- En
- Fr
- عربي
الآليات القانونية المتاحة لملاحقة ومحاكمة مرتكبي جرائم عدوان 12 تموز : " دور تشريعي جديد لمجلس الأمن، اللاعب الأساسي في تحريك المحاكمات الجنائية الدولية وإقرار التعويضات "
محام ٍ – دبلوم دراسات عليا في القانون العام – دبلوم دراسات معمقة في العلوم السياسية
باحث في القانون الدولي العام حائز على شهادة كفاءة في القانون الدولي العام – أكاديمية لاهاي للقانون الدولي - هولندا
شهد القرن الماضي حروبًا ضارية منها عالمية وأخرى إقليمية ومحليّة، واعتقد سكان الكرة الأرضية أن الألفية الثالثة ستحمل السلام والطمأنينة إلى نفوسهم؛ لكن وللأسف كانت بداية القرن الحادي والعشرين دموية بامتياز وتميّزت بأشكالٍ جديدة من الجرائم والحوادث والحروب ذات الأهداف غير الواضحة، إضافة إلى الأفق المفتوحة دون أي رادع قانوني أو أخلاقي. عندها برزت جليًا عدم فاعلية القانون الدولي في حلّ المنازعات الدولية، فلجأ مجلس الأمن إلى منهجٍ جديد في العمل يرتكز على آلية التدخّل مستندًا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
رغم أن القرن الماضي شهد محاكمات جنائية دولية (منذ محكمة نورنبورغ 1945/46 DER NUERNBERGER PROZESS لمحاكمة 24 من قادة النازية جراء هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية)(1) ؛ لكن أهمها كان صنيع مجلس الأمن الدولي (كإنشاء المحكمتين الجنائيتين الدوليتين الخاصتين ليوغوسلافيا وروندا، والمحكمة الخاصة ذات الطابع الدولي لسييراليون والغرف الاستثنائية ذات الطابع الدولي لكمبوديا)(2)، لكن كل ذلك لم يؤدّ إلى الحدّ من جرائم الحرب ومن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية، وكذلك لم يؤدّ إلى لجم السلوك الإجرامي لبعض القادة في العالم والاتعاظ، بل شهدنا انتهاكًا لمباديء الأخلاق ولمباديء القانون الدولي العام والقانون الإنساني؛ فخلال عدوان 12 تموز، كان لبنان مسرحًا دمويًا لعدة جرائم، فالأبرياء ليسوا بمنأىً عن أية انتهاكات لأعراضهم وكراماتهم وأجسادهم ونفوسهم وممتلكاتهم ولا يوجد أي رادع أخلاقي أو قانوني لوقف المسلسل الدموي. لكن الأمر ليس بجديد بعد كافة أنواع الحروب التي تعرّض لها لبنان.
سنتطرّق في دراستنا الموجزة هذه، أولاً إلى توصيف الجرائم التي ارتكبت جرّاء عدوان 12 تموز، للتمكّن من دراسة الآليات القانونية المتعدّدة والمتاحة لمقاضاة مرتكبي هذه الجرائم في قسم ثانٍ ، من خلال إمكانية مراجعة المحكمة الجنائية الدولية (1)، أم إمكانية إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة على غرار بعض المسائل الدولية (2)، أم من خلال مراجعة محكمة العدل الدولية إستنادًا لمعاهدة منع الإبادة الجماعية (3)، أم بواسطة تنفيذ الآليات التي نصّت عليها اتفاقيات جنيف للعام 1949 عبر مراجعة المحاكم الوطنية من قبل لبنانيين يحملون جنسية أخرى(4)؛ وسنتطرّق في قسم ثالثٍ أخير إلى الآليات القانونية التي تتيح للبنان مطالبة الشرعية الدولية بتعويضات جراء عدوان 12 تموز. لكن الإشكالية الكبرى تترجم في هذا السؤال: " هل يستطيع لبنان اليوم، أو هل يُسمح له أن يطالب بملاحقة ومحاكمة ومعاقبة المجرمين بحقه وشعبه ولو لمرة واحدة في التاريخ؟ هل إن مبدأ "اللاعقاب" سيظل مستشريا ً في لبنان وحتى في العالم على حساب الأبرياء؟"
أولاً: << جرائم عدوان 12 تمّوز تشكّل انتهاكًاً صارخًا للقانون الإنساني >>
حتى نهاية العدوان، ناهزعدد الشهداء في لبنان حوالي 1182 قتيلاً (40% منهم من الأطفال) وناهز عدد الجرحى الأربعة آلاف، ونزح وتهجّر حوالي 950000 مواطن لبناني ، من الجنوب والنبطية والبقاع والضاحية الجنوبية (...)، وهاجر حوالي 200000 لبناني(3) . إلى ذلك كانت حصيلة العدوان 36 مجزرة(4).
هذا العدد المرتفع من الشهداء والجرحى الأبرياء جرّاء عدوان 12 تموز يدلّ على حدّة الإجرام الممارس على الأبرياء في لبنان، ويقتضي الأمر منّا اهتمامًا بالغًا من الناحية القانونية، حيث أن هذه الممارسات تنتهك قانون الحرب والقانون الدولي الإنساني؛ فاقتضينا أن نعرّف بداية بالقانون الدولي الإنساني، لننتقل إلى توصيف الجرائم التي ارتكبت في خلال هذا العدوان ضد لبنان، لنشير إلى أهمّ الاتفاقيات والمعاهدات الواجب احترامها، وطبعًا سنستعرض سلّة من الانتهاكات الجسيمة التي تعرّض لها لبنان شعبًا وأرضًا ودولة.
أ – ما هو القانون الدولي الإنساني ؟
القانون الدولي الإنساني هو مجموعة من القواعد، التي ولدواعٍ إنسانية، تبحث على الحدّ من آثار النزاعات المسلّحة؛ إنه يحمي الأشخاص غير المشاركين أو الذين لم يعودوا مشاركين في المعارك، كما يقلّص وسائل وأساليب الحرب. وقد تبنّت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعريفًا إعتبرت فيه، أنّ هذا القانون يتكوّن من:
"مجموعة القواعد الدولية المستمدّة من الاتفاقيات والأعراف التي تهدف، بشكلٍ خاص، إلى تسوية المشكلات الإنسانية الناجمة، بصورة مباشرة، عن النزاعات المسلّحة، الدولية أو غير الدولية، والتي تقيّد، لأسباب إنسانية، حق أطراف النزاع في استخدام أساليب الحرب وطرقها التي تروق لها، أو تحمي الأشخاص والأملاك المعرّضين أو الذين يمكن أن يتعرّضوا لأخطار النزاع".
قواعد القانون الدولي الإنساني، كجزء من القانون الدولي الذي يحكم العلاقات ما بين الدول؛ تتأتّى فعليًا من أربع اتفاقيات موقّعة في جينيف بتاريخ 12 آب/أغسطس 1949، إضافة إلى بروتوكولين إضافيين موقّعين أيضًا في جينيف بتاريخ 12 كانون الأول/ديسمبر 1977. ففي رأيٍ إستشاريٍ صادر عن محكمة العدل الدولية – لاهاي في قضية "أسلحة نووية" (Armes Nucléaires 1996) ، إعتبرت فيه المحكمة أن قانون الحرب (المعروف بقانون لاهاي) والقانون الدولي الإنساني (المعروف بقانون جينيف) المطبّقان في النزاعات المسلّحة يشكلان قانونًا موحّدًا يسمّى بـِ << القانون الإنساني >>(5).
ب- أنواع الجرائم المرتكبة في عدوان 12 تموز
إرتكب العدوّ جرائم متنوّعة في حق لبنان، وهي تندرج تحت عناوين ثلاثة كبرى: جرائم حرب، جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم إبادة جماعية؛ وكل هذه الأنواع من الجرائم يعاقب عليها "القانون الإنساني" ويحظرها.
- في جرائم الحرب
تعتبر جرائم حرب، الإنتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جينيف المؤرّخة 12 آب/أغسطس 1949 ، يعني أيّ فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص، أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام إتفاقية جينيف ذات الصلة في النزاعات المسلّحة في إطار القانون الدولي. وسنذكر أهم الجرائم المعروفة بجرائم حرب والمطابقة للجرائم التي ارتكبت جرّاء عدوان 12 تموز:
- القتل العمد
- تعمّد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة.
- إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرّر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة.
- أخذ الرهائن.
- تعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرةً في الأعمال الحربية.
- تعمّد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية، أي المواقع التي لا تشكّل أهدافًا عسكرية.
- تعمّد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام عملاً بميثاق الأمم المتحدة ما داموا يستخدمون الحماية التي توفّر للمدنيين أو للمواقع المدنية بموجب قانون المنازعات المسلحة.
- تعمّد شنّ هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحًا بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقّعة الملموسة المباشرة.
- مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافًا عسكرية بأية وسيلة كانت.
- تعمّد توجيه هجمات ضد المباني المخصّصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية، والآثار التاريخية، والمستشفيات وأماكن تجمّع المرضى والجرحى شريطة ألا تكون أهدافًا عسكرية.
- إستخدام الغازات الخانقة أو السامة أو غيرها من الغازات وجميع ما في حكمها من السوائل أو المواد أو الأجهزة.
- إستخدام أسلحة أو قذائف أو مواد أو أساليب حربية تسبّب بطبيعتها أضرارًا زائدة أو آلامًا لا لزوم لها، أو تكون عشوائية بطبيعتها بالمخالفة للقانون الدولي للمنازعات المسلحة، بشرط أن تكون هذه الأسلحة والقذائف والمواد والأساليب الحربية موضع حظر شامل.
- تعمّد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملي الشعارات المميّزة المبينة في اتفاقيات جنيف طبقًا للقانون الدولي.
- تعمّد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم , بما في ذلك تعمّد عرقلة الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف.
- في الجرائم ضدّ الإنسانية
- القتل العمد.
- الإبادة.
- إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان
- إضطهاد أية جماعة محدّدة أو مجموع محدّد من السكان لأسباب سياسية أو عرفية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس.
- في جرائم الإبادة الجماعية
- قتل أفراد الجماعة.
- إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة.
- إخضاع الجماعة عمدًا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كليًا أو جزئيًا.
