مشاكل وحلول

اضطرابات النطق: العلاج المبكر ضروري
إعداد: باسكال معوّض بومارون

"بابا راح بالسلالة"... هذا ما يقوله سامر ابن الأربع سنوات ونصف ليخبر جده بأنّ والده "راح بالسيارة". في رأي الأهل أنّ سامر يتدلل، ويؤكدون رأيهم من خلال الاستشهاد بالكلمات الصحيحة التي ينطق بها، وبأنّه يتحدث بجمل كاملة وصحيحة التركيب، لكنّ غالبًا ما تكون في الجملة كلمة خاطئة. فهو يقول مثلًا "طبيخ" بدل بطيخ أو "دورة" بدل بندورة...

حسب رأي الاختصاصيين سامر يعاني تأخر الكلام، وهو أحد أنواع اضطرابات النطق التي تشمل أيضًا اضطرابات اللفظ والتأتأة والتأخر اللغوي... وينبغي أن تحظى بالاهتمام اللازم، فكلما جرى تشخيصها وعلاجها باكرًا، كلما كانت النتيجة أفضل. مع ذلك، فإنّ الباب يبقى مفتوحًا أمام البالغين ومرضى ألزهايمر لتصحيح اضطراب معين في النطق.

 

تميّز الاختصاصية في تقويم النطق صوفي كلزي بين اضطرابات اللفظ وتأخر الكلام والتأتأة والتي تعود لأسباب مختلفة. ويمكن تشخيص هذه الاضطرابات من خلال العودة إلى معايير تطور اللغة عند الطفل من عمر السنة والنصف إلى عمر السبع سنوات.

 

أنواع اضطرابات النطق

تظهر اضطرابات اللفظ لدى الطفل على شكل خطأ تلقائي ودائم عند إجراء الحركات الضرورية لإصدار صوت معين، إما من خلال استبدال صوت بآخر بشكلٍ دائم أو من خلال لفظ الصوت بشكل خاطئ، مثلًا: استبدال صوت "ر" بصوت "ي" أو "ل"، أو "س" بـ"ث"... وذلك رغم بلوغه الأربع سنوات، في هذه الحال يجب تشخيص المشكلة باكرًا لمعالجتها بسرعة وفاعلية.

تبدأ رحلة الولد الكلامية في عمر السنة بكلمات سهلة: بابا ماما... وتتطور شيئًا فشيئًا، لكن في بعض الأحيان، يواجه اضطرابًا في اللفظ يبرز في عدم القدرة على تكوين أصوات كلمات معينة بشكلٍ صحيح، أو تبديل أصوات الكلمات أو تشويهها. ومن مظاهر المشكلة أيضًا، الخلط بين الأحرف، إذ يستصعب الولد لفظ بعض الكلمات الطويلة الصعبة فيختصرها على هواه.

تشير الاختصاصية كلزي إلى أنّ اضطرابات النطق قد تكون في بعض الأحيان دليلًا على وجود صعوبات تعلّمية مثل عسر القراءة والكتابة. والولد الذي يعاني هذه الصعوبات يمكن أن يشقلب اتجاه الكتابة بين الفرنسية والعربية ويفشل في التمييز بين الأحرف المتشابهة في أثناء الكتابة والقراءة، وقد يحفظ الدروس غيبًا في الصف من دون قراءتها فعليًا، بينما الهدف الأساسي أن يفهم الولد ما يقرأه، لأنّ كل تعليمه يعتمد على ما يقرأه ويستوعبه.

وهي توضح أنّه في أحيان يكون مطلوبًا تدخّل معالِجة للاضطرابات الحسيّة - الحركية psychomotricienne إذا كان هنالك مشاكل في التوجه المكاني تنعكس على القراءة والكتابة. والعلاج يكون غالبًا طويلًا، لكنّه يأتي بنتيجة مُرضية تؤهّل الولد ليصبح عضوًا فاعلًا في المجتمع.

وتشرح: هنالك عادةً تسلسل معيّن في اكتساب الأحرف وفق المرحلة العمرية، فإذا لم يكن الاكتساب متوافقًا مع العمر، يمكن أن يتدخّل الاختصاصي في تقويم النطق للمساعدة على تصحيح الخلل. يتضمن فحص الولد معرفة مدى صوابية حركة شفتيه وفمه وخدوده ومدى سيطرته عليها. ثم يتم تعريفه على الحروف غير المكتسبة، وتعليمه كيفية لفظها منفردة ثم ضمن الكلمة وفي مرحلة أخيرة في سياق الحديث.

تبدأ اضطرابات الطلاقة أو التأتأة بين عمر السنتين والأربع سنوات، وتؤثر على تدفق الكلام وسرعته وإيقاعه، إذ يمرّ الولد بما يسمّى بالفرنسية explosion du langage عندما يكتسب يوميًا كلمات جديدة، وتتقوّى مهاراته اللغوية بسرعة كبيرة. والتأتأة هي اضطراب في عملية الانسياب والتنظيم الزمني للحديث أو اضطراب في سرعة الكلام وإيقاعه، ويجب التدخّل لعلاجها بعد 3 أشهر من استدامتها بشكلٍ متواصل.

