قضايا إقليمية

اسرائيل على شاكلة أولمرت
إعداد: إحسان مرتضى

مؤهلات ... ولكن!

قبل أن يعيَّن ايهود أولمرت بتاريخ 16/1/2006 قائماً بأعمال رئيس حزب «كديما» (الى الأمام)، وفور حلوله مكان آرييل شارون كرئيس للوزراء بالوكالة، اعتبر بمثابة المرشح الأول للحلول محل شارون في هذين المنصبين، بعد أن تمكَّن المرض من هذا الأخير. وبإجماع المراقبين فإن لدى اولمرت المؤهلات لذلك: لديه القدرة القيادية، ولديه تجربة حزبية وسياسية وأمنية. لكن ليس لديه ما كان لشارون من كاريزما، وهو شيء كثير، لأنه غير محبوب وغير مرغوب. وعندما طلب من المشاركين في مجموعات الناشطين، التي انعقدت في «كديما» قبيل الانتخابات الأخيرة، تحديد مشاعرهم ازاء الشخصيات الرائدة في السياسة، جاءت النتيجة كالتالي: شارون، ثم بيريس ثم تسيبي لفني في رأس القائمة باعتبارهم «يحظون بالتقدير والود». أما أولمرت فتم التطرق اليه على انه «موضع تقدير لكنه ليس موضع ود». ورأى أكثر من معلّق للشؤون الحزبية في اسرائيل ان تبوء اولمرت منصب رئاسة الوزراء في هذه الظروف من القلق والاضطراب، يشكل دخولاً دراماتيكياً بأبعاد شكسبيرية.
وتحت عنوان «المهام الملقاة على عاتق أولمرت»، كتبت صحيفة «هأرتس» تقول: «لم يتوقع ايهود اولمرت بالتأكيد ان يتم صعوده الى القيادة القومية في ظل هذه الظروف المأسوية، عندما استدعي في منتصف الليل للحلول محل رئيس الوزراء المريض. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة برز أولمرت، بشكل خاص، كهامس في أذني آرييل شارون، وكمن شجَّعه على السير في خطوات تاريخية مثل إخلاء المستوطنين من قطاع غزة وتفكيك الليكود وتشكيل حزب كديما...». وتضيف الصحيفة ان اولمرت كان مقتفي الأثر الذي أعد الرأي العام للإنعطافة في مواقف رئيس الحكومة، إلا أن الكلمة الفصل الأخيرة بقيت دائماً عند شارون.
لقد قيل ان حزب كديما هو حزب «الرجل الواحد» شارون. لكن اولمرت ما لبث ان أثبت انه قادر على حشد أغلبية المسؤولين في الحزب وراءه بسرعة وانه خبير في معالجة الأزمات التكتيكية التي واجهته داخل الحزب وخارجه. وبرهن ان «كديما» ليس حزب الرجل الواحد اكثر مما هي عليه الحال في حزب «العمل» برئاسة عمير بيرتس أو في «الليكود» برئاسة بنيامين نتنياهو.

 

من هو اولمرت؟

هو من مواليد فلسطين، وبالتحديد مستعمرة بنيامينا العام 1945، وكان والده عضواً في الكنيست. تخرج في الجامعة العبرية في القدس في ثلاثة اختصاصات هي علم النفس والفلسفة والمحاماة. متزوج وأب لأربعة أبناء. قبل دخوله المعترك السياسي عمل في المحاماة ثم خدم في لواء غولاني كمراسل عسكري في مجلة «بامحانيه» أي «في المعسكر»، التي تصدر عن الجيش الاسرائيلي، ثم خدم كضابط في وحدة من وحدات المشاة. انتخب العام 1973 للمرة الأولى عضواً في الكنيست، ثم تواصلت هذه العضوية بصورة مستمرة. ومنذ العام 1988 بدأ يشغل وظيفة وزير في حكومات اسرائيل المتعاقبة. والعام 1993 انتخب رئيساً لبلدية القدس اثر انتصاره على منافسه العمالي الاسطوري تيدي كوليك وذلك بأغلبية 60% من أصوات الناخبين في المدينة. العام 2003 عيَّنه شارون في حكومته الثانية في منصب وزير الصناعة والتجارة وتسلّم أيضاً صلاحيات اخرى مثل القائم بأعمال رئيس الوزراء وعضو في المجلس الوزاري المصغَّر (الكابينيت) أو المطبخ السياسي. وقد ترك في مسيرته السياسية بصمات واضحة في القرارات الاشكالية مثل قرار البناء في جبل ابو غنيم (هارحوماه) ورأس العمود وفتح النفق تحت المسجد الاقصى. كما حارب مظاهر السيادة الفلسطينية في القدس الشرقية، وعارض نشر أي رمز من الرموز الوطنية الفلسطينية على كتب التدريس في مدارس المدينة الشرقية، ودأب على هدم أي بناء فلسطيني بحجة عدم حصوله على ترخيص، وهو أيضاً من كبار مؤيدي نقل السفارة الاميركية الى القدس.
وعمل على نقل ميزانيات خاصة الى هيئات يهودية متعصِّبة من الحريديم وعلى تعيين مندوبي الكتل الدينية في وظائف اساسية وحيوية في بلدية المدينة المقدسة، مما مهَّد الطريق أمام وصول مرشح من هؤلاء الى سدة رئاسة البلدية فيها.

