أسرار النوم

الأحلام عالم من الرموز والرسائل... وعلى الحالم أن يفهم!
إعداد: روجينا خليل الشختورة

هل تتصل الأحلام بما يحدث لنا في حياتنا؟ أم أنها مخرج من الضغوط التى نتعرض لها؟ وما مدى ارتباطها بطريقة نومنا؟ وهل يدلّ تذكرنا للحلم إلى أننا نمنا بشكل جيد أم العكس؟
للإجابة عن هذه الأسئلة وسواها، كان للـ«الجيش» لقاء مع الدكتور الياس الباشا، عضو في «الجمعية البريطانية لجراحي الدماغ والجهاز العصبي»، و«الأكاديمية الأميركية لطب النوم الشافي» واختصاصي في معالجة مشاكل النوم واضطراباته.

 

ما هي الأحلام؟
الأحلام هي سلسلة تخيلات تراودنا خلال نومنا، يقول الدكتور الباشا، وهناك كثير من النظريات التي تفسر حدوثها، فبحسب سيجموند فرويد رائد التحليل النفسي، الأحلام هي وسيلة تلجأ إليها النفس لإشباع رغباتها ودوافعها المكبوتة خصوصًا تلك التي يكون إشباعها صعبًا في الواقع. ففي الأحلام يرى الفرد أنّ دوافعه قد تحققت في صورة حدث أو موقف، ولكن غالبًا ما تكون الرغبات في الحلم مموهة أو مخفية بحيث لا يعي الحالم نفسه معناها، لذلك فإنّ الكثير من الأحلام يبدو خاليًا من المعنى والمنطق، شبيهًا بتفكير المجانين على عكس أحلام اليقظة التي تكون منطقية جدًا.
تختلف الأحلام من إنسان إلى آخر باختلاف التجارب التي مرّ بها كلّ منا في حياته، إذ أنّها تعبير عن الماضي والحاضر والخبرات والتجارب سارة كانت أو حزينة. لكنّ الحلم قد يتخطى الماضي والحاضر ويتضمّن توَجّهًا مستقبليًا. وفي غالبيتها، تؤثّر الأحلام كثيرًا في مزاج الناس نظرًا إلى حقيقتها وصدقها.

 

كيف نحلم؟
شرح الدكتور باشا قائلًا: في مرحلة الوعي يقوم الإنسان بالأعمال المنتجة وذلك يكون عادةً في النهار، أما في الليل، فيأتي وقت الراحة والنوم. وعندما يكون النوم سليمًا وكافيًا يرتاح ذهن الإنسان فيحلم بمعدل 5 إلى 6 مرات كلّ 90 دقيقة تقريبًا. والحلم يُظهِر واقع الفكر في حقيقته المجردة، ولا يمكننا أن نُنكِر أهمية النوم السليم في نطاق الفكر، ففي الحلم ندوّن معلومات لا تمحى أبدًا، ونجد حلولاً لمشاكل نعيشها في الواقع. وقد يكون الحلم تعويضًا عما نعيشه أو نفتقده في وضعية الوعي. فالطاقة الروحية الكامنة تعلِّمنا أو تنبهنا، أو تلمِّح، أو تشير إلى مواقفنا وقضايانا برموز يجدر أن تسترعي انتباهنا. وهكذا، تعرِّفنا أحلامنا بحقيقة شخصيتنا وواقع ما نحن عليه. لذلك تصبح عبارة: «قُلْ لي ما حلمك، أقُلْ لك ما أنت،» صحيحة إلى حد كبير.
ويشير الباشا إلى أنّ تفسير الحلم يرتبط بالحالم ذاته، فإذا ما رأى عشرة أشخاص حلمًا واحدًا، فُسِّر الحلم بعشرة تأويلات مختلفة أو متنوعة، والواقع أنّ الحلم قد ينطوي على رموز تعود إلى ذكريات قديمة قابعة في اللاوعي.

