متاحف في بلادي

اسعد رنو: الكلاسيكية في الفنون هي الصخرة... وعليها بنيت عمارتي
إعداد: جان دارك أبي ياغي
تصوير: المجند جوزف أنطي

فنان احترف صياغة الخطوط والألوان جمالاً ومتحفه في دير القمر يحكي مسيرته فنان مسكون بالإبداع

 

بريشة أكاديمية علَّمت أجيالاً من طلبة الفن، صاغ الفنان أسعد رنّو أكثر من 3500 لوحة خلال مسيرته الفنية. وتشهد مسيرة الرسام الطويلة على منحى كلاسيكي واحد ونظرة واقعية الى جمالية مستقاة من الطبيعة ومن ملامح وجه أو جسد.
طبيعة لبنانية ورموز وطنية، وجوه لنساء جميلات وأخرى لرجال من الماضي، اختصر من خلالها أسعد رنّو رؤيته القائمة على صياغة أكاديمية تتفوّق فيها لعبة الضوء والظل، وفي كل لوحة تمتزج ألوان أرضية خزفية قائمة بسماوية مشرقة تبعث في المنظر وفي ملامح الوجه نوراً يكتسب من ريشة الفنان بُعداً طقوسياً.
وأسعد رنّو في «ورشة» الرسم، لا يتعب، ولا يستريح.. تتدفق اللوحات من بين أنامله غزيرة كما مياه نهر كريم العطاء.
أحبّ الفن منذ نعومة أظفاره، ووهب نفسه له، كمدرّس وكرسام، فالفن له كالماء للسمكة... وهو سعيد بالمصير الذي اختاره، بالرغم من اقتناعه بواقع الفن اليوم... ألذّ اللحظات في حياته هي تلك التي يرسم فيها لأنه يشعر بوجوده ككائن حي، يعطي وسع قدرته، ويُسهم في الحركة الفنية لوطنه.
أضواء على متحف الفنان أسعد رنّو في هذا التحقيق.

 

فنان مسكون بالإبداع

الفنان أسعد رنو مسكون بروح الابداع، وهو كرّس ذاته كلياً لخدمة الفن. مشاريعه تزدحم حوله ولا تترك له برهة واحدة للاستراحة. إذا سألته ما هي مشاريعك الحاضرة، يقول لك: أرسم قبة الكنيسة الفلانية، أزيّن مدخل هذا القصر، أدرّس في المدرسة الفلانية وغيرها وغيرها...
منذ الصغر أحبّ الرسم الذي يتطلّب الدقة. وراح يسير في خطى النابغة العالمي والفنان المبدع رفائيل الذي بنى للتاريخ والفن والحضارة مجداً أزلياً. ثم كبر وكبر معه هذا الميل الذي لم يفكر يوماً بكبته رغم معاناته الكثير من الصعوبات والاعتراضات القاسية من قبل والده.
في العام 1950 رسم لوحة تذكارية رمزية تمثل الصداقة الاسبانية -اللبنانية وأهداها لرئيس جمهورية اسبانيا الجنرال فرانكو، وذلك لمناسبة انعقاد المؤتمر القرباني في مدريد أثناء ذلك الوقت. تلك اللوحة كانت فاتحة خير وبداية تحوّل في حياته. فيوم سافر الى اسبانيا لتقديمها إلى الرئيس كان مزوداً برسالتين. الأولى من المغفور له رئيس الجمهورية الأسبق الشيخ بشاره الخوري الذي أعرب له عن تهنئته على المأثرة التي قام بها، والثانية من غبطة المثلث الرحمات البطريرك أنطون عريضة الذي قدّمه برسالته الى الجنرال فرانكو وطلب منه تشجيعه في هذا المضمار.
وكان للرسالتين التأثير البالغ في نفس رئيس جمهورية اسبانيا الذي أصدر مرسوماً يقضي بأن يتخصص في الفن الكلاسيكي على نفقة الدولة الاسبانية فترة أربع سنوات، تمكّن خلالها من نيل شهادة البروفسور التي يتطلّب الحصول عليها عادة ست سنوات.
عاد الى لبنان حيث انطلق في العمل على نطاق واسع، لا سيما بعد أن تعمق في درس تاريخ العظماء في عالم الفن أمثال رفائيل، ميكال انج، بوتيتشلي، فولاسكيس، الذين يعتبرون عباقرة النهضة في الفن الكلاسيكي. والجدير بالذكر أن استاذه فاسكيس دياس (زميل بيكاسو) كان دائماً يشجعه على المضي في الخط الكلاسيكي.

