الأدوار الخارجية والداخلية في التحوّل الديموقراطي التونسي

الأدوار الخارجية والداخلية في التحوّل الديموقراطي التونسي
إعداد: أ.د.غسان العزي
أستاذ في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية

 المقدّمة

انقضى عقد من الزمن على ما سمي بـ "الربيع العربي" أو "الثورات الشعبية" العربية وما يزال المشهد قاتمًا والمستقبل مجهولًا في دول هذا الربيع الذي انقلب حروبًا أهلية وأقليمية وحتى دولية من دون أفق، كما في ليبيا أو سوريا واليمن. أما في مصر والتي استتبت فيها الأمور فيمكن القول إن الدولة العميقة التي تقودها مؤسسة الجيش، هي التي استعادت السلطة بعد تغيير رأس النظام وليس النظام نفسه، فتمكنت من إعادة الاستقرار رغم العمليات الإرهابية التي تحدث بين الفينة والفينة. وقد عمدت دول عربية أخرى إلى الإعلان عن إصلاحات فورية تجنبًا لثوراتٍ شعبية محتملة. في بعضها حصل تقدّم ملموس في مجال الحريات والمشاركة السياسية، وفي بعضها الآخر تراجعت الحريات في ظل هيمنة الهموم الأمنية والاقتصادية على خلفية صراعات إقليمية وأزمات اقتصادية.

ربما تشكل تونس استثناء لجهة تحقق الانتقال ثم تحوّل السياسيين فيها من دون إراقة دماء، إلى درجة أن عددًا كبيرًا من المحللين يرون فيها نموذجًا عربيًا للتحوّل الديموقراطي السلمي من الاستبداد إلى الديموقراطية، رغم أن الديموقراطية تبقى مخلوقًا هشًا، تنبغي رعايته وحمايته من الانتكاسات في ظروف اقتصادية معولمة وصراعات إقليمية ومعارضات داخلية وغيرها.

في البداية ينبغي إلقاء نظرة على مفهوم التحوّل الديموقراطي قبل التطرق إلى العوامل الخارجية والداخلية، التي أدت الدور الأهم سواء في دفع مسار التحوّل أو عدم إعاقته على الأقل.

 

أولًا: في مفهوم التحوّل الديموقراطي

سقوط الدكتاتوريات في البرتغال واليونان في العام 1974، وإسبانيا في العام 1976، دفع بعض الباحثين الأوروبيين والأميركيين[1] إلى إجراء دراسات مقارنة بين أميركا اللاتينية وأوروبا الجنوبية، عبر برنامج بحثي انتهى في العام 1986، بإصدار كتاب مرجعي حول التحوّل من الأوتوقراطية إلى الديموقراطية[2]. ومن هذا المشروع، وُلد مفهوم التحوّل الديموقراطي الذي يعني المسارات التي تحقق الانتقال السلمي من الدكتاتورية إلى النظام الديموقراطي، عبر التأسيس لانتخاباتٍ حرة.

وهكذا منذ أواخر القرن الماضي بدأت تنتشر الأدبيات السياسية حول التحليل المقارن لمسارات الدمقرطة، فأنتجت مروحة واسعة من المفاهيم والفرضيات، التي ساعدت علماء السياسة على وصف الديناميات المؤدية إلى تحوّل الأنظمة السياسية نحو الديموقراطية وتحليلها. بعد صدور الكتاب المرجعي المذكور، الذي قام بتحليل تجارب أوروبية وأميركية-لاتينية لما بعد العام 1974 ومقارنتها، امتد البناء النظري إلى أوضاع وبلدان أخرى مختلفة، وتضافرت الجهود البحثية إلى تشكيل مجال جديد ضمن العلوم السياسية هو "دراسات الدمقرطة" التي ضمت مسائل التحوّل الديموقراطي ثم تكريس أو تعميق هذا التحوّل[3].

دفع سقوط جدار برلين في العام 1989 علماء الترانزيتولوجيا (التحوّل الديموقراطي) إلى إجراء سلسلة جديدة من دراسات التحوّل، هذه المرة في أوروبا الشرقية والوسطى. وانطلاقًا من اتفاقهم على أن الديموقراطية يمكن تعريفها من واقع أن الشعب يمكن له اختيار حكامه بحريةٍ، اتفق هؤلاء على مفهوم إجرائي عام للديموقراطية السياسية، حدد روبرت دال معاييره: "نظام سياسي يتميز بالانتخابات الحرة والمفتوحة مع عوائق قليلة وضعيفة نسبيًا أمام المشاركة السياسية وتنافس سياسي حقيقي مع حماية جدية للحريات الفردية"[4].

هذه الديموقراطية السياسية، في حدها الأدنى، ضرورية للكلام عن ديموقراطية ما، ولكن لا يمكن أن يقف تعريف الديموقراطية على مجرد هذه المسارات الإجرائية رغم أنه لا بد منها. من هنا يجدر الكلام عن تحوّل نحو الديموقراطية أكثر منه عن تحوّل ديموقراطي يبقى مستحيلًا من دون إنماء متوازن ونمو اقتصادي وعدالة اجتماعية وتكافؤ فرص ومساواة أمام القانون ومشاركة سياسية حقيقية وغيرها من المعايير. وهذا يقود إلى تقسيم مسار التحوّل الديموقراطي إلى ثلاث سلاسل زمنية: انتقال سياسي ثم تحوّل نحو الديموقراطية فتكريس هذا التحوّل وتثبيته. ذلك أنه بعد الانتقال السياسي من حكم دكتاتوري مثلًا إلى حكم جديد، يُرفع لواء الديموقراطية. فقد يتعرض مسار التحوّل إلى انتكاسات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية لأسبابٍ داخلية أو خارجية، فتعود الأمور إلى دكتاتورية ولو مقنعة هذه المرة، وترتدي لُبوس الديموقراطية الشكلية، لذلك فإن مرحلة تثبيت[5] إنجازات التحوّل أو تكريسها تبقى مهمة، وربما الأكثر أهمية في هذا المسار. فالديموقراطية تبقى في حركة دائمة وفي سعي مستمر نحو التطور، كي لا تنتكس أو تصاب بالوهن.

 

مفهوم الترسيخ أو التكريس هذا جاء بعد أن لاحظ المحللون أن دولًا عديدة حققت الانتقال الديموقراطي بعد العام 1974، وفشلت في ترسيخه فعادت الأمور إلى الوراء، بل بعضها عاد أكثر دكتاتورية مما كان عليه. وهكذا صار مفهوم التحوّل مزدوجًا (تحوّل/ترسيخ) عبر أدوات تحليلية، تسمح بالتمييز بين عملية الانتقال السياسي نحو الديموقراطية من جهة، والإجراءات الآيلة إلى ترسيخ هذا المسار لاحقًا من جهة ثانية. ويمكن تعريف النظام السياسي من خلال القواعد التي تحدد شكل مؤسساته الحكومية، وقنوات الوصول إلى هذه البنى وشروطها، وطريقة اتخاذ القرارات فيها، كما الفاعلين المؤهلين للمشاركة في هذه المسارات[6]. من وجهة النظر هذه، إن نظامًا سياسيًا معينًا يمكن الحكم عليه بالتغير من الأوتوقراطية إلى الديموقراطية أو العكس، من خلال الإجراءات التي يتخذها بحسب قربها أو بعدها عن هذه القواعد.

لكن رغم كل الدراسات ما يزال مفهوم التحوّل الديموقراطي غامضًا بعض الشيء، لأنه يعيدنا من دون تمييز إلى أنماط مختلفة ومتنوعة من مسارات الدمقرطة: "التحوّل نحو الديموقراطية" بالمعنى الأدق أي المرور من نظام سلطوي إلى آخر ديموقراطي. والدراسات التي ركزت على أميركا اللاتينية، على سبيل المثال، وجدت بأن الدكتاتوريات فيها التي راحت تسقط تباعًا الواحدة بعد الأخرى بعد العام 1978، لتُخلي مكانها إلى أنظمة ديموقراطية نسبيًا (الأكوادور 1978، البيرو 1980، بوليفيا 1982، الأرجنتين 1983، الأورغواي 1984، البرازيل 1985 ثم تشيلي 1989)، كانت كل واحدة منها حالة خاصة رغم وجود مشتركات مهمة، ذلك أن الدكتاتوريات نفسها لم تكن ذات طبيعة واحدة مع وجود نقاط مشتركة في ما بينها، إذ أنها كانت عمومًا بيروقراطيات عسكرية. والأمر نفسه ينطبق على أوروبا الشرقية والوسطى غداة سقوط جدار برلين، التي عرفت دولها مسارات متنوعة في التحوّل الديموقراطي مع ما يجمعها من ظروف ومشتركات.

