الأسس الإقتصادية للقوة العسكرية : دراسة في فكر ادم سميث

الأسس الإقتصادية للقوة العسكرية : دراسة في فكر ادم سميث
إعداد: د. زكريا فوّاز
أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.

أوضح تطوّر صورة الحرب أن التخطيط للستراتيجيـــة يتطلب دقّــة المعرفــــة بعدة عوامــل أخرى ليست ذات طابع عسكري بالرغم من التأثير العسكــري الذي لها, هـــذا التخطيط الذي يستهـــدف إضعاف مقاومة العدو وتعطيله بشل تجارته وتدمير إقتصادياته, أو بالتحديد تدمير بنية الإقتصاد المعادي التحتية(Les infrastructures économiques) وقدرته الإنتاجية, وإن هذا جديداً في طابع إستخدامه([2]) ولكنّه ليس جديداً في أصل وجوده.
والواقع أن الناس قد عاشوا لأمد طويل وهم يظنون أن الحـــرب صناعة تحترفها جماعات خاصة من الناس هي التي تكون وحدات المقاتلين, سواء أكانوا مأجورين أم مواطنين مجنّدين, وأن الحديث عن الحــرب بمختلف نواحيها النظرية والعملية, وبتباين صورها وألوانها و “أشكالها التي لا يمكن إحصاؤها, من حرب الإفناء إلى حرب الإنتظار التي نقوم بها ضد إرادتنا, تنفيذاً لإتفاق تحالفي موقع بالإكراه, أو غير ثابت”([3]). وكل ما يؤثر في هذه أو تلك من العوامل وما يتحكم فيها أو يسيطر على توجيهها من أصول ومبادىء, إنما يرجع إلى الكتاب العسكريين الذين خرجوا من صفوف الجيش أو الذين عاشوا على هامش الجندية وان لم يكونوا أصلاً من طلاب المعاهد العسكرية.
ولم يكن هذا كل شيء, بل إن كل الكتب التي تحدثت عن الحرب من الناحية الفنية والتي تعرضت للحديث عن الستراتيجية, لم تُعنَ إطلاقاً إلا بالنواحي العسكرية بالرغم من أنها كلها كانت تكرر ما قاله كلاوزفيتز(Clausewitz) ([4]) من “أن الحرب ما هي إلا إستكمال للمناقشات السياسية ولكنها تجيء فقط بأسلوب آخر”([5]). ولم تتعرض هذه الكتب للعوامل من الناحية البشرية والمعنوية والإقتصادية والتي تؤثر في التوجيه السياسي ثم بالتبعية في التوجيه العسكرية. وإن كان بعض الكتاب العسكريين في مطلع القرن العشرين قد عنوا بمسائل المواصلات البرية والبحرية ومروا سراعاً بعوامل التجارة والمواد الأولية.
كان يجب أن ننتظر “الإكتشاف” الذي يفخر به الدكتور بلوم الإشتراكي([6]) من أن الحرب الحديثة ذات أربعة جوانب تجمع في جملتها طبيعة هذه الحرب, وهذه الجوانب الأربعة هي : الجانب السياسي, الجانب الإقتصادي, الجانب السيكولوجي, وأخيراً يجيء الجانب العسكري ­ كي تتقدم الدراسات الوثيقة الصلة بالحرب وكي يدرك الناس عن إيمان أنه توجد في الستراتيجية الحديثة بعض النواحي غير العسكرية وأن هذه النواحي يجب أن تُراجــع في دراسات نفر من الأعلام كلّهم من غير العسكريين ؛ هم رجال إقتصاد وعلماء إجتماع, ورجال تاريخ واعلام سياسة ومهندسون. وبرزت إلى الضوء أسماء آدم سميث, وألكسندر هاملتون, وفريدريك ليست وفريدريك إنجلز وكارل ماركس, وهم مجموعة تنتمي في الواقع إلى عدة مدارس من مدارس الفكر في علم الإجتماع بمختلف نواحيه من إقتصاد وسياسة وتاريخ.
فلا عجب أن المفكرين الذين صنعوا علم الإقتصاد أكثرهم من الأطباء وقد مارسوا مهنة الطب إلى آخر حياتهم, أمثال وليم بيتي, باربون, ماندفيل وفرونسوا كيني ­ ولا عجب إذا لعب علماء الإقتصاد دوراً في تطور الفكر العسكري وستراتيجيته. والوقائع التاريخية تدل على تلازم العلمين ووجود علاقة ترابط (Corrélation) بينهما, إذ أن أفضل خبراء مالية فرنسا في “العهد القديم” L'Ancien Régime ([7]) كان جنرالاً في الجيش الفرنسي وقائداً له, والمقصود فوبان (VAUBAN, 1633-1707) ماريشال فرنسا([8]).
أما في العصر الحديث, فثمة منهجان رئيسيان يتنازعان دراسة “الحرب”, منهج المدرسة الوقائعية البحتة (التاريخية والقانونية) والتي ترى في الحرب مجرّد عمل من أعمال الحاكمين, ومنهج علم الإجتماع الذي يرى في الحرب ظاهرة إجتماعية, تكمن حقيقتها في طبيعة علاقاتها بغيرها من الظواهر.

أوّلاً: المدرسة الوقائعية.
تبدأ من فرضية قوامها “إن الحرب عمل إرادي من أعمال السياسة الخارجية للدول”, وهذا يعني ربط السلام بإرادة الحاكمين. إنها الفرضية التي تشكل المقدمة التي ترتكز عليها شتى الدراسات التاريخية وشتى الدراسات القانونية للحرب والسلام, تلك الدراسات التي تنظر إلى الحرب منعزلة عما عداها من ظواهر واقعها الإجتماعي, بل منسلخة عن طبيعة أطرافها.
وخلاصة القول إن هذه المدرسة ترتكز في تفسيرها لعلاقات الحرب والسلام إلى قناعات فكرية مضمونها: إن الحرب عمل إرادي بحت, إنها مجرّد قرار سياسي, ومن ثم تخضع لسلطان العقل وحده. وما يهمنا أن نقولـــه هنا, إن من هذه المدرسة خرجت “نظرية الحرب المستحيلة”. وهذه النظرية تبدأ من فرضية هشة, إنها عمل إرادي يحكمه العقل وحده, كما قلنا, بينما هي في حقيقتها فعل تتحكم فيه غريزة بشرية ملحة والمقصود غريزة القتال, ومن ثمة قادر على أن يفلت من كل رقابة عقلية. وزيادة على هذا الدحض, فإن نظرية الحرب المستحيلة التي كانت سائدة (وما تزال) خلال كل فترة الحرب الباردة, لم تمنع قيام عشرات الحروب المميتة بنتائجها, وأيضاً بعد سقوط القطب الإشتراكي, شهد العالم, بين العامين 1990 و1992, إنفجار 92 حرباً في كافة أنحاء الكرة الأرضية([9]).
إنّ الحديث عن الحرب, لا هو وهم سيكولوجي ولا مرتبط “بعقدة أبراهام”([10]), في حين أن الحديث عن السلم الدائم هو الوهم. فالعلاقات الدولية هي ـ بالضرورة وعلى طول تاريخها ـــ علاقات ما بين الأعداء اللهم إلا ما يقتضيه العداء ذاته من مهادنة ليست البتة من طبيعة هذه العلاقات. وما فكرة المجتمع البشري العالمي المتخلّص من أسباب التصادم ومن ثم الذي ينعم بالسلام الدائم, إلا من نسج الخيال البحت, إنها تنتمي إلى عالم “ما يجب أن يكون” ولا صلة لها البتة بعالم ما هو كائن. إن “السلام” كالمحبة, قيمة أخلاقية جمالية, لا مكان لها في الواقع الدولي.
ليس من الضروري أننا نقدر أن حرباً طاحنة وشاملة لابد وأن تقع في أي لحظة, وأنه يجب أن نعيش في إستعداد دائم للحرب, ولكن الحرب هي دائماً مستمرّة طالما نحن نعيش في كيان مستقل. ولكن هذه الحرب تأخذ شكلاً أو عدة أشكال من الجوانب الأربعة التي ذكرناها. ومن دون أن تأخذ شكل القتال العسكري الشامل.

