اقتصاد ومال

اقتصاد الرعاية لتعزيز التنمية والعدالة الجندرية
إعداد: د. لمياء المبيّض بساط - سوزان أبو شقرا *

في العقود الأخيرة، أصبح اقتصاد الرعاية موضوعًا مركزيًا في الأبحاث والسياسات العامة، نظرًا إلى دوره الحيوي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي حين كان الاهتمام بهذا المجال محدودًا  في الماضي، بات الآن يُنظر إليه كعامل أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية، لا سيّما في مجالات تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين. إضافةً إلى ذلك، تؤدّي الرعاية دورًا حيويًا في دعم الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع، مثل الأطفال والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة. ومع تزايد الحاجة إلى الرعاية ضمن هذه الفئات، تتّضح ضرورة تحسين أنظمة الحماية الاجتماعية وتطوير السياسات التي تدعم قطاع الرعاية وتوفر بيئة عمل لائقة للعاملين فيه لضمان تلبية الاحتياجات المتزايدة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

تحظى الرعاية اليوم باهتمامٍ متزايد من الناشطين والباحثين والجهات الفاعلة في مجال السياسات العامة مقارنةً بما كانت عليه قبل عشرين عامًا. فإلى جانب أهميتها القصوى لناحية تعزيز المساواة بين الجنسين، تمثل الرعاية قضية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية تسهم في الحد من الفقر وتعزز الشمولية والنمو والتنمية المستدامة. وعلى الرغم من أنَّ اقتصاد الرعاية يستلزم إنتاج واستهلاك السلع والخدمات الضرورية للمجموعات التي تعتمد على الرعاية، مثل الأطفال والمسنين والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، إضافةً إلى البالغين والأصحاء في سن العمل، فإنّه نادرًا ما يصار إلى تقدير القيمة السوقية لأعمال الرعاية، خصوصًا الأعمال غير مدفوعة الأجر، أو إلى احتساب مساهمتها في تحريك العجلة الاقتصادية.

تشكل الرعاية جزءًا لا يتجزّأ من نسيج المجتمع، وهي عنصر أساسي لرفاهية الإنسان. يعرّفها الاقتصاديون باعتبارها ذات «منفعة عامة» ممّا يعني أنَّ فوائدها تتجاوز من تُقَدَّم لهم بشكلٍ مباشر، لتشمل المجتمع بأسره. فرعاية الأطفال مثلًا، تُعتبر استثمارًا بالغ الأهمية في مجالات الصحة والتعليم والإنتاجية للأجيال القادمة، كما أن أنشطة الرعاية التي تدعم العاملين في جميع المجالات، يتخطى تأثيرها القوى العاملة ليطال الاقتصاد ككل.

ازدادت في السنوات الأخيرة الحاجة للرعاية في لبنان وعلى مستوى العالم كلّه؛ وذلك نتيجة النمو السكاني والتغيّرات الديموغرافية إضافةً إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض وازدياد الصراعات والاضطرابات الأمنية. وقد توقّعت منظمة العمل الدولية أن يصل عدد متلقّي الرعاية بحلول العام 2030 إلى 2.3 مليار فرد1 أي بزيادةٍ نسبتها 10%. هذا الأمر يستدعي زيادة في الإنفاق قدّرتها المنظمة بحوالي 238 مليار دولار أميركي بحلول العام 2030، و109 مليارات دولار إضافية بحلول العام 2035. 2

هذا التزايد في الطلب لم يرافقه أي تغيير جوهري في البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية ذات الصلة، ولا في السياسات الحكومية ولا في تحسين ظروف العمل في مجال الرعاية. يُضاف إلى ذلك، الانخفاض الكبير في القوى العاملة في القطاع الصحي لا سيّما بعد جائحة كوفيد-19، ممّا سيؤثر في إنتاجية القوى العاملة ككل وقد يُبطئ القدرة على النمو؛ إذ تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى عجز متوقع بـ 10ملايين عامل صحي بحلول العام 2030، معظمهم في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.

