في كل بيت

الأب رمز السلطة والأمان
إعداد: ريما سليم ضوميط

ما الذي يحصل إذا استقال من دوره؟

إذا كانت الأم رمز الحنان والعطف، فالأب رمز السلطة والأمان. هو المرشد الذي يوجّه أولاده في الدرب الصحيح، والمربّي الصالح الذي يعلّمهم القيم والمبادئ والأخلاق الحميدة. هو شاطئ الأمان الذي يلتجئ إليه الأولاد عند كل أزمة يجتازونها. وجوده أساسي منذ ولادة الطفل، ومواكبته في مختلف مراحل نموّه أمر ضروري. دوره لا يقل أهمية عن دور الأم، فإذا استقال منه سيحدث شرخًا في شخصية أولاده.
 دور الأب والآثار المدمرة لوجوده السلبي في العائلة، تناولتهما في حديث إلى مجلة «الجيش» المعالجة النفسية الآنسة ريما كرم، المتخصصة في الإرشاد العائلي ومعالجة الصدمة والتعدّي.

 

دور الأب في مرحلة الطفولة
يبدأ دور الأب منذ لحظـة تكوّن الجنين في الرحم، إذ أن مشاعر الحب والإحترام التي يكنّها الزوج لزوجـته تؤثر إيجــابًا على الجنين الذي يولد محاطاً بالحب فيشعر منذ انطلاقته الأولى أنه محبوب ومرغوب، وينعـم بعامل الطمأنينة الذي يشكل حجرًا أساسيًا في بناء شخصية سليمة. وقد أظهرت الدراسات أن رفض الرجل حمل زوجتــه يؤثر سلبًا على مشاعر الأم وبالتالي على مشاعر الجـنيــن، حيث ينطبـع هذا الرفض في لاوعيه ويظهــر عند الخـضــوع لعلاج نفسي.
يبدأ الطفل تعايشه مع الأم منذ الولادة وحتى عمر الثمانية أشهر. بعد هذه المرحلة يجب أن يتم الإنفصال بينهما، وهذه مسؤولية الأب. فإذا لم يقم بهذا الواجب من خلال التدخل المستمر في عالم طفله وخلق توازن في العلاقة العائلية سوف يبقى الإرتباط مستمرًا طوال السنوات اللاحقة ولن يكون عند الولد الجرأة ليترك حضن الأم، وهو ما يؤثر سلبًا في قدرته على بناء شخصية مستقلة في المستقبل واتخاذ القرارات المطلوبة لمواجهة تحديات الحياة.
تستمر رحلة الأب مع الطفل خلال مرحلة الطفولة الأولى، حيث يفترض أن يعيش معه المغامرة في رحلة اكتشاف العالم الخارجي ما بعد عامه الأول.
في هذه الفترة يحتاج الطفل إلى جرأة والده التي تفوق جرأة الأم كي ينطلق في تنمية قدراته الجسدية، فيلعب معه الألعاب الصبيانية، ويعتمد على يده القوية لتمسك به كلما تعثرت قدماه الصغيرتان في أثناء محاولة المشي، ويتّكل بعدها على اليد نفسها لتعلّمه الهرولة في الحديقة وسط تشجيع الأم التي تراقب وتبارك عن كثب.
مع بداية العمر المدرسي، ما بعد سن الثالثة، يصبح الطفل بحاجة إلى صوت الأب ليؤكد له هويته الجنسية. فالصبي يحتاج إلى أب يشجعه ويفتخربه، ويؤمن بقدراته الذاتية ويساعده على تطويرها. أما الفتاة فتحتاج إلى والد يمنحها الثقة بالنفس فيقول لها أنها جميلة ويطمئنها إلى أنه يحبها كما هي.
في أثناء هذه المرحلة وما بعدها، يمثل الأب السلطة والقانون في العائلة فيضع قواعد الممنوع والمسموح بالتعاون مع الأم ويعملان معًا على حسن تطبيقها.
في هذه المرحلة أيضًا يصبح الولد أرضًا خصبة لغرس القيم والمبادىء، وعندها يتجلّى دور الأب في التربية على العادات الحسنة والسلوك المستقيم، وذلك بالتعاون مع الأم والتنسيق التام بينهما. والأب هنا هو الذي يقود الأولاد إلى الحياة ويشجعهم للإقبال عليها، ولتخطي التحديات والمصاعب، فيؤمّن لهم طبقة من الحماية تعزلهم عن الخوف من المواجهة. لذلك فإن الأولاد الذين لم يحصلوا على دعم الأب وتشجيعه وعاطفته خلال هذه المرحلة، تتكون لديهم حساسية مفرطة وخوف زائد لأن طبقة الحماية العازلة عن المخاوف غير متوافرة لديهم.