ثانياً: مدرسة “علم الإجتماع”
يبدأ منهجها, ومنهج علم العلاقات الدولية المعاصر, ـ في ما نحن بصدده ـ من أن الحرب ظاهرة إجتماعية مرتبطة بالطبع الإنساني, وبظروف أوضاعه الحياتية, وبطبيعة البيئة الدولية, وأن في هذا الإرتباط تقبع حقيقتها ومنه تنطلق شتى الدراسات العلمية للعلاقات الدولية.
وفي هذا الصدد, إن للأوضاع الإقتصادية المقام الأول في تشكيل إتجاهات الدول في علاقاتها الخارجية, وعلى مقتضياتها تتحرك الدول نحو الحروب وعليها تعتمد في تحقيق النصر.
ومن هنا كان التجاريون  les mercantilistes) ) ـ وهم أتباع أول مدرسة فكرية تأسست في علم الإقتصاد ـ الذين يرفضون التمييز بين التفوق التجاري من جهة والتفوق السياسي والعسكري من جهة أخرى. فلقد كانوا يتصورون أن من يحكم المحيط يحكم تجارة العالم, ومن يحكم تجارة العالم تدين له ثروته, ومن يسيطر على ذلك كلّه يحكم العالم وأنه, تبعاً لذلك, فإن “ميزان القوة مرهون بالميزان التجاري”([11]).
ولكن هل يعني تصور التجاريين هذا أن ثمة علاقة إرتباط (Corrélation) بين الظاهرة الإقتصادية وظاهرة الحرب ؟
إنّ من أكثر القضايا العلمية إنتشاراً في الدراسات التي تعنى بظاهرة الحروب في عالم اليوم, هي قضية العلاقة بين السياسات العدوانية للدول من جهة, وبين الحالة التي عليها إقتصادياتها وأهدافها وأطماعها الإقتصادية من جهة أخرى. ومن هنا, إن موضوع دراسة الأسس الإقتصادية للقوة العسكرية كان وما زال من المواضيع الأساسية التي تهم المفكرين الإقتصاديين في عالم “البارحة” وعالم اليوم.

مفهوم القوة العسكرية في فكر المركنتيليين
وفي ضوء هذه الفرضية ـ التي تعني الإرتباط بين الظاهرة الإقتصادية وظاهرة الحرب ـ نستطيع أن نجري تقييماً موضوعياً العقلية التي كانت سائدة في غرب أوروبا لأكثر من قرنين ـ قبل أن ينشر آدم سميثAdam SMITH) )([12]) كتابه “ثروة الأمم”([13]) عام 1776 ـ والذي كان يُحكم بواسطة نظم وأصول ومعتقدات تُعرف في مجموعها بإسم المركنتيلية

(Le mercantilisme)  ([14]) أو “السياسة التجارية”.
لقد كان التجاريون (Les mercantilistes) يتصورون إرتباطاً قوياً بين الإقتصاد والسياسة ينطلق من العبارة الشهيرة التي تنحدر إلينا عنهم : “المال عصب الحرب”

L'argent est le  nerf de la guerre) ). ولقد كان التجاريون يقصدون بالمال هنا المعادن, فعندهم كانت قوة الدولة مرهونة بما يتحقق لها فعلاً من هذه المعادن. وثمة وسيلتان, في تصور التجاريين, لتحقيق ذلك الهدف : الحرب والتجارة, فعلى الدولة أن تزيد من أسباب قوتها بالعمل على زيادة أحتياطياتها من المعادن الثمينة بالتجارة أو بالحرب, ولا فارق بين هاتين الوسيلتين, فكلاهما ينتمي إلى الطبيعة نفسها. فالتجارة ليست إلا عملاً من أعمال الحرب([15]).
إنّ التجارة هي الدافع إلى الصراع الدائم بين الشعوب في حالتي الحرب والسلم على السواء, ومن ثم فإن إلتزام شعب ما بسلام من أجل ما يحققه من إزدهار لتجارته, هو في ذاته محاربة لأعدائه.
ولذا كانت النظم التجارية أساس سياسة القوة, فقد عملت في الشؤون الداخلية العامة لزيادة قوة الدولة ضد التعاليم الموروثة من العصور الوسطى, أما الشؤون الخارجية فقد عملت لزيادة قوة الدولة ضد غيرها من الدول. ولذلك, يبدو حسب أكثر المركنتيليين, “أن العلاقات الإقتصادية الدولية عبارة عن مجموعة من المبادلات تتعاكس فروقاتها حتى تؤول محصلتها إلى العدم

(Un Jeu à Somme Nulle): فإثراء بلد ما لا يمكن أن يكون إلا بمضرة دول أخرى. وكذلك العلاقات الإقتصادية الدولية هي إذاً وبالضرورة علاقات نزاعية”([16]), وفي إيجاز, إن أهداف السياسة المركنتيلية كانت التوحيد القومي للدولة وتنمية مواردها الصناعية والتجارية والمالية والعسكرية والبحرية؛ ولإدراك هذه الأهداف تدخلت الدولة في المسائل الإقتصادية, وبذلك وجهت نشاط رعاياها أو مواطنيها إتجاهات خاصة بقصد زيادة القوة السياسية والعسكرية. وكانت “الدولة المركنتيلية” في ذلك العصر, شأنها شأن “الدولة الدكتاتورية” الفردية في عصرنا الحديث؛ دولة تعمل على الحماية التجارية وتتخذ سياسة وقائية, كما أنها تعنى بالإكتفاء الذاتي الإقتصادي وأن تسير الدولة دون أي تبادل تجاري مع غيرها من الدول, كما أنها تهدف إلى الإستعمار والتوسع وتتبع سياسة عسكرية قوية لتنفيذ أهدافها العامة.
على أننا إذا نظرنا إلى الأمر في ضوء المفاهيم الإقتصادية الحديثة, فإننا نستطيع أن نقول إن الغرض الرئيسي للنظم التجارية إنما كان تنمية الإمكانيات العسكرية, أو إمكانيات الحرب, ولهذا السبب توضع الصادرات والواردات تحت سيطرة أو رقابة عنيفة, وتجمع المعادن الثمينة ويحافظ عليها, وتصنّع مستلزمات البحرية أو تستورد على أساس دفع إعانات مالية Subventions) )أو هبات لتشجيع المصانع على الإنتاج, كما يشجع بناء السفن للنقل البحري وصيد السمك كمورد للقوى البحرية, وتنظم المستعمرات كما تعد وسائل حمايتها لإستكمال الثروة وللوصول إلى الكفاية الذاتية للدولة الأم, كما يشجع نمو عدد السكان بغرض زيادة القوى العددية في الرجال. وكانت هذه وغيرها من التدابير بقصد زيادة وحدة الأمة وقوتها.
وقد أدى النظام المركنتيلي بالطبيعة إلى الحرب, شأنه في ذلك شأن أي نظام تكون القوة فيه غرضاً في ذاته, كما تُعبأ فيه الحياة الإقتصادية أساساً للأغراض السياسية. ويعتقد ممثلو سياسة القوة أنه يمكن تحقيق أهدافها بحالة جيدة ­ ان لم يكن بحالة أحسن­ نتيجة لاضعاف القوة الإقتصادية للدول الأخرى بدلاً من تعزيز قوتهم الإقتصادية هم أنفسهم ؛ إن إعتبار الثروة كهدف لهو في الواقع حماقة وان كان يعتبر أمراً منطقياً لا غبار عليه من جهة نظر القوة السياسية؛ وتبدو أية محاولة للتقدم الإقتصادي بجهود الدولة وفي داخل أراضيها وكأنها غير محدودة الهدف إلا إذا إشتملت على إغتصاب أجزاء مما تملك الدول الأخرى ومن النادر أن نجد عاملاً آخر في فلسفة سياسة التجارة يسهم بدرجة أكبر مع تشكيل السياسة الإقتصادية بل والسياسة الخارجية في جملتها وقد كان هذا المنطق السبب الرئيسي للحروب العلنية والمستترة التي قامت في أوروبا من منتصف القرن السابع عشر إلى الحقبات الأولى من القرن التاسع عشر وكان النظام الذي وضعه نابليون لقارة أوروبا, والنظام الإنكليزي الذي قام لمناهضة نظام نابليون, ذروة التطور لسلسلة طويلة من التدابير المماثلة.
وخرجت إنكلترا وحدها منتصرة من الحروب التجارية, وحصلت على وحدة قومية متماسكة قبل أي دولة أوروبية أخرى وتمتعت بالأمن الذي مهد له مركزها البحري؛ وكانت أقدر من غيرها في وضع “قوة أساطيلها وقوانين الملاحة في خدمة المصالح الإقتصادية للأمة والدولة مع السرعة والجرأة ووضوح الأغراض”([17]). وبذلك إستطاعت الوصول الى المركز القائد في الصراع من أجل الزعامة التجارية والسياسية.
وفي قرابة عام 1763, كانت إنكلترا قد قضت على الأطماع البحرية والتجارية والإستعمارية لإسبانيا وهولندا وفرنسا, وقد أهلكت في واترلو (1815) فرنسا التي نهضت بها الثورة وإنتقمت من نابليون أيضاً. وفي عام 1815, بالرغم من أن إنكلترا كانت قد فقدت مستعمراتها الأمريكية بعد إستقلال الولايات المتحدة (1776), إلا أنها وصلت في الميدان العالمي إلى درجة من القوة تعيد للذاكرة ماضي الإمبراطوريات العظيمة القديمة.
وصحيح أيضاً أن إنكلترا هي الدولة الأولى التي فرضت سيادتها العسكرية على العالم, بانية سيطرتها تلك على أسس إقتصادية لقوتها العسكرية. “ففي كل العصور كانت هناك مدن ومقاطعات إمتازت على غيرها في الصناعة والتجارة والملاحة, ولكن لم يشهد العالم من قبل مثل هذه السيادة التي لبريطانيا في عصرنا هذا (في القرن التاسع عشر). فقد حاولت الأمم والدول في كل العصور الوصول إلى السيادة على العالم, ولكن واحدة منها لم تستطع أن تنشىء قوتها على مثل هذه الأسس ؛ فكيف ذهبت هباء هذه الجهود التي حاول أصحابها أن يقيموا سيادتهم على أساس القوة عندما نقارنها بمحاولة إنكلترا أن تنهض بصناعتها وتجارتها وبحريتها, وأن تكون لها بين الدول وممالك الأرض مكانة الصدارة بالنسبة للبلاد التي تحيط بها, وأن تتوافر في داخليتها كل الصناعات والفنون والعلوم, وأن تتوافر لها كذلك الثروة والقوة البحرية التي لمركز الثقل في العالم”([18]).
وعلى أساس السياسة المركنتيلية لإنكلترا, وضع آدم سميث A. Smith السياسة الإقتصادية والأسس السياسية العامة للدولة التي هو من رعاياها, ومن الممكن أن نفهم ما أراد أن يقوله خاصاً بالأسس الإقتصادية للقوة العسكرية داخل الإطار العام للعصر الذي عاش فيه وروح الأحوال الخاصة بوطنه.