لفداحة هذه الجرائم ولتفاقمها يومًا بعد يوم حاول المجتمع الدولي مجابهة هذا الإجرام غير المبرّر عبر سلّة من الاتفاقيات والمعاهدات.
ج- بعض معاهدات واتفاقيات القانون الإنساني الواجب احترامها في عدوان 12 تموز
- الاتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية - لاهاي / 18 تشرين الأول 1907.
- إتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (أقرت وعرضت للتوقيع وللتصديق أو للانضمام بقرار الجمعية العامة 260 ألف (د-3) المؤرّخ في 9 كانون الأول/ديسمبر 1948.
- إتفاقية حماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلّح لاهاي، 14 مايو/أيار 1954.
- إتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية إعتمدت وعرّضت للتوقيع وللتصديق والانضمام بقرار الجمعية العامة 2391 ألف (د-23) المؤرّخ في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 1968.
- إتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معيّنة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر، جنيف، 10 تشرين الأول/أكتوبر 1980.
- إتفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد ، وتدمير تلك الألغام إتفاقية أوتاوا في العام 1997 .
- إتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية، البيولوجية، والتكسينية، وتدمير تلك الأسلحة، إتفاقية جنيف 17 حزيران/يونيو 1925 .
مع الإشارة أنّ كل من لبنان وإسرائيل قد انضمّا إلى إتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية (1948)، وقد انضما أيضًا إلى اتفاقية حماية الممتلكات الثقافية في حال نزاع مسلّح (1954).
د- حصيلة الانتهاكات المرتكبة بحق القانون الإنساني جراء عدوان 12 تموز
في دراسة ميدانية لعدوان 12 تموز نرى أن كل أنواع الجرائم التي تنتهك القانون الإنساني قد ارتكبت، فعرض موجز لأهم الجرائم(6) :
1 – مجازر القتل الجماعي والتي بلغت 36 مجزرة(7) (مروحين، صريفا، الدوير، قانا، بعلبك، ...)
2– قصف المدن والبلدات الآهلة بالسكان وتدميرها
3– قصف الجسور والمنشآت الحيوية والبنى التحتية للدولة اللبنانية
4– تهجير وتهديد عدد من المدن والبلدات
5– إعلان حصار بري وجوي وبحري
6– إستعمال أسلحة ومواد كيميائية وغازات وذخائر محظرة دوليًا
7 – التعرّض لأماكن العبادة وللمراكز الدينية والثقافية وللمدارس
8- التعرض للآثار التاريخية
9- تلويث المياه الإقليمية اللبنانية
10- التعرّض للهيئات الإنسانية التي تقوم بإجلاء المرضى والجرحى والقتلى
11- أخذ رهائن مدنيين غير مقاتلين
12 - الاعتداء العسكري على المستشفيات
13 - محاصرة السكان
14- قصف المطارات والموانيء
15- قصف محطات الإرسال والاتصالات ومحطات الوقود والكهرباء
هذه الجرائم والمخالفات الجسيمة تتطلّب آلية قانونية لجواز ملاحقة ومحاكمة ومعاقبة مرتكبيها مهما علا شأنهم، كون الموضوع تعدّى حدّ العداء بل تجاوز حدّ انتهاك المحرّمات والقيم الإنسانية. سننتقل إلى القسم الإجرائي من دراستنا لندرس الآليات المتاحة أمام لبنان للمطالبة بعدالة دولية تتيح له معاقبة المرتكبين، خصوصًا أن للبنان وضع خاص سياسيًا واستراتيجيًا وفي القانون الدولي؛ كما سيأتي بيانه.
ثانيـا ً: << الآليات القانونية المتاحة لملاحقة ومحاكمة مرتكبي جرائم 12 تموز>>
سنعرض الآليات القانونية المتاحة، والتي يمكن أن تنطلق في محاور أربعة؛ فأهم هذه الآليات لا تنطلق دون التدخّل الصريح لمجلس الأمن؛ فليس هناك فصل في ما خصّ المسألة اللبنانية ما بين "السلطة التنفيذية الدولية" وما بين " العدالة الجنائية الدولية "، فالعدالة الجنائية الدولية مرهونة بالسلطة الإجرائية الدولية المتمثّلة بمجلس الأمن الدولي.
- مراجعة المحكمة الجنائية الدولية (الدائمة) بواسطة مجلس الأمن عبر الطلب إليه إحالة المسألة اللبنانية إلى مدعي عام المحكمة
نشأت المحكمة الجنائية الدائمة بموجب معاهدة ما بين عدد كبير من الدول، لتكون أداة فاعلة لمعاقبة مرتكبي الجرائم الجسيمة. والهدف من فكرة إنشاء هذه المحكمة، يترجم بإنشاء محكمة دولية مستقلّة لا ترتبط بأية دولة أو منظّمة عالمية. إلا أن نظام هذه المحكمة جعل منها مرتبطة بشكل أو بآخر بالأمم المتحدة. يعلّق الكثيرون آمالهم على هذه المحكمة للحدّ من الأعمال الإجرامية، لكن لصغر عمرها يبدو مبكّرًا نقد إنجازاتها. سنضيء على هذه المحكمة من زوايا عدّة لمعرفة آلية عملها، وسنتطرّق جليًا لتحليل إمكانية مراجعتها من قبل الدولة اللبنانية في ما خصّ جرائم عدوان 12 تموز.
أ-نبذة عن إنشاء المحكمة و مدى صلاحياتها
أنشئت المحكمة الجنائية الدولية الدائمة بموجب معاهدة روما الموقّعة في 17 تموز/يوليو 1998 من قبل 120 دولة، ودخلت حيّز التنفيذ في أوّل تموز/يوليو 2002، بعد ستين يومًا من المصادقة على نظامها من قبل 60 دولة (تمّ ذلك وفقًا للمادة 126 من نظام روما). حتى اليوم يضم نظام روما مائة دولة كان آخرها انضمام ((adhésion دولة المكسيك بعد تصديقها المعاهدة في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2005. إنها أوّل محكمة جنائية دولية دائمة وليست خاصة أو مؤقّتة (permanente et non pas ad (hoc تنشأ بموجب معاهدة، وهدفها أن لا تبقى الجرائم الأكثر جسامة دون عقاب. يقع مقرّ هذه المحكمة على أطراف مدينة لاهاي في هولندا في مبنى الأرك “L’Arc” كمركزٍ مؤقّت. إن المحكمة الجنائية الدولية لا تحاكم إلا أشخاصًا متهمين وليس دولاً ، كما أنها محكمة مكمّلة للمحاكم الجنائية الوطنية (المادة الأولى من النظام). لا لبنان ولا الولايات المتحدة الأميركية ولا إسرائيل ولا سوريا ولا إيران ولا مصر ولا المملكة العربية السعودية ولا تركيا هي دول منضمّة إلى نظام هذه المحكمة؛
إن الأردن هي الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، التي انضمّت إلى هذه المعاهدة وهذا الأمر يقتضي التنويه، فهذا دليل على احترام القاعدة الحقوقية، وظاهرة رقيّ وتأكيد على وجود دولة قانون. إن عدم انضمام لبنان إلى معاهدة روما يعود لأسباب عدّة معروفة، أبرزها صعوبة تعديل الدستور وإقرار تشريعات جديدة تتلاءم ونظام روما كإلغاء عقوبة الإعدام مثلاً مما يستدعي تعديلاً في قانون العقوبات، وفي قانون أصول المحاكمات الجزائية الجديد (الذي أبصر النور بعد عملية قيصرية في 2 آب/أغسطس 2001)، حيث يجب أن تكون المحكمة الجنائية الدولية مكمّلة للمحاكم الجنائية اللبنانية؛ مع الإشارة إلى أنه من بين الأسباب السياسية، الخوف من تذرّع الآخرين بأعمال قامت بها المقاومة الإسلامية واعتبارها مخالفات جسيمة وتستحق الإدانة.
في 31 كانون الأول من العام 2000، وقّعت إدارة كلينتون الأميركية معاهدة روما، لكنها وحتى تاريخه لم تقم بعملية الانضمام. أما إسرائيل وبعد توقيعها على المعاهدة في خطوة أولية وبرسالة موجّهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، قد أوضحت أن ليس لها النية لتصبح طرفًا في المعاهدة؛ وقد سبقتها الولايات المتحدة الأميركية برسالة مشابهة نحو قرابة الأربعة أشهر. أما سوريا وإيران فإنهما كذلك رفضتا الانضمام إلى المعاهدة بعد توقيعها(8). وبالتالي فإنه يستحيل لأية دولة من هذه الدول مراجعة هذه المحكمة وفقًا لنظام روما الصريح، الذي حصر مبدئيًا مراجعة المحكمة من قبل الدول الأعضاء أو من خلال فتح مدعي عام المحكمة تحقيقًا بجريمة معيّنة وقعت على إقليم تلك الدول الأعضاء، أو جرائم إرتكبها أحد أفراد هذه الدول الأعضاء، أو إذا أحال مجلس الأمن الدولي قضية إلى مدعي عام المحكمة وفقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة(9).
وفي حال رفعت أيّة دولة منضمّة إلى معاهدة روما قضية إلى المحكمة الجنائية الدولية وتتعلّق بمواطني دولة أخرى ليست طرفًا في هذه المعاهدة، فيقتضي على هذه الأخيرة أن تقبل اختصاص هذه المحكمة(10)، لتصبح محكمة العدل الدولية صالحة للنظر في القضية (مراجعة المادة 12 من نظام روما)؛ فإذن، إن انضمام الدولة اللبنانية إلى المعاهدة لا يمكنها مقاضاة مرتكبي الجرائم الاسرائيليين وشركائهم (متى ثبت وجودهم) إذا لم تقبل إسرائيل إختصاص المحكمة، في حال لم تكن إسرائيل منضمّة إلى هذه المعاهدة. وفي حال انضمام هاتين الدولتين إلى المعاهدة، فإن نظام المحكمة يمنعهما من رفض الاختصاص، ويكون اختصاص المحكمة إلزامي.