 

ما هي مشاريعه؟

لقد أبدى اولمرت دعمه الكامل لخطة شارون بشأن الانسحاب من غزة. وهو كان من أول مؤيديه عندما ترك الليكود اليميني المتطرف لانشاء حزب كديما المحسوب على تيار الوسط بحسب المعايير الصهيونية والاسرائيلية. واكتسب اولمرت بصفته قائماً بأعمال رئيس الوزراء سمعة بتعميم الأفكار المثيرة للجدل، الأمر الذي سمح لشارون بضمان وجود ردود فعل خدمته في تطوير استراتيجيته الجيوسياسية. وهو أثار أيضاً ضجة كبرى العام 2003 عندما اقترح أن تنسحب اسرائيل من كامل الضفة الغربية وقطاع غزة. وقال في مقابلة مع صحيفة «يديعوت احرونوت»: «ان الانسحاب هو السبيل الوحيد أمام اسرائيل للإبقاء على طابعها الديموقراطي وهويتها اليهودية». وحذر من أن التزايد السكاني للفلسطينيين يعني ان السكان العرب سوف يتجاوزون اليهود في الأراضي الخاضعة لاسرائيل، ورأى انه اذا أرادت اسرائيل الحفاظ على هويتها اليهودية فعليها أن تعيد رسم الحدود بحيث يكون أكبر عدد من اليهود في الجانب الاسرائيلي. وكان زملاء له في الحكومة آنذاك يمثلون سكان المستوطنات فاتهموه بالاستسلام «للارهابيين». وعلى الرغم من الطابع المثير لتلك التصريحات وما تلاها من جدل، فقد أصبحت فكرة فك الارتباط والانفصال من طرف واحد، فكرة حكومية تدعمها الغالبية العظمى من الاسرائيليين.
لقد اهتمت الصحافة الاسرائيلية بابراز الطابع السياسي لبيت اولمرت، حيث هو اليميني الوحيد. أما زوجته فهي يسارية ومؤيدة لحركة «السلام الآن» الاسرائيلية، ونجله الأصغر آرييل رافض للخدمة العسكرية، ويتلقى دروسه في السوربون في فرنسا وله ابنة اخرى ذات توجهات يسارية وهي استاذة جامعية.
في رأي العديد من الباحثين الاسرائيليين ان حزب «كديما» الذي يترأسه اولمرت حالياً، يختلف عن جميع احزاب الوسط الاسرائيلية وحركاتها، ولذا فإنه سيبقى في الخارطة السياسية الاسرائيلية «مثلما بقيت الديغولية في فرنسا بعد غياب ديغول». والسبب في ذلك ان هذا الحزب لا يأتي من هامش السياسة الاسرائيلية وانما من قلبها، وهو ليس بحاجة الى أن يبني وسطاً سياسياً لكونه الوسط السياسي القائم، الذي يقضم بصورة جوهرية نفوذ الحزبين الكبيرين التقليديين (العمل والليكود). كما وان هذا الحزب حظي بشعبية كبيرة على خلفية الانهيارات الاخلاقية والبنيوية والسياسية لأحزاب اخرى (مثل شينوي والعمل والليكود وحتى ميرتس والجبهة الديموقراطية).
لقد تحدثت صحيفة «هآرتس» عن اولمرت فقالت ان مشروعه ينطوي على شيء من التجديد المشجع. فمنذ العام 1967 اتسمت البرامج الانتخابية الخاصة بالأحزاب الكبرى بتقاليد الغموض والازدواجية، والآن وللمرة الاولى خرج مرشح رائد بنداء الى الناخب الاسرائيلي يطالبه فيه بدعم الخطة الملموسة للانسحاب من الضفة الغربية. وتضيف الصحيفة ان مجرد بدء المسيرة الآحادية الجانب من طرف اسرائيل سيقود الفلسطينيين الى الاعتراف بالتغيير الكبير الذي طرأ هنا. فبدلاً من اتجاه التمدد الذي ميزها حتى الآونة الأخيرة، انتقلت اسرائيل الى الانكفاء والانطواء. وبدلاً من تواصل وتيرة بناء المزيد من المستوطنات وتوسيعها تقوم بخفض عدد المستوطنات ومساحتها. وتختم الصحيفة بالقول: عندما سيحدث هذا سوف يتوصل الفلسطينيون الى الاستنتاج بانه من الأفضل عدم ترك الاسرائيليين يحددون الأمر الواقع من طرف واحد من الحدود. ومما يقوله اولمرت في هذا السياق: «في العام 2010 ستكون لنا دولة اسرائيل اخرى ولن نكون في أماكن لا فائدة من البقاء فيها».
هذه لحظة من لحظات الحقيقة النادرة التي يهبط فيها الاسرائيليون من علياء جبروتهم وطغيانهم، ويحاولون فيها بأسلوب المراوغة ادعاء الواقعية مع بقاء احتلالهم وتعسفهم...