 

وتيرة شيخوخة السكان في تنامٍ ومعدلات الإعالة في تزايد

أثّر التحول الديموغرافي اللافت في معدّلات الخصوبة والوفيات إلى تسارع ظاهرة الشيخوخة، إذ أشارت لجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة - قسم السكان Undesa، في تقرير أصدرته العام 2019 حول الشيخوخة والسكان3، إلى أنَّ عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 80 عامًا وما فوق سيتضاعف ثلاث مرات في السنوات الثلاثين القادمة؛ وأنَّ متوسط العمر العالمي المتوقع بعد الـ 65 عامًا سيزيد بمقدار 19 عامًا.4

تطرح هذه الوتيرة المتسارعة لشيخوخة السكان تحدّيات كبيرة لا سيّما في البلدان الفقيرة التي تتّسم بانخفاض مستويات رأس المال المادي والبشري، كونها تسهم بشكل مباشر في تشكيل احتياجات الرعاية وتوزيع أعمالها المدفوعة وغير مدفوعة الأجر، الأمر الذي يفرض على الدول تفعيل أنظمتها الصحية وتعزيز قدرتها للتعامل بشكل مناسب مع آثارها الاجتماعية والاقتصادية.

من ناحيةٍ أخرى، تشكّل نسبة الإعالة العمرية مقياسًا اقتصاديًا يتمّ احتسابه عن طريق قسمة عدد المنتجين على عدد المُعالين، ويستخدم لفهم العبء الاقتصادي النسبي على القوى العاملة والتداعيات العميقة ومتعددة الأوجه التي تترتب عنه لا سيّما على الصعيدين المالي والضريبي. ورغم أنَّ المنطقة العربية تشهد انخفاضًا في نسبة إعالة الشباب نتيجة المتغيّرات التي تشهدها معدلات الخصوبة، كما تتمتع بأدنى نسب إعالة لكبار السن؛ فمن المتوقع أن تتضاعف هذه النسبة بحسب الإسكوا من 8% إلى 16.5% بمتوسط فترة انتقال قُدّرت بـ 36 عامًا5، وهي فترة تُعتبر قصيرة لمواجهة المتغيّرات الديموغرافية واتخاذ التدابير اللازمة بشأنها.

ممّا لا شك فيه، أنَّ التغيُّر الديموغرافي سيؤدّي حتمًا إلى تغيير في تركيبة السكان المُعالين وفي طبيعة احتياجات الرعاية لكبار السن خصوصًا أنّه يتزامن مع عدة متغيرات ناجمة عن الهجرة والنزوح والتغيير في البنية الاجتماعية والاضطرابات وغيرها من العوامل التي تؤدي إلى انخفاض معدلات الرعاية غير الرسمية، فضلًا عن تمازجه مع الفوارق الاجتماعية والاقتصادية القائمة في المنطقة.

يُذكر في هذا الإطار، أنّ عديدًا من الدول العربية التزمت تطبيق خطة مدريد للشيخوخة وأطلقت استراتيجيات وطنية تسعى من خلالها إلى تعزيز آليات لتناول القضايا الصحية والاجتماعية لكبار السن؛ إلّا أنَّ القدرة على تلبية هذه الاحتياجات تشترط أولًا توفير بيانات أكثر دقة وتطوير استراتيجيات وسياسات وبرامج قائمة على الأدلة تستجيب لحاجات البيئة التمكينية لكبار السن وتعزّزها.

 

الرعاية غير مدفوعة الأجر تقع على كاهل النساء وتحدّ من إمكانات التمكين الاقتصادي للمرأة

تسهم أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر إلى حدٍّ كبير في رفاهية الإنسان، إلّا أنَّ توزيعها بحسب الجنس والطبقات الاجتماعية يبقى بشكلٍ عام غير متوازن. وبحسب منظمة العمل الدولية، فإنّ 42% من نساء العالم6 لا يستطعن الحصول على وظائف لأنهنَّ مسؤولات عن تقديم الرعاية بالكامل، مقارنة بـ 6% فقط من الرجال. ففي جميع أنحاء العالم، تقع مسؤولية أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر مثل تربية الأطفال والمهام المنزلية والاعتناء بأفراد العائلة على عاتق الإناث بشكل خاص، ممّا يترك لهنَّ وقتًا أقل للتعلّم والترفيه وكذلك للمشاركة السياسية وللعمل المدفوع الأجر وغير ذلك من الأنشطة الاقتصادية.