أسس القوة العسكرية في “ثروة الأمم”
عندما نشر آدم سميث كتابه “ثـروة الأمــم” في عام 1776, كان الوقت مناسباً في بريطانيا,للنقد السليم لنظريات وأسس السياسة المركنتيلية. كانت ثورة المستعمرات الأمريكية قد إجتذبت الأنظار والإنتباه الى أصول الأساليب والقوانين والنظم التجارية التي جاءت في أعطاف سياسة بريطانيا الإستعمارية. والواقع أنه كانت هناك مشاعر قوية تعارض هذه الحروب التى بقيت قائمة لعدة قرون, كما توافرت مشاعر السخط على هذا العبء الثقيل من ديون الحرب, هذا فضلاً عن أنه, بعد إنتصار بريطانيا على فرنسا في حرب “السبع السنين” La guerre de Sept Ans ([19]). لم يعد هناك من ينافس إنكلترا لا في القوة التجارية, ولا في القوى البحرية. على أنه بسبب التزايد في الدراسة التشكيكية(Scepticisme) ([20]) للفلسفة السياسية والإقتصادية و “التي تعلّمت بها الأمم أن مصلحتها الخاصة تتوقف على إفقار جيرانها”, فقد بدأت المشاعر تنمو وتتزايد مشيرة إلى أن بريطانيا قد وطّـدت مركزها كقـــوة عالمية. ولهذا فإنه من الممكن أن توجد سياسة أكثر تحرراً وأن “ثروة أي أمة مجاورة ­ مهما كان خطرها في الحرب والسياسة ­ لها بالتأكيد فائدة أكبر في

 التجارة”([21]).
وكان هناك أيضاً الشعور المستفيض بمضار هذا النظام السائد والذي مكّن من أن تنتفع الحقــوق الموطدة للطبقـــات بإتحادهـــا وتناسقهــا مع المصالح الحقيقية بل وحتى المصالح المتوقعة للأمة. وقد وجه سميث حملته ضد هذه المضار عندما هاجم طبقة التجار عامةً([22]) والشركات التجارية خاصةً([23])؛ لما تقوم به من إحتكار([24]) يوفر ويخـــدم مصالحهـــا الخاصة فقط ويضر بألف طريقة مختلفـــة بالمصلحــة العامة للوطن([25])؛ ولإستخدامها كامل سلطات الحكومة, وإفساد سير العدالــة من أجل أعمـالها([26]), ولتشجيعهـا الحرب, لأنهـا أمــــة يحكمهــــا رجـال دولـــــة من أصحــــاب الحوانيت (Shopkeepers) ([27]) أو تحت سطوتهم, رجال من هذا النوع فقط, يكون بإمكانهم إستخدام دماء مواطنيهم وثروة بلدهم من أجل بناء إمبراطورية مركنتيلية والدفاع عنهـا([28]). ويضيف سميث في وصفـــــه المـوضوعي للـروح الإحتكـاريــــة الضيقة
(monopoly (Narrow spirit of ([29]) التي يمارس بها التجار أعمالهم : “إن الأطماع الشخصية للملوك والوزراء لم تكن ــ في القرنين السابق والحالي ــ أكثر إضرراً بهدوء وسلم أوروبا من هذا التنافس وهذه الغيرة من جانب التجار والمنتجين الصناعيين. إن عنف وظلم الحكام شر قديم, ولكن هذا الجشع الرخيص وهذه الروح الإحتكارية التي تبدو واضحة في التجارMerchants)) والمنتجين Manufacturers) )الذين ليسوا ولا ينبغي أن يكونوا حكاماً للجنس البشري, هذا الجشع الرخيص يمكن بسهولة جداً أن نحول دون تسببه لأي ضرر إلا لهؤلاء التجار والمنتجين الصناعيين وحدهم”([30]).

وقد نقد سميث مبادىء “النظام المركنتيلي” بشكل عنيف, ووجه حملته على نظريات التجاريين الخاصة بالنقد Currency) ) بما في المبدأ القائل إن “كل وطن في وضع يتوقع فيه حرب يجب أن يحاول, في وقت السلم, أن يراكم الذهب والفضة, والإحتفاظ بهما لوقت الحاجة من أجل دعم حربه”([31]) بما يسميه لاحقاً “صندوقاً للحرب”([32]). ولكن آدم سميث تقبَّل أن على بريطانيا أن تستعد للإنفاق على الحرب, ذلك لأنها كدولة متحضرة وغنية تكون أكثر تعرضاً لأن تُهاَجم أكثر من أن تُعرض غيرها من الأمم للهجوم([33])؛ ولم يغفل سميث كذلك عن أن بريطانيا, بسبب مستعمراتها الكبيرة ولمصالحها التجارية الواسعة ما وراء البحار, تحتاج إلى الإحتفاظ بقوات عسكرية ومنشآت بحرية([34]), ولكنه رفض إعتبار صناديق الحرب ضرورية أو حتى نافعة للدفاع عن الوطن؛ ذلك لأنه “لا يُحتفظ بالأساطيل والجيوش بواسطة الذهب والفضة بل بالسلع الإستهلاكية. فالوطن الذي من دخله السنوي المنتَج من صناعته الوطنية ومن دخله السنوي المنتَج من زراعة أرضه ومن يده العاملة, ومن سلعه الإستهلاكية المنتَجة محلياً والذي يستطيع أن ينتج فائضاً يدعم به شراء السلع الإستهلاكية من ممالك بعيدة؛ هذا الوطن يستطيع أن يقوم بالحروب خارج أراضيه”([35]). وقد ثبت هذا بما قامت به بريطانيا من إعداد لحرب السبع سنوات([36]) (1756­-1763)([37]) من فوائد إتساع نطاق صناعاتها, ومن الزيادة الكبيرة في منتجاتها الخارجية([38]). بطريقة أخرى, فإن آدم سميث قد إعتقد بأن قدرة أمة ما على الإنفاق على الحرب إنما تقاس أحسن ما تقاس بقدرتها الإنتاجية.
وإذا ما ربطنا هذا التفكير بعصرنا الحالي, فإن بناء إقتصاد قوي يعني أن يكون هذا الإقتصاد ذا هيكلية تعطيه القدرة على إنتاج فائض لتصديره إلى الخارج. وهذا هو الهدف المنفعي المفترض من التجارة الخارجية, وليس العكس أي بناء سياسة إقتصادية تشجع الإستيراد إن كان من سلع وخدمات أو تحويلات من الذهب والفضة (التحويلات النقدية في عصرنا الحالي) وهذا ما قاله أيضاً آدم سميث حين تحدث عن الفوائد الرئيسية للتجارة الخارجية([39]).

