلٍ خاص ضد المدنيين أو تجاوز خط الهدنة (أي الحدود).

هنا لا بد من الإشارة إلى مسألة أثارتها الفقرة الأخيرة المتعلقة بالضمانات التي توفرها الاتفاقية للفريقَين. هذه المسألة تتعلق بضمان عدم خرق اتفاقية الهدنة، وهو أمر طُرح بقوةٍ بعد توقيع الاتفاقية مباشرة ولا يزال قائمًا إلى اليوم، وذلك بسبب الخرق الإسرائيلي المتواصل للهدنة. لكن الشيء البديهي الذي يمكن قوله، هو إن المسؤولية تقع من دون شك، وقبل أي شيء آخر، على عاتق مجلس الأمن الدولي. فالمجلس هو الذي أمر بالاتفاقية أولًا، وهو الذي صدّقها ثانيًا، وضمن استمرار العمل بها وعدم خرقها. إلا أن "إسرائيل" قد شكّلت، وللأسف، حالة خاصة وشاذة في الأمم المتحدة وفي المجتمع الدولي. فهي لا تهاب القرارات الدولية، وتخرق ما لا يروق لها من دون وجل. فالرعاية والدعم اللذان توفّرهما لها الدول الكبرى يبقيانها بمأمنٍ من أي عقوبة قد يفكر بها مجلس الأمن لدى خرقها قراراته كما يفعل مع غيرها من الدول.

من هنا نقول إنه لا يمكن التفكير بأي نوع من الضمانات التي تكفل عدم خرق اتفاقية الهدنة في ظل الظروف العالمية السائدة التي تتحكم فيها مصالح الدول العظمى بمصائر الشعوب.

 

٣ - مضمون الاتفاقية[18]

تتألف الاتفاقية من مقدمة (ديباجة) وثماني مواد وملحق يحدّد حجم الجيشَين اللبناني والإسرائيلي وتمركز قواهما في منطقة الحدود. وتجدر الإشارة إلى أن مسوّدة الاتفاقية قد أُعدّت من قبل الوسيط الدولي الدكتور رالف بانش، وهي مشابهة لبقية الاتفاقيات العربية - الإسرائيلية الأخرى، مع الاستثناءات التي اقتضتها الأوضاع الخاصة على الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية. وفي ما يأتي عرض مقتضب لمضمون الاتفاقية مع الإشارة إلى النص الكامل للاتفاقية موجود في ملحق خاص في ختام هذا البحث.

المقدمة (الديباجة): تستهل المقدمة بإشارةٍ واضحة إلى أن الاتفاقية جاءت تنفيذًا لقرار مجلس الأمن الرقم 62 تاريخ 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1948 المستند بدوره إلى الفصل السابع من الميثاق. هذا يقود مباشرة إلى نتيجة أن الاتفاقية نفسها باتت مستندة إلى الفصل السابع، الأمر الذي يعطيها وزنًا وأهمية بالغَين؛ ما يعني أن مخالفة أحكامها هو أمر يحرّك مجلس الأمن لاتخاذ ما يلزم من عقوبات بحق الطرف المخالف. ثم تشير المقدمة إلى أن الاتفاقية هي نتيجة تفاوض الفريقَين، أي أنها ليست مفروضة بالإكراه، وقبول الفريقَين بشروطها قد تم بصورةٍ طوعية. والأمر الثالث الذي تشير إليه الديباجة هو ترؤس الأمم المتحدة للمفاوضات التي أنتجت الاتفاقية بقرارٍ من الفريقَين، ما يجعل الأمم المتحدة طرفًا ثالثًا فيها يرتّب عليها التزامات معيّنة لجهة المحافظة على الاتفاقية، كما يعطيها حقوقًا تجاه الطرفَين الآخرَين سوف تظهر في مكان آخر من نص الاتفاقية.

شرط عدم الاعتداء: نصت المادة الأولى على أربعة مبادئ تشكّل ما يمكن وصفه بشرط عدم الاعتداء، وهي: عدم اللجوء إلى القوة العسكرية في تسوية القضية الفلسطينية، عدم جواز القيام بأي عمل عسكري ضد مواطني الفريق الآخر وقواته المسلحة، احترام حق كل من الفريقَين بأمنه واطمئنانه إلى عدم الهجوم المسلح عليه، وأخيرًا اعتبار الهدنة خطوة لتصفية النزاع المسلح وإعادة السلم إلى فلسطين.

وهكذا «فإن أول تدبير نصّت عليه اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية كان وقف الأعمال العدائية. وهذا التدبير يمثّل عنصرًا دائمًا في اتفاقيات الهدنة كافة، ولو اختلف النموذج أحيانًا»[19]. كما أن الانطباع الذي نخرج به من نص المادة الأولى هو الطابع العسكري للاتفاقية. إذ إن المبادئ الأربعة المشار إليها تنحصر في النواحي الأمنية والعسكرية. وهذا يدحض الموقف الإسرائيلي الذي حاول إضفاء صبغة سياسية على اتفاقيات الهدنة العربية - الإسرائيلية، ومن ضمنها الاتفاقية اللبنانية - الإسرائيلية، على أنها تكرس الاعتراف الواقعي بـ"دولة إسرائيل"، على ما ذكره عضو الوفد الإسرائيلي في مفاوضات الهدنة مع لبنان شبطاي روزين[20].

