قضايا اجتماعية

الأب مجدي علاّوي: المدمن جريح يحتاج إلى رعاية
إعداد: ندين البلعة

بين «قرية الإنسان» و«سعادة السما»

 

المدمن ليس بالضرورة مجرمًا، بل يمكن أن يكون ضحيّة، دواؤه يتمثّل بإعادة تأهيله ومساعدته على الإنخراط في المجتمع من جديد، عوضًا عن معاقبته. انطلاقًا من هذا الواقع، ومع تزايد نسبة مدمني المخدرات في لبنان بشكل مخيف، أسّس الأب مجدي علاّوي جمعيّة «سعادة السما»، ثم بنى «قرية الإنسان» للمدمنين و«بيت مريم» للمدمنات.
«الجيش» التقت الأب علاّوي الذي تحدّث بتأثّر كبير عن واقع مشكلة تعاطي المخدرات في لبنان، وعمله مع ضحاياها.

 

ناقوس الخطر
يستهلّ الأب علاّوي حديثه داعيًا إلى دقّ ناقوس الخطر، فمشكلة إدمان المخدرات تتفاقم يومًا بعد يوم ويذهب ضحيّتها أشخاص من كل الفئات العمرية والجنسية والاجتماعية، ويلفت إلى أنّه «في القديم كان تعاطي سيجارة الحشيشة يقتصر على المحاربين وحملة السلاح، أمّا اليوم فيتمّ التسويق لكل أنواع المخدرات ما يؤدّي إلى انتشارها بسرعة هائلة، من خلال الزراعة والتهريب والاستيراد والمتاجرة...».
سبعة أشخاص توفوا من جرّاء الجرعة الزائدة (overdose) في شهر تموز 2012!! إستطاع الأب مجدي إحصاء هذا العدد، فقط في المناطق التي يخدم فيها، ولكن «كم من حالة لم نعرف بأمرها في مناطق أخرى!؟» يقول الأب مجدي، ويدعو كل الوزارات والبلديات إلى المشاركة في مسؤولية الحدّ من هذه الظاهرة: «فعلى وزارة الصحّة ضبط عملية بيع الحبوب والأدوية في الصيدليات، وعلى وزارة التربية تنظيم حلقات توعية إلزامية في المدارس والجامعات، ومن خلال وسائل الإعلام عبر تخصيص برامج مستمرّة لهذا الهدف... ويجدر بوزارة الرياضة تخصيص ملاعب مجانية ليمارس الشباب مختلف أنواع الرياضة التي تبعدهم عن الرذيلة. فمعظم الملاعب غير مجانية ولا يستطيع ذوو الدخل المتواضع الدخول إليها! من هنا، على البلديات أيضًا افتتاح نوادٍ مجانية للرياضة ومختلف أنواع الفنون، وبالتالي الإهتمام بالبشر بدل التركيز على الحجر».

 

مخالفات «على عينك يا تاجر»
من جهة أخرى، يلفت الأب مجدي إلى أنّ كل دول العالم تمنع القاصرين من شراء السجائر والمشروبات الروحية، وتمنعهم أيضًا من دخول علب الليل والكاباريهات والمقامر. ولكن كل هذه الأمور مشرّعة في لبنان، فالمحالّ الصغيرة على جوانب الطرقات تبيع كل هذه المواد للجميع من دون رادع. من هنا يدعو إلى إغلاق هذه الأماكن بالشمع الأحمر ووضع حدّ لهذه المخالفات من خلال معاقبة مرتكبيها وتغريمهم بمبالغ مالية يمكن أن تُستخدم لبناء النوادي المجانية.
ظاهرة أخرى تتفشّى في الأحياء الفقيرة يتحدّث عنها الأب مجدي، وهي المقامر التي يُسمح للقاصرين العمل فيها لجني المال بطريقة سهلة، الأمر الذي يجعلهم أكثر عرضة للإنحراف. فمن هو المسؤول عن هذا الواقع اليوم؟ ويحذّر أيضًا من واقع استمرار زراعة الحشيشة داعيًا إلى التعامل مع هذا الأمر بحزم.