كما تجدر الإشارة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية الدائمة لا تنظر في الجرائم المرتكبة قبل دخول نظام روما حيّز التنفيذ، أي أنها لا تنظر في جرائم سابقة لتاريخ الأول من تموز/يوليو 2002، وذلك بالنسبة للأعضاء الستّين؛ أما فيما يتعلق بالذين انضمّوا لاحقًا، تنظر المحكمة بالجرائم التي أحيلت إليها من قبلهم منذ تاريخ انضمامهم؛ إلا في حالة واحدة، إذا أعلنت دولة من هذه الدول نيّتها الصريحة بقبول صلاحية المحكمة منذ أول تموز/يوليو 2002 وتعهّدت برغبة التعاون مع المحكمة وفقًا للفصل التاسع من نظام روما (مراجعة المواد 11 و12 من النظام). إن إيجاز بعض قواعد أصول المحاكمات أمام هذه المحكمة قد يسمح لنا بالتطرق على ضوئها، إلى دراسة المسألة اللبنانية.
- الآلية القانونية المتاحة لإحالة مسألة جرائم عدوان 12 تموز على هذه المحكمة
كما ذكرنا آنفًا وسريعًا، يستطيع مجلس الأمن الدولي وفقًا للفقرة "ب" من المادة 13 من نظام روما، أن يحيل إلى مدعي عام المحكمة أية قضية تنطوي على جريمة أو جرائم نصّ عليها نظام روما في مادته الخامسة، وذلك وفقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. تجدر الإشارة أن مجلس الأمن الدولي وبموجب هذه الصلاحية الاستثنائية المعطاة له في نظام روما، له أن يحيل أية قضية إلى مدعي عام المحكمة؛ والأبرز في الموضوع أنه يستطيع إحالة أية حالة لدولة ليست منضمّة أو شريكة في نظام روما(11)، كما يمكنه أن يحيل أية حالة لدولة منضوية تحت نظام المحكمة. حتى تاريخه، إستعمل مجلس الأمن صلاحيته هذه مرة واحدة، عندما أحال مسألة دارفور في السودان بموجب القرار 1593 تاريخ 31 آذار/مارس 2005 إلى مدعي عام المحكمة القاضي لويس مورينو-أوكمبو ((Luis MORENO-OCAMPO(12).
مع الإشارة إلى أن دولة السودان ليست منضمّة لنظام روما؛ وقد جاءت هذه الخطوة من قبل مجلس الأمن بعد أن كان الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي أنان قد أنشأ لجنة تحقيق دولية حول قضية دارفور في تشرين الأول/أكتوبر من العام 2004، وكانت قد تقدّمت بتقريرها إلى مجلس الأمن الدولي في كانون الثاني/يناير 2005 بعد أن أنهت مهمتها. وأيضًا ، وفي حال قرّرت الدولة اللبنانية حثّ مجلس الأمن على هذا الموضوع فإن القرار بالتالي يخضع لمزاجية مجلس الأمن الدولي وخاصة وأن أيّ حق للنقض يجعل المشروع مستحيلاً. لبنان رازح تحت رحمة مجلس الأمن وتحديدًا تحت رحمة الفيتو الأميركي الذي يصبّ مبدئيًا في مصلحة الدولة العبرية العدوّة.
وتوضيحًا لصلاحيات هذه المحكمة، فإنها تنظر حاليًا بأنواع ثلاثة من الجرائم (وفقًا للمادة الخامسة من نظام روما) وهي التالية: جريمة الإبادة الجماعية، الجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب. وهي جرائم كما نلاحظ تم ارتكابها جليًا في عدوان 12 تموز كما تم تبيانه في القسم الأول من دراستنا، حيث شرحنا مفاهيم هذه الجرائم. كما وأن نظام المحكمة قد أشار إلى جريمة رابعة هي جريمة العدوان (Le crime d’agression)، لكن وحتى إشعار آخر لن تجري المعاقبة إستنادًا لهذه الجريمة قبل أن يتم الوصول إلى تعريف موحّد لها، وفقًا للأصول المنصوص عنها في المادتين 121 و123 من نظام روما، حيث لا يعدّل هذا النظام إلا قبل مرور سبعة أعوام على دخوله حيّز التنفيذ.
المادة 13 فقرة (ب) من النظام أحدثت فجوة في نظام روما وأضرّت باستقلالية هذه المحكمة، خصوصًا وأن المادة 16 من النظام هي الأخطر والتي جعلت عمل المحكمة رهينًا بمجلس الأمن(13)، فلقد أعطت لهذا الأخير صلاحية توقيف عمل المحكمة في مسألة معيّنة لمدة إثني عشر شهرًا ، حيث يمنع إجراء أو متابعة أي تحقيق أو أية ملاحقة قد تجري وفقًا للنظام، وذلك عبر قرار صادر عنه (مجلس الأمن) تحت مظلّة الفصل السابع الشهير من ميثاق الأمم المتحدة؛ علمًا أنّ طلب تجديد فترة الإثني عشر شهرًا جائز في ظلّ الشروط ذاتها.
عندما يتصرّف مجلس الأمن بموجب المادة 13(ب) من نظام روما، فهو يستند بذلك إلى المادة 39 بوابة الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة التي تنص: "يقرّر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عمل من أعمال العدوان، ويقدّم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقًا لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه". فاستنادًا لهذه المادة عندما يتصرّف مجلس الأمن بموجب المادة 13(ب) عليه أن يبرّر تصرفه بوجود تهديد أو إخلال بالسلم أو عملية عدوان. إن هذه الصلاحية الخارقة المعطاة لمجلس الأمن تستدعي منّا أسئلة عدّة:
من زاوية أولى، هناك مسألة مبدأ المساواة ما بين الدول (Le principe d’égalité entre les Etats) ، أي أن الدول الأعضاء في مجلس الأمن غير المنضمّة إلى نظام روما، هي بموقع مريح (situation confortable) في حال قرّرت إدانة الدول الأخرى، دون تعرّضها لأية مخاطرة قد تجعل منها هدفًا لملاحقة مماثلة(14). ومن زاوية أخرى، إن سلطة مجلس الأمن في المبادرة الأحادية ((Initiative unilatérale، تعطي المحكمة الطابع الشمولي؛ وفي هذه النقطة بالذات فهي تتعارض مع مبدأ العمل الرضائي (principe du fonctionnement consensuel)، وأيضًا تتعارض بالعبارات العامة مع مبدأ pacta tertiis nec nocent nec prosunt(15) أي المفاعيل في نظر الدول الثالثة.
كما وأن المادة 13 من نظام روما تطرح مسألة حول مبدأ التكامل (le principe de complémentarité ) المنصوص عنه في المادة 17 من النظام نفسه، فهذا المبدأ يصبح دون تطبيق في حال تصرّف مجلس الأمن بموجب المادة 13(ب)(16). لا بدّ من أن ننتقل إلى آلية ثانية إبتكرها مجلس الأمن الدولي في أواخر القرن الماضي.
- مطالبة مجلس الأمن الدولي بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة لمقاضاة المرتكبين
قبل أن يقرّر مجلس الأمن إنشاء محكمة دولية، عادة ما يلجأ أمين عام الأمم المتحدة لإيفاد لجنة لتقصّي الحقائق، وفي حال جديّة المعطيات يتمّ اللجوء إلى تكليف لجنة تحقيق دولية بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن، وهذه الآلية إتبعت في السلفادور، كما اتّبعت مؤخّرًا حيث صدر القرار رقم 1405 تاريخ 2002 عن مجلس الأمن الذي يرحّب بـ "لجنة تقصّي حقائق " في مجزرة مخيّم "جنين" للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية. وهذا ما يمكن أن يصدر بصدد جرائم عدوان 12 تموز خصوصًا في مجزرة قانا وصريفا ومروحين والقاع وحولا وغيرها.
أ- الأساس القانوني لإنشاء محكمة جنائية دولية "خاصة"، للنظر في جرائم عدوان 12 تموز
لا تنشأ أية محكمة جنائية دولية خاصة، إلا بقرار صريح صادر عن مجلس الأمن الدولي؛ وهذه السابقة الخطرة والمتقدّمة والتي ترجمت للمرّة الأولى في العام 1993 عند إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة لـِ يوغوسلافيا السابقة (قرار رقم 827 تاريخ 25/5/1993)، وتلتها الخطوة التالية التي وكما يبدو قد أرست إجتهادًا جديدًا متمثّلاً بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة لـِ روندا (قرار رقم 955 تاريخ 8/11/1994)؛ كما برز نوع جديد من المحاكم الجنائية ذات الطابع الدولي كإنشاء غرف إستثنائية في كمبوديا (إتفاق ما بين الأمم المتحدة والحكومة 6/6/2003) ومحكمة خاصة في سييراليون (إتفاق ما بين والأمم المتحدة الحكومة 16/1/2002 ) دون دور يذكر لمجلس الأمن(17).
ومؤخّرًا وبموجب القرار 1664 (29 آذار 2006)، قرّر مجلس الأمن الدولي تكليف أمين عام الأمم المتحدة التفاوض مع السلطات اللبنانية من أجل الوصول إلى اتفاق يهدف إلى إنشاء محكمة جنائية ذات طابع دولي للنظر بقضية اغتيال رئيس مجلس وزراء لبنان السابق الشهيد رفيق الحريري؛ وقد تمّ تسليم المسودّة الأوّلية للنظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان إلى وزارة العدل اللبنانية لإجراء بعض التعديلات(18). إن مجلس الأمن الدولي تصرّف في إنشاء المحاكم الجنائية الدولية الخاصة (Tribunaux (pénaux internationaux ad hoc كمشرّع جديد، وقد أعطى لنفسه هذه الصفة التشريعية(19).
فميثاق الأمم المتحدة لم ينص صراحة على إعطاء صفة تشريعية لمجلس الأمن الدولي ولم يذكر له أي دور في إنشاء محاكم جنائية دولية ، علمًا أن هذه المحاكم ليست من عداد الأجهزة الرئيسة أو الفرعية للأمم المتحدة. وبذلك فإن إنشاء هذا النوع من المحاكم قد استبدَل أحاديًا ، قانونًا دوليًا قائمًا على الرضى (sur le consentement) بقانون دولي آخر قائم على الإكراه (sur la contrainte)(20). لقد سلب مجلس الأمن لنفسه هذا الدور التشريعي الجديد، مستندًا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة تحت عنوان "في ما يتّخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان"، ولا نعتقد أن إنشاء المحاكم الجنائية الدولية يدخل تحت هذا الباب السابع، ولم نر أي ذكرٍ لأية صلاحية في هذا الموضوع. إلاّ أن مجلس الأمن الدولي إستند في قراراته هذه بإنشاء محاكم جنائية دولية خاصة إلى المادة الحادية والأربعين(41) من الميثاق حيث جاء فيها:
"لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلّب إستخدام القوّات المسلّحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء "الأمم المتحدة" تطبيق هذه التدابير(21)..."