الحفاظ على الحقوق القائمة: المادة الثانية، بقيت أيضًا في إطار المبادئ العامة الهادفة إلى المحافظة على حقوق الطرفَين ومواقفهما الحالية والمستقبلية، سواء في الهدنة أم في الحل النهائي للمسألة الفلسطينية. هذا الإطار الذي وضعته هذه المادة، يعطي الاتفاقية طابعًا محايدًا، يؤدي بالتالي إلى استقرار هو من صفات المعاهدات الدولية الأصيلة. من ناحية أخرى، تؤكد المادة الثانية ما جاء في المقدمة، إن المبادئ التي تنص عليها ترتكز على قرار مجلس الأمن الرقم 62 تاريخ 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1948، وذلك بهدف إضفاء مرجعية مجلس الأمن وضمانته للمبادئ التي ارتكزت عليها الاتفاقية.

نظام الهدنة: المادة الثالثة نصّت على طبيعة الهدنة التي طلبها مجلس الأمن في قراره رقم 62 المشار إليه أعلاه. فجاءت الفقرة الأولى لتعلن هدنة عامة بين القوات المسلحة اللبنانية والإسرائيلية، والفقرة الثانية تفصّل هذه الهدنة وتحرّم على مختلف أنواع القوى المسلحة النظامية وغير النظامية من ارتكاب أي عمل عدائي، وعدم جواز تخطّي خط الهدنة المبيّن في المادة الخامسة أو التدخل عبر المجال الجوي أو المياه الإقليمية للفريق الآخر.

خط الهدنة والحدود: المادتان الرابعة والخامسة من الاتفاقية تشكلان هدف قرار مجلس الأمن رقم 62 وغايته، الذي أمر بإقامة هدنة تشتمل على تحديد خطوط دائمة للهدنة لا تتجاوزها القوى المسلحة للفريقَين، وانسحاب وتخفيض للقوى المسلحة حفظًا لهذه الهدنة. لذلك وصفت الفقرة الأولى من المادة الرابعة الخط المحدد في المادة الخامسة بـ «خط الهدنة»؛ في حين جاءت الفقرة الأولى من المادة الخامسة لتنص على ما يأتي: «يتبع خط الهدنة الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين». فالاتفاقية قد أشارت إلى الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين كخطٍ للهدنة لأن هذه الحدود واضحة ومرسّمة ولا التباس أو خلاف فيها.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الأهمية القانونية المستفادة من نص الفقرة الأولى من المادة الخامسة هي تكريس الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين من جهة، واعتراف "إسرائيل" بهذه الحدود بمجرد توقيعها على اتفاقية الهدنة من جهة أخرى.

يضاف إلى ما ذكر، بعض الفقرات التي نصت عليها المادتان الرابعة والخامسة تتعلقان بالسكان وتخفيض القوى المسلحة على جانبَي خط الهدنة.

العلاقة بالسكان: على الرغم من أن الهدنة التي تعقب الحروب عادة كانت تسعى لمعالجة أوضاع المدنيين الموجودين في مناطق القتال، إلا أن اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية لم تتناول في أوضاع المدنيين سوى حالة واحدة نصت عليها الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من الاتفاقية، التي حرّمت على المدنيين اجتياز خط الهدنة المحدد في المادة الخامسة. فبسبب استمرار حالة الحرب بين لبنان و"إسرائيل"، رغم الهدنة بينهما، كان لا بد من منع المدنيين من الاقتراب من خط الهدنة أو اجتيازه.

أسرى الحرب: المادة السادسة من الاتفاقية نصت على تبادل فوري لأسرى الحرب على أن يجري في رأس الناقورة وبإشراف الأمم المتحدة، وليشمل العسكريين الملاحقين جزائيًا أو الذين صدرت بحقهم أحكام جنائية، وعلى إعادة أغراضهم ووثائقهم وأمتعتهم الشخصية، على أن تتولى لجنة الهدنة المشتركة البحث عن المفقودين؛ وأخيرًا نصت على ضرورة العودة لاتفاقية جنيف 1929، المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب، في كل ما لم تنص عليه اتفاقية الهدنة صراحة.

لجنة الهدنة المشتركة: نصت المادة السابعة على تأليف لجنة للإشراف على تنفيذ الهدنة، فتألفت «اللجنة الإسرائيلية - اللبنانية المشتركة لمراقبة الهدنة» (The Israeli Lebanese Mixed Armistice Commission ILMAC)، لتشكل الجزء الأخير من نظام الهدنة الذي كوّنته الاتفاقية الذي أشرنا إليه أعلاه. وتتألف اللجنة من خمسة أعضاء، يعيّن اثنين منهم كل من فريقَي اتفاقية الهدنة، وتكون برئاسة رئيس أركان هيئة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة الـ UNTSO أو أحد كبار ضباطها. واتخذت اللجنة بموجب الفقرة الثانية من المادة نفسها، مقرّين لها، أحدهما في مخفر مستعمرة المطلة الإسرائيلي، والثاني في مخفر رأس الناقورة اللبناني. وقد أُنيط بها، بالإضافة إلى مراقبة تنفيذ الهدنة، صلاحية تفسير بنود الاتفاقية، وأُعطيت عدة تسهيلات لإنجاز مهماتها. واللجنة لا تزال تعمل ضمن إطار قوات اليونيفل الموجودة في جنوب لبنان اليوم.