تمويل مصاريف الحرب ومعارضة سميث للإستدانة
بالإضافة إلى معارضة سميث لإنشاء “صناديق الحرب”

which maintained the foreign wars)    (The Fundsفإنه عارض أيضاً قروض الحرب, كوسيلة أساسية لتمويل الحروب([40]). وقد فضل بدلاً من هذا فرض الضرائب الفادحة ؛ إن الحروب التي تدفع نفقاتها تدريجياً تتم من وجهة عامة بسرعة أكبر, كما أنها تنفذ من جانب الحكومات بأسلوب تدريجي نظراً لأنها بدون دافع قوي([41]), ثم إن الأعباء الثقيلة للحرب التي لا يمكن تجنبها تعطل الناس من تطلبها عندما لا تكون هناك أية مصالح حقيقية للقتال من أجلها([42]).
ويحظر آدم سميث اللجوء إلى الإستدانة, حتى في زمن الحرب, لما لذلك من إنعكاسات سلبية على النمو (croissance  La ) الإقتصادي وعلى السيادة الوطنية([43]) قائلاً: “إن إزدياد المديونية التي تسبب إضطهاد الوطن في الحاضر وربما القضاء عليه على المدى الطويل, كانت متشابهة بنتائجها في الأوطان الكبيرة الغابرة في أوروبا”([44]). وقد كشف ســميــث ­ مستبقاً بذلك تجربة نيكــــرNecker) ) ([45]) ­ عن حال الركود الذي “تنوء تحت ثقله فرنسا ... على الرغم من أهمية ثرواتها الطبيعية كلها”([46]). غير أن سـميـث لم يكن يدرك بالتأكيد أن الدولة سوف تلجأ إلى الاقتراض. “عندما تقع الحرب, ليس لدى الحكومات القدرة ولا الوسائل لزيادة عائداتها على قدر ازدياد حجم إنفاقها ... سهولة الإستدانة تخلّصها من التعثر الذي يمكن أن يتسبّب به في تلك الحال هذا الخوف وهذا العجز”([47]). وللعديد من المواطنين المتفرجين من بعيد على الصراع, هذه الحرب ليست سوى استرسال مسلٍ طالما أنه لا يكلف الكثير.
“في الإمبراطوريات الواسعة الأرجاء, فإن سكان العاصمة, والذين يعيشون في المقاطعات البعيدة عن مسرح العمليات الحربية, قلما يشعرون, بغالبيتهم, بمخاطر الحرب. غير أنه تستهويهم لذة القراءة في الصحف عن الحملات التي تقوم بها أساطيلهم وجيوشهم. وهذه السلوى تمثل بالنسبة اليهم تعويضاً مقابلاً للفرق البسيط بين الضرائب التي يدفعونها بسبب هذه الحرب, وتلك التي اعتادوا أن يدفعوها في زمن السلم”([48]).
يكفي أن تتمكن هذه الضرائب الإضافية من تغطية فوائد الدين العام كي يصبح تمويل الحرب أمراً ممكناً([49]). وتغدو المسألة وكأن للضريبة “أثر عمل الرافعة Un effet de lier) )

ــ كما نقول في علم الإقتصاد المعاصر ــ على مجموع الموارد التي يُمكن أن تتوافر للدولة. الفكرة هذه, عبر عنها سميث بكل وضوح حين ذكر بأن السلطات الحاكمة” تجد نفسها قادرة على رفع مداخيلها النقدية سنوياً الى أكبر مبلغ, عبر فرض أقلّ زيادة ممكنة من الضرائب”([50]). عند ذلك يصبح مفهوماً تماماً كيف يمكن, بشكل مصطنع (Artificiellement ), تخفيف العبء الضريـبي.
في كافة الأحوال, ينبغي أن يتم تسديد الدين يوماً ما بشكل أو بآخر...([51]), حتى لو كانت له صفة الاستمرارية. إذ إن الفوائد المترتبة والمتصاعدة باستمرار, سوف تشكّل في النهاية مبلغاً من الضرائب لا يستهان به. ومن الممكن عندئذ اعتبار هذه المدفوعات بدون تأثير “إقتصادي­كلي” Macroéconomique) ) طالما أن ذلك عبارة عن تحويلات بين مجموعتين من قطاع العائلات في البلد نفسه (هذا بالطبع إذا اعتبرنا أنه لا يوجد دائنون من خارج الإقتصاد الوطني). بتعبير آخر, ليست الديون العامة, كما وصفها ميلون Melon) )([52]), “إلاّ نوعاً من الديون التي تدين بها اليد اليمنى لليد اليسرى”([53]). إلا أن آدم ســميــث من جهته, ينتفض بعنف ضد وجهة النظر هذه, واصفاً إياها “بسفسطة” النظام المركنتيلي المضلِّلَة([54])؛ ففي رأيه, إن إنتزاع الأموال من الملاّكين وأصحاب الرساميل لصالح أصحاب الإيراداتRentiers) ) أو “المرابين”, يُعتبر مجازفةً بالثـــروة الوطنية: “إن أي إجراء, أو عملية انتزاع من أصحاب المصدَرين الكبيرين للدخل (الأرض ورؤوس الأموال), أي من الطرفين اللذين لهما بشكل مباشر مصلحة بأن تكون كل قطعة أرض صالحة للزراعة بصورة دائمة وكل جزء من رأس المال موظفاً بأفضل وجه, إذ إن القسم الأكبر من المداخيل الوطنية تأتي من هذين الموردين([55])؛ إن إنتزاع الأموال من هذين الموردين, أي دائني الدولة, لمصلحة طبقة من الناس, الذين لا يهمّهم مصادر الدخل الوطني؛ إن عملية من هذا النوع سوف تؤدي بالضرورة مع الوقت إلى إهمال الأراضي([56]) وإلى تشتت رؤوس الأموال وهروبها إلى الخارج”([57]).
وبالرغم من أن كتاب “ثروة الأمم” قد بات المرجع المقدس للمدرسة الإقتصادية الكلاسيكية([58]), وأن آدم سميث قد إستمر منبعاً للتبصر لهذه المدرسة خصوصاً ولعلم الإقتصاد عموماً, فالحقيقة أن آدم سميث, في الواقع, لم يتنكر لأسس معينة من المدرسة المركنتيلية, إذ إعترض على بعض وسائلها أو أساليبها, ولكنه وافق على الأقل على واحدة من غاياتها هي الحاجة لتدخل الدولة في المسائل الإقتصادية إلى المدى الضروري اللازم للأمة. وكان أولئك الذين إتبعوه أكثر إيماناً بحرية التجارة من سميث نفسه, والمقصود المدرسة الليبرالية. وقد كتب سميث يقول: “إن الواجب الأول للملك هو حماية المجتمع من عنف وغزو وتسلط المجتمعات المستقلة الأخرى, ومن الممكن الوصول إلى هذا فقط بواسطة القوة العسكرية. ولكن تكاليف ووسائل إعداد هذه القوة في وقت السلم وإستخدامها في وقت الحرب تتباين وتتغير بتغير الأحوال المختلفة للمجتمع في كافة مراحل تطوره”([59]).
لقد باتت الحرب ــ وهي أنبل الفنون على الإطلاق ـ أكثر تعقيداً وأكثر نفقات تبعاً للتقدم الصناعي للمجتمعات([60]), وتبعاً لإختلاف التنظيم العسكري ووسائل تدعيمه وإمداده في الدول التجارية والصناعية عن هذا التنظيم ووسائل تدعيمه في المجتمعات الأقرب الحال إلى البدائية([61]). بمعنى آخر, فإن صور التنظيم الإقتصادي هي التى تقرر ما يستخدم من آلات الحرب كما تقرر طبيعة العمليات الحربية, ومن أجل هذا لا يمكن تجنب القول إن القوة العسكرية تبنى على أسس إقتصادية.


