مستوصفاتنا

الأزمة كشفت مدى الاستعداد للتضحية

«لولا الله وقيادة الجيش والطبابة العسكرية لَمُتنا على أبواب المستشفيات»، هذا ما يبادرنا به الرقيب الأول المتقاعد خالد السحمراني الذي التقيناه في مستوصف طرابلس بينما كنا بانتظار الدخول إلى مكتب رئيسه العقيد الطبيب حسن مظلوم. نسمع كلامًا مشابهًا من جميع الذين تحدثنا إليهم، ورغم الزحمة في المستوصف الذي شهد مختبره خلال يوم واحد فحوصات لحوالى ١٦١ مستفيدًا، يبدو الرضى سيد الأجواء... 

 

العمل في منطقة الشمال استثنائي بحسب العقيد الطبيب حسن مظلوم، «نحن لا نهدأ فالنسبة الأكبر من عسكريي الجيش هي من الشمال، وبالتالي فإنّه وبعد المستشفى العسكري المركزي، يتركز الضغط على طبابة منطقتنا، وبالأرقام زار مستوصف طرابلس - القبة في العام الماضي حوالى ١٧٤ ألف مستفيد.

 

كيف تسير الأمور؟

كيف تسير الأمور في ظل الضغط الكبير؟ تتوافر في المستوصف الآلات والتجهيزات اللازمة، لكن الجهد البشري هو الأساس الذي يُعتمد عليه لتلبية حاجات المستفيدين. وفي هذا السياق يقول العقيد الطبيب مظلوم، «نحن نعمل باللحم الحي. شخصيًا لم أتوقع أن نستطيع إكمال المسيرة الطبية بالشكل الذي هي عليه اليوم». ويضيف: «حافظنا على جهوزية العيادات والأقسام، وبفضل جهود الفريقَين العسكري والطبي في المستوصف استطعنا المضي قدمًا. أطباء المستوصف يكملون المسيرة معنا بدرجةٍ أولى لأنّهم يحبون المؤسسة العسكرية ولا «يسخون» بها أبدًا؛ وقد كشفت لنا هذه الأزمة مدى استعدادهم للتضحية خدمة لطبابة الجيش». 

أهم عيادتَين في مستوصف القبة هما عيادتا الأطفال التي تشمل أعصاب الأطفال (الصرع، الأمراض العصبية المناعية)، والصحة، لأنّهما تتحملان الثقل الأعظم من تدفّق المرضى اليومي. وثمة عيادات لاختصاصات العظم، وجراحة الأعصاب، وهي مهمة جدًا خصوصًا أنّها تعالج الرضوض والإصابات والصدمات التي يتعرّض لها العسكريون في أثناء خدمتهم العسكرية. 

بينما يؤمّن مختبر القبة معظم الفحوصات المخبرية، ويداوم أطباء صحة وجراحون في قسم الطوارئ حيث تُجرى الجراحات الصغرى، يؤدي أطباء اختصاصيون واجبهم الإنساني في الأقسام المختلفة: الأشعة، القلب وجراحة الشرايين، النسائي، الأمراض الجلدية، الغدد، المسالك البولية، الأنف والأذن والحنجرة، التغذية، النطق، العين، العلاج النفسي، والعلاج الفيزيائي؛ إلا أنّنا نحتاج حاليًا إلى أطباء أعصاب وجراحة، ومعالجين نفسيين. 

وخلال شهر شباط المنصرم استعاد المستوصف نشاطه على صعيد اللقاحات الروتينية للأطفال، والتي توقفت منذ انتشار جائحة كورونا.

 

في عز الأزمة

نلتقي الدكتور برنار عوكر وهو طبيب جراحة عامة يعمل في قسم الطوارئ حيث تُعالج الحالات الطارئة، وتُنفّذ الجراحات الصغرى التي لا تتطلب زرعًا في فترة قبل الظهر. نسأله عن الوضع فيبدي ارتياحه رغم كثافة الإقبال، وإذ يشير ممازحًا إلى نفاذ الحبر من ختمه الطبي لكثرة المرضى الذين تولى أمرهم، يلفت إلى وجود الأجهزة المتطورة في القسم، ويقول: «أكثر من ذلك، فُقدت مستلزمات معالجة الحروق في المنطقة بكاملها إلا أنّها ظلت موجودة في المستوصف في عز الأزمة». 

«الله يبارك فيكن» وبالمؤسسة العسكرية وتضّلوا بألف خير»... على وقع هذه الأدعية تطلقها السيدة زهية نعمان (زوجة رقيب متقاعد) متوجهة إلى العاملين في المستوصف، نغادر ونحن واثقون أنّ الدنيا ستظل بخيرٍ ما دام فيها من لا تحول ظروف مهما كانت قاسية من دون قيامهم بالواجب وأكثر.