وهكذا يمكننا أن نستنتج أن «لجنة الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية المشتركة» التي أنشأتها اتفاقية الهدنة، هي لجنة دولية بالغة الأهمية، بالنظر للصفات التي تتوافر فيها والمهمات المناط بها إنجازها. فاللجنة هي دولية تضم ثلاثة أطراف : لبنان، "إسرائيل" والأمم المتحدة؛ وهي لجنة محايدة ومتوازنة ودقيقة؛ كما أنها لجنة فعالة لامتلاكها جهازًا تنفيذيًا تنتشر عناصره ومراكزه على طول خط الهدنة؛ وهي أخيرًا تعمل بإشراف مجلس الأمن الدولي، ما يمكّن هذا الأخير من الإمساك بالوضع بين الدولتَين ويسهّل عليه المحافظة على الأمن والاستقرار الدوليَين.

أحكام ختامية: خُتمت الاتفاقية بمجموعةٍ من الأحكام نصت عليها المادة الثامنة، تناولت إبرام الاتفاقية ومدتها وإمكانية تعديلها وعدد النسخ وإجراءات التوقيع.

ملحق الدفاع: نص ملحق الدفاع التابع للاتفاقية على تمركز قوى عسكرية ذات طابع دفاعي على طرفَي خط الهدنة، على ألا يتجاوز حجمها أكثر من 1500 عسكري من كل طرف، مع أسلحة وتجهيزات محددة. وتتمركز القوى في الجانب اللبناني إلى الجنوب من الخط الممتد من القاسمية غربًا إلى حاصبيا شرقًا مرورًا بالنبطية التحتا، وفي الجانب الإسرائيلي إلى الشمال من الخط الممتد من نهاريا غربًا إلى ماروس شرقًا مرورًا بترشيحا والجش. إن هذا التخفيض لحجم القوى المتقابلة في منطقة خط الهدنة وتحديد نوعية أسلحتها لتقتصر على الدفاعية فقط، يهدف بالأساس إلى منع الاحتكاك المباشر واحتمال تجدد الاشتباكات وتهديد الهدنة نفسها تاليًا. إلا أن ذلك لم يمنع "إسرائيل" من استخدام قواتها المسلحة ضد لبنان في أحيان كثيرة، مما نزع عن خط الهدنة والمنطقة النصف - مجردة من السلاح قيمتهما العملية، ما جعل النص بالتالي غير واقعي.

هذه كانت أبرز عناوين المواد الثمانية التي تضمنتها الاتفاقية، وقد أوردناها بإيجازٍ وبالقدر الذي يستوجبه هذا البحث ليكون شاملًا ويلقي الضوء على هذه الاتفاقية المهمة وعلى المصلحة اللبنانية في الحفاظ عليها والدفاع عنها في كل ما يتعلق بالوضع المأزوم على الدوام في منطقة الحدود الجنوبية بسبب الأطماع الإسرائيلية. وقبل إيراد ختام هذا البحث، سنحاول في ما يأتي إلقاء الضوء ولو باختصارٍ على مسألة المفاوضات الجارية حاليًا لحل الخلاف الحاصل بين لبنان و"إسرائيل" حول ترسيم الحدود البحرية بينهما، والعلاقة التي تربطها باتفاقية الهدنة.

 

الخاتمة

في الختام، وبعد أن استعرضنا الظروف التاريخية والإطار الاستراتيجي الإقليمي والدولي الذي وُلدت فيه اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية في العام 1949؛ وبعد أن بيّنا الإطار القانوني لهذه الاتفاقية، ومرجعيتها وفق القانون الدولي؛ وبعد أن بيّـنا أهميتها كأداةٍ للحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والدولي، لجهة وقوعها في الفصل السابع، الأكثر أهمية وقوة في ميثاق الأمم المتحدة، كما تبيّن لنا الأهمية المطلقة للاتفاقية بالنسبة للبنان لجهة الحفاظ على سيادته وحماية حدوده وأمنه الإقليمي وعدم التفريط بثرواته الوطنية المستفادة من نص الفقرة الأولى من المادة الخامسة من الاتفاقية التي تعترف بحدود لبنان الدولية، وصولًا إلى محاولات ترسيم الحدود البحرية. وفي إطار التوصية بضرورة التشدد في المحافظة على اتفاقية الهدنة، رأيت من المناسب الاستشهاد بما كتبه المغفور له الأستاذ غسان تويني في تقديمه لكتاب اتفاقية الهدنة إذ يقول: «يطيب لي - أنا بالذات – أن أؤكد، من زاوية مشاركتي في مداولات مجلس الأمن وجلساته التي تناولت الاجتياح الإسرائيلي في العام 1978 ثم العام 1982، أن القرارات التي ألزمت "إسرائيل" والدول العربية عقد اتفاقات الهدنة العربية - الإسرائيلية في العام 1948، ثم كرستها في العام 1949، هي اليوم، بالنسبة إلى لبنان، أهم وأفعل من القرارات 425، 426، 508، 509، إلى آخر السلسلة».