في الحالة الأوروبية وبالنسبة للدول المنبثقة عن الاتحاد السوفييتي السابق، تم تحليل مسارات التحوّل بأدوات الترانزيتولوجيا. وهنا كان واضحًا أن التغير السياسي سار بالتوازي مع تحوّل اقتصادي (الانتقال من الاقتصاد الاشتراكي الموجه إلى اقتصاد السوق الليبرالي). هناك حالة أخرى ملفتة في أفريقيا على سبيل المثال، في مالي تحديدًا، والتي اعتبرت نموذجًا للتحوّل الديموقراطي مع دور مهم للمجتمع المدني، وتوافق سياسي عام على إصلاحات بنيوية للنظام[7]. وتنبغي الملاحظة أنه في كل الحالات المذكورة، كان هناك دعم خارجي من دول ومؤسسات دولية كالأمم المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا وغيرها، وكان هذا الدعم أساسيًا لنجاح التحوّل.

لكن في الكثير من الحالات، في الدول المنبثقة عن الاتحاد السوفييتي السابق أو أوروبا الشرقية والوسطى أو أفريقيا جنوبي الصحراء، إلخ....، تعرّض مسار التحوّل الديموقراطي إلى انتكاسات من دون أن تعود الدكتاتورية السابقة بالضرورة. ففي روسيا على سبيل المثال، لا يمكن وصف النظام بالديموقراطي رغم وصول الرئيس بوتين إلى السلطة في العام 2000، وبقائه فيها عن طريق الانتخابات، وفي مالي فإن الانقلاب العسكري في العام 2012، عرّض تحوّلها الديموقراطي إلى انتكاسة من دون أن يعيد الدكتاتورية. من هنا جاء مفهوم الأنظمة الهجينة الذي ابتدعه علماء سياسة، ووجدوا بأن نظرية الانتقال التي راجت منذ الثمانينيات قاصرة على فهم التحوّل الديموقراطي وشرحه[8]. يقول هؤلاء بأن أدوات التحليل تطورت كثيرًا منذ الثمانينيات كما أن العولمة أدخلت معطيات لم تكن موجودة وقتها. وينبغي أن نأخذ بالاعتبار الفروقات الهائلة ما بين التجارب المدروسة وظروفها ولاعبيها، والمقاومة التي تتمتع بها الدول العميقة والنظم السلطوية، كما هشاشة الديموقراطيات الشابة الناشئة التي يمكن أن تتراجع بسرعةٍ فائقة، لأسبابٍ اقتصادية أو سياسية أو غيرها، كالحرب الأهلية أو الاستبداد. كما ينبغي فهم أسباب صمود الأنظمة الاستبدادية القائمة على الانتخابات الحرة والأجهزة الاقتصادية والسياسية التي تجعل هذه المفارقة ممكنة. من هنا تحاول نظرية الأنظمة الهجينة التركيز على فهم المفارقات واستقرارها، التي تعصف بالأنظمة الناتجة عن التحوّل الديموقراطي وميكانيزمات عملها، كما تحاول طرح الأسئلة الصحيحة حول عمل هذه الأنساق السياسية والاقتصادية ودينامياتها[9].

ونلاحظ أن كل النظريات المتعلقة بالتحوّل الديموقراطي أهملت العالم العربي وتجاهلته، إلى درجة سادت معها القناعة بأن هذا العالم لا يتفق مع مفهوم الديموقراطية الحديثة، ومحكوم عليه أن يقبع تحت الاستبداد لفترةٍ طويلة ممتدة. وسبب هذا الإهمال أنه وبكل بساطة، بقي هذا العالم العربي خارج الموجات الديموقراطية الأربع المتتالية خلال القرن العشرين، بحسب تصنيف صموئيل هانتنغتون. لكن بالنسبة لغسان سلامة لا يشكل العالمان العربي والإسلامي استثناءً عالميًا في مجال الديموقراطية، وتمركز الأنظمة السلطوية فيه لا يعود إلى عوامل باطنية بل إلى تراكم عوائق يمكن أن نجد مثلها في آسيا الوسطى أو الشرق الأقصى على سبيل المثال[10]. وهذه العوائق مرتبطة بالظروف الثقافية ودور الدين في السياسة، وأخرى مرتبطة بالاقتصادات الريعية وسط العولمة وهيمنة الأجهزة الأمنية على الدولة ناهيك الأوضاع الدولية والإقليمية.

مهما يكن من أمر فإن ما جرى منذ بداية العام 2011 والذي فاجأ المراقبين والفاعلين السياسيين دل على أن الشعوب العربية كغيرها تتطلع إلى الحرية والديموقراطية، وبالتالي فلا استثناء عربي في هذا المجال. كل ما هناك أن هذه الشعوب تأخرت بعض الشيء قبل أن تحاول استكمال المسار الديموقراطي الذي يسير فيه العالم بشكل حثيث عبر موجات متتالية الواحدة تلو الأخرى.

انطلق هذا المسار العربي من تونس وكانت شرارة الثورة الشعبية حادثة احراق الشاب التونسي محمد البوعزيزي لنفسه في 18كانون الأول 2010. بالطبع كان هناك تراكم من أسباب عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها انفجرت في لحظة لتحدث طوفانًا شعبيًا أسقط الرئيس وانفتح مسار التحوّل نحو نظام جديد. وانطلقت العدوى من تونس لتصيب دولًا عربية أخرى. لكن المشكلة أن التحوّل المنشود أنتج حروبًا أهلية وإقليمية في ليبيا واليمن وسوريا وتراجع منسوب الحريات في دول أخرى. لذلك تشكل التجربة التونسية نموذجًا للتحوّل الديموقراطي بالمقارنة مع الدول العربية الأخرى.

تكلم علماء الترانزيتولوجيا في تحليلاتهم للتحوّل الديموقراطي في أميركا اللاتينية وأفريقيا وأوروبا الشرقية والوسطى عن عوامل داخلية، وأخرى خارجية تساعد عملية التحوّل أو تعيقها. كان هناك رأيان أحدهما يقول إن التحوّل هو من صميم الشؤون الداخلية في حين يقتصر الدور الخارجي إن وُجِد، على المساهمة في توفير بيئة مؤاتية أو غير مؤاتية للتحوّل. أما الرأي الثاني فيقول إن تحقّق الديموقراطية يعتمد على جهات فاعلة خارجية، أكثر مما يعتمد على العوامل السياسية والاجتماعية. ويذهب صموئيل هانتنغتون في المبالغة إلى حد القول إن "الديموقراطيات تُبنى بمسببَين وليس بأسبابٍ"[11] وهو يميز، بالمناسبة، ما بين اللبرلة أو التحوّل الليبرالي والدمقرطة أو التحوّل الديموقراطي، على الرغم من ترابط العمليَتين ضمن مسار الإصلاح السياسي الجاري[12].

فما هي هذه العوامل الخارجية والداخلية في الحالة التونسية؟ وهل يمكن الكلام بالفعل عن عملية تحوّل ديموقراطي اكتملت وتم ترسيخها، أم أن الديموقراطية الناشئة تبقى هشة وعرضة للانتكاسة، وبالتالي العودة إلى الوراء التعسفي والاستبدادي؟

 

ثانيًا: الدور الخارجي في التحوّل الديموقراطي التونسي

ليس المطلوب دراسة مواقف الدول والقوى الإقليمية والعالمية من "ثورة الياسمين"، بقدر ما ينبغي تسليط الأضواء على تلك التي لمواقفها تأثير مباشر على مسار التحوّل الديموقراطي التونسي سلبًا أو إيجابًا، بمعنى القدرة على إعاقته إن شاءت أو مساعدته. تأتي فرنسا في طليعة هذه الدول نظرًا إلى العلاقات التاريخية، السياسية، الاقتصادية، الثقافية والقرب الجغرافي بين البلدَين، والولايات المتحدة القوة الأعظم، التي كان لمواقفها من مسارات تحوّل ديموقراطي في العالم، تأثير كبير بل ومقرر في غالب الأحيان.

  1- الموقف الفرنسي

يرتبط البلدان بعلاقاتٍ وثيقة جدًا منذ استقلال تونس عن فرنسا في العام 1956. وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة عادة للأنظمة التسلطية في صفوف الإعلاميين والمثقفين، حرصت الحكومات الفرنسية، اليمينة منها واليسارية، على تعزيز العلاقات مع النظام التونسي. وفي معرض رده على انتقادات المنظمات غير الحكومية الناشطة في مجال حقوق الإنسان التي اتهمته بحماية الدكتاتوريات، قال الرئيس شيراك في زيارة له لتونس بحضور مضيفه بن علي في 4/12/ 2003: "إن أول حقوق الشعوب هو الحق بالأكل"[13].

نشبت الثورة الشعبية التونسية في عهد خلفه نيكولا ساركوزي. في بدايتها رفض التعليق على مجرياتها، إلا أن وزيرة خارجيته ميشيل أليوت-ماري، كانت في زيارة رسمية لتونس برفقة وزير العلاقات مع البرلمان باتريك أولييه، مددتها بإقامةٍ عائلية بدعوةٍ من بلحسن طرابلسي المقرب من الرئيس بن علي[14]. وعندما عادت إلى باريس، وفي خضم الانتقادات الموجهة لها، قالت أمام الجمعية الوطنية:"إن على فرنسا أن تساعد أجهزة الأمن التونسية التي ينقصها الاحتراف في مهمة الحفاظ على الأمن"[15]، أي على فرنسا مساعدة النظام التونسي على قمع المتظاهرين. أثار كلامها عاصفة من التنديد في صفوف اليمين واليسار على حد سواء، إذ ارتفعت أصوات تطالبها بالاستقالة أو التقدم باعتذارٍ علني. وقد ندد الحزب الاشتراكي المعارض بـالسكوت المذنب للسلطات الفرنسية حيال ما يجري في تونس، واستهجن طلب الوزيرة إرسال معدات أو قوات أمنية لدعم النظام في تونس[16]. وإزاء هذه الاحتجاجات، اضطر ساركوزي إلى إقالة الوزيرة واستبدالها بألان جوبيه الذي توجه فورًا إلى تونس، وكان بن علي قد لاذ بالفرار ورفضت باريس منحه اللجوء السياسي، وأكد دعمه للشعب التونسي الناضج للديموقراطية.