يمكن أن تظهر التأتأة الفجائية أحيانًا من جراء تغيير كبير في حياة الولد قبل عمر المراهقة، كطلاق الأهل أو تغيير البلد أو وفاة قريب؛ وأحيانًا إثر صدمة كما حدث مع العديد من الناس إثر انفجار الرابع من آب، أو الزلزال الذي حصل في شباط الماضي.

أما اللثغة فتحدث نتيجة وضعية اللسان الخاطئة أثناء النطق، ما يتسبب بنطقٍ غير صحيح، ويمكن ملاحظة وجودها عند البالغين ممّن لم يتم تصحيح نطقهم باكرًا، ويمكن علاجها في أي عمر.

في حالة التأخر اللغوي يعاني الشخص محدودية مخزونه اللغوي وصعوبات في تركيب الجمل إن على صعيد الفهم أو على صعيد التعبير...

 

الأسباب

تراوح أسباب الاضطرابات بين عضوية ووظائفية ومشاكل في جهاز النطق، وأخرى في النضوج الحركي وفي النضوج النفسي- العاطفي، وثالثة على صعيد الوعي الفونولوجي، إضافة إلى اضطرابات في الإدراك والتمييز السمعي، وصعوبة في الإيقاع، أو في التوجّه الزماني-المكاني وفي الخريطة الجسدية، وضعف في التركيز أو في الذاكرة السمعية؛ وعوامل أخرى وراثية، نفسية، وبيئية (تتضمّن الضغط التربوي أو الزمني أو التعليمي أو التنافسي).

 

بين الاضطرابات والصعوبات

في حالات اضطرابات النطق تكون الأسباب عصبية أو عضوية فيبدل الولد حرفًا بآخر لعجزه عن نطقه، أما في حالة وجود صعوبات تعلمية فتغيب الأسباب العضوية كأسباب أساسية، ونكون أمام ضعف يصيب بعض العمليات الأساسية كالإدراك والتذكر والتناسق الحركي... ونلاحظ أنّ الولد قادر على لفظ الحروف وإخراجها عند رؤيتها ولكنه يستبدلها أو يحذف منها أو يبدل مواقعها في الكلمة أو يضيف عليها في قراءته. ويدل عجزه هنا عن ضعف في التذكر أو الإدراك أو تنظيم الإدراك لا عن عجز في اللفظ.

 

...والعلاج

تشرح كلزي أنّه في أثناء علاج مشاكل النطق لدى الأطفال، يتم التركيز على التحدث واللعب، واستخدام الكتب والصور، والمرآة، وطرق غير مباشرة لتحريك الفم بطريقة تسلّي الولد وتشيح نظره عن مشكلته مع محاولة حلّها بشكلٍ سلس. وتضيف: "نعمل على المساعدة في تحفيز تطوير اللغة، والتدريب على الأصوات الصحيحة بواسطة الألعاب المناسبة لكل فئة عمرية".

في مقابل الدور الذي يؤديه الاختصاصيون، ثمة دور مهم للمدرسة والأهل، إذ ينبغي أن يعملوا جميعًا كفريق واحد لمؤازرة الولد.

أما بالنسبة إلى البالغ المدرك مشكلته ويرغب بعلاجها، فيجري العمل على شكل تمارين خاصة، تستهدف وظائف معيّنة في تدفّق الكلام للعمل على السيطرة عليها.

أخيرًا، علاج مشاكل النطق أمر ضروري لا يجوز التهاون فيه، فهي تعوق قدرة الطفل على التواصل والتعلّم، ويبقى تأثيرها ممتدًا طوال الحياة. وإذا كان الأهل الطرف الأساسي الذي يجب أن يتنبّه للمشكلة، فإنّ دور المدرسة بالغ الأهمية، خصوصًا أنّ لمعلمات الروضة دورًا في كشفها والمساعدة على علاجها.

 

إلى الأهل والمعلّمين

لكيفية تعامل الأهل والمحيط مع ذوي صعوبات النطق تأثير كبير في تطور حالتهم سلبًا أو إيجابًا، ومن النصائح التي يشدد عليها الاختصاصيون في هذا المجال، ما يأتي:

- لا توجّهوا للولد ملاحظات حول مشكلته لأنّكم بذلك تسلّطون الضوء على مكمن الخلل، ما يؤدي إلى إضعاف ثقته بنفسه وقدراته.

- تجنّبوا تسميته بالـ"متأتئ"، فهو ولد طبيعي ما زال يتعلّم طريقة الكلام الجيد.

- لا تعطوه النصائح لمساعدته على التخفيف من صعوبات الكلام كأن تطلبوا منه التكلم ببطء، فبذلك تركّزون على طريقة كلامه وليس على مضمونه.

- لا تطلبوا إليه أبدًا إعادة الكلام أو الاسترخاء أو التكلّم ببطء، أو التفكير بما يريد قوله أو التنفّس بعمق.

- لا تنتقدوه بسبب صعوبات الكلام.

- لا تصحّحوا الأخطاء أثناء التأتأة (اللفظ أو القواعد)، فهذا أمر ثانوي.

- أثناء الحديث مع الولد ركّزوا على مضمون ما يقوله (Contenu) وليس على كيفية قوله (Forme).

- لا تقاطعوه ولا تكملوا الكلام نيابة عنه بقصد مساعدته، إلا إذا طلب ذلك.