نخلص من هذا كله إلى أولوية وأهمية أن يتمسك لبنان بوضوحٍ وعلى كل المستويات باتفاقية الهدنة، باعتبارها حقًا للبنان ضمنه القانون الدولي ولا يزال. فذلك يشكّل نموذجًا دوليًا في كيفية الحفاظ على المواثيق الدولية عمومًا، وعلى اتفاقيات الهدنة ذات الدور البارز في الاستقرار الدولي خاصة، على الرغم من تقادم بعضها. آخذين دومًا بعين الاعتبار الظروف التي أحاطت بنشأتها وبررتها وأعطتها الشرعية، والأسباب التي وفّرت لها الاستمرار.

 

ملحق:

نص اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية

 

اتفاق الهدنة العامة بين لبنان و"إسرائيل" 1949 [21]

رأس الناقورة 2 آذار 1949

 

مقدمة:

إن الفريقَين في هذا الاتفاق،

استجابة منهما إلى قرار مجلس الأمن الصادر في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1948 الذي دعاهما، كتدبيرٍ إضافي مؤقّت بمقتضى المادة 40 من ميثاق الأمم المتحدة ومن أجل تسهيل الانتقال من المهادنة الحالية إلى سلم دائم في فلسطين، إلى التفاوض لعقد هدنة.

وحيث أنهما قرّرا الدخول في مفاوضات برئاسة الأمم المتحدة بصدد تنفيذ قرار مجلس الأمن الصادر في 16 تشرين الثاني 1948، وعيّنا ممثلين معتمدين للمفاوضة وعقد اتفاق هدنة.

فإن الممثلين الموقّعين أدناه، بعد أن تبادلوا وثائق اعتمادهم المطلق التي وجدت مستوفية الشروط كافة، اتفقوا على الأحكام الآتية:

المادة الأولى:

في سبيل تسهيل إعادة السلم الدائم إلى فلسطين واعترافًا بما للضمانات المتبادلة حول العمليات العسكرية المقبلة للفريقَين من أهمية في هذا الشأن، يؤكد هذا الاتفاق المبادئ الآتية التي ينبغي على كلا الفريقَين التقيّد بها تقيدًا تامًا في أثناء الهدنة:

يجب على الفريقَين كليهما من الآن فصاعدًا أن يحترما بكل أمانة توصية مجلس الأمن بعدم اللجوء إلى القوة العسكرية في تسوية القضية الفلسطينية.

لا يجوز للقوات المسلحة البرية أو البحرية أو الجوية التابعة لأي من الفريقَين القيام بأي عمل عدواني أو التخطيط له أو التهديد به ضد شعب الفريق الآخر أو قواته المسلحة، مع العلم بأن عبارة «التخطيط» المستعملة في هذا السياق لا تتناول التخطيط المعتاد الذي تجريه القيادات في المنظمات العسكرية عمومًا.

يحترم احترامًا تامًا حق كل من الفريقَين في أمنه واطمئنانه إلى عدم الهجوم عليه من جانب القوات المسلحة التابعة للفريق الآخر.

تعد إقامة هدنة بين قوات الفريقَين المسلحة خطوة لا بد منها في سبيل تصفية النزاع المسلح وإعادة السلم إلى فلسطين.

المادة الثانية:

تنفيذًا لقرار مجلس الأمن الصادر في 16 تشرين الثاني 1948، على وجه التخصيص، يؤكد هذا الاتفاق المبادئ والغايات الآتية:

يُعترف بمبدأ عدم كسب أي ميزة عسكرية أو سياسية من جراء المهادنة التي أمر بها مجلس الأمن.

ويُعترف أيضًا بأنه لا يمكن بشكل من الأشكال لأي من بنود هذا الاتفاق أن يمسّ حقوق أي من الفريقَين أو مطالبه أو مواقفه في التسوية السلمية النهائية لقضية فلسطين، إذ إن أحكام هذا الاتفاق مبنية على الاعتبارات العسكرية وحدها.

المادة الثالثة:

تطبيقًا للمبادئ الواردة أعلاه ولقرار مجلس الأمن الصادر في 16 تشرين الثاني 1948، أقرت بهذا الاتفاق هدنة عامة بين القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية للفريقَين.

لا يجوز لأي فئة من القوات البرية أو البحرية أو الجوية، العسكرية أو شبه العسكرية، التابعة لأي من الفريقَين، بما في ذلك القوات غير النظامية، أن ترتكب أي عمل حربي أو عدائي ضد قوات الفريق الآخر العسكرية أو شبه العسكرية، أو ضد المدنيين في الأراضي التي يسيطر عليها الفريق الآخر، ولا يجوز لها لأي غرض كان أن تتخطى أو تعبر خط الهدنة المبين في المادة الخامسة من هذا الاتفاق، أو أن تدخل أو تعبر المجال الجوي التابع للفريق الآخر أو المياه الواقعة ضمن ثلاثة أميال من الخط الساحلي التابع للفريق الآخر.

لا يجوز توجيه أي عمل حربي أو عمل عدائي من أراض يسيطر عليها أحد فريقَي هذا الاتفاق ضد الفريق الآخر.