موقف أليو-ماري لم يكن وحيدًا، فقد دافع وزير الزراعة برونو لومير عن بن علي، وقال وزيرالثقافة فريدريك ميتران بأنه "من المبالغة المفرطة القول بأن تونس بلد دكتاتوري"[17]. لكن بعد سقوط بن علي، توجه برسالةٍ إلى الشعب التونسي يعلن فيها تعاطفه معه وإعجابه به، وأبدى أسفًا على مواقفه السابقة من النظام[18]. من جهته، كان سفير فرنسا في تونس بيار مينا على قناعة وبقي عليها حتى اللحظة الأخيرة بأن بن علي سوف يستعيد زمام المبادرة، وطلب من حكومته بأن تتفادى انتقاده علنيًا، بل أن تسعى لفتح حوار بنّاء معه[19]. وربما لهذا السبب قررت هذه الحكومة استبداله، في 26 كانون الثاني 2011 بالدبلوماسي بوريس بوايون[20].

في 24 كانون الثاني 2011، عقد الرئيس ساركوزي مؤتمرًا صحافيًا امتدح فيه روابط الأخوة والصداقة مع الشعب التونسي، عارضًا المساعدة السياسية والاقتصادية لـلديموقراطية الناشئة، مبررًا عدم تدخّله في الشؤون الداخلية التونسية بالعلاقة الخاصة وشديدة الحساسية بين المستعمر القديم والبلد الذي بات مستقلًا[21]. وفي السنة المتبقية من عهده، اتخذ مواقف مؤيدة للتحوّل الديموقراطي التونسي ولكل الثورات الشعبية التي اعتبرها لحظات تاريخية، وتشهد تحوّلًا في اتجاه الحرية والديموقراطية في منطقة مجاورة ومهمة جدًا لفرنسا، المعنية تمامًا بنجاح ثورات الشعوب العربية[22].

وصل الرئيس فرانسوا هولاند الاشتراكي إلى الأليزيه في أيار 2012، بعد مواقف مؤيدة للشعب التونسي اتخذها قبل سقوط بن علي وبعده، وبالتالي كان متخلصًا من أي إحراج. وكان مسار التحوّل التونسي في أوجه، وفرنسا ناشطة رسميًا وعبر أحزابها ومجتمعها المدني ومثقفيها في دعم هذا التحوّل.

قام هولاند في تموز2013 بزيارة دولة تونس، والتقى الرئيس المنصف المرزوقي ورئيس الحكومة علي العريض الذي ينتمي لحزب النهضة الإسلامي .وقد انتقدته المعارضة الفرنسية التي اعتبرت أنه بذلك يقدّم دعمًا للحكومة الإسلامية، لذلك لم يلتق زعيم النهضة راشد الغنوشي، ولم يصطحب معه رئيس الوزراء  مانويل فالس الذي سبق وندد بالفاشية الإسلامية في تونس[23]. ألقى هولاند خطابًا أمام المجلس التأسيسي التونسي، الذي كان قد تأخر في عملية صياغة الدستور الجديد، وتعرّض للانتقادات بسبب ذلك. وبرر له هولاند هذا التأخير بالقول "إن التحوّل بعد حقبة من السلطوية يبقى صعبًا. المهم أن تبرهن فرنسا بأنها إلى جانب تونس في تطورها وتحوّلها ومسارها من دون تدخّل في شؤونها الداخلية. ليس علينا أن نقول للتونسيين ما ينبغي عمله، ولكن علينا الكشف عن المبادئ التي تجمعنا، والقيم التي نحملها، والمعنى الذي نعطيه للربيع العربي الذي ولد في تونس"[24]. هدفت الزيارة إلى تشجيع التحوّل الديموقراطي في هذا البلد الرائد للربيع العربي. ومن الطبيعي أن تقدّم فرنسا دعمها لهذا البلد الذي يسعى للتحديث، كما عبّر أحد مرافقي هولاند الرسميين[25]. وقد تضمنت الزيارة دعمًا اقتصاديًا في وقت تجتاز فيه تونس أوضاعًا اقتصادية صعبة، بسبب أزمة منطقة اليورو وعدم الاستقرار السياسي. فالنمو يتراجع فيها، والبطالة وصلت إلى 17% على الأقل، والاستثمارات تتراجع، والتضخم يصل إلى أعلى مستوى له منذ أعوام عديدة. في هذا الظرف، قدّم صندوق النقد الدولي برنامجًا بقيمة 1.7 مليار دولار في بداية حزيران 2013، شريطة تطبيق برنامج إصلاحات. وكون فرنسا هي الشريك التجاري الأول لتونس، لذلك تعتمد عليها هذه الأخيرة كثيرًا. فرنسا تستورد من تونس بقيمة 3.7 مليار دولار وتبيعها ما قيمته 3.6 مليار دولار( أرقام العام 2011). وهناك 1300 شركة فرنسية في تونس توظف حوالى 125 ألف تونسي. لذلك اصطحب هولاند معه أربعين مدير شركة، وتم التوقيع على حوالى عشرين اتفاق تجاري. وفي مجال السياحة التي تمثّل 7%من الناتج الداخلي الإجمالي وتستخدم 15% من القوى العاملة، ورغم الظروف الأمنية القاسية التي تجتازها، فقد أعلنت باريس بأن الشواطئ التونسية مناطق ذات مخاطر أمنية متدنية[26].

بدوره سار الرئيس ماكرون على النهج نفسه في علاقة مع تونس تدعم تقدّمها نحو الديموقراطية بالأقوال أكثر منه بالأفعال، فمساعداتها الاقتصادية بقيت من دون أثر يذكر على المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت إلى حد تهديد المسار الديموقراطي نفسه. والهم الذي طالما حكم الدبلوماسية الفرنسية هو خدمة مصالح شركاتها وتعزيز موقفها التنافسي أمام نظيراتها الأجنبية. وقد قام ماكرون بزيارةٍ رسمية لتونس في 1/1/ 2018 على خلفية انعقاد المنتدى الاقتصادي الفرنسي-التونسي الأول والذي كان قد وعد بتكريس 1.2 مليار يورو من المساعدات لبعض القطاعات التونسية وأضاف إليها ماكرون 500 مليون للسنتَين المقبلتَين ووعود بمضاعفة الاستثمارات الفرنسية في تونس في السنوات الخمس المقبلة، وهي أرقام تبقى ضعيفة في نظر الخبراء الذين طالبوا بإلغاء 800 مليون يورو من الدين التونسي الذي يشكل 70% من الناتج الداخلي الإجمالي لمساعدتها على الخروج من أزمتها الاقتصادية المستعصية[27]. وقد وقعت عشر منظمات غير حكومية تونسية عريضة نشرتها خلال زيارة ماكرون تتهم فرنسا بأنها لا تفعل شيئًا يتخطى إعلانات الدعم والصداقة والتخبط ما بين القيم والمصالح[28].

يمكن القول في المحصلة إن الموقف الفرنسي المؤيد للنظام التونسي، بمعزلٍ عن سلوكه حيال حقوق الإنسان كونه يشكل ضمانة للاستقرار، تحوّل بفعل فرار بن علي وتغيّر الظروف والمعطيات التي فرضت نفسها على الحكومات الفرنسية المتعاقبة التي باتت إلى جانب التحوّل الديموقراطي مع بقاء التوجّس من وصول الإسلاميين إلى السلطة. من الصعوبة بمكانٍ القول إن فرنسا أدت دورًا مهمًا في نجاح التحوّل التونسي، لكنها على الأقل لم تحاول إعاقته، وفرضت عليها المصالح والواقعية السياسية أن تقف إلى جانبه.

