نحو حياة أفضل

اضطرابات النوم وشيخوخة الدماغ الارتباط أكيد
إعداد: ليال صقر الفحل

النوم كنز لا يعرف قيمته إلا من فقد هذه النعمة وبات يُمضي ساعات الليل صاحيًا. تعددت أسباب اضطرابات النوم وأنواعها، لكنّ الأكيد أنّ النوم المتقطّع هو أقسى هذه الأنواع وأكثرها إنهاكًا للإنسان.

 

عدم النوم بشكل كافٍ خلال فترة الليل يؤدي بحسب الدراسات إلى تدهور صحة الدماغ وشيخوخته. وبينما تختلف مظاهر الشيخوخة من شخص إلى آخر، يعاني معظم مَن ينامون بشكل متقطع أو بعدد ساعات غير كافٍ تغيرات كبيرة وواضحة في المادتين الرمادية والبيضاء في دماغهم، ما يؤدي إلى التدهور المعرفي وصولًا إلى الخرف.

ثمة دراسات عديدة وإحصاءات حول اضطرابات النوم، وهي ما زالت موضع متابعة بهدف التوصّل إلى فهم أعمق وعلاجات أكثر فعالية. وبنتيجة متابعته لهذه الدراسات، يؤكد الدكتور رشدي الأحدب (اختصاصي في طب الأعصاب واضطرابات الحركة) أنّ الباحثين في هذا المجال المتشعّب يستخدمون تقنيات تصوير متعددة لاكتشاف كيفية ارتباط شيخوخة الدماغ بمشكلات النوم، وقد بيّنت أنّ النوم السيّئ والنوم المتقطع، مرتبطان مباشرة بتسارع الشيخوخة في خلايا الدماغ.

 

انعكاسات سلبية

أكّدت الدراسات أنّ مَن ينامون نومًـا مجزأً ومتقطعًا يعانون مع التقدم في العمر تقلّص المادة الرمادية في أدمغتهم. وبما أنّ هذه المادة تحتوي على الخلايا العصبية التي تتيح معالجة المعلومات وإصدار الأوامر للأعضاء والتي تمر عبر الألياف العصبية الموجودة في المادة البيضاء في الدماغ، فإنّ لتقلّص حجمها انعكاسات سلبية كثيرة على قدرات الشخص. وقد بيّنت التقارير المستندة إلى نتائج التصوير بتقنية الرنين المغناطيسي، الارتباط المؤكد بين نوعية النوم السيئة وتسارع شيخوخة الدماغ، إذ تُظهر التقارير أن أعمار أدمغة الذين يعانون النوم السيّئ تبدو أكبر بعامين أو ثلاثة من أعمارهم الفعلية. لذلك، لا بد من علاج مشكلات النوم واضطراباته للمحافظة على صحة الدماغ.

 

الدماغ ينشط في الليل

يجزم الأحدب بأنّ ثمة عادات سيئة تؤدي إلى تفاقم اضطرابات النوم، أبرزها تناول أطعمة غير صحية في ساعات الليل المتأخرة، ومن بينها الأطعمة الغنية بالدهون والسكريات والكافيين ومشروبات الطاقة والمشروبات الغازية. بالإضافة إلى القيام بمجهود أو تمارين رياضية مكثّفة مباشرة قبل الخلود إلى النوم، واستعمال الهاتف لساعات طويلة ما يؤدي إلى الأرق والمزاج السيئ والعصبية المفرطة.

من مسببات النوم المتقطّع أيضًا وفق الأحدب، اضطرابات التنفس التي تقود بدورها إلى تقصير عمر القلب والتأثير في الدورة الدموية. وقد كشفت الدراسات أنّ اضطرابات النوم المرتبطة بالتنفس أدت إلى إضعاف صحة القلب وتقصير عمره بحوالى 6 إلى 7 سنوات. بالإضافة إلى ما سبق، يُفيد الأحدب بأنّ اضطراب النوم يشجع على الأكل غير الصحي خلال النهار، ويزيد الصداع والتعب والرجفة وعسر الهضم، والتقلّبات المزاجية والإحباط والكآبة، والخمول والشعور بالنعاس وفقدان الطاقة والتركيز خلال النهار. وبينما يُضعف النوم المتقطع قدرة الصغار على التعلّم، فإنّه يؤدي إلى فقدان الذاكرة مع التقدم في العمر، وزيادة نسبة الإصابة بترقّق العظام عند مَن تجاوزوا الـ 50 عامًا من عمرهم.

ويؤكد الأحدب أنّ الدماغ ينشط خلال النوم، فيعمل بمعدل خمسة إلى ثمانية أضعاف خلال فترة الأحلام ما يعمله خلال ساعات الوعي، الأمر الذي يقود إلى الاستنتاج أنّ النوم الصحي لثماني ساعات عند البالغين يُحسّن قدرة الذاكرة وينشّطها ويزيد نسبة الإبداع ويقوي جهاز المناعة ويريح العضلات وأهمها عضلات القلب، شرط أن تكتمل دورة النوم بشكلٍ سليم محترِمةً المراحل الخمسة، وهي: النعاس، النوم السطحي، النوم العميق، النوم العميق جدًّا وآخرها الأحلام.

 

ماذا عن الأدوية؟

تُباع الأدوية المهدِّئة والمنوِّمة في الصيدليات بشكلٍ هستيري، خصوصًا خلال الأزمات كالحروب والأحداث الأمنية والكوارث الطبيعية والمشكلات العائلية والمرض... ويظن من يتعاطون هذه العقاقير أنّها حل لمشكلات النوم التي يعانونها، لكنّ الحقيقة بحسب الأحدب أنّها مجرد هروب من الواقع وإدمان لا يمكن الرجوع عنه، لذلك يجب اعتماد الخطوات التي تساعد في ديمومة حيوية الدماغ وتقليل اضطرابات النوم، ولعل أبرزها الابتعاد عن الهواتف المحمولة أو الحواسيب أو التلفاز قبل ساعتين من موعد النوم، وإطفاء الأنوار في المنزل وخفض مصادر الضجيج التي يمكن أن تسبب الإزعاج (النوافذ المطلة على الشارع، أصوات الأدوات الكهربائية، أصوات الهواتف...)، الابتعاد عن مصادر التوتر (مشاهدة الأخبار، التواصل مع أشخاص يسبّبون لنا العصبية)، تناول أطعمة خفيفة وصحية قبل الخلود إلى النوم بمدة ساعتين واحتساء مشروبات تساعد على الاسترخاء كاليانسون والبابونج والحليب الدافئ.

النوم ليس إضاعة للوقت كما يعتبر البعض، ولا هو كسل ولا استسلام وهروب من الواقع، وإنما هو بمراحله الخمسة وبفوائده، أفضل مكافأة للإنسان بعد يوم شاق وتعب مضنٍ، فنستعد لنهارٍ جديد مزوّدين كل ما يلزمنا من طاقة للمواجهة.