إلاّ أن هذا النص تمّ تفسيره على هذا النحو. ولكن نشير إلى أن القسم الثاني من المادة 41 نص على عدد من التدابير على صعيد التعداد لا الحصر، فجاء فيها: "... ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفّا جزئيّا أو كليًا وقطع العلاقات الدبلوماسية"؛ ولم يشر في تعداده لهذا الموضوع.
ب- خصائص هذا النوع من المحاكم ومدى جدية إنشائها للنظر بهذه المسألة
إن القرار بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة يصدر عن مجلس الأمن الدولي كما تم تبيانه. فالدولة اللبنانية وإن ارتأت هذا النوع من المحاكم الجنائية لمعاقبة مرتكبي الجرائم والمخالفات الجسيمة فالقرار يعود لمجلس الأمن الدولي وحده، وطبعًا بعد إرسال لجنة لتقصي الحقائق تليها لجنة تحقيق دولية في حال جديّة المسألة ومدى خطورتها، ليقرّر بعدها مقاضاة المخالفين. وفي هذا الإطار، يبدو مجلس الأمن لاعبًا سياسيًا بامتياز، فهو يسير بالطريق التي لا تلحق الضرر بأعضائه الدائمين وحلفائهم، أو يسير بالطريق التي تؤمّن لهؤلاء مصالح سياسية دولية؛ في حين أن السياسة الدولية تقوم على المصالح المشتركة وليس على الصداقات الظاهرية أو على المباديء أوالأخلاق السياسية.
فبموجب المادة 28 من ميثاق الأمم المتحدة، "... تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى (أي غير الإجرائية) كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه تكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة،..." ؛ مع العلم أن مجلس الأمن يتألّف من خمسة عشر عضوًا من الأمم المتحدة، وتكون جمهورية الصين، وفرنسا، وروسيا، والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية، والولايات المتحدة الأميركية أعضاء دائمين فيه (راجع المادة 23 من الميثاق). ويقتضي التنويه بأن قرارات مجلس الأمن نافذة وتلزم جميع الدول وهي واجبة التطبيق وهذا ما يفهم من نص المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة: "يتعهّد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق(22)." وتجدر الإشارة إلى أن ما يميّز قرارات مجلس الأمن عن قرارات الهيئة العامة للأمم المتحدة أن قرارات الأولى نافذة وواجبة التطبيق، في حين أن الثانية هي مجرّد قرارات لها قيمة معنوية وتصدر بشكل توصيات لا تلزم الأعضاء إلا أخلاقيا ً.
إن الدولة اللبنانية ستطالب بمقاضاة العدوّ الإسرائلي من قادة سياسيين وعسكريين وضباط وجنود وكل مرتكب لمخالفات أوجرائم جسيمة في هذا العدوان؛ مع الإشارة إلى أن مبدأ قيام المحاكم الجنائية الدولية يقوم على مقاضاة ومعاقبة الأفراد لا الدول، وبذلك يقاضى ويعاقب الإسرائيليون مرتكبوالجرائم وليست دولة العدوّ الإسرائيلي في مفهوم القانون الدولي، إلا أن هذه المحاكمات الناشئة عن المقاضاة تشكّل عقابًا معنويًا لها. ومن هذا المنظار وبما أن الأمر يتعلّق بقرار صادر عن مجلس الأمن، فإن الأمر متعثّر لأسباب سياسية معروفة لا تحتاج بعد عدوان 12 تموز إلى أي دليل، ونقصد انحياز الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا إلى جانب إسرائيل في عدوانها السافر؛ فينتج عن ذلك الأمر، أن الولايات المتحدة وبريطانيا سترفضان كل طرح أوكل فكرة تطرح على بساط مجلس الأمن ينتج عنها إدانة بإسرائيل أو محاولة مقاضاتها إسرائيل أم فرض عقوبات عليها.
إن استعمال الفيتو(droit de veto) أو حق النقض بطريقة تعسّفية مطّردة، يفقد مجلس الأمن مصداقيته الكبيرة، ويصبح كناية عن مجلس للدول الكبرى، كالدول الثماني الصناعية العظمى G8، وتنتفي بذلك مقاصد الأمم المتحدة الواردة في الفصل الأول القائمة على المساواة ما بين الدول والشعوب، وعلى حق الشعوب في تقرير مصيرها، علمًا أنني ولا ليوم واحد صدّقت أقوال الشعراء مع احترامي الخالص لهم. ومن هذه النافذة نشير إلى أن مشروع توسيع مجلس الأمن الدولي والذي كان مطروحًا بجديّة في مؤتمر القمة الستين للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبرالفائت، قد سقط من دون رجعة، رغم المشروع الإفريقي المقدّم من 43 دولة، ومشروعٍ ثانٍ مقدّم من 12 دولة (من بينها كندا، إسبانيا، إيطاليا وتركيا)، ومشروع ثالث مقدّم من 27 دولة (من بينها فرنسا، اليابان، ألمانيا، البرازيل، اليونان)(23) ؛ والملاحظ أن الولايات المتحدة الأميركية لم تشارك في أي مشروع من هذه المشاريع.
وأستطرد بالتوضيح، أننا لم نتطرّق في دراستنا الموجزة إلى آلية إنشاء محكمة جنائية ذات طابع دولي، حيث تكون هذه المحكمة مختلطة ومؤلّفة من قضاة محليين (من كلا الطرفين) ومن قضاة دوليين؛ لأنه ووفقًا للمنطق لا ترضى الدولة الخصم كطرف في النزاع بعدم مشاركتها في هذه المحكمة، فإنشاء هذه المحكمة يصطدم بعقبات جديّة، أبرزها إستحالة وجود قضاة دولتين متنازعتين إضافة إلى قضاة دوليين للنظر بالجرائم المرتكبة جراء النزاع بينهما، لذلك تكون هذه الآلية، وإن طرحت نظرية بامتياز، لصعوبة تأليف الغرف. كل ذلك لا يمنعنا من التفتيش عن آلية لمراجعة محكمة العدل الدولية لمقاضاة إسرائيل، حيث أن الآليتين السابقتين تؤدّيان إلى مقاضاة الأشخاص المذنبين دون التعرّض مباشرة للدول.
- جواز مراجعة محكمة العدل الدولية إستنادًا إلى إتفاقية منع الإبادة الجماعية
تجدر الإشارة إلى أن محكمة العدل الدولية ليست محكمة جنائية على غرار المحاكم التي ذكرناها، لكنها تنظر في المسألة لناحية محاكمة الدول وليس الأفراد، حيث جاء في الفقرة الأولى من المادة 34 من نظام المحكمة (الملحق أساسًا بميثاق الأمم المتحدة): "للدول وحدها الحق في أن تكون أطرافًا في الدعاوى التي ترفع للمحكمة". وكانت هذه المحكمة قد نظرت بمسائل تتعلّق بعدم احترام إتفاقية منع الإبادة الجماعية، كقضية البوسنة – الهرسك/ يوغوسلافيا (صربيا ومونتينيغرو)، التي أصدرت عدة تدابير مؤقّتة قبل صدور الحكم في شأنها(24) .
CIJ, Bosnie-Herzégovine c/ Yougoslavie (Serbie et Monténégro) (Officiellement: Application de la convention pour la prévention et la répression du crime de génocide), Ordonnances des 8 avril et 13 septembre 1993, arrêt du 11juillet 1996, ordonnance du 17 décembre 1997).
- التعريف بجريمة الإبادة الجماعية
قد تبنّى كل من نظام المحكمة الدولية ليوغوسلافيا (المادة الرابعة) ونظام المحكمة الدولية لروندا (المادة الثانية)، وكذلك نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (المادة السادسة) ومشروع قانون الجرائم ضد السلم وسلامة (أمن) الإنسانية لعام 1996 (المادة 17)، التعريف الوارد في المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة الجماعية للعام 1948. في هذه الاتفاقية الآنفة الذكر، تعني الإبادة الجماعية أيًا من الأفعال التالية، المرتكبة بقصد التدميرالكلّي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:
( أ ) قتل أعضاء من الجماعة.
(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
( ج) إخضاع الجماعة، عمدًا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا.
( د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
(هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.
ولما كانت هذه الإبادة الجماعية قد ارتكبت على الأراضي اللبنانية جراء عدوان 12 تموز، وكنا قد أشرنا إلى الأمر في القسم الأول من الدراسة، فلا بدّ من تسليط الأضواء على هذه الجريمة من خلال مراجعة محكمة العدل الدولية.
- الأصول الواجب اتباعها من قبل الحكومة اللبنانية لمراجعة محكمة العدل الدولية وفقًا لهذه الاتفاقية
بموجب المادة 36 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية الملحق بميثاق الأمم المتحدة، إن ولاية المحكمة تشمل النظر في كل المنازعات ذات الطابع القانوني الحاصلة بين دولتين أو أكثر إذا كان موضوع التنازع يتناول:
- تفسير معاهدة من المعاهدات.
- النظر في أية مسألة من مسائل القانون الدولي.
- تحقيق واقعة من الوقائع التي إذا ثبتت كانت خرقًا لالتزام دولي.
- نوع التعويض المترتّب على خرق التزام دولة ومدى هذا التعويض.
وبموجب هذه المادة، إن صلاحية المحكمة في هذا المجال غير ملزمة إلاّ بقدر موافقة الأطراف على هذه الصلاحية بحيث تقوم صلاحية المحكمة على أسس ثلاثة: التصريح المنصوص عليه في الفقرة الثانية من هذه المادة المذكورة، موافقة أطراف النزاع، بنود الصلاحية الواردة في الاتفاقيات الدولية.
