وقفة وفاء

الأرز والسنديان وعطر الشهادة
إعداد: جان دارك أبي ياغي

مزروعون في أرض الحديقة أرزًا وسنديانًا، وعطر شهادتهم يملأ فضاء المكان. هم شهداء ساحة الشرف الذين تميزوا ببطولاتهم وشجاعتهم ووطنيتهم، فكتبوا بدمائهم مجد لبنان وعزته. إنهم شهداء الفوج المجوقل الذين سُميت الحديقة على اسمهم، وفاء لكل نقطة من دمائهم روت تراب لبنان، وتحية لكل شهداء الوطن.


بدأت فكرة إنشاء الحديقة مع قائد الفوج السابق العميد الركن جورج نادر الذي اختار لها مكانًا محاذيًا لمبنى الثكنة وحوّل كل شجرة من مجرد جذع وغصون، إلى ذكرى حية تحمل اسم أحد شهداء الفوج. قيادة الفوج الحالية عملت على تطوير الفكرة من الناحية الهندسية والفنية، فقامت بتسييج الحديقة بسور من الصخر وزرع الأحواض المحيطة بالورود وفرش الأرض بالسجاد الأخضر.
ساعدت طبيعة الحديقة كثيرًا في تصميم الفكرة وتنفيذها، لتليق باحتضان صور الشهداء المرصوفة كصف العسكر، ما يمكِّن الزائر من رؤيتها من زوايا الحديقة كلها. ولإضفاء المزيد من الجمال على المشهد الليلي عمد الفنيون إلى وضع الإضاءة في قناديل من الصخر، لكن ليس أي صخر، وإنما تحديدًا ذاك الذي تشتهر به منطقة رأس بعلبك التي سقط فيها للفوج ضابط شهيد.

 

رهبة محفورة على الصخر
تستوطن نفس الزائر عند ولوج بوابة الحديقة رهبة، إنّها رهبة الشهداء وقد احتضن الصخر صورهم وأسماءهم وتاريخ استشهادهم والمعركة التي استشهدوا فيها. هذا الشعور الذي يختبره أي زائر، يصبح أشد وقعًا حين يحصل اللقاء بين المحبين: الشهداء وعائلاتهم، إذ تقترن الرهبة بالشوق والأسى والفخر.
مساحة الحديقة ٤٠٠ متر مربع تتوزع فيها صور وحكايات ٤٧ شهيدًا من الفوج سقطوا في ساحات الشرف ليرتفعوا إلى حيث الخلود. أما المعارك التي استبسلوا فيها وصولًا إلى الشهادة فهي: الضنية (شهيد واحد)، نهر البارد (٤٢ شهيدًا)، عرسال (٤ شهداء). إلى جانب هؤلاء، ثمة آخرون هم شهداء الخدمة والواجب، كرمتهم قيادة الفوج أيضًا فزينت لوحة من الصخر بأسمائهم المحفورة في القلب والوجدان.

 

شهداء وجذور
أُنجز العمل خلال آذار الماضي لكن الافتتاح الرسمي تأجل إلى موعد يُعلن عنه في حينه، وسوف يتخلله تكريم شهداء الفوج وأصحاب الأيادي البيضاء التي لولاها لما أُنجزت الحديقة على هذا النحو.
وهي ستكون مفتوحة أمام جميع الزوّار الراغبين في تكريم من استشهدوا ليبقى الوطن (مدخلها خارج نطاق حرم الثكنة).
إذا كان الهدف من إقامة حديقة على اسم شهداء الفوج المجوقل تخليد ذكراهم وإبقاء صورهم في ذاكرة رفاقهم وعائلاتهم ومحبيهم، فمن المؤكد أنّ هذه الحديقة ستعيش في ربيع دائم مزهر مهما تتالت الفصول، فجذور أشجارها ازدادت صلابة وتشبّثًا بالأرض التي ارتوت من دمائهم.

 

حديقة النقيب الشهيد أحمد طبيخ
بمحاذاة حديقة شهداء الفوج المجوقل ثمة حديقة على اسم النقيب الشهيد أحمد طبيخ (من عداد الفوج)، الذي استبسل في محاربة الإرهاب في معركة تلة الحمرا (جرود رأس بعلبك) واستُشهد بتاريخ ٢٣/١/٢٠١٥.
الحديقة مخصصة لاحتفالات الفوج الرسمية بعد إعادة ترميمها وتجهيزها. وقد زارتها مؤخرًا زوجة الشهيد برفقة ابنها الذي ولد بعد استشهاد والده. وضع الصبي باقة ورد أمام اللوحة التي تحمل صورة أبيه، بعدها احتفل مع قائد الفوج وعناصره بعيد ميلاده، قبل أن يغادر أرض النسور وعيناه شاخصتان إلى والده في صورة وحكاية.