إقتصاد ومال

ارتفاع اليورو وانخفاض الدولار
إعداد: تريز منصور

تعددت الأسباب... فماذا عن التداعيات والحلول

أزمات اقتصادية تتوالى على العالم. الموضوع اليوم ليس قوة اليورو وإنما ضعف الدولار، الناتج عن النزيف الهائل بسبب كلفة حربي أفغانستان والعراق، وبسبب أزمة مديونية العقارات «ساب برايم»، وما أسفرت عنه من تداعيات منها انخفاض الأسهم في بورصتي نيويورك وشيكاغو، الأمر الذي أدى إلى تقليص الاستثمارات الأجنبية في الأسواق الاميركية، وبالتالي انخفاض نسبة قيمة الطلب على الدولار.
إلى ذلك فإن تخفيض قيمة الفائدة على الدولار، بسبب اضطرار البنك الفدرالي الأميركي إلى ضخ سيولة في الأسواق (لمعالجة نقص السيولة الناتج عن أزمة المديونية)، أدى إلى تقليص حجم الودائع بالدولار، وبالتالي، أثر على انخفاض سعر صرفه. إلى ذلك هناك من يعتقد أن انخفاض سعر صرف الدولار كان بتخطيط من السلطات الاقتصادية الأميركية أو حصل على الأقل برضاها، بغية تشجيع صادراتها والحدّ من وارداتها.
في أي حال يمكن القول، إن انخفاض سعر صرف الدولار، أدخل العالم في دوامة. فمع كل انخفاض لسعر الدولار يرتفع سعر برميل النفط وترتفع معه أسعار المواد الغذائية. ويؤول هذا الارتفاع في أسعار النفط والغذاء إلى مزيد من انخفاض سعر صرف الدولار وارتفاع اليورو، وبالتالي إلى ارتفاع جديد لأسعار المواد الاولية، وهكذا دواليك.
للوقوف على رأي أصحاب الاختصاص حول تأثير انخفاض سعر صرف الدولار مقابل ارتفاع سعر صرف اليورو، إلتقت مجلة «الجيش» كلاً من وزير المال الأسبق الدكتور جورج قرم، ومدير عام بنك لبنان والمهجر للأعمال الدكتور فادي عسيران، ورئيس اللجنة الصناعية في غرفة التجارة والصناعة السيد محمد شقير.

 

الوزير قرم: خطأ كبير
ربط سعر صرف الليرة اللبنانية
وبشكل حصري بالدولار الأميركي
وزير المال الأسبق الدكتور جورج قرم (أستاذ في جامعتي القديس يوسف والروح القدس في الكسليك) قال: «إن أزمة الدولار الأميركي المتمثلة بالهبوط الحاد منذ سنة تقريباً، ليست بالمستغربة. وتذكرنا هذه الفترة التي نعيشها في الأسواق الدولية، بفترة السبعينيات، حيث كابدت الولايات المتحدة تكاليف الحرب الباهظة في فيتنام، بالاضافة إلى ضعف تجارتها الخارجية، لناحية عدم التوازن بين الاستيراد والتصدير. أما اليوم فإن تدهور قيمة الدولار، هو أيضاً نتيجة غزو العراق واحتلاله، والكلفة الباهظة الناتجة عن العمليات الحربية، وإبقاء أكثر من 150 ألف جندي أميركي في العراق. فمهما كانت أهمية الاقتصاد الاميركي وضخامته، فإن هذه الحرب قد نالت من صحة الأوضاع المالية في الولايات المتحدة، مع استمرار عدم التوازن في التجارة الخارجية. ويضاف إلى ذلك، الازمة المصرفية الحادة الناتجة عن تورّط العديد من المصارف في أميركا، كما في دول أخرى، في منح قروض عقارية بمئات المليارات من الدولارات، بطريقة لا تحترم قواعد الإئتمان السليم. وهذه العوامل تفسّر صعود اليورو وهبوط الدولار في هذا الشكل الحاد».
