متاحف في بلادي

الأجران ومطاحن الحجر تحرس بيته وفي صدر الدار بوق يدقّ النفير
إعداد: جان دراك ابي ياغي
تصوير: الجندي بلال عرب

مختار عيدمون: التراث استمرارية الماضي في الحاضر

قرب مدخل بيته ترتاح أجران الكبة ساكنة، لا مدقات تنهض في داخلها ولا زنود سمراء حولها. أمّا الأحجار الداكنة المستديرة فهي الأخرى في استراحة بعدما أدت واجبها في طحن الذرة و«جرش» البرغل.
وفي داخل البيت، مختار عيدمون محمد خضر الحاج منهمك في السهر على مقتنيات تراثية جمعها، لأنها بالنسبة إليه كنز يجهد للحفاظ عليه ورفده بكل قديم متصل بحياة الأجداد.
«الجيش» زارت عيدمون (عكار) والتقت مختارها الذي جعل من بيته متحفاً صغيراً، يضم في جنباته الأواني التي كانت عماد الحياة القروية، الى ما تيسّر له من مقتنيات اخرى قديمة.


صُدفة تؤدي الى الاحتراف

منذ 25 عاماً، ومختار بلدة عيدمون (قضاء عكّار) محمد خضر الحاج يجمع التحف والأثريات القديمة، حتى غدا منزله متحفاً صغيراً للتراثيات. ويقول المختار «إن الصدفة كانت طريقه الى الاهتمام بكل شيء قديم، حتى أصبحت هذه التراثيات تتصدّر صالة المنزل وتحتل حيّزاً كبيراً في أرجائه، وكأنها استمرار للزمن السالف في أيامنا الحاضرة».
ويضيف:
«هذا ليس بجديد، إذ كانت بلدتي عيدمون، وعائلتي خصوصاً، تشتهر بحياكة السجاد (التركماني) الذي توارثته الأجيال على مدى قرون، لكن بعد أن تخلّى عن هذه الصناعة الجيل الجديد، لم يبقَ منها سوى أدوات خشبية، اما مهارة الحياكة فباتت حكراً على بعض العجائز اللواتي يملكنها.
ومع تقدّم العمر بهن، صارت هذه الصناعة على طريق الاندثار، بعد ان كانت قد انتقلت من عيدمون الى بلدة الفاكهة البقاعية».
ويضيف مختار عيدمون قائلاً: «خطوتي الأولى جاءت مع بحثي عن جرن للكبة وأحجار الرحى لتزيين مدخل الدار، فوقعت على كمّ وافر من الأدوات المختلفة من الحجر الأسود الذي تشتهر به منطقتنا البركانية، والذي نحت منه الأقدمون المطاحن الحجرية المنزلية، والمدقات والأجران وغيرها. وأصبحت أقتني كل ما يقع بين يدي من هذه المجموعة حتى أصبحت تحتل مساحة واسعة من الدار».
أما بالنسبة الى التحف، فالبداية كانت مع جهاز راديو قديم كان لدى العائلة، وضعه في صدر صالون المنزل. ومن ثم وصلته خوذة قديمة تعود الى الجنود الرومان، فبدأ يسعى الى إكمال صورتها بالسيف والترس. وتطور اهتمامه ليشمل كل ما له علاقة بالتراث من فخاريات قديمة وحديثة وقناديل وأباريق وخشبيات أفريقية وأراكيل من النحاس قديمة العهد (عمرها 60 سنة).
ومن مقتنياته هاتف يعود الى العام 1957، و«يشك» لخضّ اللبن، وطاحونة قهوة قديمة، ورمح غير مألوف رأسه من حديد وأسفله من خشب، وقرون جاموس أفريقي كانت تستعمل بوقاً لدقّ النفير وجمع الجيش. وقد عرض المختار هذه المجموعة يتوسطها علم لبناني مصنوع من الصوف (حياكة يدوية).

 

فضة يمنية وزجاجيات

في زاوية أخرى من الدار، مجموعة من عقود الفضة اليمنية، وكؤوس زجاجية مزخرفة وسراج من الفخار قديم العهد (أيام الزيت والفتيل).
وفي واجهة مقابلة مجموعة من الخناجر العربية القديمة، والعصي المطعّمة بالفضّة، إلى سيف من الكريستال يتلألأ لمعاناً بين أخواته.
أما المجموعة الملفتة للنظر فهي المسابح على أنواعها: المرجان، الكورباء، العاج، الجاد، العقيق، الفيروز، اليسر...
بين الصالون وغرفة الطعام جدار مزيّن بخزائن زجاجية مقفلة تضمّ مجموعة بنادق: سمينوف (غير مؤرخة)، فرنسية (1936)، ألمانية (1943)، إنكليزية (1939)، شميزر ب ب (1945) شميزر NA (1943)، جفت دك بقصبتين (بدون تاريخ) وإبراهيمية دك (من دون تاريخ).
يضاف الى ما سبق ذكره مجموعة من الكريستال بعدة أشكال وألوان.
ويقول محمد خضر الحاج: لم أتنبه الى درجة انغماسي في هذه الهواية حتى تراكم عدد القطع التي اقتنيتها فاضطررت الى ترتيبها في جداريات وخزائن ورفوف خاصة.
الزائرون يعتبرون منزلي متحفاً بينما الأمر بالنسبة إليّ هواية وتعلّق بالتراث والتاريخ، آمل أن يتمسك به الجيل الحاضر.
وتمنّى المختار على مَنْ يعثر على أية قطعة قديمة حجراً كانت أم خشباً، (وفي عكار الكثير منها) ان يحافظ عليها ويعطيها ما تستحقه من العناية، مبدياً رغبته بشراء مثل هذه القطع.
أما ختام حديثه فكان بوصية لأولاده من بعده، مفادها: حافظوا على هذا التراث.