دفاع وستلراتيجيا

استراتيجية عسكرية أميركية للحرب الوقائية على الإرهاب
إعداد: كمال مساعد

كمال مساعد

شكّلت الإستراتيجية الجديدة للأمن القومي الأميركي تحولاً بالغ الخطورة في منظور الولايات المتحدة, للطريقة التي ينبغي أن تتعامل بها مع التحديات التي تواجه أمنها القومي. فهي تتخلى بشكل أساسي عن مفاهيم سياسة الردع, التي هيمنت على السياسات الدفاعية الأميركية خلال فترة الحرب الباردة, لصالح إستراتيجية استباقية أو وقائية, أبلغها الرئيس جورج بوش الى الكونغرس وهي الآن موضع دراسة معمقة في كافة عواصم القرار في العالم. خاصة إنها المرة الأولى التي يأخذ فيها هذا المصطلح طابعاً تعميمياً, فلا يكون ثمة تحديد له, لا في المكان ولا في الزمان ولا حتى في الحجم والأدوات.

 

استراتيجية الحرب الوقائية

انطلاقاً من التحول الجديد, كشفت وزارة الدفاع الأميركية ­ البنتاغون, عن خطة سرية تعتزم الولايات المتحدة إعتمادها خلال السنوات الخمس القادمة وترتكز على محاربة التهديدات المشابهة للتهديد الذي خلفه الوضع الأفغاني, إضافة الى مواجهة مخاطر أسلحة الدمار الشامل وتطوير أسلحة أكثر دقة.
إلا أن الخطة الإستراتيجية الوقائية, قد لحظت للفترة بين عامي 2004 و2009, البدء بتنفيذ الخطة التي تحل مكان استراتيجية فترة الحرب الباردة, حتى تتمكن القوات الأميركية من خوض حربين كبيرتين, وفي منطقتين مختلفتين, بشكل متزامن, وباستخدام أسلوب أكثر تعقيداً من السابق, حيث يتم وفقه تحقيق الهيمنة الجوية والفضائية على عدة جبهات.
ويمكن إعتبار الخطة الجديدة التي تغطي فترة الأعوام الخمسة والتي تجري مراجعتها سنوياً, الأولى من نوعها منذ هجمات 11 أيلول الماضي, من حيث التحول السريع نحو استخدام أجهزة حربية شديدة التطور, وكان مثل هذا التحول قد طرأ لأول مرة أثناء حرب الخليج عام 1991.
والى جانب ذلك, طالب الرئيس جورج بوش في وثيقة سرية الدوائر العسكرية بأن تقوم بتطوير قدرات أكبر في تنفيذ هجمات وقائية “بدون سابق إنذار”. ويمكن إعتبار مثل هذه الهجمات رؤية عسكرية جديدة كان الرئيس جورج بوش قد طرح خطوطها العريضة في حفل تخرج جرى في الأكاديمية العسكرية الأميركية الواقعة بمنطقة “ويست بوينت” في نيويورك.
وفكرة الهجمات الوقائية احتلت مكانة مركزية في مضمون الوثيقة السرية التي وقع عليها وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد, والتي طرحتها الإدارة الأميركية, تحت إسم “دليل الخطة الدفاعية”, على قاعدة عسكريين كبار كي يصيغوا وفقها خططهم وميزانياتهم في العقد المقبل وما بعده. وتكشف الوثيقة التحول الكبير الذي طرأ في تفكير دونالد رامسفيلد وزعماء مدنيين آخرين. ووفق الخطة السرية, أصبح التركيز الجديد على أسلوب يعتمد أكثر على التدخل وعلى إستراتيجية تفضيل الفعل العسكري. ووفق هذه الإستراتيجية ستكون الولايات المتحدة جاهزة بإستمرار للقيام بهجمات عسكرية في شتى أنحاء العالم, وفي أي وقت تشعر فيه بأن أمنها قد يكون موضع تهديد ما.
وتحمل الإستراتيجيا شعاراً جديداً هو الردع المبكر. وتطلق على الأداة التكتيكية للخيار العسكري وصف الهجمات بدون سابق إنذار. وما تعنيه هذه العبارات المضللة على صعيد التطبيق العملي هو إلتزام جديد لعقيدة خوض الحرب من مسافة بعيدة. وتشكل حرب الولايات المتحدة في أفغانستان نموذجاً للإستراتيجية الجديدة.
ويتحدث “دليل الخطة الدفاعية” بصياغة دقيقة عن هذه الفكرة التي يتنبأ فيها رامسفيلد بتحويل الجيش الأميركي الى قوة ضاربة على المستوى العالمي, يكون فيها قادراً على تنفيذ الهجمات لوحده, وفي أي مكان من العالم, وفي أي وقت يقرره, مع إحتمال وقوع خسائر ضئيلة في صفوفه.
وتدعو الخطة الجديدة الى مواصلة الإلتزام بدعم تطوير نظام الدفاع المضاد للصواريخ وتطوير أساليب مواجهة ما يسميه الدليل بـ”الهجمات المتماثلة” التي قد تشنها بعض القوى الأجنبية التي لا تستطيع أن تتحدى الولايات المتحدة في ميدان الأسلحة التقليدية, لكنها قد تكون قادرة على إلحاق أضرار كبيرة بالولايات المتحدة عبر استخدام الإرهاب أو أسلحة الدمار الشامل. وتخصص الخطة كذلك دعماً قوياً لمسألة الدفاع عن الأراضي الأميركية.

