شهيد الوطن

اغـتـيـال الرئـيـس رفيــق الحــريــري

أيادي الشر تضمر الحقد للبنان وتهدف إلى تقويض السلم الأهلي والاستقرار

اغتيال الرئيس رفيق الحريري «علامة سوداء في تاريخنا الوطني»

الرئيس لحود يرأس المجلس الأعلى للدفاع ويعتبر الرئيس الراحل «شهيد الوطن»

 

استهدفت سيارة ملغومة بكمية كبيرة من المتفجرات موكب رئيس الحكومة السابق المرحوم رفيق الحريري قرب فندق «سان جورج» في بيروت بعد ظهر الإثنين 14 شباط 2005.
فور وقوع الحادث، هرعت إلى المكان سيارات الإطفاء والإسعاف، وأقامت القوى الأمنية طوقاً محكماً حول المكان وبدأت أعمال سحب الجثث.
أحدث الانفجار دماراً كبيراً في المكان ووصلت أصداؤه إلى ساحة النجمة، حيث كانت اللجان النيابية منعقدة لاستكمال البحث في مشروع قانون الانتخابات النيابية، وأحال المكان إلى كتلة من النار والدمار، وأدى إلى وفاة حوالى عشرة من المرافقين والمواطنين الذين كانوا موجودين في المكان، وإلى جرح حوالى مئة شخص. وطاولت الأضرار المباني المجاورة حرائق وتحطماً وتصدّعاً، خصوصاً الفنادق والمقاهي، إضافة إلى احتراق الكثير من السيارات.
وقد تم توزيع الضحايا من قتلى وجرحى على مستشفيات طراد، نجار والجامعة الأميركية.
وكان للجريمة استنكار شامل محلي وعربي ودولي.
وقد دعت عائلة الشهيد الجميع إلى التسليم بقضاء الله وقدره، والتحلّي بالصبر والمحافظة على وحدة الصف الوطني في بيروت ولبنان.

 