ولما كان لبنان لم يسبق له أن تقدّم بمثل هذا التصريح، ولما كانت إسرائيل قد تقدّمت بالتصريح المذكور إلى أمين عام الأمم المتحدة بتاريخ 4 أيلول/سبتمبر1950، واستبدلت هذا الأخير بتصريح آخر في العام 1956 (إثر مقاضاة إسرائيل دولة بلغاريا أمام محكمة العدل الدولية في العام 1957 جرّاء حادث جوّي في الأجواء البلغارية أدّى إلى تحطّم طائرة مدنية إسرائيلية...)(25) ، إلاّ أنها عمدت إلى إنهاء مفعول هذا التصريح وإلغاء قبولها بولاية المحكمة بموجب كتاب مؤرّخ في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 1985(26)؛ فبناءً عليه ولعدم وجود مثل هذا التصريح حاليًا من قبل لبنان وإسرائيل، لذلك لن نأخذ بهذا السبب لربط صلاحية المحكمة. ولما كانت الموافقة الصريحة على عرض الخلاف على المحكمة وفق ما تلحظه الفقرة الأولى من المادة 36 من نظام المحكمة الأساسي، حيث يتوافق الطرفان مسبقًا وبصورة صريحة على إحالة النزاع على المحكمة، ولأن هذا الأمر يبدو مستبعدًا إن لم نقل مستحيلاً؛ وفي حال لجوء لبنان إلى تقديم شكوى أمام هذه المحكمة من دون اتفاق مسبق على صلاحية هذه المحكمة (كموافقة ضمنية على صلاحية المحكمة وفقًا للفقرة 5 من المادة 38 من نظام المحكمة)، سوف تضطر إسرائيل إلى اتخاذ موقف بالنسبة لصلاحية المحكمة، ولا نتوقع إلا موقفًا سلبيًا.
لذلك، ليس أمام الدولة اللبنانية إلا اللجوء إلى تطبيق بنود الصلاحية لاتفاقيات ومعاهدات دولية قد انضم إليها لبنان إضافة إلى إسرائيل. وفي هذا المجال، يتبيّن أن الاتفاقيات الدولية التي انضمّ إليها كل من لبنان وإسرائيل، والتي تحيل النزاعات الناشئة عنها إلى محكمة العدل الدولية هي إتفاقية شيكاغو تاريخ 7 كانون الأول/دسمبر 1944 المتعلقة بالطيران الدولي والاتفاقية الخاصة بمعاقبة جريمة الإبادة الجماعية تاريخ 9 كانون الأول 1948.
ج- بند الاختصاص في اتفاقية منع الإبادة الجماعية يجيز للبنان مقاضاة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية
إن التذرّع باتفاقية شيكاغو يحصر المنازعة بنتائج تسبّب العدوان الإسرائيلي في تعطيل حركة الطيران المدني لفترات معيّنة. أما إتفاقية منع الإبادة الجماعية للعام 1948، فإنها يمكن أن تشكّل مدخلاً لربط صلاحية محكمة العدل الدولية، إذ إنّ كل من لبنان وإسرائيل، هما طرفان في هذه الإتفاقية المذكورة، وقد وافقا على كافة النصوص بما فيها النص المتعلّق بصلاحية المحكمة الإلزامية من دون أي تحفّظ. وتقول المادة التاسعة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية للعام 1949: " تُعرض على محكمة العدل الدولية، بناءً على طلب أي من الأطراف المتنازعة، النزاعات التي تنشأ بين الأطراف المتعاقدة بشأن تفسير أو تطبيق أو تنفيذ هذه الاتفاقية، بما في ذلك النزاعات المتصلة بمسؤولية دولة ما، عن إبادة جماعية أو عن أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة".
وتجدر الإشارة، أن لبنان وقّع إتفاقية منع الإبادة الجماعية في 30 كانون الأول/ديسمبر1949 وأبرمها في 17 كانون الأول/ديسمبر 1953(27). مع الإشارة أيضًا إلى أن قانون العقوبات اللبناني لا يعرّف بهذه الجريمة، وهذا النقص التشريعي يمكن أن يجدد مبررًا له، ذلك أن هذا القانون يعود للعام 1943 في وقت لم يكن فيه مفهوم الإبادة الجماعية باعتبارها جريمة مستقلّة قد تبلور بعد؛ ونعتقد أنه حان الوقت لإدخال القانون الإنساني الدولي وبشكل خاص جريمة الإبادة الجماعية في التشريع اللبناني.
وثمّة رأي فقهي للدكتورة دوللي حمد، التي اعتبرت من خلاله أن مجزرة قانا (1996) في لبنان، لا تدخل في مفهوم الإبادة الجماعية لاستحالة إثبات قصد الإبادة الجماعية لهذه الواقعة بصورة منفردة، ولكنها تدخل في مفهوم جريمة الحرب وبصورة خاصة توجيه هجمات متعمّدة ضد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية(28). إلا أننا نخالف هذا الرأي، لسببين، الأول أنه تأكيدًا لعدم ضرورة توافر نية القتل المتعمّد لتحقيق عناصر جرم الإبادة الجماعية، إن المشروع الأول كان يتضمّن كلمة "المتعمّد" (premeditated)، إلاّ أن هذه الكلمة حذفت من المشروع قبل المصادقة على النص النهائي(29). ثانيًا، إن أفعال إسرائيل في لبنان ولا سيما القصف الكثيف للمدنيين اللبنانيين بغية إرهابهم وإجبارهم عل ترك قراهم وبيوتهم ومعاقبة أولئك الذين لا يذعنون لقرار التهجير واستهداف سيارات الإسعاف ومنع وصول المساعدات الطبية والإنسانية، كل ذلك يدلّ على نية قتل لبنانيين وأبناء مناطق معينة في لبنان لكونهم ينتمون إلى لبنان وإلى تلك المناطق بالذات ويدخل في مفهوم الإبادة الجماعية.
وعليه يمكن للبنان أن يتقدّم أمام محكمة العدل الدولية بدعوى ضد إسرائيل، شاملة لكل الجرائم والمخالفات المرتكبة، إستنادًا إلى المسؤولية الناتجة عن جرم الإبادة الجماعية، فإثارة هذا الموضوع لا يمكّن إسرائيل من أن تعترض على صلاحية المحكمة بشأنه إلا من باب ادّعاء عدم توافر عناصر جرم إبادة الجنس. فعلى الدولة اللبنانية عبر أجهزتها المختصة، أن تقدّم ملفًا جامعًا وموثّقًا بكافة الأدلّة والإثباتات تبيانًا لعناصر مسؤولية إسرائيل وللخسائر والأضرار اللاحقة بلبنان والشعب اللبناني، مما يوجب على المحكمة البحث في الجرم المذكور ومدى توافرعناصره وإقرار التعويضات المناسبة.
وفي هذا الصدد، تقتضي الإشارة إلى رأي للمرحوم العلاّمة الدكتور إدمون نعيم، الذي يشير إلى أنه "سواء كنا في حالة حرب مع إسرائيل بالمعنى القانوني الدولي العام أو لم نكن، إن لبنان، حتى تاريخه، لم يعترف بإسرائيل وفقًا لمنهجية القانون الدولي العام. لذلك، إذا قاضينا إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية وقبلت إسرائيل تلك المقاضاة، ينتج عن هذا الوضع إعتراف الدولة اللبنانية بوجود دولة إسرائيل بالنسبة إلى لبنان"(30).
- مراجعة المحاكم الوطنية الأجنبية من قبل لبنانيين يحملون جنسيات أجنبية وفقًا لأحكام إتفاقيات جنيف لناحية الجهة المختصّة بالمحاكمة
إن الاحتكام إلى أحكام اتفاقيات جينيف للعام 1949، أمر ضروري ومنطقي، لكن الموضوع يصطدم بصعوبات ومعوقات على مستوى التطبيق، خصوصًا لناحية التنازع حول صلاحية الدول. لكن لا يمنع من أن تطرق الدولة اللبنانية هذا الباب بمساندة دول صديقة. بداية سنضيء بإيجاز على هذه الاتفاقيات، لننتقل لدراسة عواقب عدم احترام هذه الاتفاقيات.
- ضوء على مضمون اتفاقيات جنيف
إتفاقيات جينيف أربع، وكلّها مؤرّخة في 12 آب 1949:
الأولى، تتناول " تحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلّحة في الميدان".
الثانية، تتناول " تحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلّحة في البحار".
الثالثة، تتناول " شأن معاملة أسرى الحرب ".
الرابعة، تتناول " شأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب".
ضمّ إلى هذه الاتفاقيات بروتوكولان إضافيان في 8 حزيران/يونيو 1977، وبروتوكول ثالث في 8 كانون الأول/ديسمبر 2005:
الأول، يتعلق "بحماية ضحايا المنازعات المسلّحة الدولية".
الثاني، يتعلّق "بحماية ضحايا المنازعات المسلّحة غير الدولية".
الثالث، يتعلّق " بشأن اعتماد شارة مميّزة إضافية".
وقد قام لبنان بعملية التصديق على هذين البروتوكولين الإضافيين (1977)، في 23 تموز/يوليو 1997، أما إسرائيل وحتى تاريخه لم تقم بعملية التصديق عليهما(31).
- عواقب عدم احترام هذه الاتفاقيات في القانون الدولي
كلّ من اتفاقيات جنيف الأربع تتضمّن نصًا صريحًا حول معاقبة مرتكبي المخالفات الجسيمة للاتفاقيات (المادة 49 من الاتفاقية الأولى، المادة 50 من الاتفاقية الثانية، والمادة 129 من الاتفاقية الثالثة، والمادة 146 من الاتفاقية الرابعة)؛ وبما أنها نصوص متشابهة جدًا من حيث المضمون، فسنستعرض مضمون نص المادة 146 من اتفاقية جنيف الرابعة المتعلّقة ب" شأن الأشخاص المدنيين في وقت الحرب". فقد جاء في النص:
" تتعهّد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تتّخذ أي إجراء تشريعي يلزم لفرض عقوبات جزائية فعّالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة لهذه الاتفاقية، المبيّنة في المادة التالية. يلتزم كل طرف متعاقد بملاحقة المتهمين باقتراف مثل هذه المخالفات الجسيمة أو بالأمر باقترافها، وبتقديمهم إلى المحاكمة، أيًا كانت جنسيتهم. وله أيضًا، إذا فضل ذلك، وطبقًا لأحكام تشريعه، أن يسلّمهم إلى طرف متعاقد معني آخر لمحاكمتهم ما دامت تتوفّر لدى الطرف المذكور أدلّة اتهام كافية ضد هؤلاء الأشخاص. على كل طرف متعاقد اتخاذ التدابير اللازمة لوقف جميع الأفعال التي تتعارض مع أحكام هذه الاتفاقية بخلاف المخالفات الجسيمة المبيّنة في المادة التالية. وينتفع المتّهمون في جميع الأحوال بضمانات للمحاكمة والدفاع الحرّ لا تقل ملائمة عن الضمانات المنصوص عنها بالمواد 105 وما بعدها من اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب، المؤرّخة في 12 آب/أغسطس 1949."