 

2- الموقف الأميركي

يصعب تجاهل الموقف الأميركي لدى دراسة التحوّل الديموقراطي في بلد في العالم مهما كان قريبًا أو بعيدًا، فالتاريخ يثبت بأن واشنطن لها على الدوام دور مباشر أو غير مباشر في دعم أو إعاقة التحوّل الديموقراطي. وهي التي كانت وراء التحوّل في أوروبا الشرقية والوسطى، وعملت عليه خلال الحرب الباردة وبعدها. كذلك في أميركا اللاتينية كانت على الدوام وما تزال تتدخل في عمل الأنظمة السياسية وتعمل على تغييرها، إذا كانت معارضة لها، أحيانًا بالقوة وبالانقلاب العسكري، كما تقدّم لها كل أنواع الدعم إذا كانت موالية لها، وذلك بمعزلٍ عن مواقف هذه الأنظمة من الحريات والديموقراطية وحقوق الإنسان. بالنسبة لتونس التزم الرئيس أوباما الصمت حيال الأحداث التي اندلعت غداة إحراق محمد البوعزيزي نفسه، إذ ألقى خطابًا خصصه للسياسة الخارجية من دون أن يتفوه بكلمةٍ واحدة عن هذا الحدث الجلل. لقد كان واضحًا بأن الإدارة الأميركية فوجئت بتسارع الأحداث[29]، على الرغم من أن أوباما كان قد أرسل مذكرة عن "الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا" في آب 2010، حول إمكانات التمرد في المنطقة بعد فشل "الثورة الخضراء" في طهران في حزيران 2009. في هذه الوثيقة تدرس الإدارة استراتيجيات الإصلاح السياسي بلدًا بلدًا في المنطقة[30]. رغم ذلك فشلت السي آي إيه في تقديم توقعات للإدارة حول ما سيحدث في تونس ومصر[31]، في حين أن المجتمع المدني والمنظمات الدولية تبنوا على الفور نظرة تضامنية حيال "الثورة عارية اليدين"[32].

لقد تبنت واشنطن الحذر والترقب مع علمها المسبق بالمشكلات الاقتصادية والسياسية في تونس ومصر وحالة الغليان الشعبي فيهما، كما تشهد برقيات ويكيليكس ومنها واحدة في 17 تموز 2009، تتكلم عن هشاشة وضع نظام بن علي وبأن المصلحة الأميركية تقتضي التراجع عن دعمه[33]. فلطالما فضلت واشنطن استقرار الأنظمة الدكتاتورية على بدائل أصولية إسلامية محتملة أو أخرى معادية لها، كما تكشف إحدى البرقيات الدبلوماسية في أيار 2009 التي وصفت حسني مبارك بأنه ضمانة ضد التطرف الديني وصعود الإخوان المسلمين[34].

وإذا كانت الانتفاضة التونسية لا تشكل تهديدًا حقيقيًا للمصالح الأميركية، فالحالة المصرية مختلفة نظرًا لموقع مصر وأهميتها وعلاقاتها الاستراتيجية بواشنطن واتفاقية السلام التي تربطها بإسرائيل. في تونس لاذ بن علي بالفرار في14كانون الثاني بشكلٍ مفاجئ، أما في مصر فاستمر التصعيد فترة أطول ومعه الترقب الأميركي.

وقد أدت واشنطن دورًا في إقناع نظامَي بن علي ومبارك بعدم اللجوء المفرط للقوة، فقائد الأركان التونسي الجنرال رشيد بن عمار مقرب منها، وتخلّيه عن دعم بن علي ساهم في دفعه إلى الفرار. وعندما أمر بن علي بقطع الإنترنت، تدخلت الخارجية الأميركية، واستدعت السفير التونسي في واشنطن لتطلب منه وقف العنف ضد المتظاهرين، وإعادة الإنترنت وصون الحريات[35]. وعندما سقط بن علي توجه أوباما بالتهنئة للشعب التونسي على شجاعته وكرامته وكفاحه من أجل الحقوق الكونية، مضيفًا بأن ثقته كبيرة بأن مستقبل تونس سيكون أفضل، داعيًا إلى إجراء انتخابات ديموقراطية نزيهة في القريب العاجل تعكس تطلعات الشعب التونسي[36].

ألقى أوباما خطابًا في 19أيار 2011، وضعه في استمرارية خطاب القاهرة قبل ثلاث سنوات، تكررت فيه كلمات مثل التحوّل، التغيير ،الحرية وغيرها، مع تحية إلى الشباب التونسي والمصري الذي أطلق حركة من أجل التغيير باسم إرادة الحرية التي انبَنَت طيلة سنوات[37]. وفي 22حزيران، استقبل أوباما في البيت الأبيض مواطنَين عاديَين من المتظاهرين واحد تونسي والآخر مصري، ليقدّم لهما درع الديموقراطية، ويكرر التزامه بدعم الحقوق الكونية لكل شعوب المنطقة[38] وذلك بعد أن أقر مساعدات اقتصادية ومالية مهمة للبلدَين، وطلب من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وجماعة السبعة والاتحاد الأوروبي مساعدة الاقتصادَين التونسي والمصري على الثبات والاستقرار في المرحلة المقبلة.

تشكلت حكومة مؤقتة في تونس برئاسة الباجي قائد السبسي، أحد قدماء النظام، وتم تعيين لجان ومجالس لصياغة دستور جديد، وتنظيم انتخابات برلمانية انتهت بحصول حزب النهضة الإسلامي على الأغلبية، وفي 23/10/2011، تم انتخاب المنصف المرزوقي رئيسًا للجمهورية، أما في 21/12/2011، فكلّف الرجل الثاني في حزب النهضة حمادي جبالي تشكيل الحكومة، الذي وافق على عدم وضع الشريعة الإسلامية في صلب الدستور. ولم يخلُ العامَين 2011و2012 من الاضطرابات، ففي 14 أيلول 2012، هوجمت السفارة الأميركية ومدرسة أميركية في تونس، على الرغم من جهود الرئيس مرزوقي التأكيد على أفضل العلاقات مع واشنطن إلا أن هذه العلاقات أصيبت بفتورٍ كبير[39].

لقد انقسم الأميركيون بين من رأى وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة فرصة ستدفعهم إلى الاعتدال والمرونة ومواجهة التطرف الإسلامي، على أساس أن المعارضة شيء والحكم شيء آخر، ومن خشِيَ من أخونة الربيع العربي وسن قوانين مناهضة للمرأة والحريات، على أساس أن الإسلام لا يتفق مع الديموقراطية. فكانت مواقف أوباما تعكس هذا الانقسام، فتبدو مترددة وغير قادرة على الحسم.

في تونس كان الوضع أقل اضطرابًا من مصر، على الرغم من أعمال العنف التي سادت في العام 2013، حيث قُتل ثمانية جنود في جبل الشعانبي على يد جماعات إرهابية تمركزت فيه، واغتيال المعارض العلماني شكري بلعيد، في 6 شباط ثم النائب المعارض محمد براهمي في 25 تموز وإعلان الحكومة الرسمي بأن جماعة أنصار الشريعة إرهابية. لكن في مواجهة الأزمة الأمنية والسياسية، أعلن زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي عن خارطة طريق للخروج من الأزمة يتعهد فيها حزبه بالتخلي عن السلطة ذلك أنه "بين السلطة والديموقراطية نفضل هذه الأخيرة لأنه عن طريقها يمكن أن نعود إلى السلطة" كما أعلن. وفي 9/1/2014 استقالت الحكومة، وتم تكليف المستقل مهدي جمعة تشكيل حكومة وفاق وطني قبل أن يستقبله أوباما في البيت الأبيض في3/4/2014، مهنئًا تونس على التحوّل الديموقراطي، ومؤكدًا على الشراكة الاستراتيجية معها وواصفًا إياها بـالنموذج، وواعدًا بتقديم المزيد من المساعدات الاقتصادية والمالية، وتسهيل دخولها إلى الأسواق المالية الدولية. وفي 26/1/ 2014، تم تبنّي دستور جديد يضم كل الحريات الأساسية، وبعدها انتخاب زعيم حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي رئيسًا للجمهورية، والذي سارع أوباما إلى تهنئته مع الوعد بتوثيق عرى العلاقات والشراكة الاستراتيجية بين البلدَين.

وهكذا يكون موقف أوباما حيال الثورة التونسية قد تميز بالبراغماتية والوقوف في الوسط. وفي 28أيار 2014 في خطابه في أكاديمية وست بوينت العسكرية شرح بأن دعم الديموقراطية وحقوق الإنسان في العالم ليست مسألة مثاليات ولكن رهان أمن قومي[40]. ما يعني بتعبير آخر أنه ينبغي دعم هذه القيم فقط إذا اتفقت مع مصالح الأمن القومي.

في تونس كانت الأمور أقل صعوبة بالنسبة لأوباما ليس لأن هذا البلد أقل أهمية استراتيجية للولايات المتحدة من مصر فحسب، ولكن لأن الشعب هناك هو الذي أطاح بالحكومة التي تزعمها الإسلاميون وليس الجيش كما في الحالة المصرية. وصحيح أن أعمال عنف واضطرابات رافقت عملية الانتقال السياسي في تونس إلا أنها بقيت أقل خطورة ولم تحدث تغييرات استراتيجية عميقة في المشهد الإقليمي نظرًا لبعد تونس عن إسرائيل وعدم ارتباطها معها بمعاهدة أو مفاوضات سلام.

في المحصلة يمكن القول بأن إدارة أوباما نجحت، عبر اتخاذها هذه المواقف من الثورات العربية، في التأكد من أن الأنظمة الجديدة الناجمة عنها في تونس ومصر سوف تستمر في العمل مع الولايات المتحدة، تمامًا كما كانت عليه الأمور في السابق[41]. في تونس بقي تحالف الجيش مع واشنطن وهو الذي ساهم في دفع بن علي إلى الفرار وتسلم السلطة رجال آتون، أو بعضهم على الأقل، من زمن بورقيبة وبن علي وفي طليعتهم رئيس الجمهورية نفسه السبسي دونما معارضة من التونسيين الذين فضلوا ذلك على الفوضى التي قد تحل نتيجة تنامي نفوذ الاسلام الراديكالي والحركات العنفية.

