قضايا إقليمية

اسرائيل أكبر المستفيدين من داعش واخواتها
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية


يقرّ المحلّل العسكري الاسرائيلي رون بن بشاي في موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن تنظيمات ما يسمى الجهاد العالمي لا تستهدف حاليًا إسرائيل، وأن حربها الآن هي مع الأنظمة العربية. وقد اتضح أن الهدف الرئيس من ظهور هذه الجماعات التكفيرية المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط، مع اندلاع الأزمة السورية وبعدها العراقية، هو السعي لتفتيت الدول العربية وإضعاف جيوشها، الأمر الذي يعتبر من أبرز الأهداف التي تسعى الدوائر العسكرية الصهيونية الى تحقيقه منذ نشوئها.

 

 

أوجه التشابه بين داعش وإسرائيل
في واقع الحال، نحن اليوم أمام عراق ممزق، وسوريا مستنزفة ولبنان قلق ومضطرب، والقضية الفلسطينية منسية ومهمشة، وكذلك هي حال اليمن وليبيا والسودان.
وثمة خريطة جديدة للعالم العربي ضاعت فيها الأوطان واجتاحتها وحوش القبائل والطوائف والمذاهب، والواقع الميداني على الأرض، حيث القتل والذبح وأكل القلوب، هو من يرسم المستقبل البائس لشعوب هذه المنطقة. وما من شك في أن الدوائر السياسية الصهيونية، بحسها الانتهازي المعروف، هي المستفيد الاكبر.
وعلى هذا الصعيد نشر موقع «فيترانس توداي» البحثي تقريرًا له حول أوجه التشابه بين داعش وإسرائيل، وقال إن إسرائيل تدعي أنها الدولة اليهودية كما أن داعش تصف نفسها بأنها الدولة الإسلامية، ولكن تلك الكيانات الإرهابية تعرف نفسها من حيث الايديولوجيات الطائفية العنصرية الصارمة. ويضيف الموقع أن كلًا من داعش وإسرائيل يعيشان على أرض مسروقة ويدوسان بوحشية الشعوب التي يرونها أقل منهم قوة، كما أنهما يفخران بارتكاب الفظائع الرهيبة. فداعش وإسرائيل كيانان إرهابيان يمكنهما العمل معًا، ولهذا السبب هناك مئات الإرهابيين من تنظيمي داعش والنصرة تتم معالجتهم والعناية بهم إلى اقصى حد في المستشفيات الإسرائيلية.
ويختتم موقع «فيترانس توداي» بقوله: يوجد بين إسرائيل وداعش الكثير من القواسم المشتركة، بما في ذلك الطائفية وجرائم الحرب وزعزعة استقرار الدول المجاورة، والعيش على أرض مسروقة، وعليهما الاندماج في كيان واحد، فذلك الكيان سيكون مناسبًا للأشخاص الذين نشأوا وتربوا على الكراهية، وبالتالي فهم يستمتعون بإطلاق النار على الأطفال والنساء وكبار السن والأسرى.


كيف تستفيد اسرائيل من داعش؟
تستفيد اسرائيل من تصرفات داعش بحيث أنها تقوم بتعزيز علاقاتها ببعض دول الجوار ومدّ جسور اتصال مع الأنظمة العربية المتهالكة، وقد ورد ذلك على لسان وزير الخارجية الصهيوني أفيغدور ليبرمان، عبر الدعوة لتشكيل تحالف عربي -إسرائيلي، لمواجهة الجماعات المتطرفة، على حد قوله!!. وأكدت صحيفة «يديعوت أحرونوت» كذلك أن وصول داعش للعراق والأعمال التي تنفّذها هناك ضدّ الأقليات الدينية من قتل وتهجير، قد ساهم في تعزيز العلاقات الأمنية مع الأردن بشكل خاص. واستفادت إسرائيل ايضًا من الحرب على سوريا، لأنها تدمر هذا البلد وتستنزف جيشه وتشرّد أهله. وبينما سلّم النظام هناك أسلحته الاستراتيجية للغرب، تقيم إسرائيل الآن «حزامها الأمني» و«منطقتها العازلة» في الجولان على طريقة الجدار الطيب في جنوب لبنان (العام 1978)، كما أنها تمارس ضغطها على إيران وتبتزها في برنامجها النووي، إن لناحية اغتيال علمائها أو لناحية تحريض الشرق والغرب ضدّ ما تحرزه من نجاحات واضحة في هذا المجال. وهي تضغط على أميركا لمنع الاتفاق مع إيران حول المشروع النووي لأنها تريد تفكيك هذا المشروع كليًا.