هذا النص الوارد، يتيح مراجعة المحاكم الوطنية لدى دول أجنبية في جرائم الحرب (المنصوص عنها في اتفاقيات جينيف) التي وقع ضحيتها لبنانيون يحملون جنسيات هذه الدول، مثل دول كندا، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا وغيرها من الدول. إن استحالة تطبيق هذه النصوص تعود لأسباب قانونية وتشريعية وسياسية ولظروف دولية، وأيضًا لإهمال واضح لهذه الاتفاقيات؛ ويهمّنا أن نشير هنا إلى العوائق القانونية، التي تخلق تضاربًا في الصلاحيات ما بين الدول، لناحية الصلاحية الإقليمية والصلاحية الشخصية؛ أما بالنسبة للعوائق التشريعية فليست كل الدول مهيّئة تشريعيًا لملاحقة هذه الأنواع من الجرائم. كل ذلك يدعونا للتفتيش عن آليات أخرى محتملة.
إن لبنان، ضحية هذا العدوان الشرس والبربري كما يصفه بعض الصحافيين، عليه أن يطالب الشرعية الدولية بتعويضات تلزم إسرائيل بتسديدها تبعًا لمسؤوليتها للقيام بأعمال غير مشروعة، مما يستدعي منا التوقّف حول الآليات المتاحة للمطالبة بالتعويض.
ثالثا ً : << الآليات المتاحة للمطالبة بالتعويضات >>
إن الآلية القضائية شبه متعثرة حتى لا نقول مقفلة أمام الدولة اللبنانية، مما يستدعي منا التفتيش عن آلية جديدة في القانون الدولي المعاصر.
- استحالة الدولة اللبنانية مبدئيا ً مقاضاة دولة العدوّ الإسرئيلي أمام محكمة العدل الدولية للمطالبة بالتعويضات
بموجب المادة 36 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية الملحق أساسا ً بميثاق الأمم المتحدة، إن ولاية المحكمة تشمل النظر في جميع المنازعات ذات الطابع القانوني المتكوّنة بين دولتين أو أكثر إذا كان موضوع التنازع يتناول:
- تفسير معاهدة من المعاهدات.
- النظر في أية مسألة من مسائل القانون الدولي.
- تحقيق واقعة من الوقائع التي إذا ثبتت كانت خرقا ً لالتزام دولي.
- " نوع التعويض المترتب على خرق التزام دولة ومدى هذا التعويض ".
وبموجب هذه المادة، إن صلاحية المحكمة في هذا المجال غير ملزمة إلا بقدر موافقة الأطراف على هذه الصلاحية بحيث تقوم صلاحية المحكمة على أسس ثلاثة: التصريح المنصوص عليه في الفقرة الثانية من هذه المادة المذكورة، موافقة أطراف النزاع، بنود الصلاحية الواردة في الاتفاقيات الدولية، ولعدم وجود مثل هذا التصريح حاليا ً من قبل لبنان وإسرائيل، لذلك لن نأخذ بهذا السبب لربط صلاحية المحكمة.(كما تم شرحه في الفقرة الثالثة من القسم الثاني من هذه الدراسة). ولما كانت الموافقة الصريحة على عرض الخلاف على المحكمة وفق ما تلحظه الفقرة الأولى من المادة 36 من نظام المحكمة الأساسي، حيث يتوافق الطرفان مسبقا ً وبصورة صريحة على إحالة النزاع على المحكمة، ولأن هذا الأمر يبدو مستبعدا ً إن لم نقل مستحيلا ً؛ وفي حال لجوء لبنان لتقديم شكوى أمام هذه المحكمة من دون اتفاق مسبق على صلاحية هذه المحكمة (كموافقة ضمنية على صلاحية المحكمة وفقا ً للفقرة 5 من المادة 38 من نظام المحكمة)، سوف يضطر إسرائيل إلى اتخاذ موقف بالنسبة لصلاحية المحكمة، ولا نتوقع إلا موقفا ً سلبيا ً.
لذلك، يمكن للبنان المطالبة بالتعويضات اللازمة، جراء مقاضاة إسرائيل وفقًا لاتفاقية منع الإبادة الجماعية استنادا ً إلى المسؤولية الناتجة عن جرم الإبادة الجماعية. أما الآلية المستحدثة في القانون الدولي، والتي بواسطتها وحسب رأينا، تعدّى مجلس الأمن كسلطة إجرائية على صلاحيات محكمة العدل الدولية كسلطة قضائية مختصة وفقا ً للفقرة (د) من المادة 36 من النظام الأساسي للمحكمة :" نوع التعويض المترتب على خرق التزام دولة ومدى هذا التعويض".
ب- مطالبة مجلس الأمن بالتدخل وفقًا للفصل السابع وإلزام إسرائيل بالتعويض
إن عنوان الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة:" في ما يتّخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان"، أضحى عنوانًا ملتبسًا في القانون الدولي العام، حيث أن مجلس الأمن الدولي يلجأ لهذا الفصل كلما شاء التدخّل، فيقوم بتفسير واسع للفصل السابع دون مراعاة عنوانه الواضح والصريح.
- إتساع صلاحيات مجلس الأمن إثر التفسير الواسع للفصل السابع
إن إسرائيل إثر عدوانها عل لبنان، تتحمّل مسؤولية أفعالها وأعمالها الضارّة وغير المشروعة. وفي هذا الصدد إن مسؤولية دولة إسرائيل ثابتة من خلال توافر عناصر المسؤولية (الفعل غير المشروع، الضرر، والصلة السببية ما بين الفعل غير المشروع وعنصر الضرر...)؛ وفي هذا المجال كل ضرر يقابله موجب للتعويض عنه، وهذا ما أكّدت عليه محكمة العدل الدولية الدائمة (C.P.J.I )، السابقة لمحكمة العدل الدولية، والتي في قرارها الصادر بتاريخ 13 أيلول/سيبتمبر 1928 جراء قضية “ “Usine de Chorzow، قد أرست مبدأ المسؤولية والتعويض، حيث جاء فيه : "إنه يشكّل مبدأ من مباديء القانون الدولي، مفهومًا قانونيًا عامًا، أن كل خرق لتعاقد ما يتضمّن موجب التعويض"(32). وكذلك المادة 31 من مشروع مواد " لجنة القانون الدولي " (C.D.I.) التي أوضحت أن " الدولة المسؤولة، يقتضي بها أن تقوم بالتعويض عن كامل الضرر الناتج عن الفعل الدولي غير المشروع "(33).
وبناءً عليه، تتحمّل إسرائيل مسؤولية أعمالها غير المشروعة في لبنان، إلا أن الأمر يتطلّب كيفية إلزام إسرائيل على القيام بموجباتها للتعويض عن أفعالها غير المشروعة خلافًا للقانون الدولي. لا يوجد أية سلطة مركزية بإمكانها أن تقرّر "ملاحقات" بوجه دولة أو منظمة دولية، حيث يمكن أن ينسب إليها فعل دولي غير مشروع(34). دون أي شك، إن الأمم المتحدة تتمتّع بصلاحيات جبرية قاهرة، تمكّنها من استعمالها لإجبار دولة وإلزامها على تنفيذ موجباتها الملقاة على عاتقها في مادّة المسؤولية. لكن هذا الأمر لا يندرج في نطاق قانون المسؤولية: إنما الموضوع يتعلّق بصون السلم والأمن الدوليين، ولو في هذه الظروف؛ فصدّ وتوقيف الفعل الدولي غير المشروع، أو إلزام الطرف الدولي المسؤول بفعل التعويض عن نتائجه الضارة، يمكن أن يكونا مفروضين، وتحديدًا من قبل مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛ مما يعني ذلك وفقًا لآلية التدخّل.