وعمّا إذا كان وراء هذا الصعود لليورو سياسة أميركية هادفة، قال الوزير قرم «إن الدولار الأميركي منذ العام 1976، هو عملة غير مستقرة، لكنها العملة الأكثر تداولاً في العالم، لأن الولايات المتحدة لا تمانع بأن يكون الدولار هو العملة الرئيسة، ما يعطيها نفوذاً كبيراً وعالمية في المجالين الاقتصادي والمالي، على خلاف الدول الكبرى الأخرى، التي تفضل أن تبقى عملاتها ضمن النطاق الدولي المحدود، كالين واليورو والاسترليني. وهذا جزء من آليات السيطرة الأميركية على العالم، أن يكون الدولار العملة الأكثر استعمالاً وان يكون المصرف المركزي الأميركي المصرف العالمي الذي يؤمن السيولة لسائر أقطار العالم».
وعن فقدان السيطرة الأميركية اليوم على سعر صرف الدولار، اعتبر «انه عندما حلت حالة من الفوضى في النظام النقدي الدولي العام 1976، سرى مبدأ عدم تدخل المصارف المركزية للدول الرئيسة، في أسواق القطع لتثبيت أسعار العملات، وترك الموضوع إلى السوق. وهذه المصارف لم تتدخل سوى مرتين أو ثلاث مرات في العقود الأخيرة، إما لوقف تدهور قيمة الدولار أو لوقف صعودها. وهناك حديث اليوم عن أن المصارف المركزية تتشاور في ما بينها، وربما ستتدخل وبشكل متناسق في أسواق القطع العالمية لمنع المزيد من تدهور سعر صرف الدولار».
وعن تأثير سعر صرف اليورو على الاقتصاد العالمي واللبناني قال: «إن ارتفاع صرف اليورو يسبّب متاعب للدول الأوروبية من جهة، وإنما من جهة أخرى، فإنه يخفف من حدة الأزمة على المستهلك. فالمتاعب يتحمّلها الصناعيون الذين يصدرون إلى الخارج، لأن القدرة التنافسية بالنسبة إلى اسعار السلع والخدمات الأوروبية تجاه السلع والخدمات الأميركية قد تراجعت، بسبب تذبذب سعر العملات. ويمكن التعويض عن ذلك بمزيد من الانتاجية وخفض تكاليف الإنتاج في أوروبا. وهناك العديد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا، التي تمكنت من زيادة صادراتها، بالرغم من إرتفاع سعر صرف اليورو، وهذا يدل على المجهود الكبير لها. إنما من الجانب الإيجابي من هبوط سعر صرف الدولار، فهو خفف من الوطأة الكبيرة لارتفاع سعر النفط على سبيل المثال، أو مواد أولية أخرى محدد سعرها العالمي بالدولار الأميركي. كما ان السلع أو الخدمات الأميركية تصبح أقل كلفة للمستهلك الأوروبي. علينا أن ننظر إلى التحركات الكبيرة لأسعار العملات من الناحيتين الإيجابية والسلبية، وعلى سبيل المثال فإننا نرى أن العجز في الميزان التجاري الأميركي بدأ يتراجع، لأن الصادرات الأميركية تزداد، بسبب إنخفاض قيمة الدولار وانخفاض كلفة السلعة الأميركية. والقضية المطروحة اليوم، هل يترك للسوق أمر تأمين إعادة التوازن إلى التدفقات التجارية والمالية الكبرى في العالم، أو تتدخل المصارف الرئيسة المركزية لوضع حدٍ لتدهور الدولار؟ نحن نعلم أيضاً موقف الولايات المتحدة وإلى حد ما الإتحاد الأوروبي، من الصين ودول شرق آسيا، التي أصبحت من الدول المصدرة العملاقة، بحيث يطلب منها ترك قيمة عملتها ترتفع، باعتبار أن هذه العملات مرتبطة بالدولار الأميركي، تنخفض قيمتها مع انخفاض قيمته، مما لا يساعد في زيادة الصادرات الأميركية إليها. فللقضية نواحٍ تجارية ومالية في آن معاً».
وعن مدى تأثير ترقبات الحرب على صرف العملات قال: «إن هناك حالة من عدم الاستقرار نشأت منذ أحداث أيلول 2001. وفي حالة عدم الإستقرار والخوف على قيمة العملات، يلجأ العالم إلى اكتناز المادة الصفراء، الذهب الذي يرتفع سعره. ومما لا شك فيه، أن هذا أيضاً يؤدي الى التوتر المستمر في سوق النقد، لأنه إذا ما حصلت الضربة العسكرية ضدّ إيران، فسوف تصيب قطاع التجارة النفطية، لا سيما ان مضيق هرمز هو أهم شريان في نقل الطاقة في العالم».