 

مرحلة الإنتقال من الطفولة إلى المراهقة
تتواصل عملية التربية بجد طوال السنوات اللاحقة وهي لا يجوز أن تقتصر على الإرشاد والتوجيه الشفوي وإنما تقضي بأن يشارك الأب بشكل فعلي في حياة أولاده، فيتعرّف على رفاقهم ويبدي رأيه في من يصادقون. كما يشاركهم البعض من نشاطاتهم، كأن يمارسوا الرياضة معًا، ويتشاركوا القراءة ومشاهدة البرامج التلفزيونية، فيبدي تعليقه على ما يشاهدون ويسمعون، ويشرح وجهة نظره معلّلاً رأيه بالمنطق السليم، ويقدّم بأسلوبه هذا الزاد الثقافي والتوجّه الفكري والأخلاقي لأولاده.
في هذه المرحلة أيضًا، تتواصل عملية تحديد الهوية الجنسية للولد على مستوى أعمق وفي دائرة أوسع. هنا يحتاج الصبي إلى أن يؤكد له والده هذه الهوية. ودور الأب أن يقوم بتثقيف إبنه جنسيًّا وإعداده للإنتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرجولة. كما أن عليه مساعدته في الاستعداد للمستقبل، فيشجعه ويؤكد له ثقته بقدراته وأهليته للسير على الطريق السليم إستعدادًا لاتخاذ القرارات المصيرية في الفترة اللاحقة والمتعلقة باختيار المهنة والزوجة.
أما بالنسبة الى الإبنة، فيجب أن يؤكد لها والدها أنه يثق بها وبقدراتها، ويشجعها على أن تفرح بكونها أنثى، ويعدّها إلى الإنطلاق في المجتمع، بعد أن يؤكد لها أنه حاضر دائمًا لحمايتها بحيث يمكنها اللجوء إليه للمساعدة والنصح ساعة تشاء.
في حال تخلّى الأب عن دوره في هذه المرحلة، فسوف يعاني الأولاد النتائج السلبية في علاقاتهم مع الجنس الآخر.
أما الأسوأ فأن يكون وجوده بينهــم سلبيًا، أي أنه إضافة إلى عدم تأمين أي من احتياجاتهم العاطفية والنفسية، فإنه ينتقدهم ولا يشعرهم بأهميتهم كأفراد.
في هذه الحالة، تتـهشم صورة الولد في نظرته لـذاته، ويفقد الثقة بالنفس. فتشعر الفتاة أنها غير محمية، ويدفعها لاوعيها إلى لمسة الأبوة والحنان في كل رجل تتعرف إليه. أما الشاب فسينتقد أعمال زوجته في المستقبل، وفي حالات الأبوة السلبية للغاية، عندما يرافق النقد السلوك العنيف، قد يتحول الشاب الى الشذوذ الجنسي حيث يبحث في الرجل الآخر عن القبول والدعم وعدم الرفض.

 

الأب ضرورة للتكامل الأسري
قد تتفاوت أهمية الحاجة الى وجود الأب المشارك فعليًا في العائلة بين مرحلة وأخرى، إلا أن وجوده يبقى مهمًا في جميع المراحل. فالأب يعني الحماية والرعاية والسلطة، وهو يشكل مع الأم والأولاد التكامل الأسري. والأطفال بحاجة الى حنان الأم ورعاية الأب ودعمه. وقد أظهرت الدراسات أن العلاقة السليمة والتربية الصحيحة بين الآباء والأبناء لا تتوقف فقط على تواجد الأب بل على مدى تواصله مع أبنائه.
لأنه بذلك يتاح له توجيههم والحؤول دون انحرافهم. وباستخدام الشدة والحزم إلى جانب الرفق والتسامح، سيشعر الأبناء بوجود رادع لهم يقيهم من الوقوع في الخطأ.
تؤكد الدراسات التي أجريت حول أسباب فشل الأبناء في الدراسة والحياة العملية أو تزايد حالات الإدمان أو العنف أن أحد أهم الأسباب هو غياب دورالأب داخل الأسرة، إما لغيابه المستمر بسبب العمل أو غيره أو لعدم ممارسته دوره وترك المسؤولية كاملة على عاتق الأم.
في جميع الأحوال وبالنسبة إلى الآباء الذين فاتهم أن يلعبوا دورهم بشكل فعّال في احدى المراحل، هناك دائمًا فرصة لتدارك ما فات من إهمال وبدء صفحة جديدة عنوانها ممارسة الأبوّة الصالحة.