وجهة نظر

استهداف الجيش خيانة عظمى
إعداد: د.ناجي أمهز

في ظل التطورات الإقليمية المتصاعدة والسياسية المتسارعة التي تعصف بالمنطقة عسكريًا واقتصاديًا وطائفيًا، يسعى العديد من الدول إلى خلق منظومات آمنة إقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا، عمودها الفقري مؤسسات الدفاع الوطني (الجيش)، بينما يجد الشعب اللبناني نفسه أمام محنة وطنية كبرى تضاف إلى أزمات الوطن المحاصر بلهيب النار، عنوانها استهداف الجيش.
وفي وضع مثل وضعنا الإقليمي تقوم الدول والحكومات والبرلمانات بوضع كل امكاناتها المادية واللوجستية والسياسية والتشريعية والإعلامية بتصرّف المؤسسة العسكرية، ما يساهم بتفعيل دورها، وتعزيز قوتها وتنمية قدراتها، ويمنحها الشرعية المطلقة من أجل القيام بجميع واجباتها العملانية المقدسة.
بل إن أعظم الدول المستقرة إجتماعيًا واقتصاديًا تبقي في سلم أولوياتها دعم المؤسسة العسكرية، ما يشكل ضمانة استراتيجية لعملية الاستقرار السياسي والاقتصادي. كما تعتمد هذه الدول تعبئة شعبية دائمة وشاملة لدعم المؤسسة العسكرية على جميع الصعد، من تطوير العتاد الحربي وتسخير أرقى الفنون لإحاطة الجيش بالهالة الوطنية التي يستحق أن ينفرد بها.
لكن الغريب في لبنان «المأزوم» اقتصاديًا ومتأخر سياسيًا وخدماتيًا والمحاط بحقل ألغام جغرافيًا، هو ما نشاهده ونسمعه من بعض المتطاولين على الجيش قيادة وافرادًا، لاستهداف ما تبقى من مكونات الدولة، وخصوصًا أن هذا الاستهداف يأتي للنيل من هيبة المؤسسة العسكرية التي شكلت ضمانة الوحدة بأرقى عناوينها ومقاييسها الوطنية والنضالية ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً.
والذي يزيد الوضع غرابة هو ما نسمعه عبر وسائل الإعلام من بعض الداعين والمحرضين والمتطاولين على المؤسسة العسكرية بطريقة تعيب المؤسسات الإعلامية والصحافية، كما تعيب تجربتها الديموقراطية العريقة.
فلا يجوز أن نقبل بتحويل فرد أو تصويره على أنه يوازي مؤسسة بأكملها، وخصوصًا إن كان هذا الفرد يستغل مساحة الحرية لينشر أفكارًا كيدية وعبارات نابية وتحضيرية. بل علينا أن نستعمل الرقابة الذاتية لنفرض على أصحاب الأفكار الهدامة الخالية من مقومات البناء، فرصة التسوق والتسويق على حساب الوطن. كما أن المهنية الإعلامية تلزمنا أن نعزلهم ونفضح زيفهم من خلال تقديم المواد التي تدحض مادة هي بالأصل كذب وافتراء.
علينا أن نفتخر بدفاعنا المستميت عن المؤسسة العسكرية انطلاقًا من قيمنا الديموقراطية والوطنية والإنسانية، فقد سجل الجيش أعلى مراتب التضحية والنضال في الدفاع عن الوطن بوجه الاعتداءات الاسرائيلية، كما أن المؤسسة أثبتت وقوفها على مسافة واحدة من الجميع من دون استثناء.
ولم يسجل على الجيش أي انتهاك إنساني أو أخلاقي أو احتجاز تعسفي يتعارض مع شرعة حقوق الانسان، أو الاستعمال المفرط للقوة بحق أي مواطن مقيم على الأراضي اللبنانية أو خارجها، من دون العودة إلى القوانين المرعية الإجراء التي كفلتها شرعة الأمم المتحدة والقانون اللبناني...
وعلينا أن نعلم بأن لاستهداف الجيش الوطني ماديًا أو معنويًا، تداعيات لا تقل عن تداعيات عدوان عسكري مباشر على الوطن، مما يفضي إلى زعزعة استقراره وتهديد أمن مواطنيه والنيل من وحدتهم.
إن محاولة التشكيك بوطنية الجيش وانتمائه، ليتم عزله ومن ثم تفكيكه هي محاولات بائسة من شخصيات تسعى جاهدة لتدمير بنية البلاد اجتماعيًا واقتصاديًا، لأنها تعلم أن استهداف الجيش يعني استهداف عشرات الألوف من العائلات اللبنانية وحرمانها أبسط مقومات الحياة.
إن استهداف الجيش الوطني سياسيًا وأمنيًا وإعلاميًا لإسقاط هيبته وزعزعة ثقة المواطنين بأدائه هو جريمة لا تقل توصيفًا عن الخيانة العظمى، الأمر الذي يحتم على القوى الوطنية والشخصيات السياسية والدينية إعلان النفير العام من أجل الدفاع عن الجيش، لأن معركة بقاء لبنان وحماية سيادته وحرية استقلاله، تبدأ مع الجيش وتنتهي ببناء جيش قوي وقادر.
وكما قيل، وجود الجيش يكلّف غاليًا لكن عدم وجوده يكلّف أكثر.