وأضاف الوزير قرم قائلاً:
«هناك نوع من الهجمة الإعلامية المتواصلة ضدّ الصين والهند، كونهما أصبحتا تستهلكان المزيد من الطاقة والمواد الأولية الأخرى، وخصوصاً المواد الزراعية والغذائية، بسبب تحسّن الأوضاع المعيشية فيهما. وتصوّر الحملات الإعلامية، الصين كأنها دولة تستولي على مقدرات العالم. ولا بد من الإشارة في هذا الإطار إلى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية ناتج عن استهلاك المزيد من اللحوم، ما يقتضي انتاج المزيد من الذرة ومن بعض المزروعات الأخرى، التي تغذي الأبقار. في المقابل فإن دولاً كبرى مثل البرازيل، والولايات المتحدة الأميركية، تستعمل الذرة ومزروعات أخرى، لتحويلها إلى طاقة بديلة. كل هذه العوامل أدّت إلى نقص كبير في المواد الزراعية الأساسية، وإلى هذا الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية الذي يقضم القوة الشرائية، للطبقات الوسطى والفقيرة عالمياً. بالاضافة إلى ذلك فإن التجار الدوليين يستغلون وباستمرار الاتجاه الصعودي لكسب المزيد من الارباح».
أما على صعيد لبنان فاعتبر الوزير قرم أنه «كان هناك خطأ فادح من قبل البنك المركزي، عندما ربط سعر صرف الليرة اللبنانية بشكل حصري بالدولار الأميركي، ولبنان يستورد نصف حاجياته من الاتحاد الأوروبي واليابان وشرق آسيا. وسبق لي أن طلبت رسمياً من البنك المركزي، ربط الليرة اضافة إلى الدولار باليورو والين، رفض ذلك الإقتراح، وعلل الرفض بحجة ضعيفة وغير مقنعة، وهي أن الودائع المصرفية معظمها بالدولار، وأن الإقتصاد اللبناني مدولر».
وأضاف قائلاً:
«الأزمة المعيشية التي استمرت منذ اندلاع الحرب العام 1975 ولغاية 1990، كان سببها الرئيس إنهيار الليرة. وبعد الفورة الناتجة عن ورش الإعمار المختلفة والفورة العقارية الكبيرة، أصبح أكثر من نصف اللبنانيين يتخبطون في ازمة معيشية كبيرة، تتفاقم حدتها اليوم».
وعن نسبة الزيادة المناسبة لتصحيح الأجور، لفت الوزير قرم إلى أنه «لا تتوافر الدراسات الكافية التي تتحدث عن بنية الاقتصاد اللبناني بالتفصيل. ولكن في نهاية المطاف هناك ضرورة لوضع برنامج لتصحيح الرواتب والأجور، كي يأتي التصحيح تدريجاً. لأنه لا يمكن أن نحمّل ما تبقى لنا من صناعة، زيادات حادة للأجور. كما وأن 60 في المئة من الشعب لا يملك القدرة الاستهلاكية، ومعظم صناعاتنا تعتمد على التصدير، وهذه ظاهرة غير طبيعية، فمن الضروري وجود صناعات تستفيد من الأسواق المحلية. والمشكلة هنا تكمن أيضاً في عدم الحديث عن هذا الأمر، (إن كان من الجهات الرسمية أو النقابية) من أجل وضع برنامج لتصحيح هذا الوضع الشاذ، حيث الرواتب والاجور مجمّدة منذ العام 1996».
وعن مدى قدرة الإقتصاد اللبناني على تحرير بعض السلع من التعرفات الجمركية، أو إمكان توجه بعض التجار إلى أسواق أخرى قال الوزير قرم: «أعتقد أن هناك العديد من التجار الذين توجّهوا إلى الأسواق الصينية، ولكن علينا ألاّ ننسى أنّ للسوق اللبناني طابعاً شبه احتكاري خصوصاً في سوق الدواء، حيث أدوية الجنريك لم تتسوق في لبنان، وكذلك الأدوية الآسيوية وغيرها...