2- مسألة التعويض في حرب العراق/الكويت سابقة جديدة في القانون الدولي العام يحتذى بها
إن قضية احتلال الكويت من قبل العراق تجسّد جيدا ً ضبابية هذه الحالة. فالضحيّة المباشرة ليست في موقع يسمح لها بالتصرف أحاديًا ً أي من تلقاء ذاتها وبمبادرة منفردة منها؛ ليس لها إلا أن تعتمد على التضامن الجماعي في وجه العدوان وعلى الحقوق المعترف بها من قبل الشرعية الدولية. إن وجود صيغة إجماع سياسي في قضية الكويت التي ارتكزت على التضامن معها، ساهم في تنسيق الآليات الواردة في الميثاق بغية استتباب السلم والأمن الدوليين، وأيضًا والتي تتعلّق بقانون المسؤولية. وقد ترجمت هذه الخطوة بقرارات صدرت تباعًا عن مجلس الأمن نذكر منها القرارين 674 (1990) و687 (1991)؛ فالقرار رقم 674 الذي صدر بتاريخ 29 تشرين الأول/أكتوبر 1990 قد نصّ في فقرته الثامنة:
"(مجلس الأمن) يذكّر العراق بمسؤوليته، بموجب القانون الدولي، عن أي خسائر أو أضرار أو إصابات تنشأ في ما يتعلّق بالكويت والدول الأخرى ورعاياها وشركاتها، نتيجة لغزو العراق واحتلاله غير المشروع للكويت"؛ ويتابع القرار في فقرته التاسعة: " يدعو الدول إلى جمع المعلومات ذات الصلة المتعلّقة بمطالباتها ومطالبات رعاياها وشركاتها للعراق بجبر الضرر أو التعويض المالي بغية وضع ما قد يتقرّر من ترتيبات وفقًا للقانون الدولي"؛ وانتقالا ً للقرار رقم 687 الصادر بتاريخ 3 نيسان/أبريل 1991 عن مجلس الأمن، فهو يؤكّد ما جاء في القرار 674 السالف الذكر لناحية التعويضات ويضيف في فقرته 16 أنه:
" (مجلس الأمن) يؤكّد من جديد أن العراق، دون المساس بديونه والتزاماته الناشئة قبل 7 آب/أغسطس 1990، والتي سيجري تناولها عن طريق الآليات العادية، مسؤول بمقتضى القانون الدولي عن أية خسارة مباشرة أو ضرر مباشر، بما فيها الضرر اللاحق بالبيئة واستنفاد الموارد الطبيعية، أو ضرر وقع على الحكومات الأجنبية أو رعاياها أو شركاتها، نتيجة لغزوه واحتلاله غير المشروعين للكويت"؛ والجديد الذي جاء به هذا القرار أنه: "يقرّر إنشاء صندوق لدفع التعويضات المتعلقة بالمطالبات التي تدخل في نطاق الفقرة 16 (السالفة الذكر) وإنشاء لجنة لإدارة الصندوق"؛ هذه السابقة في القانون الدولي العام، وفي غياب أية آلية واضحة وصريحة تمكّن لبنان من الاستفادة من تعويضات يلزم من خلالها ويعاقب من خلالها الدولة المعتدية، عليه أن يلجأ إلى مجلس الأمن لدفعه لإصدار قرار من هذا النوع، ويطالب بإنشاء صندوق تعويضات للبنان، وهذا يتطلّب إجماعًا وتضامنًا دوليين مع لبنان، فعلى لبنان أن يحشد دعمًا دوليًا لقضيته وعلى مستوى مجلس الأمن الدولي، خصوصًا وأنه كما ذكرنا سابقًا أن لا لبنان ولا إسرائيل قد صرّحا بقبول ولاية محكمة العدل الدولية، التي يمكن لو تقاضى الطرفان أمامها أن تحكم بالمسؤولية وتقرّر التعويضات (وفقا ً للبند "د" من المادة 36).
ولا يمنع من أن يطالب لبنان عبر مجلس الأمن بتعويضات تتعلّق بملف المياه التي استغلّت خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي وخصوصًا مياه الليطاني، حيث أن الدولة اللبنانية مدعوة لإنجاز "ملف المياه" لتقديمه في الوقت المناسب، خصوصًا أن هذا الفعل الضار غير المشروع يشكل انتهاكًا للسيادة اللبنانية حيث يتم الاستيلاء على موارد طبيعية لدولة مجاورة.
خـلاصـة:
من خلال ما أوردناه في هذه الدراسة الموجزة، يتضح لنا أن لبنان مقيّد بكمّاشة مجلس الأمن الدولي، والخوف كل الخوف وفي حال إجراء محاكمة جنائية دولية لمجرمي حرب 12 تموز أن تمتد هذه المحاكم لتطال لبنانيين وآخرين من جنسيات مختلفة شاركوا مباشرة أو بطريقة غير مباشرة في هذا العدوان؛ ففي هذه الحالة تكون المحاكمة الدولية بابًا يستفاد منه لتسجيل أرباح سياسية وتنتفي أهداف المحكمة الأساسية؛ إن ما سيحصل في المستقبل القريب، أرجّح أن مصيره سيكون مثلما حصل جرّاء "مجزرة قانا في العام 1996"، حيث اقتصر الأمر على محاكمة إعلانية إعلامية جراء موجات الاستنكار ولم نتذكر قانا إلاّ في عدوان 12 تموز 2006 ووقوع المجازر. إن المجتمع الدولي لم يتخذ يومها إجراءات جديّة تؤدي إلى معاقبة المرتكبين حتى تشكل رادعًا للمستقبل لعدم تكرار أفعال شنيعة ومخالفات جسيمة مشابهة.
على الدولة اللبنانية أن تكون حذرة جدًا في هذا الموضوع، وخاصة أن المحاكمات الدولية لا تعتدّ بالصفة الرسمية لمرتكبي الجريمة ولا تميّز بين مواطن وآخر تبعًا لموقعه، وهذا ما أكدت عليه المادة 27 من نظام روما(35) ونظامي المحاكم الجنائية الدولية الخاصة ليوغوسلافيا السابقة(36) وروندا؛ إن مسؤولين سياسيين سيقوا ويساقون إلى المحاكم الدولية لمعاقبتهم (الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوزيفيش) (Slobodan MILOSEVIC مع مجموعة كبيرة من القادة العسكريين، جرت محاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية الخاصة ليوغوسلافيا السابقة؛ الرئيس الليبيري السابق شارل تايلور ((Charles TAYLOR أوقف واتّهم من قبل المحكمة الجنائية الخاصة لسييرا ليون، وهناك قيادات كثيرة تمّت ملاحقتها ومحاكمتها ولسنا في صدد تعدداها.
لكننا نشير إلى أن محكمة العدل الدولية وفي قرار صادر عنها بتاريخ 14 شباط/فبراير 2002(37)، أي بتاريخ سابق لدخول نظام روما موضع التنفيذ، قد اعتبرت أن الحصانات الممنوحة بمقتضى القانون الدولي بما فيها تلك الممنوحة لوزراء الشؤون الخارجية تظل سارية أمام المحاكم في أية دولة أجنبية حتى وإن كانت تلك المحاكم تتمتّع باختصاص جنائي أوسع نطاقًا على أساس مختلف المعاهدات الدولية بشأن المنع والمعاقبة على الجرائم الخطرة. ليس هنالك من نظام خاص للمحاكم الجنائية الدولية الخاصة، فكل منها تنظر بنوع معيّن من الجرائم (محكمة يوغوسلافيا تنظر في الجرائم الجسيمة لاتفاقيات جنيف، وفي قواعد الحرب، وفي الجرائم ضد الإنسانية، وفي الإبادة الجماعية؛ في حين أن محكمة روندا تنظر في انتهاكات المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف والبروتوكلين الملحقين، إضافة إلى الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية) كما وتنظر في جرائم إرتكبت في حقبات مختلفة (محكمة يوغوسلافيا: تنظر في الجرائم المرتكبة على الإقليم اليوغوسلافي منذ العام 1991؛ في حين أن محكمة روندا تنظر في الجرائم المرتكبة ما بين كانون الثاني وآخر كانون الأول من العام 1994)؛ أما الغرف الاستثنائية لكمبوديا المنشأة في العام 2001، فهي صالحة للنظر بجرائم الإبادة الجماعية ما بين سنة 1975 و1979(38).
وبذلك نستخلص أن المحاكم الجنائية الدولية أو ذات الطابع الدولي هي كطبق سلطة (Bol de salade) يمكنك أن تضيف إليه ما تشاء من خضار وتوابل، وفي تفسيرنا القانوني للأمر الصلاحيات الوظيفية والمكانية والموضوعية الواسعة التي يمكن أن تعطى لهذه المحاكم، والصلاحيات الخارقة التي تعطى أيضًا للمدعين العامين في هذه المحاكم؛ فبموجب هذه الصلاحيات الخارقة يمكن للمدعي العام أن يدعي على أي شخص كان ومهما علا شأنه، أكان محرّضًا أو مشاركًا أو متدخلاً أو مرتكبًا الجرم أو تدور حوله شبهات.
وهنا تبرز خطورة دور مجلس الأمن في هذه المحاكم مخافة ألا تستعمل كأداة انتقامية سياسية لمقاضاة قيادات في الدول المعادية للعدوّ الإسرائيلي، وتكون ذريعة لتوسيع نطاق العملية وعندها تنقلب الأدوار، خصوصًا وأن العدوّ الإسرائيلي إعتاد تلفيق الذرائع، وللأسف ينجح غالبًا في إقناع عدد من الدول النافذة.
إن إنشاء هذه المحاكم وحقبات الادّعاء والاتّهام والتوقيف والمحاكمة والمعاقبة كلها تتطلّب وقتًا يسيرًا ومالاً وفيرًا (أنشئت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة ليوغوسلافيا السابقة منذ 13 عامًا وما تزال المحاكمات جارية وقد لا تنتهي في وقت قريب) فحذار من الوقوع في وحول مستنقعات المحاكم الجنائية الدولية، خصوصًا أن عدوان 12 تموز يرتدي الطابع الإقليمي! إن لبنان، عليه أن يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، وأن يخلق إجماعًا حول مشاكله عبر إبراز الانتهاكات الإسرائيلية لمباديء الشرعية الدولية والقانون الدولي. إن الإجماع الدولي وحده يسمح للبنان بحلّ مشاكله من خلال الأمم المتحدة، التي اتسعت صلاحياتها بفعل الممارسة والاجتهاد؛ فعلى الأقل على المجتمع الدولي أن يقرّ للبنان بتعويضات أقلّه كونه ضحية صراعات إقليمية ودولية.
الهوامش
(1) www.justiz.bayern.de
(2)POLITI Mauro, “Complementary or competition among international jurisdictions the ICC perspective”, in Les juridictions internationales: Complémentarité ou concurrence? Sous la direction de Olivier DELAS, BRYLANT, BRUXELLES, 2005, P. 10.
(3) تقرير بعثة منظمة حقوق الإنسان العربية إلى لبنان، الفترة من 8 إلى 15 آب 2006، المنشور على الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ((www.hrinfo.net، تاريخ 24/8/2006.
(4) نصرالله جنى، 36 مجزرة حصيلة " الشهر المجزرة"، صحيفة النهار، العدد رقم 22741 الصادر نهار السبت 12 آب 2006، ص. 8.
(5)CIJ, avis consultatif, 8 juillet 1996, “ Licéité de la menace ou de l’emploi d’armes nucléaires”, A.-S MILLET, RGDIP 1997, p. 141.
(6) تقرير بعثة منظمة حقوق الإنسان العربية إلى لبنان، المرجع السابق.
7) نصرالله جنى، 36 مجزرة حصيلة " الشهر المجزرة"، المرجع السابق.
