ملف العدد

اقتصاد يخدمه الأمن
إعداد: ندين البلعة خيرالله

بدأت آثار ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان بالظهور لناحية طمأنة المستثمرين الدوليين، فيما الأنظار تتوجه إلى نهاية أيلول المقبل، الموعد المرتقب لبدء أعمال الحفر في البلوك رقم ٩، على أن تكون نهاية العام الجاري الموعد النهائي لإعلان نتائج عمليات الحفر في البئر الاستكشافية... هذا ما أعلنه المدير العام للاستكشاف والإنتاج في شركة "توتال إنيرجيز" رومان دو لا مارتنير. وإلى حين الإعلان رسميًّا عن هذه النتائج، تبقى آمالنا في خانة التوقعات، ولكنّ الاستعدادات التي تسبق الحفر تسير بجدّية وسرعة، والأجواء الإيجابية تواكب هذا المسار. وآخر الدلائل على ذلك، نتائج الدراسة التي أجراها تحالف "توتال"، و"إيني" و"قطر للطاقة" على البيانات الناتجة عن عملية الاستكشاف والمسح البيئي للحقل التي نفّذتها سفينة المسح "جانوس ٢".

 

مع أهمية المرحلة المقبلة التي ينتظرها لبنان لما لها من انعكاسات على مستقبله الاقتصادي، من الضروري التحضير على مختلف المستويات على أمل أن تكون النتائج إيجابية وذات جدوى اقتصادية. لكلٍّ دوره ومهماته ومسؤولياته في هذا الاستحقاق، وللمؤسسة العسكرية دور أساس أيضًا على صعيدَي الأمن والأمان، لضمان الظروف المؤاتية والجهوزية اللازمة لمواجهة أي حادثةٍ أو تهديدٍ قد يطرأ في هذا المجال، وبالتالي تأمين أمن المنشآت والمنصات النفطية العاملة في البحر اللبناني.

هبّ الجيش اللبناني ليتحمّل قسمًا من المسؤولية الوطنية في مستقبلٍ ننتظره جميعنا ليتنفّس وطننا الصعداء، على أمل أن يشهد انفراجات تعوّض الأزمات المتلاحقة التي كانت وما زالت تعصف به. وكعادته، لا يقصّر الجيش في مهمّةٍ، بل ينفّذ بأقصى درجات الالتزام ويعطي كل استحقاق وطنيٍّ حقّه. وها هو في هذه المرحلة يضمّ جهوده إلى جهود القطاع الخاص والوزارات المعنية ليؤازرها ويساندها لبلوغ الأهداف المرجوّة.

كل الوحدات المعنية تأهّبت، والقيادة كما عهدناها تسعى باستمرار إلى تطوير قدرات المؤسّسة لمواكبة تغيرات العصر ومتطلباته، ومستجدات البلاد في كل الميادين، وها هي تصبّ تركيزها بعد تأمين الأولويات الحياتية واليومية للعسكريين، على الاهتمام بتحديث عتادها اللازم للمهمة المقبلة. وفي هذا السياق، تعمل قيادة الجيش بالتنسيق مع هيئة إدارة قطاع البترول منذ تاريخ إنشائها في العام ٢٠١٢، ضمن إطار قانوني واضح، بهدف توفير الحماية للأنشطة البترولية. 

إضافةً إلى ذلك، تعمل مختلف الوحدات العسكرية المعنية ضمن هذا التوجّه لمواكبة المرحلة: لجنة مراقبة وضبط الحدود تقوم بتحديث الاستراتيجيات والبرامج التدريبية لتتوافق والمستجدات، فتوجّه جهودها إلى البحر. مديرية العمليات تجهّزت بدورها ووضعت كل السيناريوهات المُحتملة لتنسيق أوامر عمليات مناسبة، وشرعت القوات البحرية في مسيرة تطوّر وتعزيز لقدراتها وبناها التحتية في هذا المجال، في حين عملت القوات الجوية على رؤية مستقبلية لدعم باقي القوى في المحافظة على الثروات، ومنع التعديات والبحث والإنقاذ في حال استدعت الحاجة في كارثة أو حادثة ما.

في هذا التحقيق جولة شاملة على مختلف هذه الجهات المعنية للاطّلاع بالتفصيل على تحضيرات كل منها، وقدراتها ورؤيتها.

نائب رئيس الأركان للتجهيز العميد الركن الطيار زياد هيكل يشرح في هذا الإطار، أنّ قيادة الجيش في اجتماعاتها مع الملحقين العسكريين وممثلي الدول الصديقة الداعمة، تلقي الضوء على الحاجات الضرورية لتنفيذ المهمات، وخصوصًا تلك المقبلة نتيجة أعمال التنقيب عن البترول والغاز. وبالتالي فإنّ الدراسات التي تُجرى، ودفاتر الشروط التي تُحدَّث لاستقدام العتاد المتطور اللازم، والطلبات التي تُقدّم، تكون مواكبة وتتماشى مع هذه الحاجة للقدرات المستقبلية.

في موازاة ذلك، يقول العميد الركن الطيار زياد هيكل: "بدأنا العمل على تحديث منظومة العمل ودمج أنظمة الهبات الجديدة (مثل الطرادات التي ستقدّمها الحكومة الأميركية للجيش اللبناني مثلًا)، ضمن هذه المنظومة، حتى تصبح في الخدمة مباشرةً وتتواءم مع الاتصالات والشبكة الرادارية، وطبيعة المهمات المُنفَّذة، إضافةً إلى تماشيها مع العتاد الذي سيُطلب تأمينه في المستقبل وفق مواصفات فنية وخطط مدروسة".

وفي السياق نفسه، وتحضيرًا للمرحلة المستقبلية، وُقعت اتفاقية بين مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش، وشركة "سيغما" لتنظيم مؤتمر "أمن وحماية المنشآت الحيوية البحرية"، والذي يهدف إلى إظهار دور الجيش في أمن الحدود والمنشآت البحرية الحيوية ولا سيما منشآت النفط والغاز، وتسليط الضوء على الحاجات اللازمة لتنفيذ هذه المهمة.

كل هذه الجهود التي تُبذَل تهدف أخيرًا إلى تأمين الجهوزية والتنسيق اللازمَين بين الجيش ومختلف الجهات الأمنية والحكومية المعنية، لمواكبة هذه المرحلة المقبلة وتحقيق أفضل النتائج التي تعود بالفائدة على وطننا واقتصاده ومستقبل أبنائه. وعلى الرغم من كل الصعوبات والأزمات، والجو العام السلبي في البلد، ستبقى المؤسسة العسكرية تعمل على قدم وساق، تطوّر قدراتها ومهاراتها لتبقى على قدر آمال شعبها، وجاهزة دائمًا لأي مهمة.