سياسة القوة وقوانين الملاحة
بما يتعلق ببريطانيا, فان عقد السياسة المركنتيلية كان “قوانين الملاحة”([62])؛ ولربما كانت السياسة المركنتيلية في مظاهرها الأخرى لازمة ضرورية في فترة مبكرة من تطورها الإقتصادي. ولكن في نهاية القرن الثامن عشر أصبحت إنكلترا متقدمة صناعياً بدرجة كبيرة, وكانت الإجراءات الوقائية أقل أهمية بالنسبة لها مما هي بالنسبة لفرنسا أو للولايات الإلمانية, وكانت تستطيع, إذا لزم الأمر, ألا تفرض أي رسوم على معظم الصناعات؛ ذلك لأنها لم تكن تواجه منافسة قوية لا في أسواقها المحلية ولا في أسواقها ما وراء البحار. والواقع أنها في ما بعد, واعتباراً لمصلحتها الخاصة, قد نفضت يديها من هذه السياسة الوقائية ؛ ذلك لأنها عرفت أن التجارة الحرة هي سلاح الأقوى, ولكن القوة البحرية شيء آخر, وكان من الواجب أن ينظر الى كل ما يتعلق بها تبعاً لمبادىء أخرى تكون هي الأساس للحكم والتقدير. كان أمن بريطانيا ثم أمن إمبراطوريتها يتطلبان أن تتوافر لها على كل خطوط الملاحة في المحيطات سيادة غير مهددة, بل وأن تعمل في غير هوادة ضد أية قوة تحاول تهديد هذه السيادة. وبالإضافة إلى هذا, فان التكوين الصناعي والمالي والتجاري قد قام على أسواقها وموارد تموينها من وراء البحار, وكانت البحرية التجارية تعتبر بالنسبة لبريطانيا رأس مال إقتصادياً كما أنها كانت عاملاً ضرورياً في أمنها العسكري وعلى الأخص في عصر كان من الممكن فيه أن تحول السفن التجارية إلى سفن حربية بسرعة. فالأسطول والتجارة البريطانية مرتبطان معاً بصلة وثيقة قوية ويؤثر كل منهما بالآخر تأثيراً تعاونياً كبيراً, ولا يمكن أن يُفصل أيهما عن الآخر. فتجارة بريطانيا كانت هي الأم التي ترعى رجال بحريتها, ورجال بحريتها هم عصب الحياة لأسطولها, وأسطولها هو وسيلة الأمن والوقاية لتجارتها, والاثنان معاً كانا الثروة والقوة والأمن لبريطانيا([63]).
ولهذه الأسباب فان الإختيار الحقيقي لوجهات نظر آدم سميث في السياسة المركنتيلية وسياسة القوة, انما يقوم على أساس موقفه من قوانين “الملاحة والمصايد”, وقد نص سميث : “ان الدفاع عن بريطانيا يتوقف بدرجة كبيرة على عدد سفنها وملاحيها Its Sailors and Shipping) ), ولهذا فان قانون الملاحة كان جهداً موفقاً لإعطاء بريطانيا وملاحيها حق إحتكار تجارة بلادهم”([64]). ويتابع سميث فيقول: “عندما صدر قانون الملاحة, قام بين بريطانيا وهولندا عداء عنيف بالرغم من انهما لم تكونا في حالة حرب معاً, لقد بدأ هذا في حكومة البرلمان “الطويل الأجل”([65]) الذي وضع الأسس الأولى لهذا القانون([66]), ثم لم يلبث أمر هذا العداء أن اشتد في عهد كرومويل([67]) وشارل الثاني, ولهذا فانه ليس من الخطأ بأن نقول بأن نظم هذا القانون قد جاءت نتيجة للكراهية والعداء الشعبي([68]), انها مليئة بالروية والعقل وكأنها قد جاءت كلها من المعين الذي لا ينضب من الحكمة. ان الكراهية الشعبية قد هدفت في ذلك الوقت الى الغرض نفسه الذي لا بد وأن تكون الحكمة قد أوصت به, ألا وهو اضعاف القوة البحرية الوحيدة التي كانت تستطيع أن تعرّض أمن بريطانيا للخطر”([69]).
“ان قانون الملاحة ليس في جانب التجارة الخارجية, ولا الى جانب اطراد الرخاء أو الثراء الذي يمكن أن ينتج عنها, ولكن لما كان الدفاع أكثر أهمية من الرخاء فان قانون الملاحة ربما كان أكثر النظم التجارية البريطانيا حكمة”([70]).
وقد اتخذ بالتبعية الإتجاه ذاته بالنسبة للمصايد البحرية : “ولكن بالرغم من أن ضريبة الحمولة لسفن الصيد لا تتوافق مع رخاء الأمة الا أنها ربما تتوافق مع الدفاع عنها تبعاً للزيادة المستمرة في عدد السفن التي تعمل فيها, وعدد الملاحين الذين يعملون في هذه السفن”([71]).

الحمائية بواسطة الرسوم الوقائية
وقد وافق آدم سميث على القوانين التي فرضت الرسوم على إنتاج المحطات البحرية في المستعمرات الأمريكية التي نصت على تحريم تصدير منتجاتها من أمريكا إلى أي بلد آخر عدا بريطانيا. وكان هذا التنظيم التجاري عادلاً من وجهة نظر آدم سميث, ذلك لأنه يُمكِّن من جعل بريطانيا مستقلة عن جيرانها وغيرهم من البلاد الشمالية في الإمداد بالإحتياجات الحربيـــــة, كما أنه يسهم في الكفايـــــة الذاتية للامبراطوريـــة (The Kingdom) ([72]).
ولم يقف سميث موقف الإعتراض من الرسوم الوقائية عندما كانت ضرورية لازمة لأغراض الأمن العسكري, وقد قال : “انه من النافع والمفيد, من وجهة عامة, أن يُلقى جانب من العبء على الصناعات الأجنبية بقصد تشجيع الصناعات المحلية عندما تكون هذه الصناعات ضرورية للدفاع عن البلاد”([73]). فقد منحت مثل هذه الوقاية لصناعة السفن بواسطة قوانين الملاحة[74], ولكن سميث كان راغباً في فرض رسوم ووضع حواجز جمركية لصالح الصناعات الأخرى ولغير هذا من الأغراض العامة, ذلك لأنه “من الاهمية بمكان ألا تعتمد الدولة الا لأقل ما يمكن على جيرانها من ناحية الصناعات اللازمة لدفاعها عن نفسها, فاذا لم يكن هذا مستطاعاً في أرض الوطن فمن المنطق اذن أن تفرض الضرائب على كل الصناعات الأخرى لمعاونة هذه الصناعات الضرورية للدفاع”([75]). أي أن المعاونة تكون عن طريق الحصيلة التي تتجمع من الرسوم المفروضة على الصناعات الأخرى([76]).
لقد كان سميث من أصحاب مبدأ “حرية التجارة” عن ايمان قوي بصدق نظريته, ولهذا فقد دحض تماماً بعض النظريات التي كانت من أسس السياسة المركنتيلية بالصورة التي عرفتها بريطانيا في أيامه, والتي كانت في نظره غير مقبولة. كان يشك في تدخل الدولة في أعمال وجهود الأفراد, ولم يكن محباً لسلطة الدولة من أجل اظهار هذه السلطة وحدها, ولكن السؤال لتقدير صلته بالمدرسة التي كانت تعنى برسم السياسة التجارية, هذه الصلة لم تكن في السؤال حول صحة نظريات التجاريين, بل في هل يجب ـ عند الضرورة ـ استخدام القوة الإقتصادية للدولة كوسيلة سياسية؟
ومن الواضح أن إجابة سميث على هذا السؤال, في “ثروة الأمم”, كانت بالإيجاب وأن القوة الإقتصادية يجب أن تُستخدم بين الوسائل السياسية التي تستخدمها الدولة.