 

رؤية رامسفيلد الجديدة

في إشارة واضحة حول ذلك, أعلن وزير الدفاع الأميركي رونالد رامسفيلد, رؤية نشرها حول أبعاد التحوّل الإستراتيجي للأمن القومي الأميركي, يعتقد فيها أن الأولويات التقليدية تم حجبها في الدليل الجديد لصالح أولويات أخرى تهم الرأي العام. بحيث ما يريده من المؤسسة العسكرية الأميركية هو التركيز على تطوير أسلحة وقوات قادرة على تنفيذ هجمات بدون سابق إنذار لإلحاق هزيمة سريعة بالأعداء من منطلق الردع المبكر. ولتحقيق الهجوم الجوي يتطلب ذلك دقة عالية جداً في التنفيذ واستخدام كميات كبيرة من المعدات الأصغر حجماً والأكثر دقة بحيث يمكن إطلاقها من طائرات بلا طيارين.
وبالنسبة للدوائر المعنية الأخرى, فإن الرؤية العسكرية الجديدة تعني تركيزاً أكبر على جمع المعلومات الإستخباراتية حول الأعداء المحتملين والمخاطر التي قد يسببونها للولايات المتحدة, إضافة الى تقنيات جديدة لشن حروب كومبيوترية ضد الإتصالات وأنظمة تكنولوجيا المعلومات, وتركز أكبر على إستخدام القوات الخاصة, وعلى عدو تقليدي ومواجهات تختلف عما كان يجري في الحروب السابقة التي يتواجه فيها الجنود ضد الجنود. وكذلك على أعداد كبيرة من الوحدات العسكرية التقليدية والأسلحة الجاهزة للإستخدام ضد أعداء شبيهين بكوريا الشمالية والصين.
وتوجه الخطة الجديدة الدوائر العسكرية الأميركية كي تنفق مواردها المالية على خمسة مجالات هي: مواجهة الإرهابيين, وأسلحة الدمار الشامل, وميدان الإستخبارات, وحرب الكمبيوترات, وتطوير قدرات الهجوم الجوي والأنظمة العسكرية في الفضاء.
وتشير رؤية رامسفيلد الدفاعية الى أهداف محددة مثل تطوير أسراب الطائرات المقاتلة بلا طيار, بحلول عام 2012, والصواريخ التي تزيد سرعتها عن سرعة الصوت وتستطيع التحرك بسرعة 600 ميل بحري في 15 دقيقة. وتستطيع هذه الصواريخ أن تحطم صواريخ الخصم قبل إطلاقها. وحدد أقصى تاريخ لصنع هذه الصواريخ بعام 2009. والى جانب ذلك, أكد على أن “إستخدام هذه الأسلحة يعزز من قدرات المؤسسة العسكرية الأميركية للشروع بهجمات سرية وقائية ضد أنواع جديدة من الخصوم, لأن التحدي الذي نواجهه في القرن الجديد إنما هو تحد صعب, بل في غاية الصعوبة. إنه يستلزم منا الدفاع عن بلادنا ضد كل ما هو غير معروف؛ ضد كل ما هو غير مضمون؛ ضد كل ما هو غير مرئي؛ ضد كل ما هو غير متوقع. وقد يتبادر للذهن, منذ أول وهلة, أن تدخل هذه المهمة في نطاق المستحيل.. ولكن الحقيقة غير ذلك. فكل ما علينا هو أن ننأى جانباً عن الأسلوب المريح سواء في التفكير أو في التخطيط, وأن ننتهج بدلاً منه الأسلوب غير المألوف فنركب الصعاب ونخوض المخاطر, ونجرّب كل ما هو جديد حتى لردع أعدائنا, بل وهزمهم, لأننا قبل الهجوم الإرهابي على نيويورك وواشنطن, كنا قد قررنا في قرارة أنفسنا, أنه من أجل الحفاظ على السلام والدفاع عن الحرية يجب على وزارة الدفاع أن تحقق ستة أهداف إلزامية هي:
1- ­ حماية الداخل الأميركي, وحماية قواعدنا في الخارج.
2-­ الإبقاء على مستوى قوتنا في الأماكن البعيدة.
3- ­ إفهام أعدائنا أنه ليس لديهم مأوى يحميهم منا؛ فيتأكدون أنه ليس هناك ركن, ولا جبل, ولا كهف سيمنعهم منا.
4- ­ حماية شبكاتنا المعلوماتية من أي إختراق.
5- ­ إستخدام تكنولوجيا المعلوماتية لربط القوات الأميركية المختلفة, وهو ما يؤهلها للقتال معاً في صف واحد.
6- ­ الحفاظ على إتصال سهل وسلس بالفضاء الخارجي, وحماية قدراتنا الفضائية من أي هجوم غاشم”.