 

الدعاية والإعلام في الحرب على الإرهاب!
تستفيد اسرائيل من الحرب على الإرهاب دعائيًا واعلاميًا لتنفي التهمة عن نفسها وتقول إن «الارهاب» موجود على ابوابها ويتمثل في منظمات المقاومة الفلسطينية المسلّحة على انواعها، ولذلك لا بد من نزع سلاحها قبل إعمار غزة، ولا بد من تدمير الأنفاق، ولا بد من اتخاذ كل الاحتياطات الأمنية وإطلاق يد إسرائيل في الدفاع عن أمنها ومصالحها الاستراتيجية من دون أي لوم أو عتاب. وفي الخارج، تقول اسرائيل إن الإرهاب على بابها في الجولان، وعلى الحدود الأردنية، وفي ما يواجهه النظام هناك من تحديات ومخاطر وعلى الحدود المصرية في سيناء، وبالتالي لا بد من توفير كل الحمايات لها وفي كل الاتجاهات.
والأخطر اليوم هو ما تقوم به اسرائيل من مناورات سياسية للتخلص والتحلل من موجبات ما تفرضه انتهاكاتها القانونية الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس وذلك بناء على ما جاء على لسان نتنياهو: «إن المبادرة العربية الصادرة عن الجامعة العربية في العام 2002، لم تعد ذات صلة بالشرق الأوسط بعد أن شهدت المنطقة تغييرات كثيرة، تبدأ من قطاع غزة، وتمر بسوريا والعراق وتصل إلى إيران. والمبادرة أعدت بالأساس لمرحلة سابقة ومختلفة وذلك قبل سيطرة حماس على غزة، واستيلاء داعش على أجزاء من سوريا والعراق والتفكك الفعلي للبلدين، وأيضًا قبل أن تسرع إيران وتيرة برنامجها النووي، ويسيطر تنظيم القاعدة على الجولان، وهذا هو جوابي على المبادرة وما تنص عليه من انسحاب إسرائيلي من الجولان. توجد حقيقة هنا وهي اعتراف أكثرية دول الشرق الأوسط بأن إسرائيل لم تعد عدوها الأبدي، وعلى أقل تقدير هي حليف محتمل في التصدي للتحديات المشتركة»!

 

ذريعة الاحتياجات الأمنية
يستغل الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، عوزي ديان، الأحداث القائمة ليبرر احتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية وممارسة المزيد من البطش والإرهاب ضد الفلسطينيين بقوله إنه «في حالة انعدام يقين كهذه، ينبغي العمل وفق قاعدتين: جهّز نفسك وفق قدرات العدو، وليس وفق نواياه، وحافظ بحرص شديد على كنوزك الاستراتيجية، وبخاصة الحدود الآمنة. وينبغي أن توفر الحدود الآمنة لإسرائيل عمقًا استراتيجيًا في مواجهتها لتهديدات تقليدية أو هجمات إرهابية». واعتبر ديان أن حدودًا آمنة كهذه موجودة في الجبهة الإسرائيلية الجنوبية بفضل جعل سيناء منزوعة السلاح، بموجب اتفاقيات كامب ديفيد، وفي جبهتنا الشمالية بفضل امتناع إسرائيل عن تسليم مرتفعات الجولان إلى سوريا. وأوضح ديان أنه في الجبهة الشرقية مع الأردن توجد حدود أمنية تستجيب للاحتياجات الأمنية الإسرائيلية وهي غور الأردن حيث أن معدل المسافة بين نهر الأردن والبحر المتوسط هو 64 كيلومترًا، وهي تشكل حدًا أدنى من العمق الاستراتيجي، وأن غور الأردن من النهر إلى الجبال المطلة عليه، هو حيز دفاعي لا بديل عنه، ويشكل غلافًا دفاعيًا ضد نشوء كيان معاد في الضفة الغربية، وضد أي هجمات خارجية محتملة. وخلص ديان إلى أن الرسالة قد وصلت من العراق وسوريا، ومفادها أن السيطرة الإسرائيلية الكاملة على غور الأردن كله، كمنطقة أمنية تستند إلى نهر الأردن كخط حدود... هي فقط التي ستوفر الأمن للدولة العبرية، على حد زعمه.