أما لناحية تحرير السلع، فالعديد منها تمّ تحريره، عند تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي أعطت نتائج هائلة. وعند تحرير المزيد سوف يتم رفع نسبة هذه الضريبة».
ورأى أنه «من الضروري تنفيذ برنامج دعم الصناعات اللبنانية، من خلال تخفيض أكلاف سعر الطاقة، وتأمين التسليفات المصرفية... وتغيير النظرة الصناعية القائمة اليوم على انها إنتاج سلعة وحسب، واعتبارها خدمات ذات قيمة مضافة بتقنية عالية. فالحلول تأتي من خلال نهضة إنتاجية شاملة، وبجهود مشتركة بين الافرقاء كافة. مثلاً مطلوب من لبنان تصدير منتجات زراعية ومأكولات ذات جودة عالية وبآلاف الدولارات، ولكن للأسف هناك حالة من الجمود والكسل، خصوصاً وأن جني الأرباح من العقارات ومن سندات الخزينة، سهل وسريع ولا تشوبه أية مخاطرة، بينما الاستثمار في مجالات أخرى يحتاج إلى جهد متواصل ومتابعة.
هناك تشجيع كبير لهجرة الكفاءات اللبنانية، ولكن الكثير منها ما زال موجوداً وقادراً على المتابعة والمنافسة العالمية، ولكنه يحتاج إلى الحوافز وإلى تغيير الذهنية اللبنانية التي اعتادت على الوساطة وعلى الهجرة...
وبتعبير آخر، ان المجتمع اللبناني مجتمع ريعي، لا يعتمد على الصناعة أو على الزراعة، بل على القدر القليل من السياحة والخدمات والوساطات، في الوقت الذي نعيش عصر العولمة التي تختبر قدرات الدول، خصوصاً في مجالي الإنتاجية واقتصاد المعرفة».

 

الدكتور عسيران: تغيير سعر الصرف كالضريبة يتضرر منها البعض
ويستفيد البعض الآخر
مدير عام بنك لبنان والمهجر للأعمال، الدكتور فادي عسيران قال: «إن الاقتصاد اللبناني مدولر بنسبة 75 في المئة. والسؤال عن تأثير ارتفاع سعر اليورو على اقتصاد بلد معين يصح عندما تكون نسبة الدولرة مئة في المئة. وفي هذه الحالة يكون الجواب، ارتفاع الاسعار، فلمجرد ارتفاع عملة الدول المصدرة (أوروبا) ترتفع تلقائياً أسعار السلع المستوردة. وعندما ترتفع أسعار العملات إما أن يتحمل المواطن سعر الكلفة بالكامل، أو يخفض التاجر من قيمة ارباحه. كما تتوافر في هذه الحال أمام المستهلك فرصة شراء السلع من منشأ آخر يتعامل بالدولار.
وأعتقد أنه في حال لم يتم وضع سياسة اقتصادية قياسية على أنواع السلع، تبيّن أو تحدد مدى تأثير سعر صرف اليورو على الاقتصاد، وحجم نسبة زيادة الاسعار وانخفاض حجم الارباح أو حجم تحويل عمليات الاستيراد من أوروبا إلى أسواق أخرى، يبقى كل شيء في خانة التكهنات والتحاليل.
والقضية هنا مرهونة بالفترة الزمنية التي سوف تشهد ارتفاع سعر صرف اليورو؛ إذا كانت الفترة قصيرة، التأثير يكون قليلاً، وإنما إذا استمر لفترة زمنية أطول (أقله سنة)، فالتأثير على الأسعار يكون أكبر، وكذلك على التحويلات في الأسواق. ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن إرتفاع الاسعار شمل السلع العالمية كافة وحتى اليابانية منها، باستثناء السلع العربية. لكن لبنان يصّدر إلى المنطقة العربية أكثر مما يستورد منها. وبالتالي يكون لبنان قد استفاد فحسب من التحول إلى الأسواق الأميركية، هذا بالإضافة إلى استفادته من الزيادة في نسبة صادراته إلى أوروبا».