 

مفاهيم الحرب الجديدة

في هذه الأثناء عكفت دوائر البحوث والدراسات الإستراتيجية في الولايات المتحدة الأميركية على دراسة كيفية إنفراد أميركا بقيادة العالم, وعلى تحليل ما يجري عالمياً. وجاءت الدراسات بإعتقاد الباحثين والخبراء الإستراتيجيين, أن الولايات المتحدة أثبتت تفوقاً لا يقارن بحيث أصبحت القوة التي لا يمكن مواجهتها بأي حرب مواجهة محددة المكان والزمان والتسليح.
فالتفوّق العسكري والتقني للولايات المتحدة أصبح مطلقاً. لكن مراكز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية وعلى رأسها مؤسسة راند(Rand) التي تعمل عادة بإشراف وزارة الدفاع الأميركية, وبطلب منها, وجدت نوعاً جديداً من أنواع الحروب التي يتوجب على الولايات المتحدة الإستعداد لمواجهتها. وقد سميت هذه الحروب بالحرب غير المتوازية

Unsymmetrical War)) , وقد أصبحت الأبحاث المتعلقة بهذه الحرب تعميماً صدّق عليه رئيس هيئة الأركان المشتركة هنري شلتون والرئيس جورج بوش. وتختص الحرب غير المتوازية كما حددتها دوائر الدراسات والأبحاث الإستراتيجية الأميركية ووزارة الدفاع وسائر الأجهزة الأمنية بالنقاط الآتية:
1- ­ إنها حرب لا يعرف أبداً موقع النزال فيها مسبقاً, فالعدو يحدد أين سيضرب وهو الذي يحدد زمان هذه العمليات.
2- ­ نوعية الأسلحة التي قد تكون جديدة وغير تقليدية ولم تجرّب قبلاً.
3- ­ إن الأشخاص الذين سيقومون بهذه الحرب يجب أن يكونوا من المصممين على القيام بهذه المخاطرات بلا حدود للتضحية وبلا خوف من أي ردع يأتي من الولايات المتحدة.
4- ­ إن هؤلاء الأشخاص يمكن أن يكونوا من المنظمات غير المعلنة وغير المعروفة والعابرة للقارات والحدود, والتي تعد للجريمة والعمل العنفي المنظم دولياً وعلى أكثر من ساحة ودولة Organisation) Transnational Criminal) ولديها إمكانية لقيادة عمليات إجرامية استراتيجية) Operations Strategic Criminal).
5- ­ إن هذه الحرب من أصعب الحروب لأنها تغرقنا في بحيرة من المعلومات والتكهنات والإحتمالات لا حدود لها بحيث لا نستطيع وضع خطط كاملة وشاملة لمواجهتها. لذلك يجب علينا أن نبني بحيرتنا الإستراتيجية الخاصة للمعلومات    Lake Of Strategic Intelligence)), ما يعني تنظيمات وهيكليات جديدة مترابطة ومتشابكة بين كل اجهزة الاستخبارات, وتحليل المعلومات ومراكز الدراسات لوضع كل الإحتمالات والتوقعات وأساليب المواجهة موضع التنفيذ والجهوزية. وحددت هذه الدراسات ما يجب حمايته بشكل أساسي وما اعتبرته نقاط الضعف والقوة في المنظومة الدفاعية الإستراتيجية للولايات المتحدة والتي تسمح لها ببسط نفوذها وإحكام السيطرة على العالم.
وقد حددت هذه المنظومات باثنتين: الأولى منظومة الدفاع الشمولية Global Defence Network)) , وهي منظومة الدفاع التي تشمل كل القواعد العسكرية والقطعات والتشكلات العسكرية والأمنية الموجودة ضمن أراضي الولايات المتحدة وخارجها في كل أنحاء العالم. أما الثانية فقد حددت بمنظومة شبكة المعلومات الشمولية Global Information Network)) التي تشمل كل شبكات الإتصالات والإرتباطات والتحكم بكل الشبكات المالية والمصرفية ومحطات الكهرباء والمياه والبنى التحتية.