إنَّ حجم أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر هائل، وغالبًا ما يعوِّض عن نقص الإنفاق العام على خدمات الرعاية والبنية التحتية. وعلى الرغم من أنّ النساء في العالم يؤدِّين 12.5 مليار ساعة من أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر كل يوم وتوازي مساهمتهن، إذا ما تمّ احتسابها مقارنةً بالحدّ الأدنى بحسب منظمة أوكسفام، بما لا يقل عن 10.8 تريليون دولار سنويًا، أي أكثر من ثلاثة أضعاف حجم صناعة التكنولوجيا العالمية،7 نادرًا ما يتم احتساب هذه المساهمة في الناتج المحلي للدول.

يُذكر في هذا السياق، أنّ أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر تشكل عائقًا رئيسيًا أمام التمكين الاقتصادي للمرأة، فكلَّما زاد عدم المساواة في توزيع مسؤوليات أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر بين النساء والرجال، ازداد عمق فجوة اللامساواة بين الجنسين وانخفض معها معدّل مشاركة المرأة في القوى العاملة. كما يُذكر أنّ إحصاءات المنتدى الاقتصادي العالمي سجلت انخفاضًا في معدّل مشاركة المرأة في القوى العاملة العالمية بنسبة 3.4%، مقارنةً بنحو 2.4% للرجال بين العامين 2019 و2020، وأشارت إلى أن ارتفاع التكافؤ ما بين العامين 2022 و2023 من 63% إلى 64% لا يزال أقل من معدّله في العام 2006 وأقل بكثير من الذروة التي بلغها في العام 2009 والتي بلغت 69%.8

تثير هذه المسألة أيضًا قلقًا في الدول العربية التي تتّسم بمعدلات متدنية لمشاركة المرأة في سوق العمل تراوح بين 11 و25%9، والتي ظلت تشهد ركودًا على مدى العقود الماضية، على الرغم من تقلّص فجوة التعليم بين الجنسين، وما زالت تنحدر في بعض البلدان العربية بسبب الاضطرابات السياسية والاقتصادية. إضافةً إلى ذلك، تشهد المنطقة فجوات كبيرة بين الجنسين في معدلات البطالة والدخل، حيث تحصل المرأة العربية على 12.5%10 فقط من الدخل الذي يحصل عليه الرجل العربي، وهي أدنى نسبة في العالم بحسب منظمة العمل الدولية.

إنَّ هذا العبء غير المتكافئ بين الجنسين في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر هو نتاج الأعراف الاجتماعية وسياسات الإنفاق والرعاية وسوق العمل. فالتشريعات والسياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية تؤدّي دورًا رئيسيًا لناحية تخصيص الموارد وإعادة توزيعها والحدّ من أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر؛ وتشير التقديرات إلى أن تخفيض الأعمال المذكورة عن كاهل المرأة يزيد من فرصها وقدرتها على المشاركة في القوى العاملة بنسبة 10% فضلًا عما ينتجه من فوائد اقتصادية واجتماعية للعائلات والأفراد والمجتمعات. وبحسب تقديرات منظمة العمل الدولية، فإنّ كل دولار أميركي يتم استثماره في سدّ الفجوة في سياسات رعاية الأطفال مثلًا، سيؤدي إلى زيادة متوسطها 3 دولارات أميركية في الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2035.

رغم ذلك، ما زالت الدول العربية، ولبنان ضمنًا، تواجه عدة تحدّيات وثغرات على الصعيدين التشريعي والسياسي في إطار إزالة الحواجز التي تمنع النساء من المساهمة بشكل كامل في الأنشطة الإنتاجية. يشار هنا إلى أنَّ زيادة الاستثمار في خدمات الرعاية لا سيّما الطفولة المبكّرة والتعليم، تمكّن قدرة الأشخاص الذين هم بحاجة إليها وتعزّزها، كما أنها تسهّل مشاركة المرأة في القوى العاملة، وتوفر فرصة عمل إضافية في قطاع الرعاية المدفوعة الأجر.

 

الفئات الأكثر حاجة للرعاية لا تزال مهمشة

تسلّط عدة دراسات الضوء على فعالية أنظمة الحماية الاجتماعية والصحّية والرعاية الطويلة الأمد في درء مخاطر الفقر والتقليل من معدلاته؛ وعلى الدور الذي تؤدّيه في هيكلة سوق العمل، وتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الصدمات الاقتصادية.