وأضاف الدكتور عسيران: «يوجد في علم الاقتصاد التأثير المباشر وغير المباشر، وعادة تؤثر تقلبات العملات على الاسعار أكثر من عمليات التحول من اسواق إلى أخرى. وبالتالي التأثير المباشر سوف يطال المستهلك، باعتبار أن المستهلك اعتاد شراء سلعة معينة، ومن الصعب جداً استبدالها بأخرى، ذات منشأ آخر على الرغم من ارتفاع سعرها. كما إن عملية تحويل التاجر مصدر تجارته ووجهتها تحتاج أيضاً إلى الوقت وإلى عمليات دعائية كبيرة».
وعن تأثير سعر صرف اليورو على العملات الاخرى، أكد الدكتور عسيران أن «العملات الاخرى شهدت ارتفاعاً مقابل سعر صرف اليورو، ومنها الين».
وشدد الدكتور عسيران على أن «انخفاض سعر الدولار مقابل العملات الاخرى، ناتج عن سياسة اقتصادية أميركية ولكن ليس إلى هذه المستويات. فالولايات المتحدة الأميركية تعاني عجزاً كبيراً في الميزان التجاري، ونتيجة هذا القرار انخفض العجز ونشطت السياحة...
من ناحية أخرى، فإن المشاكل المالية التي نتجت عن أزمة الائتمان و«الساب برايم» (العقارات) زعزعت الثقة لدى المستثمرين. وانخفاض الفائدة في أميركا (من 5 في المئة إلى 2.5 في المئة) في مقابل استمرار قيمتها في اوروبا على معدلها (4 في المئة)، يعكس حقيقة الوضع الاقتصادي الاميركي المتردي، ويعني انخفاضاً في عدد المستثمرين في أميركا.
وهنا تبرز اهمية عامل الوقت. الفرق في الفائدة يؤثر اليوم، فيما النشاط الاقتصادي يحتاج إلى سنة تقريباً. عملية خفض الفائدة أصبحت ضمن توقعات السوق، ولكن إذا جاءت التوقعات بتجميد الإنخفاض، تعود الثقة فوراً إلى الأسواق.
وبالتالي السوق وأسعار الصرف مبنية على التوقعات المستقبلية، وتوقعات المحللين اليوم تقول إن سعر صرف اليورو وصل إلى أعلى مستوياته، وسوف ينخفض ولكن ليس إلى المستويات التي كان عليها سابقاً. وعن مدى تأثير ارتفاع سعر برميل النفط وكذلك ترقبات الحروب وتغيير الإدارة الاميركية، على سعر الصرف قال الدكتور عسيران: «إن احتمالات الحروب والانكماش الاقتصادي يؤثران على الإنتاج النفطي، وبالتالي على أسعار النفط، وليس على أسعار الصرف. ولكن من ناحية أخرى، فإن الدول العربية تبيع البترول بالدولار، وتوظف هذه الأموال باستثمارات بالدولار، ولكن في حال قررت تحويل هذه الدولارات الى عملات أخرى، هنا تقع الإشكالية. ومن هذا المنطلق كان الترّقب والخوف العالمي من لجوء الدول العربية إلى الانفصال عن الدولار، وهنا سيكون التأثير كبيراً على سعر صرفه.
أما في ما يتعلق بتغيير الإدارة الأميركية وتأثيرها على أسعار الصرف، فهذا متوقف على برنامج سياسة صرف العملة للإدارة الجديدة. فالادارة الحالية كانت عملياً مع سياسة دولار ضعيف، ولا أحد يعلم ما هي سياسة الادارة الجديدة قبل أن تأتي.
أما عن الحروب فسيكون لها تأثير إيجابي على إنخفاض أسعار الذهب والنفط. ولكن لا يوجد تأثير على أسعار الدولار، لأنه وكما ذكرنا لذلك علاقة بالثقة. فهناك أمثولات من التاريخ الجديد، بيّنت أنه نتيجة زيادة الإنتاج الحربي يتحسن سعر الصرف، وأحيانا كانت الامور سيئة، وبالتالي الأمور متعلقة بموازين القوى، وقوة أميركا. وحسب رأيي اعتقد أنه في حال خاضت الولايات الأميركية أية حرب إضافية في المنطقة، فالأمور سوف تزداد سوءاً، لأن وضع أميركا ضعيف جداً، والثقة معدومة بالمؤسسات وبالعملة الأميركية».