 

ثالثًا: المسار الداخلي

انقسم هذا المسار إلى ثلاث مراحل: الأولى كانت عبر فرار بن علي وبقاء نظامه، والثانية قادها المجلس التأسيسي وصولًا إلى المرحلة الثالثة التي انتهت بإقرار دستور العام 2014 وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية. وأدت قوى عديدة في هذا المسار أدوارًا تراوحت بين العرقلة ودفع العملية الديموقراطية إلى الأمام في اتجاه تكريسها .من هذه القوى المؤسسات العسكرية والمدنية والسياسية والإعلامية.

  1- دور الجيش

بقي الجيش بعيدًا عن السياسة قبل الثورة، وعلى عكس الدول العربية الأخرى اكتسبت تونس تقليدًا طويلًا من وزراء دفاع مدنيين. وقد اعتمد بن علي على جهاز بوليسي متضخم ومافيوي على حساب جيش يفتقد إلى السلاح والعتاد الملائمَين، وينتشر على مساحة البلد والحرس الجمهوري في غياب التهديدات الخارجية. وبسبب بُعده عن السياسة والفساد، اكتسب الجيش ثقة المواطنين واحترامهم. وكان على علاقة ممتازة بفرنسا ثم بالولايات المتحدة، ما جعله يتأثر بالمعايير والقواعد القانونية الغربية، الأمر الذي انعكس على علاقته بالمدنيين في بلاده.

وإذا كانت القوات المسلحة تمثل غالبًا الحل الأخير للنظام الأوتوقراطي في مقاومته للحركة الديموقراطية، فإنّ رفض قائد الأركان الجنرال رشيد بن عمار إعطاء قواته الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، قد ساهم بشكلٍ مؤكد في تشجيع هؤلاء على التصعيد تحديدًا في العاصمة تونس، والتي ضاقت بالمظاهرات الحاشدة في 12 و13 و14 كانون الثاني 2011، والتي شاركت فيها كل أطياف الشعب التونسي. وقد فر بن علي بعد أن خشِيَ من أن ينتهي انحياز الجيش للثورة إلى تنظيم انقلاب عسكري يطيح به. وقد انتشرت صور التونسيين يقدّمون الورد إلى الجنود، ما أعطى الثورة سمة "ثورة الياسمين".

وعلى الرغم من انتشار شعارات مثل "نريد رشيد عمار رئيسًا للجمهورية" و"الرجل الذي قال لا" وغيرها، فقد رفض الرجل الدخول في عالم السياسة، وبقي الجيش حاميًا للثورة سواء عبر مواجهة الإرهاب لاسيما في جبل الشعانين، أو في حماية الأمن الداخلي المهدد من قبل أعداء الثورة

وقد استمرت استطلاعات الرأي في الكشف عن ثقة التونسيين بجيشهم. على سبيل المثال نشرت جريدة الشروق التونسية في 29/1/2014 استطلاعًا للرأي، أوضح أن المؤسسة العسكرية نالت أعلى درجة ثقة بنسبة 76%، بينما نال الحرس الوطني نسبة ثقة بلغت 37% والشرطة 30%[42].

 

  2- النخب السياسية

عانت المعارضة، لاسيما الإسلامية منها، من القمع والاضطهاد في عهدَي بورقيبة وبن علي، ولم تكن جاهزة لاستلام السلطة بعد نجاح الثورة الشعبية رغم مشاركتها فيها، ما أتاح لرجال العهد القديم البقاء في مواقع القرار مستخدمين الشعارات والمزايدات الثورية. هؤلاء بحكم تجربتهم الطويلة في السلطة حاولوا مصادرة الثورة وتحويل مسارها، في مقابل نخبة جديدة عجزت عن تعبئة الشارع لمصلتحها بسبب افتقارها للتجربة والخلافات التي دبت بين أركانها، وهي خلافات أيديولوجية وسياسية وعلى المناصب والنفوذ في غياب شخصية قيادية كاريزماتية قادرة على قيادة التحوّل[43].

هذه الخلافات احتدمت داخل التيار الإسلامي (بين حزب النهضة والسلفيين على سبيل المثال) وبينه وبين التيارات العلمانية، والتي كانت بدورها منقسمة ما بين عروبيين واشتراكيين ووطنيين. واشتدت وطأة هذه الخلافات مع فوز حزب النهضة بأغلبية مقاعد المجلس التأسيسي[44] ولدى مناقشة بنود الدستور الجديد في أواخر العام 2011، امتدت طيلة المرحلة الانتقالية وبالتزامن مع الانتخابات البرلمانية والرئاسية في خريف العام 2014، وتصاعد الاستقطاب الحاد ما بين العلمانيين عمومًا وحزب النهضة الإسلامي في غياب برامج ورؤى واضحة لمواجهة الأزمة الاقتصادية المستفحلة، والتي تكاد تطيح بعملية التحوّل الديموقراطي. اعتبر حزب النهضة أن حزب نداء تونس بقيادة الباجي قائد السبسي (تقلّد وزارتَي الداخلية والخارجية في عهدَي بورقيبة وبن علي ورئاسة مجلس الشعب في عامَي 1991 و1992) يشكل عودة مقنعة للنظام البائد وحزب التجمع المنحل. في المقابل، اعتبر حزب نداء تونس وغيره من الأحزاب العلمانية أن فوز النهضة يمثّل فوزًا للتطرف، ولعب الجميع على مخاوف الجماهير أكثر من السعي لتحقيق مطالب الثورة، وحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية[45].

وقد نشر فوز نداء تونس المخاوف من عودة النظام القديم ليس فقط بسبب ماضي رئيسه، ولكن أيضًا لأنه ضم نشطاء سابقين من حزب التجمع الذي كان حاكمًا في حقبة بن علي. لكن سرعان ما دبت الخلافات في جسم نداء تونس الذي انقسم إلى جناحَين، يقود أحدهما حافظ السبسي نجل الرئيس، وثانيهما الأمين العام محسن مرزوق اليساري التوجه. وامتدت الخلافات إلى الكتلة البرلمانية التي شهدت انشقاقات واستقالات من الحزب[46].

كذلك عصفت الصراعات بالإسلاميين بين النهضة والسلفيين وداخل النهضة، واستقال حمادي جبالي من رئاسة الحكومة الانتقالية ومن مركز نائب الرئيس.

في هذه المرحلة الانتقالية، ولدت أحزاب وانقسمت أخرى على نفسها أو اختفت، وقد وصل عدد الأحزاب والقوى السياسية إلى حوالى المئتَين. وكادت الخلافات تعصف بكل عملية التحوّل لولا نجاح مبادرات مؤسسات المجتمع المدني في قيادة جلسات حوار بين هذه الأحزاب، التي اضطرت لتقديم تنازلات في سبيل إنجاح المسار الديموقراطي. تحت الضغوط الدولية والشعبية، اضطر حزب النهضة إلى تقديم تنازلات مؤلمة خاصة على مستوى قواعده، والمتعاطفين معه من أجل إنجاح مسار التوافق والحوار الوطني. كما أعلن رئيسه راشد الغنوشي بأن مصلحة البلاد والحركة تقتضي التنازل عن الحكومة التي كان يرأسها[47]. وقد برر ذلك أمام مؤيديه بالقول إن"حزب النهضة لم يخرج من الحكم نظرًا لوجوده القوي في المجلس التأسيسي مصدر السلطة في هذه المرحلة".

 

  3- دور مؤسسات المجتمع المدني

في سبعينيات القرن المنصرم، نشأت عدة مؤسسات للدفاع عن حقوق الإنسان، لكنها كانت إما تابعة لرئاسة الجمهورية مباشرة وإما تحت نفوذها. وبعد العام 1987، نشأت حوالى الستين جمعية أدت أدوارًا فاعلة في المجالات الصحية، الرياضية، النسائية، الاجتماعية، إلخ... لكنها عانت من تدني الموارد والرقابة الحكومية المشددة.

بعد الثورة برز دور بعض هذه الجمعيات بالإضافة إلى أخرى مستجدة، لاسيما في مرحلة صياغة الدستور والانتخابات بين العامَين 2011 و2014، وتأسست شبكة من مؤسسات المجتمع المدني أطلقت على نفسها اسم "مرصد شاهد"[48] بهدف مراقبة العملية الانتخابية ورعايتها، وشاركت في إعداد مشاريع القوانين المتعلقة بتمويل الحملات الانتخابية والآليات والإجراءات الكفيلة بتحقيق نزاهتها، والوقاية من التعذيب والعدالة الانتقالية، ونظّمت سلسلة من الندوات حول مشروع الدستور والنقاط الخلافية فيه. وقد شاركت حوالى ثلاثماية منظمة وجمعية من المجتمع المدني في الحوار، حول الدستور والقوانين المتعلقة بحق التجمع والتعبير والحصول على المعلومات، وفي مراقبة الانتخابات التشريعية والرئاسية[49].