 

 نصيحة بيكاسو

عن رأيه في المدرستين الكلاسيكية والتجريدية، يقول الفنان أسعد رنو: «إن المدرسة الانطباعية الكلاسيكية هي الصخرة ورائدة الفنون من حيث الأساس والقواعد، ولا أظن ان فناناً أو كاتباً أو شاعراً وصل الى قمة المجد إلا وقد بنى ثقافته على أسس فعالة وقواعد متينة. فمدرسة الفن كاللغة إن لم يتقن تهجئتها صعب اتقانها؛ فهنالك دروس للمسافات وقواعد لمزج الألوان وطرق انعكاساتها، وعلم للمقاييس والعضلات، وكيفية الخلق والابداع وأشياء كثيرة تدعو الى التعمق والتفكير».
أما الفن التجريدي «فمتحرر من القواعد والمقاييس ويحتفظ بجمال اللون وبعض الخطوط التي لا وجود لها إلا في مخيلة الفنان السابحة في بحر من الأحلام».
واستطرد يقول: «ان السمفونية الكلاسيكية تبقى خالدة، كذلك فن الرسم الكلاسيكي لا يزول لأنه مبني على قاعدة وأساس».
عندما زار أسعد رنّو بيكاسو في باريس وعرف الأخير انه فنان لبناني، نصحه بأن يظل مثابراً على الفن الكلاسيكي وقال له: «إن الفن الحديث غيمة عابرة لا بدّ أن تنجلي ليظهر بعدها الجو صافياً».

 

معارض ولوحات وجداريات

حتى الآن أقام الفنان أسعد رنّو 13 معرضاً خاصاً في لبنان واشترك في ستة معارض دولية في ألمانيا واسبانيا والمغرب وأميركا وفرنسا وسويسرا حيث نال أوسمة رفيعة بعد تقييم لوحاته.
عدد لوحاته المباعة 2800 من أصل 3500 لوحة موزعة بين لبنان وبلاد الانتشار.
أما أعماله من الجداريات فتبلغ 83 عملاً موزعة في كنائس لبنان. ومن بين لوحاته الذائعة الصيت لوحة القديس شربل والأرزة اللبنانية (من الذهب الخالص في إطار من الفضة) التي قدّمت للفاتيكان باسم الدولة اللبنانية يوم تطويب الأب شربل مخلوف.

 

التاريخ بالخطوط والألوان

يقع متحف الفنان أسعد رنّو على ربوة من أجمل ربوات دير القمر المطلّة على مدن الشوف وقراه. وقد وضع فيه الفنان جزءاً من ذاته الفنية فأضحى البيت كله تحفة فن ورسم وجمال.
يتألف المتحف من أربع طبقات: الأولى والثانية تشكلان المتحف الدائم الذي زينت سقوفه وحيطانه بجدرانيات (Fresques) يزيد حجمها على المائتي متر مربع تمثل أصالة الفن الكلاسيكي، وفي الطابق الثالث بيت للسكن صيفاً لم يخلُ أيضاً من لوحات الـ«فريسك» الـتـي تـمـثل الـعـائـلـة الــلبنانية بكل مراحل نموها. أما الطابق الرابع فيضم  المرسم (270 م2) الذي جعل قسماً منه للتعليم.
تحكي لوحات اسعد رنّو تاريخ لبنان منذ فجر التاريخ وحتى اليوم.. تتجول بينها وكأنك تقرأ في كتاب، يروي حقائق ويؤرخ لمحطات.
في كل لوحة معالم من تراث لبنان، وفي كل ضربة ريشة نغم لكنّار، وفي كل لون مزج لحبائل النور تطل على جبال لبنان.
ولعلّ أبرز لوحات رنّو «لبنان القيامة» التي أنجزها ما بين عامي 1975 و 1976، حيث كانت الأزمة اللبنانية في أوجها.. وهي لوحة تعبيرية غنية بالألوان الشديدة الوجع، مثل الأحمر وما يتفرع عنه، ليعود الى التاريخ، فيصوّر الأمير فخرالدين المعني الكبير، والأمير بشير الشهابي الكبير، وقلعة بعلبك، تلك الرموز الثلاثة التي تقف الى أعلى خريطة لبنان تتأمل الخيول الزاحفة، لتطالعنا في أسفل اللوحة صورة ضاجة بمآسي الناس من أمهات ثكالى وأرامل ويتامى.. الى ما هنالك من صور للدمار والخراب والتشرد والبؤس.. واللوحة تحاكي فينا الحس والشعور والمخيلة.. وتنقلنا الى عالم مليء بالتأمل.. كأنها قصيدة شعر تروي ما حلّ ببلد الجمال.