 

تفوّق خمسة عشر سنة

هذا أيضاً ما أكدته دراسة صدرت عن المجلس القومي للإستخبارات

Intelligence Council) National) في الولايات المتحدة حول الآفاق المستقبلية للوضع الإستراتيجي العالمي. وقد توقعت الدراسة بأن تبقى الولايات المتحدة القوة الأولى في العالم خلال السنوات الـ15 المقبلة على الأقل, رغم أنها مقبلة على مواجهات وتحديات من أنواع جديدة, وخصوصاً على صعيد تقنيات الحرب المعلوماتية. إلا أن الدراسة حذرت من أن أميركا لن تتمكن من الحفاظ على هذا التفوق مدة طويلة جداً بعد سنة 2015, وذلك لأن أهمية العوامل غير المادية سوف تتزايد بإضطراد بعد ذلك التاريخ (والمقصود بالعوامل العسكرية غير المادية, النظريات الإستراتيجية ومستويات التدريب والخبرة لدى العسكريين). ولذلك, فإن قيادة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي قد خصصت بلايين الدولارات لتمويل البحوث والتطوير على مدى السنوات الخمس المقبلة, والعمل على نشر سلسلة من نظم القتال المستقبلية FCS)) التي يمكن أن تحقق سلسلة واسعة من متطلبات المهام. وقد جاء القرار باستثمار مبلغ 1.9 بليون دولار بين السنة المالية 2002 و2005 في تلك النظم المعينة, ليبين الحاجة المنظورة لاستبدال منصات ميدان المعركة الموجودة بأسرع مما هو مخطط له. فالجيش (الأميركي) يخطط لتجهيز 10 ألوية بنظم قتال مستقبلية على الأقل.
لذلك, كان الجيش قد وقّع على مذكرة إتفاقية لإنتاج تلك النظم مع وكالة مشاريع بحوث الدفاع المتقدمة( DAPARA), على أن يتبعها منح عدد محدود جداً من “إتفاقيات المفاهيم” للصناعة العسكرية, بحيث يشمل منافسين اثنين بحلول عام 2003 وفريقاً مقاولاً واحداً يختار في أوائل خريف عام 2005 ثم تبدأ المرحلة الهندسية والصناعية في السنة المالية 2008 وإنتاج النظم المنشورة في عام 2010.
وأمام هذا التحول الإستراتيجي والكمي والنوعي, فإن الإعتقاد السائد لدى أعضاء لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي, أن تبني الإدارة لهذا المبدأ كجزء من استراتيجيتها للأمن القومي, سيجبر الدوائر العسكرية والأمنية الأميركية على إجراء أعمق التغييرات في كل تاريخها. وقد أدى هذا منذ اللحظة الأولى الى إثارة جدل محتدم داخل الإدارة ووسط المحللين لشؤون الدفاع حول ماهية هذه التغييرات الواجب إجراؤها, وحول ما اذا كانت سياسة الضربات الوقائية نفسها سياسة منطقية.