هل كان سميث متناقضاً أم مخادعاً ؟
على أن التناقض الذي يُتهم به سميث لا يعود إلى فكره وحده, ولكن يعود إلى معاصريه وإلى من بعدهم الذين في كلتا الحالتين أجادوا في إستعمال نظرياته لمصلحتهم. فكما أن مريدي سميث ـ وبخاصة أولئك الذين عاشوا في انكلترا ابان القرن التاسع عشر ـ مسؤولون عن تقديمه كصاحب آراء في حرية التجارة, كان في الحقيقة يقف في منتصف الطريق فيتراجع عن جانب من اتجاهاته الأصلية تبعاً لظروف خاصة, وبهذا المعنى طغت الصرخات العالية المنادية بحرية التجارة على بقية تعاليم سميث. وهكذا كان سميث يُعتبر في بعض المحافل مخادعاً في حين كان في البعض الآخر مواطناً رأى بلاده تزيد من نمو ستراتيجية وتكتيكات السياسة المركنتيلية, هذه السياسة التي مكنتها من أن تكون قوة لا تبارى, فكان اذ ذاك على استعداد لأن يوصي بأن تنفض الدول الأخرى الأقل منها ثروة أيديها من هذه السياسة؛ أما أن سميث كان في قرارة نفسه مواطناً صالحاً فهذا مما لا يمكن إنكاره, وأما القول بأنه كان مخادعاً فهذا بلا شك إتهام لا يستحقه إطلاقاً. فهو ليس مخادعاً ولا متناقضاً, بل ما نقوله إنه كان مفكراً إقتصادياً بصيراً لقوة بلده وتقدمها, كرس كل فكره ونظرياته لخدمة تدعيم قوة بلاده الإقتصادية والسياسية والعسكرية.
وما هو صحيح وله القيمة نفسها في عالمنا المعاصر ويعكس الطبيعة الإنسانية وخصوصاً عند مفكر لا يُشك في إلتزامه لمصالح بلاده, فإن رأي سميث ونظرياته تعتبر عملية عادية مليئة بالمهارة, وهي أن أي فرد يصل الى ذروة العظمة لا يتردد في أن يدفع بعيداً بالسلم الذي ارتقى عليه, وذلك ليمنع غيره من الناس من الوصول الى درجته وليحرمهم من وسيلة للصعود في أثره ؛ وفي أعطاف هذه الحقيقة يكمن سر العقيدة العالمية التى كان آدم سميث يدعو إليها, كما تبدو حقيقة هذه الإتجاهات المماثلة التي جاء بها ويليم بيتي(William Petty ) ([77]) ـ مدافعاً بشراسة عن الحرية التجارية ـ ومن بعده خلفاؤه ممن عملوا في ادارات الحكومة الإنكليزية والذين رددوا ما قاله بيتــــي جاعلين من الإقتصاد السياسي المدافع عن حرية التجارة أدباً مبتذلاً يبرر التوسع الإستعماري البريطاني؛ وهذه الفلسفة ليست لزمن غابر ولم تفقد أهميتها ولكنها ما زالت تتمتع بحقيقة خالدة وتجد كل معانيها في معادلة حالية يختزلها الإقتصاديون والسياسيون بكلمة واحدة لا غير: العولمــــة([78]).
وما ينطبق على الأفراد بما يخص طبيعتهم الإنسانية ينطبق أيضاً على الأوطان والأمم في علاقاتها الإقتصادية الدولية الماضية والحاضرة, فإن أي وطن أو أمة استطاع بالتدابير والرسوم الوقائية وبالتحديد من حرية الملاحة, أن ينهض بقوته الصناعية وبحريته وملاحته الى الدرجة التي لا يمكن أن يصل إليها وطن آخر, فيستطيع منافسته منافسة حرة, مثل هذا الوطن ليس أمامه ما يفعله ـ ويكون حكيماً في عمله ـ الا أن يلقي بعيداً بالسلم الذي مكنه من الوصول الى العظمة ليحرم الدول الباقية من الصعود في أثره, بل وأن يبشر الأوطان الأخرى بفائدة ونفع التجارة الحرة وأن يعلن بنغمة مليئة بالشعور بالخطأ بأنه قد تخبط في الطرقات الخاطئة, وأنه قد نجح لأول مرة في إكتشاف الحقيقة المطلقة.
 

دفاع سميث عن بناء وتمويل جيش نظامي([79])

 في عهد “النظام القديم”, أي العهود الإقطاعية, كانت أوروبا, وخصوصاً إنكلترا ما قبل الثورة الصناعية, تتخبط في نقاش وصراع وتردد حول بناء جيوش من المحترفين أو من ميليشيا الإقطاعيينـ([80]). وكان التفكير السائد في القرن السادس عشر, ان قدرة الأمة على الدفاع عن نفسها تتوقف على ممتلكاتها المادية بدرجة أقل من توقفها على روح الأهلين, وأنها تعتمد على المدخرات من الذهب بأقل من اعتمادها على عزيمة واصرار التنظيم السياسي فيها([81]). وقد كان هذا الرأي الذي جاء به فرنسيس بيكون([82]) هو السائد حين كان آدم سميث أُستاذاً للفلسفة الأخلاقية (Moral philosophy ) في جامعة غلاسكو (1752­- 1764). ولكن سميث كتب رأيه بشكل واضح وعبر عن إعتقاده ـ في كتابه “ثروة الأمم” ـ بأن “أمن كل مجتمع يجب أن يتوقف بدرجة ما كبيرة أو صغيرة على الروح الحربية للأهلين, على أن الروح الحربية وحدها ـ دون أن يعاونها جيش قائم جيد الضبط والربط ـ ربما لا تكون كافية للدفاع عن أي مجتمع ولا لتأمين أمنه. ولكن حيثما تتوافر لكل مواطن روح الجندي فمن الضروري أن يتوافر أيضاً جيش صغير قائم يستند على هذا المجتمع”([83]). وقد سار سميث الى أبعد من هذا في اعتقاده بأنه “وان كانت الروح الحربية للأهلين عديمة النفع في الدفاع عن المجتمع, الا أنه للحيلولة دون انتشار هذا النوع من التشتت العقلي والاضطراب الإجتماعي والتخاذل الذي يكون الجبن أو الخذلان متغلغلاً فيه, لمنع انتشار هذا كله وسط مجموعات الأهلين؛ يتطلب الأمر انتباه الحكومة, بل وأن تعنى الحكومة بهذا في الصورة نفسها التي تعنى بها لمنع انتشار الأمراض والأوبئة وان كان انتشار هذه الأمراض بين مجموعات الأهلين ليس خطيراً ولا قاتلاً ولا مدمراً”([84]), وانما عن طريق “التدريب العسكري الذي تدعمه الحكومة يمكن الإحتفاظ بالروح العسكرية للأهلين بدرجة

مؤثرة”([85]), وعلى مدى القرن التاسع عشر, كان الكثيرون من مريدي سميث وأشياع مدرسته, أمثال كوبدن([86]) وبرايت([87]), يدعون لحرية التجارة بإخلاص, كما أنهم كانوا مسالمين عن عقيــــدة غير راضين عــــن الحروب. وكان من الطبيعي أن هؤلاء كلهم ما كانوا ـ وهم أصحاب آراء متحررة ـ أن يتبنوا مثل هذه العقيدة التي جاء بها سميث عن التدريب العسكري للاحتفاظ بالروح العسكرية.
وقد كانت هناك مشاعر عميقة بين المجتمعات الأنجلو ـ أمريكية ضد “الجيوش العاملة الدائمة” وإنشائها والإحتفاظ بها ؛ فان الموقع البحري للجزر البريطانية مكن مجلس العموم البريطاني من أن يتخبط طويلاً في مناقشة موضوع الدفاع الأهلي. وقد أدى التنافس الطويل بين البرلمان والملك, “هذا التنافس الذي كان الجيش ـ على مداه ـ آلة في يد آل ستيوارت”([88]) من زيادة الإعتقاد بأن الجيش المحترف يعتبر خطراً على الحرية الأهلية. وقد احتفظت الدول الأوروبية التي تنافس بريطانيا بجيوش دائمة كبيرة كدعامة لقوتها, بل واستطاعت أن تصل بالجنود المحترفين الى تقدم كبير في التنظيم العسكري وفي “فن الحرب”([89]), على أن البرلمان مع هذا استمر في وقت السلم يحتفظ بجيش كبير العدد, كما تبع هذا إستمرار النظام غير الصحيح المدمر للقوى المعنوية, من اسكان الجنود مع الأهلين, والإعتماد على الميليشيا لإمداد الجيش بإحتياجاته من الرجال([90]).
وكان الجو السائد بين الطبقة السياسية الإنكليزية مشحوناً ضد إنشاء جيش نظامي إلى درجة أن أي من المسؤولين لم يكن يتصور أن السياسة التقليدية السائدة في إنكلترا يمكن أن تتعايش مع إنشاء جيش دائم Standing Army) ). فمن جهة, كان “الأحرار” يرددون بأن الجيوش الدائمة قد دمّرت التعاليم الليبرالية التي جاءت بها الأمم الأخرى. ومن جهة ثانية, كان “المحافظون” يقولون دائماً إن الجيش الدائم العامل تحت إمرة كرومويل قد حارب الدين وإضطهد النبلاء وأعدم الملك (إعدام شارل الأول في عام 1649), ولم يتجرأ أي زعيم حزب ـ ما لم يعرض نفسه للإتهام بالخبل والجنون ـ أن يقترح بأن يكون الجيش من المؤسسات الدائمة في الحياة الإنكليزية([91]).
كان هذا التفكير هو السائد عندما كان سميث أستاذاً للفلسفة الأخلاقية في جامعة غلاسكو (1752­1764) وألقى محاضراته القيمة عن “العدالة, البوليس والدخل والأسلحة”([92]). وفي هذه المحاضرات, افترق سميث عن استاذه الشهير فرنسيس هتشنسون الذي عارض انشاء الجيوش العاملة على أساس أن الفنون والفضائل العسكرية قد باتت زينة الرجال الأشراف, وأن صناعة الحرب يجب ألا تكون حرفة دائمة لأي فرد, بل ان الجميع يجب أن يقوموا بها على التوالي, كل بدوره([93])؛ وقد بدا هذا لسميث على أنه برنامج غير عملي, ووقف وقفة قوية للدفاع عن انشاء الجيش المحترف([94]).
ولم ينكر سميث أن الجيش العامل قد يكون تهديداً لحرية الأفراد؛ فإن كرومويل قد ألقى بالبرلمانيين من الباب مستنداً إلى الجيش([95]), ولكن سميث كان يعتقد أنه من الممكن ـ بالإحتياطات الصحيحة السليمة ـ أن يكون الجيش عضداً للسلطة الدستورية لا وسيلة للقضاء عليها([96])؛ وعلى أية حال فان الأمن يتطلب قوة مسلحة مدربة تدريباً عالياً وجيدة التنظيم, واذ ذاك فقط تستطيع الدولة أن تطمئن الى جَديتها في خوض المعارك, فلا يمكن للميليشيا ـ مهما دربت ومهما كان ضبطها جيداً ــ أن تحل مكان الجنود المحترفين, وبخاصة في عصر كان لتطور الأسلحة النارية أهمية كبيرة للتنظيم والنظام أكثر مما للمهارة الفردية والشجاعة([97]). ولهذا فان المطالب الأولية للاحتياطيات العسكرية تتطلب أن يفسح كل من الشك التقليدي في الجيش المحترف والإستخدام التاريخي للميليشيا ــ الذي أثبت تفوق الجيوش النظامية عليها ــ([98]) الطريق للحاجة الملحة التي وضحت في كل عصر؛ وهي ضرورة إنشاء جيش عامل, ثم ان المبادىء الإقتصادية الصحيحة تتطلب أن تكون الحرب صناعة وحرفة لا هواية([99]).