 

القانون
يشيد الأب مجدي بالجهود التي تبذلها عدّة جمعيات إلى جانب «سعادة السما» ومنها «سْكون» و«أم النور» و«GCD» و«JAD» و«العناية الصحية» و«Sénacle de la lumière» وغيرها لتحديث القوانين.
ثم يشرح قائلاً: «إذا عدنا إلى القوانين القديمة، نجد فيها الكثير من المواد المنصفة للمدمن ولكنها غير مطبقة فعليًا، فهي تصف المدمن كمريض يجب معالجته وليس كمجرم يجب أن يُسجَن. كما تحدّد بعض المواد مسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية في تأمين مبلغ مالي لعائلة المدمن إذا كان فقيرًا، حتى لا تضطر زوجته مثلاً الى اللجوء إلى طرق غير شرعية لتأمين المال، ولكي يستطيع أولاده متابعة دراستهم عوضًا عن الإنحراف.
بالإضافة إلى ذلك، يشدّد القانون على عدم ملاحقة المدمن قانونيًا بعد إنهائه فترة العلاج، ولكن هذا أيضًا يبقى حبرًا على ورق!! فـ«علي» مثلاً هو شاب أنهى فترة علاجه في «قرية الإنسان» وبقي يعمل فيها ويساعدنا. وعندما أراد السفر للحجّ، تمّ توقيفه في المطار بسبب مذكّرة توقيف بحقّه منذ العام 2008. وقد وُضعت نقطة سوداء على سجلّه العدلي تسبّبت بعدم قبوله في أي وظيفة لمدة ثلاث سنوات، في حين أن جميع دول العالم تقدّم الدفع للمدمن الذي أتمّ علاجه فتسمح له بتسلّم وظيفة من الدرجة الأولى أو الثانية في الدولة، أو تساعده على إتمام دراسته إذا رغب في ذلك. نحن لا نطلب درجة أولى في الدولة... وهنا أنوّه ببعض رجال القضاء الذين يحيلون المدمن فورًا إلى مراكز العلاج والتأهيل بدل محاكمته وسجنه، ولكن مجموع أماكن التأهيل في كل المراكز محدود جدًا...».

 

قرية الإنسان
أسّس الأب مجدي العام 2007 خيمةً لمساعدة أحد المدمنين، كانت هي نواة «قرية الإنسان». ويخبرنا عن هذه التجربة: «لقد وضع اللـه هذا الإنسان في طريقي لكي أساعده، ولم أستطع أن أرفضه على الرغم من عدم وجود مكان لإيوائه. وقد شاءت العناية الإلهية مساعدتي، إذ أبلغني الأخ نور بعد ذلك، بأن أحد الأشخاص قدّم لي أرضًا في وادٍ في منطقة المعيصرة - كسروان، مساحتها 92 ألف متر وهي من أجمل الأراضي. فيها أسّسنا أول خيمة تخرّج منها ستّة مدمنين أتمّوا علاجهم وتوظّفوا أو تزوّجوا أو تابعوا دراستهم».
على أثر هذه الشفاءات، باع الأب مجدي منزله في عمشيت ليبني أول منزلَين من «قرية الإنسان» التي تتكون حاليًا من عشرة منازل بالإضافة إلى كنيستَين ومصلّى للمسلمين ونادٍ للفنون وغرفة محاضرات... وهي تستطيع استقبال 40 شابًا.
ويتابع: «تخرّج حتى اليوم من قرية الإنسان 554 شخصًا، ولكن بعضهم انتكسوا لعدّة أسباب أبرزها الظروف والمشاكل العائلية. أمّا العلاج فهو مجاني».

 

على صورة الجيش ومثاله
تفتخر قرية الإنسان بكونها أنموذجًا مشابهًا للمؤسسة العسكرية، ففيها يعيش الجميع من كل الطوائف والانتماءات بمحبة، ويتشاركون حياة واحدة في الصلاة والأعياد والنشاطات...
يرتكز العلاج على عمل الخير والصلاة وملء كل أوقات الفراغ بالرياضة والموسيقى والمسرح والعمل بمجموعات... المدمنون المسلمون يرافقهم شيخ ويصلّي معهم، لكنهم أيضًا يشاركون المسيحيّين صلاتهم ونشاطاتهم، فطبيبنا واحد هو اللـه، ودواؤنا الصلاة.
يتألّف فريق العمل من مرافقين ومعالجين ومسؤولين كانوا مدمنين سابقين، يستطيعون الشعور بالألم وفهمه والمطالبة بصدق واقتناع بحقوق المدمن، بما فيها تعديل القوانين اللازمة لإنصافه.

 

صعوبات
ما زالت الصعوبات موجودة وأكثرها مادي، فمصروف قرية الإنسان وحدها يصل إلى 43 ألف دولار شهريًا وهذا الأمر يحتّم تعاون الأشخاص القادرين ودعمهم لهذه الرسالة، فكل ولد من أولادنا معرّض ليكون أحد هؤلاء المدمنين وبالتالي يحتاج إلى الدعم والمساعدة اللازمين.