وإزاء انسداد الأفق السياسي الذي كاد يدفع البلاد إلى الاقتتال الداخلي أو أقله التجربة المصرية، أمسكت مؤسسات المجتمع المدني بالمبادرة، فأطلقت حوارًا شاملًا بين القوى السياسية. فقد أعدت الرباعية، المؤلفة من الاتحاد التونسي للشغل، اتحاد أرباب الأعمال، الرابطة التونسية لحقوق الإنسان ونقابة المحامين، خارطة طريق تضمنت عدة نقاط إجرائية، ومبادىء أساسية للحوار ومضامينه وأهدافه، بهدف إيجاد أرضية مشتركة يقف عليها الجميع من أجل التوصل إلى حل المسائل الخلافية[50].

كان المسار الحواري محفوفًا بالصعوبات والعوائق واحتدمت النزاعات بين أطرافه التي انسحب بعضها منه، إلى درجة أن أمين عام الاتحاد التونسي للشغل صرّح، بعد أن لجأ الرباعي مجبرًا إلى آلية التصويت بسبب استحالة الوفاق، بالقول إنه "بعد أن أصبح الوفاق عملية مستحيلة، كان على الرباعي إنقاذ الموقف والخروج بالبلاد من أزمتها بحلٍ ليس فيه توافق، أو نسلم الأمر إلى اللـه ونعلن فشل الحوار ونترك البلاد لرب يحميها"[51]. لقد كان على مؤسسات المجتمع المدني فك العقد الواحدة تلو الأخرى، فتمكنت بداية من تحقيق توافق حول شخصية مستقلة لرئاسة الحكومة الجديدة، وبعض فصول الدستور الخلافية والقضايا التنظيمية والتقنية، مثل انتخاب الهيئة العليا للانتخابات، تحديد تاريخ استقالة حكومة علي العريض، مواعيد الانتهاء من صياغة الدستور ومواعيد الانتخابات المقبلة، وغيرها،....[52] وبفضل الرباعي تم الاتفاق على الدستور الجديد الذي كان من أهم المعضلات، التي أطالت الفترة الانتقالية، وأدخلت البلاد في نفق مظلم، وأضرّت بالأمن والاقتصاد. وبموجب خارطة طريق الرباعية، تم إقرار المسودة الأخيرة من الدستور في كانون الثاني 2014، وبموجبها استقالت حكومة الترويكا لتحل مكانها حكومة تكنوقراط، ما أفسح المجال أمام الانتخابات التشريعية والرئاسية في آواخر العام المذكور.

وهكذا يمكن القول إن مؤسسات المجتمع المدني التونسي أثبتت ريادتها في مسار التحوّل الديموقراطي، فأنقذته من مصير كان محتومًا لو تُرك في أيدي السياسيين. وقد توّج نجاح هذه المؤسسات (الرباعية تحديدًا) بنَيلها جائزة نوبل للسلام في 9/10/2015 بالعاصمة النروجية.

 

4- دور وسائل الإعلام

بعد هروب بن علي زالت هيمنة النظام على الإعلام الذي بات فضاؤه مفتوحًا على كل الأفكار والأيديولوجيات، إذ تحرر من التراخيص والإجراءات البيروقراطية ورقابة وزارة الداخلية وأجهزة الاستخبارات. وهكذا عرفت تونس طفرة إعلامية غير مسبوقة، وتجاوز عدد وسائل الإعلام المسموعة الخمسين إذاعة، ومحطات التلفزة خمس عشرة، والصحف المطبوعة حوالى المئتين، كما أضحت المواقع الإلكترونية بالمئات[53]. وقد شرعت الحكومة الأولى بعد الثورة في إجراء إصلاح شامل للقطاع الإعلامي، عبر إلغاء وزارة الإعلام وكل السمات القمعية للقوانين القديمة، وإصدار مراسيم لضمان حرية التعبير وحركة المعلومات، حرية الصحافيين في الوصول إلى المعلومات والمصادر السرية وحمايتهم من الابتزاز والاعتداءات[54]. وقد دخلت هذه المراسيم لاحقًا في صلب الدستور التونسي الجديد.

هذا لا يعني أن الإعلام التونسي عمومًا تحلّى بالموضوعية والرصانة حيال الأحداث، بل على العكس كان هناك تفلّت إعلامي واتهامات متبادلة، وتشهير وعودة للثقافة القديمة. وقد صدرت تقارير لمؤسساتٍ مثل "المجموعة العربية لرصد الإعلام"، "المجلس الوطني للحريات بتونس"، "شبكة تحالف من أجل نساء تونس"، وغيرها... تتهم الإعلام التونسي بأنه يؤدي دورًا تحريضيًا، وبعض وسائله تحوّلت إلى أبواق حزبية تروج لخطاباتٍ تخوينية وبعضها يدعو إلى العنف[55].

هذه الفوضى الإعلامية ليست بالأمر الغريب في مرحلة تحوّل انتقالي يتدخل فيها المال السياسي والسفارات الأجنبية والمتضررون من الثورة. لكن الوجه الآخر للعملة هو أن الإعلام ساهم، من خلال التنافس المهني على الأقل، في إشاعة مناخ من الحريات والنقاش العام حول المسائل المطروحة، والرقابة على الفاعلين في عملية التحوّل، وبذلك تحقّق أهم مطالب الثورة وهو حرية التعبير.

 

الخاتمة

منذ استقلالها في العام 1956، ورغم الطبيعة السلطوية للنظام الحاكم، نشأت في تونس مؤسسات حديثة وطبقة وسطى فاعلة وقوانين أحوال شخصية أقرب إلى العلمانية ونقابات نشيطة، مثل الاتحاد التونسي للشغل، إلى جانب تجانس ديني وثقافي وقومي وهوية جامعة وثقافة سياسية غنية، وهي أمور ساهمت في تسهيل عملية التحوّل الديموقراطي بعد الثورة.

وعلى الرغم من التناقضات الحادة والخلافات داخل النخب السياسية بعد الثورة، إلا أنه بفضل مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسة العسكرية المختلفة عن نظيراتها في المنطقة، والتنازلات التي وجدت هذه النخب أنها مضطرة لتقديمها درءًا لمصيرٍ، يشبه ما آلت إليه الثورات العربية الأخرى من فوضى، فقد نجحت تونس في تحقيق تحوّل ديموقراطي نموذجي إلى حد كبير.

يمكن القول إن ما حدث في الدول العربية الأخرى من تحوّل للثورات عن مسارها السلمي إلى حروب أهلية وإقليمية، شكّل رادعًا للنخب التونسية عن التشبث بمواقفها ومصالحها، ودافعًا لها لحماية مسار التحوّل الديموقراطي من التدخلات الخارجية. فالباجي السبسي، على سبيل المثال، رفض عروضًا مالية سخية من إحدى الدول العربية في مقابل إزاحة حزب النهضة من المشهد السياسي[56]. وهذا الأخير تنازل عن الحكم رغم استحواذه على الأغلبية في المجلس التأسيسي، ووافق على التحالف مع أحزاب علمانية، ولم يمارس السياسات التي مارسها نظراؤه الإسلاميون في دول عربية أخرى، وأعلن الفصل ما بين العمل الدعوي والسياسي[57].

من ناحية أخرى، لم تقع تونس ضحية تدخلات خارجية، لاسيما من قبل القوى العظمى، ربما لافتقادها إلى الموارد الطبيعية من نفط وغيره، ولضعف أهميتها الاستراتيجية نتيجة بُعدها عن الكيان الإسرائيلي، وتفاديًا لحدوث موجات هجرة كثيفة منها إلى أوروبا، أو إرهاب ينتشر في الشمال الأفريقي على الحدود الجنوبية من حوض المتوسط الأوروبي.

ويمكن القول في المحصلة إنه بإقرار دستور العام 2014 الحديث والمتقدم جدًا في مجال حقوق الإنسان والحريات والمرأة والانتخابات والديموقراطية عمومًا، وبنجاح العملية الانتخابية التشريعية والرئاسية في العام المذكور، تكون تونس قد نجحت في عملية التحوّل الديموقراطي. كذلك، فإن إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في العام 2019، أوصلت أستاذًا جامعيًا مستقلًا غير حزبي هو قيس سعيد إلى رئاسة الجمهورية، وهذا يعد خطوة متقدمة في طريق تكريس التحوّل الديموقراطي وترسيخه، رغم أن البلد لن يخلو من الأزمات السياسية والاقتصادية، على غرار ما يحدث عادة في بلدان العالم الديموقراطي.

 

المراجع

• O’DonnelG., ShmitterPh.WhiteheadL. “Transition from Authoritarian Rule,” ed.JohnsHopkins, U.P.Baltimore 1986.

• “The consolidation of Political Democracy in southern Europe” ,Stanford university Institute,1988

• Robert A.Dahl “Polyarchy: Participation and opposition”, NewHaven, yale University Press 1971.

• “On Democracy” yale University Press, second edition 2015.

• SchmitterPh., SantiroJ. “Three Temporal Dimensions to The Consolidation of Democracy” International Political Sciences Review, 19(1)1998.

• Collier(R.B.), Collier(D.) “Shaping the Political Arena”, Princeton University Press, 1991.