في هذا السياق، تنفق الدول العربية ما متوسطه 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي على الحماية الاجتماعية (باستثناء الصحة)، فيما يبلغ معدل الإنفاق على الصحة 8.5%، وهو معدل منخفض مقارنة بـ 12.3% في أميركا اللاتينية و13.8% كمتوسط عالمي.13

بالإضافة إلى ذلك، تشكّل القدرة على تحمّل التكاليف وسهولة الوصول إلى الخدمات الصحية أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها السياسات والبرامج الصحية في الدول العربية بشكل عام. وفي الوقت نفسه، تواجه المنطقة ضغوطات هائلة لتوفير أنظمة رسمية لحماية الأفراد من المخاطر الاجتماعية والاقتصادية وضمان التمويل اللازم لتغطية كلفتها، بما في ذلك الحماية الاجتماعية والرعاية الطويلة الأجل. جدير بالذكر أن متوسط التغطية القانونية لأنظمة التقاعد في الدول العربية يبلغ حوالي 46%، مقابل 34.8% للنساء14. كذلك، فإنّ مجموعات كبيرة من السكان في البلدان العربية ما زالت خارج نطاق التغطية، لا سيّما العاملون لحسابهم الخاص والعاملون في الزراعة والقطاع غير الرسمي. لتعويض هذا النقص، تعتمد الدول العربية على برامج الدعم والمساعدات الاجتماعية وتوفير المساعدة المالية أو العينية للأكثر حاجة.

ومع ذلك، تتّسم معظم أنظمة التقاعد في المنطقة بعدم الاستدامة نتيجة تراكم الالتزامات المرتفعة، علمًا أنّها لم تشهد منذ نشأتها إلا قليلًا من الإصلاحات الجوهرية. إنَّ نجاح أنظمة الضمان الاجتماعي يرتبط بمراعاة خصوصية الفئات المستهدفة في تصميم البرامج والخدمات واحتساب الكلفة واستدامتها لتلبية حاجاتهم الفعلية على مدى دورة الحياة ولتقليل العبء الكبير الذي تتحمّله أُسَرُهم.

تتزايد أهمية الرعاية الطويلة الأجل ليس فقط لكبار السن، ولكن أيضًا للفئات المهمّشة وللأشخاص الذين يعانون أمراضًا مزمنة وحاجات خاصة. تُعرّف الرعاية الطويلة الأجل بأنها مجموعة متنوعة من الخدمات التي تساعد على تلبية الاحتياجات الطبية وغير الطبية للّذين لا يستطيعون رعاية أنفسهم لفترات طويلة. تركز الرعاية المذكورة على الخدمات الفردية والمنسّقة التي تعزز الاستقلال، وتحسّن جودة الحياة، وتلبي احتياجات الفرد على مدى فترة زمنية طويلة.

أدّت الرعاية الطويلة الأجل دورًا مهمًّا في أوروبا في نهاية القرن العشرين إذ أسهمت في تشكيل سياسات المساعدة الشخصية لتوفير خدمات العيش المستقل. وسَعت عديدٌ من الدول الأوروبية حينها إلى تعديل قوانينها لتلبية الحاجات المتزايدة وتوفير فرص العمل لتمكين الأشخاص وأفراد أسرهم من الانخراط في القوى العاملة.15

في المقابل، هناك خمس دول عربية فقط تمتلك إطارًا قانونيًا لخدمات الرعاية العامة الطويلة الأجل لكبار السن، إذ إنَّ أنظمة الرعاية في المنطقة بشكل عام لا تزال تعتمد بشكل كبير على الدعم الاجتماعي الأسري والمجتمعي لأداء أبسط أنشطة الحياة اليومية؛ مما يترك الفئات الأكثر حاجة إلى رعاية طويلة الأجل أمام تحدّي توفير الخدمات وتأكيد جودتها وتحمّل تكاليفها.

وفي ظل غياب أنظمة الرعاية الطويلة الأمد والتمويل اللازم لهذا النوع من الخدمات، التي غالبًا ما تقترن بمعاشات تقاعدية محدودة نسبيًا، تتأثر الرعاية الأسرية أيضًا بتكاليف يومية إضافية تتعلق بالنقل، والأدوية وتأمين اللوازم الطبية، والمعدّات والتأهيل الهندسي للمنازل ممّا يؤثر في الموازنة المالية للأسرة، خصوصًا أنَّ معظم هذه التكاليف لا تغطّيها برامج التأمين. وبالتوازي مع ذلك، ما زالت الرعاية المنزلية الرسمية مكلفة وتزداد كلفتها مع شدّة الاحتياجات ووتيرتها لا سيّما تلك التي تنطوي على ساعات طويلة من الرعاية اليومية أو الأسبوعية.