 

المرأة... والانتقام

المرأة بكل جمالاتها وايقاعاتها ونغماتها وحسياتها ولمحاتها وتعابيرها وجسدها وعيونها وشعرها، تشكل مادة حية لرسوم أسعد رنّو التي اذ يقيم بعضها في المتحف فإن معظمها ينتشر في الصالونات اللبنانية والوزارات والمتاحف العالمية. وثمة لوحة تمثل الرئيس الراحل جون كنيدي موجودة في الغاليري الوطنية في واشنطن، ولوحتان للقديس شربل في الفاتيكان (واحدة تمثل يوم التطويب، والثانية ترمز الى يوم التقديس).
وتستوقفك في محترف أسعد رنّو في أكاديمية «ميكال أنج» للفنون الجميلة، لوحة السيد المسيح مع إكليل الشوك ودرب الجلجلة، وهي لوحة نادرة في إحساسها وفنها ولعبة العيون فيها..
ويعتز الفنان رنو بلوحة «الانتقام» التي تمثل «فتاة رائعة الجمال تبكي بعينيها البريئتين قاتل شقيقها وقد أغمدت في صدره خنجرها المذهب. الدم الأحمر الذي لوّن يديها يذكرها بجريمتها في القتل وثأرها للمقتول. الفتاة تمثل البشرية المعذبة التي أضناها حكم القدر فصبرت طويلاً، الى ان نفذ صبرها فقررت الانتقام. وما أن نفذت رغبتها حتى تلوثت يداها بدم الإجرام، فندمت وذرفت دموع التوبة وهي تتأمل في مشاكل المدنية التي لا ترتدّ عن إثارة المتاعب والقلق».

 

سحر اللمسات

عالج أسعد رنّو مختلف المواضيع، وأجاد فيها. ففي مناظره الطبيعية تشعر بأنك حيال سحر لبنان، إذ استوحاه، في ساحله وفي جبله، وفي طلاته عند الفجر وعند الغروب.. وفي طبيعته الصامتة، كل شيء يحكي.
وفي وجوهه، تعبير صارخ عن مكنونات النفس، فهو يشتغل وجوهه بدقة متناهية، وبلمسة خاصة به.
يعمل أسعد رنّو بإخلاص وصدق في لوحاته.. يغني مواضيعه بشاعرية حالمة، وبانسانية تبرز معالمها في صنيعه الفني، ولا تخفى على المتأمل.
يكاد الفنان لا ينسى مظهراً من مظاهر حياتنا اللبنانية الا ويعبّر عنه، ابتداءً من التفاصيل الصغيرة الى النهر والجدول والمظاهر القروية المألوفة والمناظر المستوحاة، وصولاً إلى فلسفته في الحياة تحكيها بعض اللوحات.
البروفسور رنّو هو من الفنانين القلائل الذين يعيشون فنهم ممارسة عملية في تأدية الرسالة. فهو يقوم بتدريس الفن والعمل على تأديب الذوق الفني لدى مئات الطلاب في مختلف المدارس والمعاهد اللبنانية لا سيما في أكاديمية «ميكال انج» للفنون الجميلة التي أسسها في زحلة عام 1962 ومن ثم انتقلت الى بيروت. هذا عدا عن سلسلته الكاملة (أربعة عشر جزءاً) حول أحدث قواعد الرسم و«تاريخ الفن العالمي» (ثلاثة أجزاء).

