ثقافة وفنون

" الأخطل الصغير"
إعداد: جان دارك أبي ياغي

كتاب - ­ تحية في ذكرى مرور ثلث قرن على غياب أمير الشعراء

 كان أميراً للقمر والشجر وطيور المساء قبل أن يكون أميراً للشعر والشعراء. قصائده أجراس النجوم: فلتقرع أجراس القصيدة كي ينهض المؤمنون للصلاة. أبياته نهر قداسة ونبع ماء بارد في الصحارى المالحة. كانوا يكتبون على الخشب يوم جاء الأخطل ليكتب على الذهب. بفضله صار الشعر شعراً والبحر بحراً وولدت للشعر شمس جديدة. في مملكة الشعر هو أول الأنبياء وآخر الأمراء. عاش ومات في "البوشرية" وولد في مئة مدينة من مدائن الشرق. ذات يوم مشت الأهرام على قدميها لتستقبل شاعراً من لبنان. في القلب والضمير أنت أيها الأمير. بهذه الكلمات يستهل الشاعر أنطوان جباره رئيـس بلدية الجديدة ­ البوشرية ­ السـد الكتاب الصادر عن المركـز الثقافـي للـبلدية تحية لأمير الشعراء الأخطل الصغير لمناسـبة إطلاق مهرجـانه الشعري السنوي الأول ومرور ثلث قرن على غيـابه، ويقدمه هـدية الى أبناء بلدتـه ­ البوشرية ومحـبي شعره، وفيه أجمل ما كتب الأخطل الصغير وأجمل ما كُتب عنه.

 يقع الكتاب في قسمين اختار مادته ونسّقها الشاعر أسعد جوان. القسم الأول يتضمن أجمل وأرق ما كتبه الأخطل الصغير بحسب جوان، أما القسم الثاني ففيه مقتطفعات من أجمل ما قيل في شعره من شهادات لكبار الشعراء والأدباء اللبنانيين والعرب، ومنهم نذكر: سعيد عقل، محمد الفيتوري، أدونيس، أنسي الحاج، يوسف يزبك، فؤاد صروف، رشيد نخله، معروف الرصافي، نزار قباني، صالح جودت، عمر أبو ريشة، مهدي الجواهري، عبدالله العلايلي، الياس أبو شبكة، شفيق المعلوف... الى أسعد جوان الذي خصص الصفحات الأخيرة من الكتاب لمقالة له بعنوان: "مدخل الى حياة وشعر الأخطل الصغير".

 والشاعر أسعد جوان كان يسمع ببيت الأخطل الصغير، وبستان الأخطل وبناية الأخطل، وفي ما بعد بشارعه الى أن تعرّف بإبنه جوزف الأخطل، وكان ذلك في بداية السبعينات على يد صديقه الشاعر أنطوان جباره رئيس بلدية الجديدة البوشرية السد، حالياً، المهتم بانعاش المنطقة وإحياء ذكرى الأخطل الصغير والشعراء الفنانين المبدعين الكبار...

 أما معرفة جوان بالأخطل الصغير شاعراً وإنساناً فقد أتت في ما بعد وعبر أشخاص مثل الصحافي عارف الغريّب والمؤرخ جورج مصروعة، وجاءته بعض أخباره وقصصه على لسان رفيقه ومؤسس جريدة السفير الياس بك الحويّك. وتعـمقت معرفـته بالأخطل الصغير على يد المحـامي والـناقد الأديب فايق الرجي الذي يفضـله على كل شعراء العرب من الجاهلية حتى اليوم خاصـة في ما يتـعلق في الـغزل العذري والحب والرقة، بدءاً بعمر مروراً بسعيد عقل ونزار قباني وكل شعراء الحداثة. لكن الرجي يتوقف عند عاصي الرحباني الذي يضعه في الضفة الثانية من اللغة، واصفاً إياه بأنه أمير الأمراء. وقصيدته كما قال عبد الوهاب لكمال الشناوي ليست بحاجة الى تلحين، بل فقط الى غناء... بسيطة متواضعة وحنونة وتذوب رقّة وموسيقى... تقترب من العامية الحديثة، كعامية المتنبي في عصرها، وهنا سر بقاء الشعر واستمراره في الزمان... الأخـطل الصغير ­ وبإجماع الشـعراء والنقّاد ­ غطّى على جميـع شعراء جيله وكذلك تتلمذ عليه كبار الشعراء، وما زالت بصمات ريشته تلاحقهم حتى اليوم. فإلى جانب الدفق العاطفي الجيّاش في قصيدته يتصاعد نفس شعري رقيق لم يعرفه العرب من قبل. والبعض يرى أن هذا النفس ربما كان مقدمة لمجيء نزار قباني، والصخرة التي بنى عليها هذا الشاعر بيعته الشعرية... الشعبية الواسعة...!التي علّقت جسراً من الياسمين بين قرنين، على ما يقول جوان.

 

غنّوا من شعره

 عمالقة الصوت والنغم غنّوا من شعر الأخطل الصغير أجمل القصائد: أسمهان "أسقينيها بأبي أنت وأمي"، فريد الأطرش: "عش أنت إني مت بعدك"، ˜أضنيتني بالهجر... عبد الوهاب: "جفنه علّم الغزل"، "الصبا والجمال الهوى والشباب"، و"يا ورد من يشتريك"، فيروز: "وداد"، "ندى"، "يا عاقد الحاجبين"، "قد أتاك يعتذر"، "يبكي ويضحك لا حزناً ولا فرحاً"، "بيروت". وهناك أيضاً الأناشيد الوطنية التي لحنها له الأخوان "فليفل" أحمد ومحمد وهي: نحن الشباب لنا الغد، يا تراب الوطن، لبنان لبنان حرم الأرز، نشيد الشجرة، نشيد الكشّاف.

 

بلّغوها

 بلّغوها إذا أتيتم حماها                        أنني متّ في الغرام فداها

واذكروني لها بكل جميل                    فعساها تبكي عليّ عساها

واصحبوها لتربتي، فعظامي               تشتهي أن تدوسها قدماها

 لم يَشُقني يوم القيامة، لولا                أملي أنني هناك أراها

ولو أن النعيم كان جزائي                  في جهادي والنار كانت جزاها:

لأتيت الإله زحفاً، وعفّرت                جبيني كي استميل الإلها

وملأت السماء شكوى غرامي            فشغلت الأبرار عن تقواها

ومشى الحب في الملائك، حتى          خاف جبريل منهم عقباها

 قلت: يا رب، أي ذنب جنته             أي ذنب لقد ظلمت صباها

 أنت ذوّبت في محاجرها السحر         ورصّعت باللآلئ فاها

 أنت عسّلت ثغرها فقلوب الناس        نحل أكمامها شفتاها

 أنت من لحظها شهرت حساماً           فبراءٌ من الدماء يداها

 رحمة رب، لست أسأل عدلاً،           ربّ خذني إن أخطأت بخطاها

دع سُليمى تكون حيث تراني             أو فدعني أكون حيث أراه