المادة الرابعة:

يسمى الخط الموصوف في المادة الخامسة من هذا الاتفاق «خط الهدنة»، ويحدد طبقًا للغاية والقصد اللذين ينطوي عليهما قرار مجلس الأمن الصادر في 16 تشرين الثاني 1948.

إن الغاية الأساسية من خط الهدنة هي تحديد الخط الذي لا يجوز أن تتخطاه القوات المسلحة التابعة لكل من الفريقَين.

إن تعليمات قوات الفريقَين المسلحة وأنظمتها التي تحرّم على المدنيين اجتياز خطوط القتال أو دخول المنطقة الواقعة بين هذه الخطوط تبقى سارية بعد توقيع هذا الاتفاق، وذلك بالنسبة إلى خط الهدنة المحدد في المادة الخامسة.

المادة الخامسة:

يتبع خط الهدنة الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين.

في منطقة خط الهدنة تتألف القوات العسكرية للفريقَين من قوات دفاعية فقط كما هي محددة في ملحق هذا الاتفاق.

يتم سحب القوات إلى خط الهدنة وتخفيضها إلى المستوى الدفاعي وفق أحكام الفقرة السابقة خلال عشرة أيام من تاريخ توقيع هذا الاتفاق. وكذلك يتم في المدة عينها نزع الألغام من الطرق والمناطق الملغومة التي يخليها كل من الفريقَين، وإرسال المخططات التي تبين مواقع حقول الألغام إلى الفريق الآخر.

المادة السادسة:

يجرى تبادل أسرى الحرب الذين يحتجزهم أي من الفريقَين والتابعين للقوات المسلحة النظامية أو غير النظامية للفريق الآخر، كما يأتي:

يجرى تبادل أسرى الحرب تحت إشراف الأمم المتحدة ومراقبتها في المراحل.كافة يجرى التبادل في رأس الناقورة خلال أربع وعشرين ساعة من توقيع هذا الاتفاق.

يشمل تبادل الأسرى هذا، أسرى الحرب الملاحقين جزائيًا وكذلك الذين صدرت بحقهم أحكام جنائية أو غيرها.

تُردّ إلى أسرى الحرب المتبادلين الأشياء ذات الاستعمال الشخصي والأشياء القيمة والرسائل والوثائق ومستندات الهوية وسواها من الأمتعة الشخصية أيًا كان نوعها، وإذا كان الأسرى قد هربوا أو توفوا ترد إلى الفريق الذي ينتمي هؤلاء إلى قواته المسلحة.

الشؤون كافة التي لم يرد عليها نص صريح في هذا الاتفاق تقرر وفق المبادئ الواردة في الاتفاقية الدولية المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب والموقعة في جنيف في 27 تموز/يوليو 1929.

تتولى لجنة الهدنة المشتركة المنصوص عليها في المادة السابعة من هذا الاتفاق مسؤولية البحث عن المفقودين، من عسكريين ومدنيين، داخل المناطق التي يسيطر عليها كل من الفريقَين، وذلك لتسهيل تبادلهم على وجه السرعة. ويتعهد كل فريق بأن يقدّم للجنة كل تعاون ومساعدة في القيام بهذه المهمة.

المادة السابعة:

تشرف على تنفيذ أحكام هذا الاتفاق لجنة هدنة مشتركة تتألف من خمسة أعضاء يعين اثنين منهم كل من فريقَي هذا الاتفاق، ويكون رئيسها رئيس أركان هيئة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة أو أحد كبار الضباط من هيئة المراقبين في تلك المنظمة يعينه رئيس الأركان المذكور بعد التشاور مع فريقَي هذا الاتفاق.

يكون مقر لجنة الهدنة المشتركة في مخفر الحدود إلى الشمال من المطلة، وفي مخفر الحدود اللبناني في الناقورة، وتجتمع اللجنة في الأماكن والأوقات التي تراها ضرورية لتصريف أعمالها بصورةٍ فعالة.

تعقد لجنة الهدنة المشتركة اجتماعها الأول بدعوةٍ من رئيس أركان هيئة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة في موعد لا يتجاوز أسبوعًا واحدًا من توقيع هذا الاتفاق.

تكون قرارات لجنة الهدنة المشتركة بالإجماع كلما تيسّر ذلك، وإلا اتخذت القرارات بأكثرية أصوات أعضاء اللجنة الحاضرين المقترعين.

تضع لجنة الهدنة المشتركة القواعد الإجرائية التي تتبعها. ولا تجتمع إلا بناء على دعوة يوجهها رئيسها إلى الأعضاء بحسب الأصول. ويكتمل النصاب بحضور أكثرية أعضائها.

تكون للجنة سلطة استخدام المراقبين من بين المنظمات العسكرية التابعة للفريقَين، أو من بين عسكريي هيئة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة، أو من كلتا الجهتَين، بالعدد الذي يُعد ضروريًا للقيام بمهماتها. وفي حال استخدام مراقبي الأمم المتحدة لهذه الغاية فإنهم يظلون تحت قيادة رئيس أركان هيئة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة. أما المهمات ذات الطابع العام أو الخاص التي تستند إلى مراقبي الأمم المتحدة الملحقين بلجنة الهدنة المشتركة فتكون خاضعة لموافقة رئيس أركان الأمم المتحدة أو ممثله المعيّن في اللجنة أيهما كان متوليًا رئاستها.