 

بيت مريم
«المجتمع الشرقي ظالم في تفكيره وقوانينه تجاه الفتاة، فكيف الحال إن علمت عائلتها بإدمانها!؟ تنبذها وتخجل بها فلا تمدّ لها يد العون. ولكن من منّا لم يخطئ؟»، يقول الأب مجدي، «إذا وصلت الفتاة إلى الإدمان فذلك يكون بسبب التعب وتراكم المشاكل وكثرة الجروح والثقوب، وهي تحتاج إلى محبة ورحمة».
من هنا افتتحت الجمعية «بيت مريم» في غوسطا في 31 تشرين الأول 2012، وهو يتألف من خمس طبقات وكابيلاّ مريم المجدلية وحديقة، بالإضافة إلى صالون لتعلّم كل ما يتعلّق بالتجميل (ماكياج، كوافير، أظافر...)، ومشغل للرسم والموسيقى. يستقبل هذا البيت 24 فتاة فيكون بذلك المركز الأول للـChristotherapy في الشرق الأوسط، والثاني للفتيات من بعد مركز «أم النور».

 

كونوا الحماية لأولادكم
في خلاصة هذه الرسالة التي يعيشها الأب مجدي علاّوي مع المدمنين، يؤلمه الواقع الذي يشير إلى أنّ معظم حالات الإدمان تتسبّب بها المشاكل العائلية والمعشر السيّئ، فيكون المدمن ضحية العائلة والمجتمع. «كونوا حمايةً لأولادكم وداعمين لهم، ولا تتركوا مسؤولية تربيتهم للخادمة أو الحارس الشخصي أو المدرسة والكنيسة. أنتم المسؤولون عن تربيتهم ومرافقتهم وإيجاد الحوار البنّاء في المنزل، هذا الحوار الذي نفقده يومًا بعد يوم... لا تهملوا أولادكم وليكن لكل عائلة مرافق روحي فهو بأهمية الطبيب والمحامي. وإذا وقع ابنكم في المحظور فلا تنبذوه ولا تخجلوا به، ولا تنكروا المشكلة بل اعترفوا بها واسعوا لإيجاد العلاج الأنسب له...».
وإلى المسؤولين والجهات الأمنية المسؤولة يقول: «نحن بحاجة الى دعمكم المادي والقانوني والمعنوي، فلا توقفوا أولادنا المدمنين بشكل اعتباطي، بل عاملوهم كما تعاملون أولاد المسؤولين والأغنياء، ولا تصدروا الأحكام الظالمة بحقهم بل وجّهوهم إلى مراكز العلاج واحترموا إنسانيتهم وظروفهم التي أوقعتهم في هذه الدوّامة!!
وفي النهاية، لا بد من الإشارة الى أنّ الأب مجدي علاّوي كان أستاذ مدرسة، وهو متزوّج ولديه أربعة أولاد، وقد تكرّس في الكهنوت منذ سبع سنوات فقط، وذلك لخدمة قضية المدمنين.

 

إحـــصـــاءات
لا توجد في لبنان إحصاءات رسمية لعدد مدمني المخدرات، وحتى لو وجدت فلا شك أنها غير دقيقة باعتبار أن المدمنين لا يجاهرون بواقعهم، باستثناء البعض منهم الذين أدركوا خطورة الإدمان ولجأوا إلى أحد مراكز إعادة التأهيل.
وتشير دراسة حول إدمان المخدرات في لبنان، إلى أن مادة الهيرويين الأخطر بين أنواع المخدرات، هي الأكثر تعاطيًا، ويليها الحشيش والماريجوانا، ثم الكوكايين، فالكحول، فحبوب الهلوسة «اكستاسي».
كذلك أظهرت الدراسة أن نسبة 33% من المدمنين هم من طلاب الجامعات، و16% من الصفوف الثانوية، و29% هم ممّن بلغوا المستوى التكميلي، و18% في المرحلة الابتدائية و4% فقط أمّيين.

 

شكراً

يشيد الأب مجدي بإسهام قيادة الجيش في افتتاح أحد مشاريع جمعية «سعادة السما» وهو تاكسي للمعوّقين، وينوّه بالجهود التي تبذلها دائمًا لدعم كل نشاطات الجمعية واحتفالاتها.شكراً