قيادة الجيش تعلن الاستنفار العام وترفع الجهوزية القتالية إلى الحد الأقصى

استدعت الجريمـة النكراء بعد ساعـات من وقوعها انعقاد مجلس الدفاع الأعلى برئاسة رئيس الجمهوريـة العماد اميل لحود وحضور رئيس الحكومة عمر كرامي، ووزراء الدفـاع عبد الرحيم مراد، الخارجية والمغتربـين محمود حمود، الداخلية سليمان فرنجية، المال الياس سابا، الاقتصاد والتجارة عدنان القصار، قائد الجيش العماد ميشـال سليمان، المدير العام للأمن العام اللواء الركن جميل السيد، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللـواء علي الحاج، المديـر العام لأمن الدولة اللواء الركن ادوار منصور.
وبعد انتهاء الاجتماع، صدر البيـان الآتي وتـلاه الأمين العـام للمجـلس الأعلى للدفاع اللواء سعيد عيد وفيه أن الرئيس لحـود قـال:
بألم بالغ أنعي إلى اللبنانيين الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي اغتالته يد الإجرام والغدر.
ودان الرئيس لحود بشدة عملية الاغتيال واعتبرها محاولة ترمي إلى الفتنة. وقال: ان هذه الجريمة النكراء تظهر مدى الحقد الذي تضمره أيادي الشر لهذا البلد والتي لا تفرّق بين أحد وهدفها فقط تقويض السلم الأهلي والاستقرار.
واعتبر الرئيس لحود أن اغتيال الرئيس الحريري علامة سوداء في تاريخنا الوطني الذي كان للرئيس الشهيد آثار مشرقة فيه، ساهمت بشكل بالغ في رفع آثار الحرب وإحياء النهضة الاقتصادية والاعمارية وإشراك المجتمع الدولي في مسيرة اعادة الاعمار والتطور.
واعتبر رئيس الجمهورية أن الرئيس الحريري هو شهيد الوطن كله وكان له حضور مؤثر على الساحتين المحلية والعالمية ولعـب ادواراً بالغة الأهمية في السياسـة اللبنانيـة وشارك بقوة في تفعيل الحياة الديموقراطية في لبنان، إن كان من خلال دوره كنائب في البرلمان اللبناني أو من خلال مسؤوليته كرئيس للحكومة.
وأكد الرئيس لحود أن هذه الجريمة لن توقف مسيرة السلام التي قرر لبنان المضي بها، وأن المسؤولين عنها سيحاسبون أمام القضاء بما يتلاءم مع حجم جريمتهم، داعياً اللبنانيين إلى المزيد من الوحدة والتضامن في وجه ما يُحاك ضدهم من مؤامرات، وأن يثبتوا كما في المرات السابقة انهم لن يتراجعوا عن أهدافهم للوصول إلى لبنان كما يريدونه سالماً معافى.
كما دعا جميع اللبنانيين إلى أقصى درجات اليقظة والوعي والصبر والانضباط بما يحول دون استغلال هذه الحادثة المفجعة للمسّ بأمن الوطن واستقراره.
وقدّم الرئيس لحود أحرّ تعازيه الشخصية وتعازي الدولة والشعب اللبناني إلى عائلة الفقيد الكبير، سائلاً له الرحمة ولها الصبر والسلوان.
وقرر المجلس الأعلى الاقتراح على مجلس الوزراء اتخاذ التدابير الآتية:
- اعلان الحداد الرسمي لمدة 3 أيام، وإقفال المؤسسات والإدارات الرسمية والخاصة اعتباراً من15/2 وإلى 17/2/2005 ضمناً، بالإضافة إلى اليوم المحدد للمأتم إذا وقع خارج هذه الفترة.
- إقامة مأتم وطني للرئيس الشهيد، وتشكيل لجنة خاصة للتنظيم والرعاية من مختلف النواحي بالتنسيق مع عائلة الشهيد.
- الطلب إلى قيادة الجيش بالتنسيق مع الإدارات الأمنية من أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة، اتخاذ كافة التدابير اللازمة لضبط الوضع الأمني من جوانبه كافة.
وعلى الأثر، أعلنت قيادة الجيش استنفاراً عاماً لجميع الوحدات، كما تم رفع الجهوزية القتالية إلى الحد الأقصى، ووقف جميع الاجازات واستدعاء المأذونين.
واتخذت القيادة تدابير احترازية في مختلف المناطق للحفاظ على الاستقرار العام، وسيّرت الدوريات في شوارع العاصمة وبعض المناطق، مع إقامة حواجز ونقاط مراقبة، إضافة إلى متابعة الأوضاع الأمنية من جوانبها كافة.


رفيق الناس من بساتين صيدا إلى قمم العالم

رحلة الصبا والشباب لابن صيدا التي ولد فيها وترعرع، شهدت كدّاً وجهداً وتحصيلاً، ومصداقية فريدة، وإرادة فولاذية تصنع المعجزات، رافقها اتكال على الرحمن وجرأة في اقتحام الأعمال والبلاطات السياسية والمالية بشكل خيالي. علا في عالم الأعمال والمال وظل يتردد إلى صيدا.
ذات مرة تضرر منزل صيداوي فقير فأخذ يشكو إلى الله كيف يصلح منزله، فإذا بمواطن يقول له: تعال خذ هذا المبلغ وتدبّر أمرك، فوجئ وسأل: من أين لك المال؟ أجابه: رفيق ابن بهاء الدين الحريري أعطاني إياه لمساعدة المحتاجين. كانت تلك بداية أول الغيث من سحابات الخير التي تقاطرت على لبنان.
دخوله الأول إلى عالم الخير كان بتقديم المساعدات الخيرية، إلى أن دخل في وساطات الخير لإيقاف الحرب اللبنانية. كان ينتقل بين عواصم العرب والعالم حتى تحقيق مؤتمر الطائف، مما تمخض عن اتفاق أنهى حالة الحرب وأعاد الوئام إلى أبناء البلد، والسلام إلى ربوعه.
كان لبنانياً عربياً لآخر المدى متمتعاً بحسّ قومي وعربي. سمحت امكاناته بممارسة هذا الحسّ، فكان ينتقل في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج ولبنان كلّه في خاطره، والوحدة الوطنية هاجسه. كان من كبار من تصدّوا للهجمة الصهيونية العنصرية على المنطقة العربية. كان مقاوماً عنيداً للأفكار الصهيونية وكان مؤمناً.
من بساتين صيدا التي عرفته يافعاً إلى قصور حكّام العرب والمعمورة، رحلة طويلة وفي البال قضية لبنان وقضية فلسطين ودرء العدوان الصهيوني بأشكاله كافة. امتدت إليه يد الغدر التي هدفت بالنيل منه إلى القضاء على لبنان ووحدة أبنائه وتقديمه فريسة للصهيونية المستشرسة. لكن الوطن سوف يقوى ويصمد ويبقى واحداً موحداً حرّاً من التلـوث الصهيوني العنصري الحاقـد.
رحلت يا شهيد لبنان والعرب.
عهداً لك بأن يبقى الوطن كما تمنيته، وفي ذلك قتل لقاتليك.