تُحال بشكلٍ فوري المطالب أو الشكاوى التي يتقدم بها أي من الفريقَين، والمتعلقة بتطبيق هذا الاتفاق، إلى لجنة الهدنة المشتركة بواسطة رئيسها. تتخذ اللجنة بشأن هذه المطالب أو الشكاوى الإجراءات التي تراها مناسبة، وذلك بواسطة أجهزة المراقبة والتحقيق لديها، بغية الوصول إلى تسوية عادلة مقبولة لدى الفريقَين.

إذا اختلف على تفسير معنى بند معين من بنود هذا الاتفاق، عدا المقدمة والمادتَين الأولى والثانية، يعمل بتفسير اللجنة. ويجوز للجنة، بمحض تقديرها وكلما دعت الحاجة، أن تقترح على الفريقَين من وقت إلى آخر تعديلات في أحكام هذا الاتفاق.

ترفع لجنة الهدنة المشتركة إلى كلا الفريقين تقارير عن أعمالها كلما رأت ذلك ضروريًا. وترسل صورة عن كل من هذه التقارير إلى الأمين العام للأمم المتحدة لإحالتها إلى الإدارة أو الوكالة المختصّة في الأمم المتحدة.

 يمنح أعضاء اللجنة ومراقبوها حرية التنقل والوصول في المناطق المشمولة بهذا الاتفاق إلى المدى الذي تراه اللجنة ضروريًا، على أنه في حال اتخاذ اللجنة هذه المقررات بأكثرية الأصوات، يستخدم مراقبو الأمم المتحدة وحدهم.

 توزع نفقات اللجنة، غير تلك العائدة إلى مراقبي الأمم المتحدة بين فريقَي هذا الاتفاق بالتساوي.

المادة الثامنة:

لا يخضع هذا الاتفاق للإبرام، بل يصبح نافذًا فور التوقيع عليه.

حيث أن هذا الاتفاق قد جرت المفاوضة فيه، وعقد استجابة لقرار مجلس الأمن الصادر في 16 تشرين الثاني 1948 الذي دعا إلى إقرار هدنة لدرء الخطر الذي يهدد السلم في فلسطين ولتسهيل الانتقال من المهادنة الحالية إلى سلم دائم في فلسطين، فإنه يبقى نافذًا حتى الوصول إلى تسوية سلمية بين الفريقَين، باستثناء ما ورد في البند 3 من هذه المادة.

يجوز لفريقَي هذا الاتفاق بالرضى المتبادل تعديله هو أو أي من أحكامه ويجوز لهما وقف تطبيقه، فيما عدا المادتَين الأولى والثالثة، في أي وقت. وإذا لم يتوصل إلى رضى متبادل، وبعد أن تكون قد أنفقت سنة واحدة على وضع هذا الاتفاق موضع التنفيذ من تاريخ توقيعه، يجوز لأي من الفريقَين أن يطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة دعوة ممثلي الفريقَين إلى مؤتمر غايته مراجعة أو تعديل أو تعليق أي من الأحكام الواردة في هذا الاتفاق باستثناء المادتَين الأولى والثالثة. ويكون الاشتراك في مؤتمر كهذا إلزاميًا للفريقَين.

إذا لم يسفر المؤتمر المشار إليه في البند 3 من هذه المادة عن حل متفق عليه لنقطةٍ مختلف عليها، جاز لأي من الفريقَين أن يرفع الأمر إلى مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة طلبًا للحل المنشود على أساس أن هذا الاتفاق إنما عقد استجابة لقرار مجلس الأمن في سبيل إقرار السلم في فلسطين.

وقع هذا الاتفاق على خمس نسخ، يحتفظ كل فريق بنسخة، وتسلم نسختان إلى الأمين العام للأمم المتحدة لإرسالهما إلى مجلس الأمن وإلى لجنة التوفيق الخاصة بفلسطين التابعة للأمم المتحدة ونسخة إلى الوسيط لفلسطين بالوكالة.

كتب في رأس الناقورة في الثالث والعشرين من شهر آذار/مارس سنة ألف وتسعمئة وأربعين بحضور المندوب الشخصي لوسيط الأمم المتحدة لفلسطين بالوكالة ورئيس أركان هيئة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة.

عن حكومة"إسرائيل"                                                     عن حكومة لبنان

تواقيع: المقدّم مردخاي ماكليف                                          تواقيع: المقدّم توفيق سالم

يهوشوع بلمان                                                                الرائد ج. حرب

شبطاي روزين

 

ملحق تحديد قوات الدفاع

أولًا: إن قوات الدفاع العسكرية المشار إليها في البند 2 من المادة الخامسة يجب ألا تتجاوز ما يأتي:

في ما يتعلق بلبنان:

كتيبتان وسريتان من مشاة الجيش اللبناني النظامي، وبطارية ميدان مؤلفة من 4 مدافع، وسرية واحدة مؤلفة من 12 سيارة مصفحة خفيفة مجهزة بالرشاشات و6 دبابات خفيفة مجهزة بمدافع خفيفة (20 سيارة)

المجموع: 1500 من الضباط والأفراد المجندين.