 

طلب متزايد على وظائف الرعاية وشروط العمل تحتاج إلى تحسين

يشمل قطاع الرعاية العاملين في مجال الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، ويُقدَّر حجم العمالة في هذا القطاع في العالم بـ 11.5% أي 381 مليون عامل، بينهم 249 مليون من النساء. يعتبر هذا القطاع مصدرًا مهمًا للتوظيف، وبعد جائحة كوفيد نمت وظائف الرعاية الصحية والاجتماعية بوتيرة أسرع من غيرها لتظهر الحاجة إلى 475 وظيفة (منظمة العمل الدولية) إضافية لتلبية الطلب المتزايد على خدمات الرعاية بحلول العام 2030.

على الرغم من أهمية وظائف الرعاية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي وما تتطلّبه من جهدٍ ومستويات عالية من المهارات التواصلية والمعرفة المتخصصة، لا يتم دائمًا الاعتراف بالمهارات وتقديرها بشكلٍ كامل؛ حيث تشير الدراسات المتعلقة بالمهن الصحية في عشرين دولة أوروبية، حصول الأطباء على أعلى نسبة أجور، فيما يحصل العاملون في مجال الرعاية الشخصية على أقل نسبة، وتحتل مجموعات التمريض والقبالة مرتبة متوسطة الأجور، والتي لا يمكن أن تعزى إلى الاختلافات في المهارات أو الخبرة أو مؤهلات الاعتماد.

علاوةً على ذلك، فإنَّ عديدًا من العاملين في مجال الرعاية الشخصية يخضعون لظروف عمل سيئة كالعقود المؤقتة، وعبء العمل المضاعف، إلى ساعات العمل الطويلة. كما أنهم يعانون نقصًا في التدريب والموارد ويتقاضون أجورًا زهيدة، وكثيرًا ما يتم إشراكهم لتعويض النقص من العاملين. تؤدّي المعدلات المنخفضة للأجور أيضًا إلى تقويض قدرة العاملين في مجال الرعاية على الحصول على الرعاية لأفراد أسرهم، مما يزيد من مسؤوليات الرعاية الملقاة على عاتقهم.

تختار النساء بالمجمل العمل في القطاع غير الرسمي للرعاية بسبب المرونة التي يوفّرها وتدنّي الشروط لدخول سوق العمل فضلًا عن ترتيبات العمل التي تسمح لهم بالوفاء بمسؤوليات الرعاية لأسرهم. وتشير الإحصاءات إلى أنّ 80% من 67 مليون عامل منزلي في العالم هم من النساء، وأنّ 90% منهنَّ لا يحصلن على الضمان الاجتماعي، وأكثر من النصف ليس لديهن حدود لساعات عملهن الأسبوعية. ناهيك عن غياب أي نوع من أنواع الحماية الاجتماعية والتعرّض للممارسات التمييزية. يجذب قطاع الرعاية غير الرسمي أيضًا المهاجِرات من النساء إلى البلدان ذات الدخل المرتفع ويحصلن على أجر أقل بنسبة 19.6% من العمال غير المهاجرين مما يزيد من فجوة الأجور وحدّتها.

ختامًا، تشكّل الرعاية محرّكًا رئيسيًا للاقتصاد إذ تؤثّر في الناتج المحلي الإجمالي، ومشاركة القوى العاملة وخلق فرص العمل. للاستثمار في الرعاية أيضًا عوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة للعائلات والأفراد والمجتمعات، تلخص بالنقاط الآتية:

- تعزيز صحة الأفراد ورفاهيتهم وقدراتهم وحقوقهم، لا سيّما بالنسبة إلى الفئات المحرومة والأكثر تضررًا.

- تسهيل مشاركة المرأة في القوى العاملة، وتحسين الدخل، وبالتالي الإسهام في تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات.

- توسيع خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية وخلق فرص عمل لائقة في قطاع الرعاية الرسمي والقطاعات الأخرى.