 

عائلة الشهيد تدعو إلى التسليم بقضاء الله والمحافظة على وحدة الصف الوطني

أوسمة وميداليات وتقديرات وجوائز

حاز الرئيس الراحل رفيق الحريري خلال مسيرة حياته أوسمة وميداليات عدة، إلى شهادات فخرية وجوائز تقديرية، وهي:
- وسام جوقة الشرف الفرنسية من رتبة فارس.
- وسام الاستحقاق الإيطالي من رتبة فارس.
- وسام الأرز اللبناني من رتبة كومندور.
- وسام القدّيس بطرس والقدّيس بولس.
- وشاح الملك فيصل.
- وسام خوسيه سان مارتان من الأرجنتين.
- ميدالية مدينة باريس.
- الوشاح الأكبر الكوري.
- القلادة الكبرى المغربية.
- المفتاح الذهبي لمدينة بيروت.
- المفتاح الذهبي لمدينة ساو باولو.
- دكتوراه فخرية من جامعة جورج تاون.
- وسام الشرف للعلوم من جامعة بوسطن.
- دكتوراه فخرية من جامعة بوسطن.
- دكتوراه فخرية من جامعة نيس.
- دكتوراه فخرية من جامعة بيروت العربية.
- جائزة الصليب الأكبر الفرنسي.
- جائزة الخدمات المميزة من اتحاد غوث الأطفال.
- جائزة رجل السلام التي تمنحها مؤسسة «معاً من أجل السلام» الإيطالية.


كيف يروي الرئيس الراحل مسيرة حياته؟

ولد رفيق بهاء الدين الحريري في صيدا عام 1944. عقب إتمام دراسته الثانوية عام 1964، التحق بالجامعة العربية لدراسة المحاسبة، لكنه اضطر لتوقيف دراسته والسفر إلى السعودية للعمل. نجح في نشاطه هناك وحصل بالتالي على الجنسية السعودية.
عام 1979، أسس مؤسسة للثقافة والتعليم العالي حملت اسمه، كما ساهم في جهود إعادة اعمار لبنان بعد الأحداث الأليمة التي ألمت به، وكان من المساهمين الأساسيين في عقد مؤتمر المصالحة الوطنية اللبنانية في الطائف التي أوصلت إلى ما عرف لاحقاً باسم «مؤتمر الطائف».
ويروي الرئيس الشهيد مسيرة حياته بالقول:
عشت ضمن عائلة صغيرة محدودة الحاجات في مدينة صيدا. كنا نأكل على الأرض ومن دون طاولة خبزاً معجوناً في منزلنا، كنت أساعد والدتي في اعداده. غرفة الطعام هي غرفة النوم نفسها، وأنا حين أتذكر تلك التفاصيل لا أشعر بالأسى، بل أحمد الله على نعمته.
عملت في قطف التفاح والليمون في معظم المناطق اللبنانية خلال العطلات المدرسية. عملت في دار الصياد وكنت أتابع دراستي في الجامعة العربية.
سافرت لاحقاً إلى المملكة العربية السعودية للعمل مدرساً، لكن الظروف سارت بي للعمل محاسباً في ادارة احدى المؤسسات التجارية، وتطور عملي خطوة خطوة، حيث بت أعمل في أكثر من مكان: المحاسبة، التعليم، التجارة، المقاولات... ثم أنشأت شركة خاصة بي، وكانت أحوالي المالية تتأرجح بين صعود وهبوط، لكنني كنت مواظباً عنيداً، وهكذا كان بناء ثروتي التي لم تأت من فانوس سحري بل من الصبر والنشاط.