• Bertrand (M.) “un an de transition politique:de la révolte a la 3eme république” in Politique africaine, n.47, 1992, Thiriot (C.) “Rôle de la société civile dans la transition et la consolidation démocratique en Afrique: éléments de réflexions a partir du cas du Mali” in Revue Internationale de Politique comparée, vol.9, n.2.

• Diamond L. “Elections without Democracy: Thinking about Hybrid Regimes” in Journal of Democracy, vol.13, n.2, 2002.

• Bogaards M. “How to Classify Hybrid Regimes?Defective Democracy and Electoral Authoritarianism” in Democratization, vol.16, n.2, 2009.

• Caroline Dufy et CelineThiriot “Les apories de la transitologie :quelques pistes de recherché a la lumière d’exemples africains et post-soviétiques”, Revue international de politique compare, 2013/3 Vol.20.

• Ghassan Salame (sous la dir.de), “Démocraties sans Démocrates?.Politiques d’ouverture dans le monde arabo-musulman et islamique” ed.fayard, Paris 1994.

• Samuel Huntington “The Third wave:Democratization in the late 20thCentury”, University of Oklahoma Press, 1993.

• Jean Pierre Estival, L’Europe face au Printemps Arabe, De l’espoir à l’inquiétude, Paris, L’Harmattan, 2012.

• VirgineBettaieb et al.(dir.) “Degage, la révolution tunisienne” 17 dec.2010-14 janv.2011, Asnières-sur-Seine, ed. Du Layeur, 2011.

• Nicholas, “The contradictions of hegemony: the United States and the Arab Spring”.

• Noémie Cadeau “Macron en Tunisie: entre silences et faux-semblants” le vent se lève, 14/2/2018.

•  عزمي بشاره, "الثورة التونسية المجيدة، بنية ثورة وصيرورتها من خلال يومياتها"، المركز العربي للأبحاث وتحليل السياسات، الطبعة الثانية، (٤٩٦ صفحة).

•  راشد الغنوشي، "الحريات العامة في الدولة الإسلامية"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1993.

•  "الحريات العامة والديموقراطية وحقوق الإنسان في الإسلام"، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت 2012.

• http://www.lse.ac.uk/IDEAS/publications/reports/pdf/SR011/FINAL_LSE_IDEAS__UnitedStatesAnd TheArabSpring_Kitchen.pdf.

• Cable of the U.S. Embassy in Tunisia, “Troubled Tunisia: What should we do?”, July 17, 2009, revealed by Wikileaks and retrieved in The Guardian, World, December 7, 2010, http://www.theguardian.com/world/us- embassy-cables-documents/217138.

• Cable of the U.S. Embassy in Cairo, “Scenesetter: President Mubarak’s Visit to Washington”, May 19, 2009, revealed by Wikileaks and retrieved in The Guardian, World, December 9, 2010, http://www.theguardian.com/world/us-embassy-cables-documents/207723.

• D. Brumberg, “Liberalization Versus Democracy: Understanding Arab Political Reform”, Carnegie Paper n37, Carnegie Endowment for International Peace, May 2003, p.13, http://carnegieendowment.org/2003/04/29/liberalization-versus-democracy-understanding-arab-political- reform/2bb8.

• Philip J. Crowley, Assistant Secretary, Press Statement, “Recent Protests and Website Hackings in Tunisia”, Bureau of Public Affairs, State Department, January 7, 2011, http://www.state.gov/r/pa/prs/ps/2011/01/154139.htm.

• Statement by the President on the Events in Tunisia, January 14, 2011, http://www.whitehouse.gov/the-press-office/2011/01/14/statement-president-events-tunisia.

• Remarks by the President on the Middle East and North Africa, The White House Press Office, May 19, 2011, http://www.whitehouse.gov/the-press-office/2011/05/19/remarks-president-middle-east-and-north- africa%20.

• Readout of the President's Meeting with the National Endowment for Democracy's 2011 Democracy Award Recipients, Office of Press Secretary of the White House, June 22, 2011, http://www.whitehouse.gov/the-press- office/2011/06/22/readout-presidents-meeting-national-endowment-democracys-2011-democracy-.

• Jeanine Ferris Pirro, “Why do we keep getting into these messes?”, Fox News, Octobe4,2013, http://video.foxnews.com/v/2719524655001/jeanine-why-do-we-keep-getting-into-these-messes/#sp=show- clips.

• www.alchourouk.com/58852/566/1.

•  إبراهيم فرحات، "الانتخابات التونسية تختتم المرحلة الانتقالية وتثير المخاوف من عودة النظام القديم"، مركز بروكينجز, 8/2/2015 www.brookings.edu/ar./research

• www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews.

• www.swissinfo.ch/ara.

• www.chahed.tn/index.php/cache/181-2014-12-19-06-59-45.

•  مهى يحي، "ما بعد دستور تونس: الشيطان يكمن في التفاصيل"، مركز كارنيغي

 www.carnegie-mec-org/2014/ 25/4/2014.

•  عبد اللطيف الحناشي، "الحوار الوطني في تونس: الآليات والمآلات"، مركز الجزيرة للدراسات،

www.studies.aljazeera.net/files/2014/02/20/426/10592098.html7/3/2014.

•  "نص خارطة طريق الرباعي الراعي للحوار"، وكالة تورس للأنباء،

 www.turess.com/binaa/2636 5/10/2013.

•  محمد معمري، "الإعلام التونسي الفائز الأكبر"، العربي الجديد 14/2/2014.

•  فاطمة العيساوي، "الإعلام التونسي في مرحلة انتقالية"، مركز كارنيغي 10/7/2012.

•  "تقرير حول رصد خطابات الحقد والكراهية في وسائل الإعلام التونسية"، المجموعة العربية لرصد الإعلام  .www.dohainstitute.org/file/Get/25

•  المركز العربي الديموقراطي للدراسات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية

 www.democratie.de/?P=14389/ 19/5/2015.

 


[1]-     .Guillermo O’Donnel, Philippe Schmitter, Laurence Whitehead

[2]-     .O’DonnelG.,ShmitterPh.,WhiteheadL."Transition from Authoritarian Rule" ed.Johns Hopkins, U.P.Baltimore ,1986

[3]-   O’DonnelG, ShmitterPh., WhiteheadL."The consolidation of Political Democracy in southern Europe", Stanford

university Ins titute, 1988.       

[4]-    Robert A.Dahl" Polyarchy: Participation and opposition", NewHaven,yale University Press 1971, p.22. and "On

Democracy "yale University Press,second edition 2015.

[5]-       SchmitterPh.,SantiroJ."Three Temporal Dimensions to The Consolidation of Democracy" International

.Political .Sciences Review,19(1)1998,p.69-92

[6]-     .Collier(R.B.), Collier(D.)" Shaping the Political Arena", Princeton University Press, 1991, p.789

[7]-       Bertrand (M.)"un an de transition politique:de la révolte a la 3eme république" in Politique africaine,n.47,1992,p.9 22,Thiriot (C.) "Rôle de la société civile dans la transition et la consolidation démocratique en Afrique: éléments. de

.éflexions a partir du cas du Mali "in Revue Internationale de Politique comparée, vol.9,n.2,p.277-295

[8]-       Diamond L" Elections without Democracy: Thinking about Hybrid Regimes" in Journal of Democracy, vol.13,   n.2, 2002,p.21-35. BogaardsM."How to Classify Hybrid Regimes? Defective Democracy and Electoral Authoritarianism"

.in Democratization,vol.16,n.2,2009,p.399-4

[9]-       Caroline Dufy et CelineThiriot "Les apories de la transitologie:quelques pis tes de recherché a la lumièred’exemples africains et pos t-soviétiques", Revue international de politique compare,2013/3 Vol.20.p.19-20

[10]-     GhassanSalame(sous la dir.de), "Democratie sans Democrates?. Politiques d’ouverture dans le monde arabo

musulman et islamique" ed.fayard,Paris 1994.

[11]-    .Democracies are created not by causes but by causers

[12]-     Samuel Huntington “The Third wave: Democratization in the late 20thCentury”,University of Oklahoma

.Press,1993,p.116-117

[13]-     .Le Monde 6/12/2003

[14]-    .Le Nouvel Observateur 5/2/2011

[15]-    .Le Monde 7/2/2011

[16]-    .Ibid

[17]-    .Le Monde 23/1/2011

[18]-    .Realites (hebd.)23/1/2011

[19]-    .Le Monde 13/1/2011

[20]-    .Ibid.27/1/2011

[21]-    .Le Figaro 27/1/2011

22]-    خطاب ساركوزي حول ليبيا أمام القمة الأوروبية في بروكسل في 11ذار 2011.

[23]-    .Le Figaro 4/7/2013

[24]-    .France Inter 4/7/2013

[25]-    .Le Figaro 4/7/2013

26]-    .Ibid

[27]-    .Le Monde 4/1/2018

[28]-    .Noemie Cadeau "Macron en Tunisie: entre silences et faux-semblants" le vent se lѐve,14/2/2018

[29]-    لمتابعة الثورة التونسية من بداياتها أنظر: عزمي بشاره "الثورة التونسية المجيدة، بنية ثورة وصيرورتها من خلال يومياتها" المركز العربي للأبحاث وتحليل السياسات، الطبعة الثانية، (٤٩٦ صفحة).