وحول إمكان تعديل السلة النقدية بإضافة بعض العملات عليها كالين واليورو، قال: «قد يرى البعض كلامي غريباً، ولكن انخفاض سعر صرف الدولار هو من مصلحة الاقتصاد اللبناني إلى حد ما على الرغم من أن الأسعار قد ارتفعت. وبمعنى آخر، ان ما تسعى اليه الولايات المتحدة وهو تحسين ميزانها التجاري، ينطبق على لبنان، باعتبار أن إقتصاده مدولر».
وأضاف قائلاً: «إن قضية الدولرة ليست قراراً حكومياً، وإنما هي قرار شعب اختار التعامل بالعملة التجارية الأقوى منذ ما يقارب الثلاثين عاماً. لا يمكن إلغاء الدولرة بسياسة نقدية أو بقرار أو برفع فوائد...إنها بنية اقتصادية تحددها الدول الأكبر حجماً في التجارة العالمية، إنها كاللغة التي اضطر شعوب الارض إلى اتقانها. وهذه الثقافة تحتاج إلى الوقت لتغييرها، من اجل الانتقال من عملة تجارية أو عملة مقايضة، إلى عملة تدعى اليورو. وقد يحصل هذا في المستقبل، من خلال تغيير اتجاه المواطنين في نوعية ودائعهم، ولكن حجم الودائع باليورو لن يتجاوز الـ5 في المئة.
ولا بد من الإشارة هنا إلى قضية هامة، وهي ان الدولرة في لبنان ليست دولرة ودائع فحسب، وإنما هي دولرة قروض ودولرة معاملات (80 في المئة من مقاصة الشيكات هي بالدولار). وبصريح العبارة ان العملة اللبنانية هي اليوم دولار وليست ليرة، بينما الوديعة هي استثمار، قد تكون باليورو أو بالين أو بالاسترليني...».
وعن تأثير الإقتصاد الأوروبي بارتفاع سعر صرف اليورو مقابل الدولار قال الدكتور عسيران: «بالمبدأ، من الطبيعي أن يكون حجم الانتاج ونسبة الصادرات قد انخفضت، ولكن في الوقت عينه القوة الشرائية أصبحت أكبر. قد يكون الوضع مريحاً إلى فترة زمنية قصيرة، ولكن إذا طالت المدة وارتفع سعر الصرف أكثر، فالأمور سوف تصبح أصعب. فتغيير سعر الصرف، هو كالضريبة التي يستفيد منها البعض ويتضرر منها البعض الآخر».
وفي ما يتعلق بتصحيح الأجور أوضح عسيران انه «ينظر إلى قضية تصحيح الأجور في لبنان من ناحيتين: الأولى الاستفادة من تجربة الماضي، والثانية النظرة المستقبلية لما قد ينتج عن هذا التصحيح. فتصحيح الأجور يحسن وضع المواطن الإسمي، ولكن بالتأكيد سوف يكون لهذه الخطوة تأثير كبير على المستقبل. «الشطارة» في الإقتصاد هي كيف يمكن للحكومة معالجة هذا الموضوع بأقل ضرر ممكن، أي بنسبة قليلة من التضخم، وهذا سيتوقف على نسبة التصحيح التي ستتحقق».
وختم قائلاً: «يبقى ما تقدم نظريات اقتصادية والنتيجة فإن القوة الضاغطة هي التي ستقرر».

 

شقير: ارتفاع سعر صرف اليورو رفع نسبة الصادرات اللبنانية
بدوره قال رئيس اللجنة الصناعية في غرفة التجارة والصناعة السيد محمد شقير: «50 في المئة من الصناعة اللبنانية استفادت من ارتفاع سعر صرف اليورو، و50 في المئة تضررت بشكل كبير (30 - 50) في المئة. فالصناعي المصدر ارتفعت نسبة صادراته العام 2007، حيث صدر لبنان هذا العام مليارين و82 مليون العام 2006، بينما بلغت نسبة الصادرات العام 2007 816 مليون دولار، أي بزيادة 23 في المئة، وبما يوازي 571 مليار دولار أميركي. أما في ما يتعلق بالواردات الجمركية فقد كانت 757 مليون دولار العام 2006، وبلغت قيمتها 877 مليون دولار العام 2007.