لا يجوز استخدام أي قوات عسكرية غير تلك المذكورة في البند (أ) أعلاه إلى الجنوب من الخط العام الممتد من القاسمية إلى النبطية التحتا وحاصبيا.

 

في ما يتعلق بإسرائيل:

كتيبة واحدة من المشاة، وسرية مساندة واحدة مع ستة مدافع هاون وستة رشاشات، وسرية استكشاف واحدة مع ست سيارات مصفحة وست سيارات جيب مصفحة وبطارية واحدة من مدفعية الميدان بأربعة مدافع، وفصيلة واحدة من مهندسي الميدان ووحدات إدارية للتموين والتجهيزات، على ألا يتعدى المجموع 1500 من الضباط والأفراد المجندين.

لا يجوز استخدام أي قوات عسكرية غير تلك المذكورة في الفقرة (2، أ) أعلاه إلى الشمال من الخط العام الممتد من نهارية إلى ترشيحا والجش وماروس.

ثانيًا: لا تفرض أي قيود على تنقلات أي من الفريقَين في ما يتعلق بتموين هذه القوات الدفاعية و/أو تحركاتها وراء خط الهدنة.

 

المراجع

- أيوب، عفيف: قرارات ومقررات مجلس الأمن الدولي حول لبنان / 1946 - 1990، دار الخلود، بيروت 1991.

- تويني، غسان: أتركوا شعبي يعيش، دار النهار للنشر، بيروت 1948.

- تويني، غسان: القرار 425/ المقدمات، الخلفيات، الوقائع، والأبعاد، دار النهار للنشر، بيروت 1996.

- حمداوي، سامي (إعداد)، يوسف صايغ (تحرير): ملف القضية الفلسطينية، مركز الأبحاث الفلسطينية - سلسلة أبحاث فلسطينية رقم 7.

- حيدر، محمود: لبنان في تحولات المشروع الإسرائيلي، منشورات المجلس الثقافي الجنوبي.

- خليفة، عصام: لبنان الحدود والمياه (1916 - 1975)، بيروت 1996.

- سويد، ياسين: عملية الليطاني، نظرة استراتيجية، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، بيروت 1992.

- مراد، أنطوان: حقوق بين الخطوط / الحدود اللبنانية الجنوبية / تحوّلات تاريخية وإشكاليات حدودية، د. ن.، 2020.

- Frederick C. Hof, Galilée Divided, The Israel – Lebanon Frontier, 1916-1984, West View Press

- André Gervais, Les Enseignments des Armistices Récents, Annuaire Français du Droit International, Centre National de la Recherche Scientifique 1975

Shabtai Rosenne, Arab-Israeli Armistice Agreements, 1952

ملفات ووثائق 

- قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين والصراع العربي - الإسرائيلي، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1993.

- ملف الاعتداءات الإسرائيلية  1949 - 1985، المركز العربي للمعلومات، ط1، بيروت 1986.

 


[1]- راجع: الاعتداءات الإسرائيلية/1949-1985، المركز العربي للمعلومات، ط1، بيروت 1985.

 

[2]- ياسين سويد، «عملية الليطاني»، نظرة استراتيجية، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، بيروت 1992، ص 8.

 

[3]- راجع: قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين والصراع العربي - الإسرائيلي، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1993.

 

[4]- المرجع نفسه.

 

[5]- راجع نص المادة الخامسة من اتفاقية الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية في ملحق هذا البحث.

 

[6]- راجع: عصام خليفة، لبنان/ الحدود والمياه (1916 – 1975)، بيروت 1996، ص81.

 

[7]- المرجع نفسه ، ص 76.

 

[8]- راجع: عفيف أيوب، قرارات ومقررات مجلس الأمن الدولي حول لبنان/ 1946 – 1990، دار الخلود، بيروت 1991، ص 123 – 125.

 

[9]- راجع: أنطوان مراد، حقوق بين الخطوط/ الحدود اللبنانية الجنوبية/ تحوّلات تاريخية وإشكاليات حدودية، د. ن.، 2020، ص 175 – 180.

 

[10]- راجع: محمود حيدر، لبنان في تحولات المشروع الإسرائيلي، منشورات المجلس الثقافي الجنوبي، ص 7.

 

[11]- راجع: Frederick C. Hof, Galilée Divided, The Israel – Lebanon Frontier, 1916-1984, West View Press, p. 64

 

[12]-    Ibid p.p. 66-67

 

[13]- راجع نص القرار في: قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين والصراع العربي - الإسرائيلي، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1993.

 

[14]- راجع قانون المعاهدات   Vienna Convention on the Law of Treaties على الموقع الإلكتروني: https://treaties.un.org/Pages/ViewDetails.aspx?src=TREATY&mtdsg_no=XXIII-1&chapter=23&clang=_en

 

[15]- راجع نص القرار في: قرارات الأمم المتحدة، مرجع سابق.

 

[16]- راجع الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على الموقع الإلكتروني: https://www.un.org/en/charter-united-nations/index.html

 

[17]- .Organization United Nations Truce Supervision :UNTSO

 

[18]- راجع نص اتفاقية الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية في ملحق هذا البحث.