 

التكفير والتدمير... لتمرير المشاريع
كتب المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هارئيل أن ثمة أفكارًا تراود الإسرائيليين على أثر «فورة داعش» في العراق، أهمها تلك التي تتعلق بالترتيبات الأمنية التي يبقيها الأميركيون وراءهم. وقال المحلل: علينا أن لا نسلّم ذقوننا للولايات المتحدة، ونعتمد عليها في تغطية الشق الأمني والعسكري في ما يتعلق بأي اتفاق سلام محتمل مع الفلسطينيين، خصوصًا وأن انهيار الجيش العراقي هو الثاني من نوعه لقوة عسكرية أقيمت على أيدي الأميركيين في السنوات الأخيرة. وكان قد سبقه في الشهر نفسه من العام 2007، إنهيار قوات السلطة الفلسطينية في غزة في أيام معدودة، تحت هجوم كاسح نفذته حماس. وتابع المحلل قائلًا إنه منذ ذلك الحين، حسّن الأميركيون مستوى قوات الأمن في الضفة الغربية، وعلى الرغم من ذلك، من حقنا أن نطرح السؤال: ماذا سيحدث في الضفة عندما تنسحب إسرائيل منها وتبقى السلطة الفلسطينية وحدها لإدارة شؤونها! وهو يشير هنا إلى قاسم مشترك بين الجيش العراقي وأجهزة السلطة الأمنية، فالجنرال الأميركي المتقاعد جيمس جونز هو نفسه الذي شارك في وضع الخطة العسكرية التي أعدتها الولايات المتحدة لكليهما. من هنا نستطيع أن ندرك كيف تعمل اسرائيل للاستفادة من ظاهرة داعش واخواتها من قوى التكفير والتدمير لأقصى درجة في تمرير مشاريعها وتبريرها، وهذه المرّة بذريعة الخطر الأمني وليس بالهاجس الأمني كما كان سابقًا. أما أميركا والغرب فيستفيدون في مجال استثمار خيرات المنطقة من بترودولار ونفط وغاز ومواد خام بأسعار متدنية وزهيدة جدًا، ومن تصدير الأسلحة والمنتجات الاستهلاكية بأسعار خيالية...

 

«طلبنة» العراق وسوريا!
من الأقوال المأثورة للزعيم البريطاني الراحل، ونستون تشرتشل: «إن الأميركيين لن يستخدموا الطرق الصحيحة لحل المشاكل إلا بعد أن يستنفدوا جميع الطرق الخاطئة». وهو قول تثبت التطورات صحته اليوم. فإقدام بوش الإبن على سحق العراق وتفكيك مؤسساته جاء في إطار تجريب الطرق الخاطئة. والآن يعود الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المربع الأول، أي إلى الطرق الخاطئة في التعامل مع منظمة داعش الإرهابية واخواتها في العراق وسوريا، والمقصود هو التجربة التي مارستها أميركا في أفغانستان في دعمها للقاعدة وطالبان وغيرهما من أتباع الجهادية السلفية والتي انتهت بكارثة 11 ايلول 2001 على قاعدة أن طابخ السم آكله. وما يجري الآن هو «طلبنة» العراق وسوريا، وربما محاولة جر ذلك إلى لبنان، إذ نسمع هذه الأيام عن تقديم أوباما طلبًا إلى الكونغرس الأميركي بتخصيص نصف مليار دولار لدعم «الجيش السوري الحر» تدريبًا وتسليحًا، بينما في الحقيقة ستسلّم هذه الأسلحة إلى داعش، لأن لا وجود للجيش السوري الحر على أرض الواقع العملي في سوريا، وإنما الموجود هو المجموعات الإسلامية الإرهابية، داعش وجبهة النصرة وغيرهما من قوى التخريب والتخلّف والإجرام.