[30]-    Virgine Bettaieb et al.(dir.)" Degage ,la revolution tunisienne" 17 dec.2010-14 janv.2011" Asnières-sur seine

.ed.Du Layeur", 2011.p.20

[31]-    Nicholas, "The contradictions of hegemony: the United States and the Arab Spring", p.56, http://www.lse.ac.uk

.IDEAS/publications/reports/pdf/SR011/FINAL_LSE_IDEAS__UnitedStatesAnd TheArabSpring_Kitchenpdf

[32]-    Jean Pierre Es tival, L’Europe face au Printemps Arabe, De l’espoir à l’inquiétude, Paris, L’Harmattan, 2012

.p.13

[33]-     Cable of the U.S. Embassy in Tunisia, “Troubled Tunisia: What should we do?”, July 17, 2009, revealed

by Wikileaks and retrieved in The Guardian, World, December 7, 2010, http://www.theguardian.com/world/us

.embassy-cables-documents/217138

[34]-     Cable of the U.S. Embassy in Cairo, "Scenesetter: President Mubarak’s Visit to Washington", May 19, 2009

revealed by Wikileaks and retrieved in The Guardian, World, December 9, 2010, http://www.theguardian.com

.world/us-embassy-cables-documents/207723

[35]-     "Philip J. Crowley, Assis tant Secretary, Press Statement, "Recent Protes ts and Website Hackings in Tunisia

.Bureau of Public Affairs, State Department, January 7, 2011, http://www.s tate.gov/r/pa/prs/2011/154139.htm

[36]-     Statement by the President on the Events in Tunisia, January 14, 2011, http://www.whitehouse.gov/the- press

.office/2011/01/14/s tatement-president-events-tunisia

[37]-     Remarks by the President on the Middle Eas t and North Africa, The White House Press Office, May 19, 2011

.http://www.whitehouse.gov/the-press-office/2011/05/19/remarks-president-middle-east-and-north-africa%20

[38]-     Readout of the President's Meeting with the National Endowment for Democracy's 2011 Democracy Award

Recipients, Office of Press Secretary of the White House, June 22, 2011, http://www.whitehouse.gov/the-press

.office/2011/06/22/readout-presidents-meeting-national-endowment-democracys-2011-democracy

[39]-     Jeanine Ferris Pirro, "Why do we keep getting into these messes?", Fox News, October 4, 2013, http://video

.foxnews.com/v/2719524655001/jeanine-why-do-we-keep-getting-into-these-messes/#sp=show- clips

[40]-    .Washington Pos t ,May 29,2014

[41]-    .Nicholas Kitchen ,op.cit. p.1

[42]-    .www.alchourouk.com/58852/566/1

[43]-    العربية 21/12/2015 "هناك قرف كبير من التونسيين تجاه النخبة السياسية التي جاءت بعد 2011 "http//dw.com/P/1HRRC.

44]-    أفضت الانتخابات التشريعية الأولى بعد الثورة إلى النتائج الآتية: حصل حزب النهضة على 89 مقعدًا من أصل 217 عدد مقاعد المجلس التأسيسي تلاه حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (29 مقعدًا) ثم العريضة الشعبية للحرية والعدالة والتنمية (26) وحزب التكتل من أجل العمل والحريات (20) ثم الحزب الديموقراطي التقدمي (16) يليه حزب المبادرة والقطب الديموقراطي الحداثي بخمس مقاعد لكل منهما وحزب آفاق تونس (4) ثم قائمة البديل لحزب العمال الشيوعي (3) وحركة الديموقراطيين الاشتراكيين وحركة الشعب بمقعدَين لكل منهما، بينما حازت 16 قائمة أخرى على مقعد واحد لكل منها.

[45]-    إبراهيم فرحات، "الانتخابات التونسية تختتم المرحلة الانتقالية وتثير المخاوف من عودة النظام القديم"، مركز بروكينجز 8/2/2015

        .www.brookings.edu/ar./research

[46]-    خميس بن بريك، "الانقسامات تهدد مستقبل نداء تونس"، الجزيرة نت 20/10/2015 www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews.

[47]-    صلاح الدين الجورشي، "الحوار الوطني في تونس: دروس الصرتع والتوافق" www.swissinfo.ch/ara.

[48]-     .www.chahed.tn/index.php/cache/181-2014-12-19-06-59-45

[49]-     مهى يحي، "ما بعد دستور تونس: الشيطان يكمن في التفاصيل"، مركز كارنيغي 25/4/2014 www.carnegie-mec-org/2014.

[50]- عبد اللطيف الحناشي، "الحوار الوطني في تونس: الآليات والمآلات"، مركز الجزيرة للدراسات،

.27/3/2014 www.s tudies.aljazeera.net/files/2014/02/20/426/10592098..html

[51]- المرجع نفسه.

[52]- "نص خارطة طريق الرباعي الراعي للحوار"، وكالة تورس للأنباء، 5/10/2013/www.turess.com/binaa/2636.

[53]-    محمد معمري، "الإعلام التونسي الفائز الأكبر"، العربي الجديد 14/2/2014.

[54]-    المرجع نفسه أنظر أيضًا: فاطمة العيساوي، "الإعلام التونسي في مرحلة انتقالية"، مركز كارنيغي 10/7/2012.

[55]-     "تقرير حول رصد خطابات الحقد والكراهية في وسائل الإعلام التونسية"، المجموعة العربية لرصد الإعلام، 6/12/2013

www.dohains titute.org/file/Get/25.

[56]-     المركز العربي الديموقراطي للدراسات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، 19/5/2015 www.democratie.de/?P=14389.

[57]-    من أجل تكوين فكرة عن فكر حزب النهضة التونسي يمكن العودة إلى كتب زعيمه راشد الغنوشي مثل: "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1993، "الحريات العامة والديموقراطية وحقوق الإنسان في الإسلام" الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت 2012.

External and internal roles in the Tunisian democratic transtion
Despite its popularity in the 1980s and the emergence of many theories about it and its application to many experiences in the world, the concept of democratic transition remains somewhat vague, but it means in fact the transition from an authoritarian regime to a democratic system that secures a peaceful transfer of power through fair elections and respects public freedoms and political participation guaranteed by the constitution. There are external and internal factors that secure this transition.
In the Tunisian experience, the external factors were not hindering the democratic transition, as happened in some countries of the Arab revolutions. France and the United States, two countries that have close ties with Tunisia and provide aid, arms and training to its army, stood neutral at first, before supporting the popular revolution, but with more words than verbs.
Domestically, the military establishment played a positive role by refusing to suppress the demonstrations, which prompted President Ben Ali to flee. The army continued to sponsor the democratic transition without interfering in it. Civil society institutions also played a pivotal role when they developed a road map for dialogue between the conflicting political parties that ended in issuance a modern constitution that guarantees freedoms and human rights, and the holding of legislative and presidential elections in 2014.
Political forces ,secular and Islamic, have learned from the experiences of other Arab revolutions that ended in the intervention of the armies and in civil and regional wars. Therefore ,concessions were made that led to agreement on the mentioned constitution and elections .The success of the legislative and presidential elections in 2019 constitutes a consolidation of the democratic transition that has made Tunisia a distinct model from what happened in the Arab World since 2011.

Rôles exterme et interne dans la transition démocratique tunisienne
Malgré sa popularité dans les années 1980 et l'émergence de nombreuses théories à son sujet et son application à de nombreuses expériences dans le monde, le concept de transition démocratique reste quelque peu vague, mais il signifie,tout au moins, la transition d'un régime autoritaire à un système démocratique qui garantit un transfert pacifique du pouvoir par le biais d'élections justes et respecte les libertés publiques et la participation politique, garanties par la constitution.
Il existe des facteurs externes et internes qui assurent cette transition.
Dans l'expérience tunisienne, les facteurs externes n'ont pas entravé la transition démocratique, comme cela s'est produit dans certains pays des révolutions arabes. La France et les États-Unis, deux pays qui ont des liens étroits avec la Tunisie et fournissent de l'aide, des armes et de la formation à son armée, étaient d'abord neutres, avant de soutenir la révolution populaire quoique avec plus de mots que d’actions.
Sur le plan interne l’armée a joué un rôle favorable en refusant de mater les manifestations, ce qui a poussé Ben Ali à fuir. L’armée a continué à garantir un environnement favorable à la transition sans y interférer. De son côté les institutions de la société civile ont joué un rôle primordiale en établissant un calendrier pour le dialogue entre les forces politiques les poussant à se mettre d’accord sur une constitution moderne suivie par des élections législatives et présidentielles en 2014.
Les forces politiques, laïques et islamiques, ont tiré les leçons des expériences d'autres révolutions arabes qui se sont terminées par l'intervention des armées et des guerres civiles et régionales. Par conséquent, des concessions ont été faites qui ont abouti à un accord sur la constitution et les élections mentionnées.
Le succès des élections législatives et présidentielles de 2019 constitue une consolidation de la transition démocratique qui a fait de la Tunisie un modèle distinct de ce qui s'est passé dans le monde arabe depuis 2011.