تقسيم العمــــل والتخصص العسكري
إذا كانت العبارة الأولى التي إستهل بها آدم سميث مقدمة كتابه “ثروة الأمم” بمعنى أن العمل هو مصدر الثروة أو حسب عبارته : “ان العمل السنوي لكل أمة هو المصدر الذي يمدها بكل ضرورات الحياة وإحتياجاتها التي تستهلكها سنويا”([100]), فإن العبارة الثانية ­ عنوان الفصل الأول من كتابه ­ هي “تقسيم العمل” بين الأفراد الذي يعتبر سر إنتاجية العمل([101]).
فكما أن تقسيم العمل بين أفراد المجتمع هو سر إنتاجيته, فإن تطور التكنولوجيا والفنون يفرض التقسيم والتخصص في الفنون العسكرية. وقد كتب سميث:([102]) “لما كان فن الحرب بالتأكيد أنبل الفنون, فإنه من الضروري أن يجعله تطوره من أكثر الفنون تعقداً. فان الصورة الآلية التي من الضروري أن ترتبط به ­ والتي ترتبط أيضاً ببعض الفنون الأخرى ــ هي التي تحدد درجة الكمال التي تجعل “فن الحرب “ صالحاً لأن تنفذ عملياته في زمن محدد معين؛ ولكن كي يمكن أن يصل إلى هذه الدرجة من الدقة, من الضروري أن يكون الصناعة الوحيدة والرئيسية لطبقة خاصة من المواطنين, والتخصص هنا لازم للتقدم الفني لصناعة الحرب, كما هو ضروري بالنسبة لأي فن آخر. إن التخصص في الفنون الأخرى يجىء تابعاً لإتجاهات الأفراد بكل جهودهم ونشاطاتهم إلى حرفة خاصة واحدة, فيصلون الى درجة من المهارة في هذا الفن أكثر مما يصلون اليه بتوزع جهودهم بين حرف وصناعات عدة. ولكن حكمة الدولة وحدها هي التي تجعل حرفة الجندية حرفة خاصة منفصلة إنفصالاً تاماً عن غيرها. ان المواطن الذي يقضي الجزء الأكبر من وقته ابان السلم في التدريب العسكري دون أي تشجيع من جمهرة الناس, يستطيع بلا شك أن يصل الى درجة كبيرة من التقدم في هذا التدريب وأن يشبع هوايته ورغبته, ولكنه بلا شك أيضاً لا يستطيع أن يتقدم بمصالحه الخاصة. وهنا تكون حكمة الدولة وحدها هي التي تجعل من مصلحتة أن يعطي الجزء الأكبر من وقته لهذه الصناعة الخاصة ؛ على أن هذه الحكمة لم تكن موفورة دائماً لكل الدول حتى وان كانت ضرورة وجودها تتطلب ذلك”([103]).


المستعمرات ومساهمتها في القوة العسكرية والإقتصادية
من الملاحظ أن كتاب “ثروة الأمم” طُبع في عام 1776, أي في السنة التي حدث فيها “إعلان الإستقلال”([104]) للمستعمرات الإنكليزية في أمريكا الشمالية. وقد ناقش آدم سميث طويلاً علاقة بريطانيا بمستعمراتها([105]), وفي ما يختص بالسياسة الإستعمارية, فلقد إعتقد أن السياسة الإستعمارية لا ثمار لها من الناحية التجارية. ومع أنه فكر في أن الأمريكيين لم يقاسوا في الحقيقة بسبب التحديدات التي فرضتها الدولة الأم, أي بريطانيا([106]), مثل هذه التحديدات التي استهدفت منع اختراق الحقوق المقدسة للجنس البشري, كتحريم الإتجار بالرقيق, الأمر الذي فُرض على أمريكا بواسطة الطبقات الرسمية وطبقة التجار في إنكلترا؛ فقد رأى أن قيمة المستعمرات في التنظيم الإستعماري يجب أن تقاس على أساس القوات العسكرية والأموال التي يمكن لهذه المستعمرات أن تقدمها للدفاع عن هذه الإمبراطورية ولمعاونتها في نفقات الدفاع([107]). وعلى ضوء هذه الأراء فان المستعمرات الأمريكية لم تكن ذات نفع مادي لبريطانيا؛ بل أنها كانت تحتاج لقوات إنكليزية للدفاع عنها. وقد جعل هذا “الوطن الأم” يشتبك في حروب عديدة مكلفة الثمن أسماها سميث “حروب المستعمرات”([108]), ولو وضع الأمر على هذا الأساس موازنة مالية تجارية لكان من الأصلح أن تكون بلا مستعمرات.
وهذه وجهة نظر لها قيمتها في أمر الإمبراطورية البريطانية, ولكن سميث لم يقترح أن تتنازل بريطانيا عن مستعمراتها وأن توافق على الإستقلال الذي كان الأمريكان يطلبونه لبلادهم يومذاك, بل كان يرى “أن اقتراح مثل هذا الإجراء لم تتخذه من قبل ولن تتخذه في ما بعد أية أمة في العالم, إذ لم يحدث قط أن تنازلت أمة طوعاً عن سيادتها على أية أرض مهما كانت الصعوبات التي تواجهها لحكمها, ومهما قلّت القيمة المالية التي يمكن أن تقدمها هذه الأرض بالنسبة للنفقات التي تنفق عليها. ومثل هذه التضحيات قد تكون صالحة من ناحية التفكير في المصالح إلا أنها دائماً قاتلة لكبرياء الأمة, هذا فضلاً عن أنها تتعارض مع المصلحة الخاصة للطبقة الحاكمة في هذه الأمة, هذه الطبقة التي ستحرم إذ ذاك من الكثير من النفع والفائدة, بل ومن الفرص الكثيرة للحصول على الثروة والمكانة الأمرين اللذين لا تفشل حتى أقل المناطق نفعاً في تحقيقها”([109]).
وقد تنبّأ سميث بأن الحرب لإستقلال أمريكا ستكون حرباً باهظة النفقات طويلة الأمد, بل انه تنبأ بأن من الممكن أن يحصل المستعمرون على النصر, أولئك الذين سيتحوّلون من تجّار وعمّال حوانيت ومحامين إلى ساسة ومشرعين, والذين سيستخدمون لتكوين صورة جديدة لحكومة تخضع لها أرض واسعة, وستكون كما هو من الواضح واحدة من أعظم وأقوى الدول في العالم([110]).