 

لماذا نتذكر أو لا نتذكر؟
لماذا نتذكر أحيانًا أحلامنا بينما لا نتذكرها في أحيانٍ أخرى؟ يجيب الدكتور الباشا بالقول: إذا تذكرنا أحلامنا بسهولة، فهذا يعني أنّنا نعاني الأرق ونكون أكثر عرضة للإستيقاظ الجزئي خلال النوم، وبالتالي لا يكون نومنا عميقًا. وقد أظهرت الدراسات الحديثة أنّ من يحلمون كثيرًا ويتذكرون أحلامهم، يتأثرون كثيرًا بالمؤثرات الخارجية كالضوضاء والضوء، فيستيقظون من نومهم، وهذا ما يسهّل على عقولهم تذكّر الأحداث والتفاصيل التي رأوها خلال النوم. أمّا من لا يتذكرون أحلامهم فهم الذين يغطون في نوم عميق، وأولئك الذين يبذلون الكثير من الجهد خلال النهار. فعندما يستيقظ الإنسان مع كمّ من المسؤوليات الضاغطة الملقاة على عاتقه، يصعب عليه تذكّر الأحلام، خصوصًا أنّها تشكّل في غالبية الأحيان ذكريات عابرة يصعب تذكّرها حتّى في الأوقات العادية. لماذا نتذكر الكوابيس؟ تلك مسألة أخرى تعود إلى القلق الذي تسببه تلك الكوابيس ويترك أثرًا واضحًا في نفوسنا.

 

أخطاء شائعة
إذًا اعتقاد البعض بأنّ الأحلام لا تزوره أبدًا، خطأ شائع. فجميع الناس يحلمون ولكن يصعب على بعضهم تذكّر أحلامه واستعادة تفاصيلها في اليوم التالي.
ويضيف الدكتور الباشا: بيّنت الدراسات أيضًا أنّ صعوبة تذكّر الأحلام أو سهولتها مرتبطان أساسًا بساعة الاستيقاظ وطريقة الاستيقاظ. فمَن يستيقظ في وضع طبيعي من دون سماع رنين الهاتف أو الضجة يسهل عليه تذكّر أحلامه أكثر من ذاك الذي يستيقظ فجأة بسبب مؤثّرات خارجية.
أماّ عن التحكّم في مسار أحلامنا، فيقول: قد يتفاعل الجسم مع الحلم كما لو أنّ أحداثه حقيقية. فمن يحلم بأنّهُ يؤدّي عملاً ما، قد ينجح في تأديته على نحو أفضل. مثلاً من يحلم أنّه يعزف على آلة موسيقيّة، قد ينجح فعلاً بالعزف في الوعي.
كذلك، يساعد الحلم على تحفيز قدرات الانسان التعلّمية. ففي مرحلة النوم والحلم، يسترجع الدماغ المعلومات المتراكمة يوميًا ويحفظ المهمّ منها. لذلك، فإنّ الأولاد الذين ينامون وقتًا أطول يكتسبون القدرة على تذكّر المعلومات واستيعابها بصورة أسرع، خصوصًا أنّ النوم مفيد لنموّ العقل ونضوجه.
وفي السياق عينه، يوضح نقطةً أخيرة: ثمّة أشخاص يحلمون الحلم ذاته مرّات عديدة وبصورة متكررة، فيحلمون مثلاً بأنّهم يركضون من دون معرفة الوجهة، أو بأنّ أحدًا ما يراقبهم ويلاحقهم، أو أنهم يعيدون إمتحاناتهم... فلا شكّ في أنّ الأحلام تجسّد واقعًا معيّنًا وتنطوي على رسائل واضحة، هذه الصور إذا فهمناها يمكن لتعديل بسيط في الحياة اليومية أن يصحح مسار الأمور، وفي أحيان أخرى يتطلّب الأمر إستشارة إختصاصيين لفهم هذه الرسائل والعمل بمقتضاها.