وكانت قيمة واردات الخزينة من القيمة المضافة، 762 مليون دولار العام 2006، وارتفعت العام 2007 إلى 967 مليون دولار.
وقد ارتفعت أيضاً نسبة الواردات اللبنانية، فالعام 2006 استورد لبنان ما قيمته 9 مليارات و398 مليون دولار، وارتفع الرقم العام 2007، إلى 11 مليار و518 مليون، أي بزيادة 26 في المئة.
ان هذه الارقام لا تعكس جواً إيجابياً بالمطلق، مقارنة مع الذي يحصل في العالم العربي. نحن نتكلم عن زيادة بالملايين، فيما هم يتحدثون عن زيادة بالمليارات».
وأضاف السيد شقير: «إن الوضع في لبنان دقيق وصعب، وهو كالبورصة، فعندما طرح اسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان كرئيس توافقي، عكس هذا الخبر إيجابية على الاقتصاد اللبناني في شهري تشرين الثاني وكانون الاول الماضيين، حيث ارتفعت أسعار العقارات، وعوّض الصناعيون عن بعض من خسارتهم، كما انتعشت الحركة السياحية. بينما اليوم فإن النتائج غير مشجعة في الأشهر الثلاثة من العام الجاري، وإذا لم يكن هناك من حلٍ جذري للمشكلة السياسية في البلد، فسوف نشهد إفلاسات بالجملة وصفوف الشباب بالآلاف أمام السفارات».
وعن نية توجّه بعض التجار اللبنانيين إلى أسواق أخرى، أكد السيد شقير أن «التاجر اللبناني بدأ يبحث عن أسواق أخرى خارج المجموعة الاوروبية. ولأول مرة في تاريخ التجارة اللبنانية، استورد التاجر اللبناني العام 2007 من الأسواق الاميركية، وليس من الأسواق الإيطالية. وتبين لنا هذه الارقام حجم الاستيراد المرتفع من الأسواق الأميركية منذ العام 2005، إذ كان حجم الاستيراد منها 542 مليون دولار أميركي، وأصبح ملياراً و16 مليون العام 2006، ليصل إلى مليار و139 مليون دولار العام 2007».
وأضاف قائلاً:
«الصادرات اللبنانية مرتبطة بالأسواق العربية، التي تتعامل مع الدولار الأميركي، بالتالي أمام الصناعي اللبناني فرصة زيادة صادراته، إزاء موجة ارتفاع سعر صرف اليورو. ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن الصادرات الأوروبية تأثرت جداً من جراء هذا الارتفاع، باستثناء الصادرات الألمانية، التي احتلت المركز الأول في الصادرات، حيث بلغ حجمها 547 مليار يورو، مما يعني أهمية الصناعة الألمانية التي تشمل المعدات الثقيلة والأجهزة الطبية...
وهنا لا بدّ من توجيه دعوة إلى الصناعي اللبناني، كي يتعلم ثقافة الصناعة الحديثة وعلم المعرفة، وإدخال القيمة المضافة والابتكار إلى صناعته، لأن الصناعة التقليدية لم تعد قادرة على المنافسة في عالم المعرفة والعولمة.
وان لبنان بارع في عدة مجالات ويمكنه المنافسة بها في أرقى دول العالم، مثل تصميم الأزياء، تصميم المجوهرات، الطباعة، الڤيديو كليب وبرمجة الكومبيوتر وغيرها...».
وأكد أن «غياب الاستقرار السياسي والأمني في لبنان، يقضيان على ما تبقى من صناعة وتجارة وكل شيء، ويحرمان البلد من الاستفادة من الطفرة النفطية الأكبر في التاريخ، حيث ان نسبة الفائض في الدول العربية تراوح بين 1800 و2000 مليار دولار. وآمل من جميع السياسيين، وضع مستقبل البلد والمصلحة العامة نصب أعينهم، والاسراع في انتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية قبل أن ينهار البلد فوق رؤوس الجميع».