قضايا إقليمية

اسرائــيل الـدولـة المنبـــوذة الفاقدة الشرعية
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الاسرائيلية

أكدت تسيبي ليفني رئيسة حزب «كديما» الصهيوني المعارض بأن اسرائيل تحولت الى دولة منبوذة في العالم بسبب سياسة حكومة نتنياهو ووزير خارجيته العنصري افيغدور ليبرمان. ولفتت في محاضرة القتها في جامعة تل أبيب الى أن نتنياهو وحزبه (الليكود) هما اللذان وضعا اسرائيل ازاء العالم « في وضع لا تحسد عليه»، وبالتالي دعت ليفني الى تبنّي حل الدولتين لأن البديل هو الدولة الواحدة من البحر إلى النهر، أي دولة كل مواطنيها بمن فيهم العرب مع ما يعني ذلك من مخاطر ديموغرافية، «وعندها ستصبح الحركة الصهيونية مجرد جزء من كتب التاريخ» على حد قولها.
لقد باتت اسرائيل باعتراف قادتها اذًا دولة مماثلة، في نظامها وسياساتها، لنظام التمييز العنصري الذي كان قائمًا في جنوب أفريقيا. فسجلها التاريخي حافل بكل أنواع جرائم التمييز والابادة بحق الشعب الفلسطيني وسائر الشعوب العربية،  وبخطط الاستيطان التي يترافق تنفيذها بالقوة مع تجريم أي معارضة لتهويد الارض الفلسطينية واعتبار الأردن على أنه هو فلسطين. ومعلوم أن اسرائيل كانت ولدت بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 181 في سابقة فريدة من نوعها في تاريخ العالم، لكنها في الوقت ذاته الدولة الوحيدة في العالم أيضًا التي تمتهن قرارات الأمم المتحدة وقرارات محكمة العدل الدولية، وتتصرف كعصابات المافيا الدولية .
لاشك بان القادة الاسرائيليين يشعرون بالحرج والقلق الشديدين ازاء دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة المقرر عقدها في شهر أيلول الحالي حيث تعتزم السلطة الفلسطينية الدعوة الى اعتراف العالم بدولة فلسطين على حدود العام 1967. وقد حذر دان غيلرمان، سفير اسرائيل السابق في الأمم المتحدة من أنه غداة الاعلان المرتقب عن الدولة الفلسطينية العتيدة «ستبدأ عملية تحول اسرائيل المؤلمة والمأسوية الى دولة على هيئة جنوب أفريقيا، ما يعني تحول اسرائيل الى دولة منبوذة ومعرضة للخضوع لعقوبات دولية، الأمر الذي وصفه وزير الدفاع ايهود باراك بأنه تسونامي يهدد اسرائيل ومصالحها، ورأى الكاتب آري شافيط في صحيفة «هآرتس» أن اسرائيل انتقلت من حركة قومية تملك شرعية بدون كيان الى كيان من دون شرعية.
لا شك ان التطور التكنولوجي والتفوق التقني اللذين امتلكتهما اسرائيل عبر المساعدات الدولية، قد شكلا سيفاً ذا حدين، فمن ناحية استخدمت اسرائيل هذا السيف من أجل التوسع والاضطهاد والقهر وصولاً الى جنون العظمة، ومن ناحية اخرى ادى هذا السيف الى انهيار صورتها القيمية والأخلاقية التي ادعتها لنفسها لوقت طويل باعتبارها الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. في هذا السياق ناقش مؤتمر هرتسيليا العاشر (2010) تقريرًا قدمه مركز رؤوت للأبحاث، جاء فيه أن اسرائيل في ضوء سياساتها الأحادية الجانب تتعرض لهجوم سياسي حاد ولانتقادات عالمية بلغت ذروتها في تقرير غولدستون بشأن «عملية الرصاص المسكوب» في قطاع غزة وما رافقها من جرائم مفضوحة العام 2009. وتحدث التقرير عن وجود علاقة مباشرة بين أحداث غزة وحرب لبنان الثانية العام 2006 والتراجع في مكانة اسرائيل الدولية. وبحسب التقرير فإن خيبات الأمل السياسية والعسكرية الاسرائيلية خلال السنوات الأخيرة، انما تعبّر عن ضعف الرؤية عند القادة الاسرائيليين مقابل التحدي المتصاعد لجبهة المقاومة والممانعة التي تعارض الاحتلال الاسرائيلي من أساسه.