Le Monde, « La CPI incompétente pour juger les crimes de guerre commis en Israël et au Liban », édition 25 juillet 2006 (La HAYE correspondante)(8)
(9) المادة 13 من نظام روما
(10)Ornella PORCHIA, « Les relations entre la Cour Pénale Internationale et l’Organisation des Nations Unies », in La justice pénale internationale entre passé et avenir, sous la direction de Mario CHIAVARIO, GIUFFRÈ EDITORE, DALLOZ, 2003, P. 117.
(11)Flavia LATTANZI, « Compétence de la Cour pénale Internationale et consentement des Etats », RGDIP, 1999, P.442 .
(12) www.icc-cpi.int/pressrelease_detail&id=107&l=fr.html
(13) F. LATTANZI, Op. Cit., p. 443
(14) Ibid, p. 117.
(15) G. DANILENKO, “The Statute of the International Criminal Court and third States”, in MichJint’Il 2000, p. 391.
(16) Ornella PORCHIA, Op. Cit. , p. 118.
(17)Yann KERBRAT, Juridictions internationales et juridictions nationales internationalisées : Les tribunaux hybrides pour le Cambodge et la Sierra Leone, in Les juridictions internationales: Complémentarité ou concurrence? Op. Cit. p. 264.
(18) صحيفة النهار، العدد رقم 22768 الصادر نهار الجمعة 8 أيلول 2006، ص. 8.
(19)Catherine DENIS, « Le pouvoir normatif du Conseil de Sécurité des Nations Unies : portée et limites », Editions Bruylant, Editions de l’Université de Bruxelles, 2004, p. 104.
(20)John LAUGHLAND,” Le tribunal pénal international: Gardien du nouvel ordre mondial”, François-Xavier de Guibert, Paris, 2003, p. 67.
(21) Article 41 (Charter of the United Nations): “The security Council may decide what measures not involving the use of armed force are to be employed to give effect to its decisions …”.
(22)Article 25 (Charter of the United NATIONS): “ The Members of the United States agree to accept and carry out the decisions of the Security Council in accordance with the present Charter”.
(23) Septembre 2005)www.un.org/pressrelease (15.
(24)Brigitte STERN, 20 ans de jurisprudence de la Cour Internationale de Justice 1975-1995, « Affaire du Génocide », Martinus Nijhoff Publishers, The Hague, 1998, p. 755.
(25) CIJ, Israël/ Bulgarie, Arrêt 26 mai 1959.(www.icj-cij.org/liste des affaires)
(26) حروب إسرائيل ضد لبنان، "الخيارات الممكنة لمقاضاة إسرائيل عن نتائج عدوانها في نيسان 1996 – تقرير وزارة العدل اللبنانية" (نصوص ودراسات)، منشورات مجلس النواب 1997، ص 184.
(27) حمد دوللي، جريمة الإبادة الجماعية: المفهوم والأركان، المنشورات الحقوقية صادر،2003، ص . 46.
(28) المرجع نفسه، ص. 150.
(29) حروب إسرائيل ضد لبنان، المرجع السابق، ص. 186.
(30) حروب إسرائيل ضد لبنان، "حق الدولة اللبنانية بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بمواطنيها بسبب قصف إسرائيل مجمّع عسكري للأمم المتحدة – د. إدمون نعيم، المرجع السابق، ص. 201.
(31) www.icrc.org/Web/ara/siteara0 .nsf/iwpList133/5AE70A585DB2B3DAC1 256D960030CC1D
(32)Droit international public, Nguyen QUOC DINH (†), Patrick DAILLIER et Alain PELLET, 7ème édition, L.G.D.J., P. 797.
(33) Ibid, p. 797.
(34) Ibid, p. 805.
(35) )ِArticle 27 (Statut de Rome) :” Le présent Statut s’applique à tous de manière égale, sans aucune distinction fondée sur la qualité officielle…”.
(36) Article 7, alinéa 2 (Statut TPIY).
(37) CIJ, N’Dombassi (Congo c. Belgique), 14 Février 2002.
(38) Yann KERBRAT, Op. Cit., p. 264.
<< المراجع >>
- G. DANILENKO, “The Statute of the International Criminal Court and third States”, in MichJint’Il, 2000.
- Catherine DENIS, « Le pouvoir normatif du Conseil de Sécurité des Nations Unies : portée et limites », Editions Bruylant, Editions de l’Université de Bruxelles, 2004.
- Yann KERBRAT, Juridictions internationales et juridictions nationales internationalisées : Les tribunaux hybrides pour le Cambodge et la Sierra Leone, in Les juridictions internationales: Complémentarité ou concurrence? Sous la direction de Olivier DELAS, BRYLANT, BRUXELLES, 2005.
- Flavia LATTANZI, « Compétence de la Cour pénale Internationale et consentement des Etats », RGDIP, 1999.
- John LAUGHLAND,” Le tribunal pénal international: Gardien du nouvel ordre mondial”, François-Xavier de Guibert, Paris, 2003.
- Mauro POLITI, “Complementary or competition among international jurisdictions the ICC perspective”, in Les juridictions internationales: Complémentarité ou concurrence? Sous la direction de Olivier DELAS, BRYLANT, BRUXELLES, 2005.
- Ornella PORCHIA, « Les relations entre la Cour Pénale Internationale et l’Organisation des Nations Unies », in La justice pénale internationale entre passé et avenir, sous la direction de Mario CHIAVARIO, GIUFFRÈ EDITORE, DALLOZ, 2003.
- Nguyen QUOC DINH (†), Patrick DAILLIER et Alain PELLET, Droit international public, 7ème édition, L.G.D.J..
- Brigitte STERN, 20 ans de jurisprudence de la Cour Internationale de Justice 1975-1995, « Affaire du Génocide », Martinus Nijhoff Publishers, The Hague, 1998.
- حمد دوللي، جريمة الإبادة الجماعية: المفهوم والأركان، المنشورات الحقوقية صادر، 2003.
- حروب إسرائيل ضد لبنان، "حق الدولة اللبنانية بالتعويض عن الضرار التي لحقت بمواطنيها بسبب قصف إسرائيل مجمع عسكري للأمم المتحدة – د. إدمون نعيم"(نصوص ودراسات)، منشورات مجلس النواب 1997.
- حروب إسرائيل ضد لبنان، "الخيارات الممكنة لمقاضاة إسرائيل عن نتائج عدوانها في نيسان 1996 – تقرير وزارة العدل اللبنانية" (نصوص ودراسات)، منشورات مجلس النواب 1997.
- تقرير بعثة منظمة حقوق الإنسان العربية إلى لبنان، الفترة من 8 إلى 15 آب 2006، المنشور على الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ، تاريخ 24/8/2006.
- نصّ اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (أقرت وعرضت للتوقيع وللتصديق أو للانضمام بقرار الجمعية العامة 260 ألف (د-3) المؤرخ في 9 كانون الأول 1948
- Le Monde, « La CPI incompétente pour juger les crimes de guerre commis en Israël et au Liban », édition 25 juillet 2006 (La HAYE correspondante).
- Charter of the United Nations (1945)
- Statut de la Cour Internationale de Justice (Charte des Nations Unies-1945)
- Statut de la Cour Pénale Internationale (1998)
- Revue Générale de Droit International Public (RGDIP)
- www.un.org
- www.icc-cpi.org
- www.icj-cij.org
- www.icrc.org
- www.hrinfo.net
- www.justiz.bayern.de
The available legal mechanisms to prosecute and judge the perpetrators of the crimes of the July 12 attack:
“A new legislative role for the Security Council, main actor in mobilizing the international criminal cases and in ratifying indemnities”
The previous century witnessed many violent international, regional and local wars. The 21st century had been particularly bloody and characterized by new kinds of crimes, incidents and wars with undefined goals. New horizons had been open without any legal or moral obstruction. In that particular moment, the ineffectiveness of the international law in the resolution of international conflicts became obvious, thus, the UN Security Council adopted a new method of work based on the intervention mechanism in virtue of Chapter 7 of the UN Charter.
During the July 12 attack, Lebanon became the theatre for many crimes in the absence of any moral or legal obstruction to stop the bloody transgressions, even though after all the wars Lebanon experienced, it is not the first time that the country is confronted to this kind of situation.
The author of this study describes, first, the crimes perpetrated following the July 12 attack in order to examine, secondly, the various intervention mechanisms that can be used to prosecute the perpetrators of these crimes.
Yet, the following question resumes the most significant problematic issue presented in this study: “Can Lebanon today, or is it allowed to, request the prosecution and judgment of criminals who acted against the country and its people, at least once in the course of history? Will the principle of “impunity” still be applied in Lebanon, and in the whole world, on the account of innocent people?
Les mécanismes légaux pour poursuivre et juger les responsables des crimes de l’offensive du 12 juillet :
« Un nouveau rôle législatif pour le Conseil de Sécurité, principal acteur de la mobilisation des poursuites criminelles internationales et de la ratification des indemnités »
Le siècle dernier a connu des guerres violentes mondiales, régionales et locales. Le début du 21ème siècle a été particulièrement sanglant et marqué par de nouveaux types de crimes, d’incidents et de guerres dont les objectifs n’étaient pas clairs. De plus, de nouveaux horizons se sont ouverts sans aucun empêchement moral ou légal. A ce moment particulier, la non efficacité du droit international dans la résolution des conflits internationaux est clairement apparue ; le Conseil de Sécurité a alors adopté une nouvelle méthode de travail mettant l’accent sur les mécanismes d’intervention en vertu du Chapitre 7 de la Chartre des Nations Unies.
Au cours de l’offensive du 12 juillet, le Liban est devenu le théâtre sanglant de plusieurs crimes en l’absence de tout empêchement moral ou légal pour arrêter l’effusion de sang ; néanmoins, ce n’est pas la première fois que le Liban affronte cette situation de guerre.
Dans cette étude, le chercheur a décrit, dans un premier temps, les crimes commis à la suite de l’offensive du 12 juillet en vue d’étudier, dans un deuxième temps, les différents mécanismes légaux qui pourraient être utilisés pour le jugement des responsables de ces crimes.
Néanmoins, la question suivante résume la problématique la plus importante de cette étude: « Le Liban d’aujourd’hui peut-il, ou lui est-il permis, de demander la poursuite et le jugement des criminels qui ont agi contre lui et son peuple ne serait ce qu’une seule fois au cours de l’histoire ? Le principe « d’impunité » restera-t-il appliqué au Liban, voire partout au monde, sur le compte des innocents