 

[19]- راجع: André Gervais, Les Enseignments des Armistices Récents, Annuaire Français du Droit International, Centre National de la Recherche Scientifique, 1975, p. 99

 

[20]- Rosenne Shabtai, Arab- Israeli Armistice Agreements, 1952, p.42

 

 

[21]- اتفاقات الهدنة العربية - الإسرائيلية، شباط(فبراير) – تموز (يوليو) 1949، (نصوص الأمم المتحدة وملحقاتها)، منشورات مؤسسة الدراسات الفلسطينية – بيروت 1968، ص 37-48.

The Lebanese - Israeli Armistice Agreement of 1949:

Its dimensions, legal framework, and importance

The Lebanese-Israeli Armistice Agreement which was signed between Lebanon and Israel on March 23rd, 1949, is considered a prominent and important event in the history of modern Lebanon. It was one of four Arab-Israeli armistice agreements that ended the first war with Israel in 1948, in response to Security Council resolutions 61 and 62 issued on 4 and 16 November 1948.

The Lebanese-Israeli armistice agreement gained importance in the regional and international dimensions because it is a legal framework controlling the conflict between the two States, and at the same time, towards the United Nations and the Security Council, it is a tool for maintaining international peace and security. It is an international treaty that enjoys all the specifications set by international law, and it obligates Israel to respect Lebanon's internationally recognized borders. It also forbids the crossing of the line of truce which coincides with the Lebanese- Israeli international borders.

 Israel's commitment to the agreement since its signing in 1949 has not been straightforward, and it announced the fall of the armistice with Lebanon just as it fell with other Arab countries after the war of June 1967. However, the United Nations and the Security Council did not accept the Israeli arguments and excuses, and maintained adherence to the agreement considering it still valid and enforceable. Thus, the agreement constituted a legal and practical guarantee for Lebanon, if properly implemented. It also constituted a mechanism for the United Nations to ensure international security, peace and stability.

In the light of the fluctuations of the conflict between Israel and Lebanon, many questions are raised: Why is this consideration for such an agreement that is more than seventy years old? Is it important after this period to remain standing and should be adhered to? Does it really constitute a legal framework to control the conflict between Lebanon and Israel?

These questions will be the subject of this article which will be divided into three sections discussing: The importance of the Lebanese-Israeli Armistice Agreement of 1949 and Israel's position on it in the first section, and in the second section we address the legal framework that this agreement constitutes to manage the situation on the borders between Lebanon and Israel, and then we review the most important contents the agreement is in the third section, in addition to a general summary of the research findings and the suggested recommendations.

This research shows finally the absolute importance of the agreement for Lebanon in terms of preserving its sovereignty, protecting its borders and its regional security.

L'accord d'armistice libano-israélien de 1949 :

Ses dimensions, son cadre juridique et son importance.

L'accord d'armistice libano-israélien, signé entre le Liban et Israël le 23 mars 1949, est considéré comme un événement important dans l'histoire du Liban moderne. Il était l'un des quatre accords d'armistice israélo-arabe qui ont mis fin à la première guerre avec Israël en 1948, en réponse aux résolutions 61 et 62 du Conseil de sécurité publiées les 4 et 16 novembre 1948.

L'accord d'armistice israélo-libanais a pris de l'importance dans les dimensions régionales et internationales car il constitue un cadre juridique contrôlant le conflit entre les deux États et, en même temps, vis-à-vis des Nations unies et du Conseil de sécurité, il est un outil de maintien de la paix et de la sécurité internationales. C'est un traité international qui bénéficie de toutes les spécifications fixées par le droit international, et il oblige Israël à respecter les frontières internationalement reconnues du Liban. Il interdit également le franchissement de la ligne de trêve qui coïncide avec les frontières internationales libano-israéliennes.

L'engagement d'Israël envers cet accord depuis sa signature en 1949 n'a pas été simple, et il a annoncé la chute de l'armistice avec le Liban tout comme il l'avait fait avec d'autres pays arabes après la guerre de juin 1967. Toutefois, les Nations unies et le Conseil de sécurité n'ont pas accepté les arguments et les excuses d'Israël et ont maintenu leur adhésion à l'accord, le considérant comme toujours valable et applicable. Ainsi, l'accord constituait une garantie juridique et pratique pour le Liban, s'il était correctement appliqué. Il constituait également un mécanisme permettant aux Nations unies d'assurer la sécurité, la paix et la stabilité internationales.

À la lumière des fluctuations du conflit entre Israël et le Liban, de nombreuses questions se posent : Pourquoi cette considération pour un tel accord qui a plus de soixante-dix ans ? Est-il important, après cette période, de rester en place et de s'y tenir ? Constitue-t-il réellement un cadre juridique pour contrôler le conflit entre le Liban et Israël ?

Ces questions feront l'objet de cet article qui sera divisé en trois sections de discussion: L'importance de l'accord d'armistice libano-israélien de 1949 et la position d'Israël à ce sujet dans la première section. Dans la deuxième section, nous abordons le cadre juridique que cet accord constitue pour gérer la situation aux frontières entre le Liban et Israël, puis nous passons en revue les contenus les plus importants de l'accord dans la troisième section, en plus d'un résumé général des résultats des recherches et des recommandations suggérées.

Cette recherche montre enfin l'importance absolue de l'accord pour le Liban en termes de préservation de sa souveraineté, de protection de ses frontières et de sa sécurité régionale.