 

اسعد رنو في سطور
- والده خليل ووالدته نجلا حاطوم.
- تعلم في المرحلة الابتدائية في مدرسة راهبات القديس يوسف دير القمر (1927-1932). بين 1932 و 1939 التحق بمدرسة الفرير ماريست (دير القمر) وبين 1939 و 1944 تابع دروسه في مدرسة الفرير – الجميزة.
- عام 1944 تقدم للعمل في وزارة الاشغال العامة. وعين مفتشاً عاماً لاعمال الصيانة من انطلياس حتى الحدود اللبنانية – السورية شمالاً. وبقي في هذه الوظيفة حى العام 1950.
- عام 1950 بمناسبة المؤتمر القرباني في برشلونة في اسبانيا، تقدم بلوحة الى الجنرال فرنكو تمثل القديس شربل في اول ظهوره بعنايا.
- تزوج من منى فؤاد الشرتوني ورزق منها أربعة ذكرو: ريشارد، برنارد، جيرارد، وادغارد.
- من ألمع الأساتذة الذين درس عليهم: Vasquez, Dias, Pepi Raméro, Andi Wrespi
- يتقن الفرنسية والاسبانية والايطالية الى العربية.
- عندما أتى الباب يوحنا بولس الثاني الى لبنان، رسم رنو لوحة تمثل قداسته يستلم من البطريرك صفير الأرزة اللبنانية. وقد ارسل البابا كتاباً خاصاً للفنان يشكره على هديته.
 
معارض رنو ومؤلفاته

- معرض في تطوان – مراكش 1952.
- معرضان في مدريد واشبيليا – اسبانيا 1953.
- معرض في الاونسكو – لبنان 1956.
- معرض في الاونسكو – لبنان 1957.
- معرض في الفينيسيا – لبنان 1962.
- اربعة معارض متتالية
- الاونسكو 1967 – 1971.
- ثلاثة معارض في دير القمر 1962 -1965.
- ثلاثة معارض في السوديكو 1965-1969.
- معرض في طرابلس 1990.
- معرضان في المركز الفرنسي 1991 – 1992.
- ثلاثة معارض في زحلة 1963 – 1968.

 

اما مؤلفاته فهي:
• اطروحة باللغة الاسبانية عن تاريخ الفن الاسباني وانفعالاته في القرن العشرين.
• سلسلة احث قواعد الرسم، 14 جزءاً، المكتبة العصرية، صيدا، 1963.
• تاريخ الفن العالمي: 3 اجزاء، 1965، ترجمة رياض معلوف.
 
 

البطريرك صفير قلد الفنان أسعد رنو الوسام الحبري

قلد غبطة البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير الرسام اللبناني أسعد رنو الوسام الحبري الذي منحه إياه قداسة الحبر الأعظم البابا يوحنا بولس الثاني تقديراً لخدماته في حفل الفن. والفن الكنسي بشكل خاص.
 
أوسمة لبنان وعالمية
- وسام شرف – مدريد، سنة 1953.
- وسام العمل – مدريد، سنة 1955.
- وسام الأرز الوطني من رتبة فارس – لبنان سنة 1958.
- وسام القبر المقدس – القدس سنة 1960.
- وسام المهدوية – الدار البيضاء سنة 1961.
- وسام ضابط اكبر – فرنسا، سنة 1961.
- وسام الشرف – ليل فرنسا، سنة 1962.
- وسام شرف الولايات المتحدة واشنطن – اميركا سنة 1962.
- وسام الطفولة – سويسرا، سنة 1963.
- وسام الارز اللبناني من رتبة ضابط – لبنان، سنة 1965.
- دبلوم شرف – فرنسا سنة 1965.
- الوسام البابوي – الفاتيكان سنة 1971.
- وسام الارز من رتبة كومندور – لبنان سنة 1993.
- وسام القديس غريغوار الكبير البابوي روما – الفاتيكان سنة 2003.