 

ورأى التقرير أن حرب لبنان الثانية وعملية الرصاص المسكوب في قطاع غزة كشفتا قوة الجهات العاملة لنزع الشرعية عن اسرائيل، كما وانكشف خلال الحقبة الماضية وجود فجوة مهمة بين مكانة اسرائيل لدى القيادات السياسية العالمية وبين الشعوب التي تمثلها هذه القيادات. وفي هذا السياق راح الكتاب والصحفيون والمفكرون الاسرائيليون يتحدثـون عن أن التهديد لاسرائـيل في الساحة السياسية - الدبلوماسية لناحية عزلها واسقاط شرعيتها قد بات يشكل تهديدًا استراتيجيًا خطيرًا. والمنهج الذي ينظم جبهة المقاومة هو سياسي - دبلوماسي هدفه الوصول الى انهيار شرعية اسرائيل في الخارج والداخل مما يؤدي الى سقوطها على غرار ما حدث لدولة جنوب افريقيا العنصرية والاتحاد السوفياتي، اللذين انهارا نتيجة ضغوط سياسية واجتماعية داخلية وضغوط اقتصادية وسياسية دولية وتراجع حلفائهما التقليديين الأوروبيين عن تأييدهما والتعاطف معهما.
ويتحدث آخرون عن دور المستوطنين واعمالهم الجامحة والخارجة على كل قانون أو معيار أخلاقي، في تراجع شرعية اسرائيل وتشويه صورتها وسمعتها الدولية. هذا بالاضافة الى حادثة اسطول الحرية ومصرع المحتجين الاتراك التسعة الذين جاؤوا الى قطاع غزة للاعتراض على محاصرته وتحويله الى سجن غوانتنامو جديد، الأمر الذي شكل ضربة سياسية استراتيجية الحقت اضرارًا فادحة بمصالح اسرائيل وسمعتها. ورأى الاسرائيليون في هذه الحادثة أنها مجرد مواجهة في اطار معركة «شريان الحياة» والحملات والمؤتمرات المناهضة للصهيونية ومن أبرزها مؤتمر ديربان.
وتحدثت دراسة لمعهد رؤوت الآنف الذكر تحت عنوان: «انهيار جدار النار السياسي الواقي لاسرائيل» عن أنه امام هذه الهجمة المبرمجة ذات الدلالات والأبعاد الاستراتيجية، باتت اسرائيل تعاني من دونية فكرية مفاهيمية تتوالى بنتيجتها المفاجآت غير السارة وخيبات الأمل، بالاضافة الى الاخفاقات السياسية والدبلوماسية المتتالية، على الرغم من تفوقها الكمي والكيفي في عدة مجالات أبرزها العسكري والتكنولوجي والاقتصادي.
ورأى تقرير صادر عن مركز ميراميت الاسرائيلي أن الحملة الأوروبية التي ترسل إلى غزة أساطيل معادية لاسرائيل وموالية لحماس، انما تريد ابراز حقيقة كون اسرائيل رافضة للسلام ودولة احتلال، حيث يتم الاستدلال على ذلك بالاستيطان المتواصل، كما يجري تصوير منظمات المقاومة كمنظمات اجتماعية انسانية تنشد العدالة وحقوق الانسان وتقع ضحية الاحتلال.

 

ومن أجل الخروج من هذه الوضعية، دعا التقرير صنّاع القرار في اسرائيل الى الرد بقسوة وعنف على  أنشطة نزع الشرعية عن الكيان الغاصب، والى اعتماد أدوات دبلوماسية وسياسية جديدة مغايرة لما يقوم به وزير الخارجية ليبرمان، والى انهاء السيطرة على الفلسطينيين وتحسين ظروف التعامل معهم.
كما دعا التقرير الى جملة من الخطوات والاجراءات المستعجلة من أبرزها:
- التنسيق بين أجهزة المخابرات والدمج بين مجمل الهيئات المناسبة وتشخيص مراكز نزع الشرعية في العالم المتمركزة بين لندن وتورنتو وباريس ومدريد.
- تفعيل وتنشيط الشبكات الاسرائيلية المكوّنة من الهيئات الدبلوماسية وشبكة السفراء لتضم أشخاصًا ومنظمات غير حكومية.
- العمل على تنشيط الدائرة الدولية في الهستدروت وحشد الجاليات الاسرائيلية واليهودية مثل الاكادميين والمنظمات والجمعيات غير الحكومية ورجال الأعمال والطلاب الاسرائيليين في الخارج والتواصل معهم.
- زيادة عدد الممثلين الدبلوماسيين في الخارج، واحداث اصلاحات شاملة في وزارة الخارجية.
- تأهيل مجموعة من القادة الاستراتيجيين للانخراط في مواقع المواجهات الأساسية.