خلاصـــة الدراســــــة
في العصر الحديث ـ مع نشأة الحكومات الوطنية Les Etats-Nations وإنتشار المدنية والحضارة في العالم, والإزدهار الذي جاء به العلم والتكنولوجيا, وهذا التقدم المتسارع في الفن العسكري والتكاليف المرتفعة التي يفترضها إنشاء جيش متطور تكنولوجياً ـ لا يمكن فصل القوة الإقتصادية عن القوة السياسية والعسكرية إلا في المجتمعات البدائية؛ ومن البديهي أنه في مجتمعنا المعاصر, نواجه علاقة متشابكة ومتداخلة للقوى التجارية والمالية والصناعية, من جهة, وللقوى السياسية والعسكرية من جهة أخرى, وهذه العلاقة واحدة من أعقد مشكلات السياسة, ذلك أنها تجعل سلامة الوطن هي التي تحدد مدى ما يتمتع به الفرد من الحياة والحرية والتملّك والسعادة.
ومهما كانت الفلسفة السياسية والإقتصادية للوطن, فإنها لا يمكن أن تتنكر ـ إلا بمخاطرة لها ضررها ـ لإحتياجات القوة العسكرية ومطالب أمن الأمة على المدى القصير والمتوسط والطويل, وهما أساس غيرهما من مشكلات الحكم. ولهذا فمما لا شك فيه أن هناك مبدأً أصبح من المسلمات في فن سياسة الدول ويفترض بأن الأمن والسلامة من الخطر الخارجي هما أقوى موجه للسلوك الأهلي. فحتى الحرية ـ إذا لزم الأمر ـ يجب أن تفسح الطريق لمطالب الأمن والسلامة, ذلك لأن الناس يرغبون أن يكونوا أكثر أمناً حتى لو خاطروا بأن يكونوا أقل حرية.
وكان آدم سميث ـ الذي آمن بأن الرخاء المادي للوطن يمكن أن يوجد بأقل تدخل من الحكومة ضد حرية الفرد ـ راغباً في أن يتقبل وجوب تنسيق هذا المبدأ العام مع غيره من المبادىء الأخرى عندما يكون الأمر متعلقاً بالأمن الأهلي, “ذلك لأن الدفاع أهم من الرخاء والإزدهار”([111]). فالقوة على صعيد الوطن أكثر أهمية من الثروة. ذلك لأن نقيض القوة أي الضعف يؤدي إلى فقد كل ما نملك, لا من الثروة فحسب بل ومن القدرة على الإنتاج. وأن نفقد مدنيتنا وحضارتنا وحريتنا وحتى إستقلالنا, وأن نفقد كل هذا على أيدي أولئك الذين يفوقوننا في القوة.
بالطبع إن تفكير آدم سميث كان يقوم على أساس حقيقة أنه كان مواطناً للإمبراطورية البريطانية ومدافعاً عن مصالحها؛ وهذا لا يمنعنا مطلقاً أن نتبنى ما يناسبنا من أفكاره. وقد فهم ويُفهِم أن القوة العسكرية تبنى على أسس إقتصادية, ووقف إلى جانب تنظيم إقتصادي يواجه إحتياجات وطنه أكثر من أي نظام آخر ؛ ولكن إذا كان العالم قد وصل إلى ما وصل إليه نتيجة للسياسة المركنتيلية المعاصرة فليس من الضروري أن يكون هذا خطأ آدم سميث وغيره من المفكرين الإقتصاديين, لأنه ما دامت الأمم الكبرى ستظل تضع كل إيمانها في قومية غير محدودة وسيادة وتسلط غير مقيدين فإنها ستظل تعتمد على تدابير تكون في رأيها هي أفضل ضمان لمصلحتها وإستقلالها وأمنها
 

[1] آدم سميث Adam SMITH, 1723-1790) ) لم إقتصاد سكوتلاندي, مؤلف كتاب “ثروة الأمم”, عام 1776, و”نظرية المشاعر الأخلاقية”, عام 1759. مؤسّس علم الإقتصاد السياسي (بعد الفيزيوقراطية الفرنسية) على ركيزة الشغل, الكلية المجرّدة, فاعلية الإنسان الذاتية مجرّدةً عن موضوعاتها الخارجية.

[2] الأمثلة حديثة جداً في هذا المجال: الحرب ضد يوغسلافيا أو صربيا, هذه الحرب دمّرت كلياً الإقتصاد اليوغسلافي من أجل تحقيق أهدافها السياسية ومن دون ان تشتبك او تقضي مباشرةً على الجيش اليوغسلافي. والمثل الثاني ليس بعيداً عنّا وهو الضربات الإسرائيلية المتلاحقة للمنشآت الكهربائية اللبنانية, هذه الضربات تهدف من الناحية الستراتيجية إلى فرض شروط السلام على لبنان رغم أن أهدافها المباشرة هي تدمير البنية الإقتصادية للبنان وشل القدرة العسكرية للمقاومة اللبنانية.

[3] الجنرال كارل فون كلاوزفيتز, “الوجيز في الحرب”, ترجمة أكرم ديري والهيثم الأيوبي, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت, 1988, ص. 27.
 

[4] كلاوزفيتــز

(Karl Von CLAUSEWITZ, 1780 - 1831)

جنـــــرال بروسي مـــن عائلــــة متواضعـــة, شارك في حروب عدة وبرز في معركة واترلو, إشتهر بكتاباته عن الستراتيجية التي إسترشد بها قادة ألمانيا وروسيا في ما بعد, ويعد من مؤسسي علم الجيوستراتيجيا. يعتبر كتابه “فـي الحرب” إسهاماً فلسفياً كبيراً لفهم الحرب قدمه للأجيال التالية, فأثر في معظم العقائد العسكرية التي ظهرت بعده. ويعتبر الكتاب تحليلاً عميقاً لمختلف جوانب ظاهرة الحرب, هذه الظاهرة التي عاصرت المجتمعات منذ نشوئها وأثرت في تطورها أو إنقراضها. وهو كتاب حافظت معظم أفكاره على جدتها.

[5] كلاوزفيتز, في الحرب, المرجع السابق, ص. 89.

[6] ­ BLUM Oskar, “Die Weltpolitischen Lehrjahre von Marx and Engels," in Archiv fur Sozialwissenschaft und sozialpolitik, XLIV, (1917-1918) , pp.530-566.

[7] المقصود النظام الملكي قبل الثورة الفرنسية الكبرى, عام 1789.

[8] أنظر مقالنا : “تمويل مصاريف الدولة : ضرائب أم دين عام ؟”, في الحيـــاة النيابيــــة,

المجلّد (33), كانون الأول ,1999 المديرية العامة للدراسات والأبحاث, المجلس النيابي اللبناني, بيروت, ص.ص.65­,80 ص. 66.

[9] باربـــــر بنجامين (عالم إجتماع من جامعة روتجرز). أنظر : أحمد مغربي, “فوكوياما : تبدد وهم نهاية التاريخ”, الســفـــيــــر, يومية لبنانية, بيروت, 8 حزيران ,2000 ص. 110.

[10] ­ “عقــدة أبراهـــام” : تعني أن ثمة خوفاً مكبوتاً في اللاشعور يحكم تصرفات السلف في علاقاتهم بالخلف. إنه خوف جيل الأباء على مكاسبهم الجنسية والإقتصادية والسياسية من تطلعات جيل الأبناء إليها, الأمر الذي يستدعي لدى الآباء قلقاً يحرّك فيهم غريزة القتال, غير أن حنان الآباء على الأبناء يكبت هذه الرغبة في القتال وكي تتحول إلى عقدة نفسية تعبر عن ذاتها بسلوك خارجي ظهرت فكرة التضحية “بالعزيز” بما في ذلك الأبناء, من أجل القيم والمثل العليا. ومن هنا جاءت تسمية هذه العقدة النفسية “بعقدة ابراهام”.

(Gaston BOUTHOUL, Traité de polémologie, P.U.F., Paris, 1970, pp.375-377)

. بوتـــول جاستون, “الحرب والمجتمع”, ترجمة عباس الشربيني, الإسكندرية, دارالمعرفة الجامعية, مصر, 1986.

[11] هذه العبارات كانت تتردد في كتابات القرن السابع عشر :

"Whoever commands the ocean commands the trade of the world, whoever commands the trade of the world commands the riches of the world and whoever is master that commands the world itself. The balance of power can no other way maintained or continued but by the balance of trade." Cité par Raymond ARON, Paix et guerre, Armand Colin, Paris, 1968, p.250.

[12] آدم سميث Adam SMITH 1723-1790)), إقتصادي سكتلندي مؤلف كتاب “بحث في طبيعة ودوافع ثروة الأمم”, والكتاب يعتبر مرجعاً قيماً لعدة مبادىء أهمها تحديد القيمات على أساس العرض والطلب, وتحرر التجارة من أي أشكال التحريم, وقيام التنافس الحر, وتقسيم العمل ...

[13] يعتبر عام 1776, تاريخ نشر كتاب “ثروة الأمم” لآدم سميث بداية نشوء علم الإقتصاد كعلم قائم بذاته يُدرس أكاديمياً. وقد إستخدمنا في مبحثنا هذا الطبعة التي أصدرتها المكتبة الحديثة عام 1994 التي هي إعادة لطباعة النسخة التي قدمها أدوين كانان عام 1904. كذلك إستعملنا الترجمة الفرنسية التي ترجمها جيرمان غارنييه عام 1802 حيث توفر لنا الجزء الأول منها الذي أعيد طبعه عام 1991 وهي طبعة غارنييه لعام 1881 (Cf. G-Flammarion, p61).

Adam SMITH, An Inquiry Into The Nature and Causes of THE WEALTH OF NATIONS, Edited by Edwin CANAAN, The Modern Library, New York,1994.
Adam SMITH, Recherches sur la Nature et les Causes de la Richesse des Nations, 2 Tomes, Traduction par Germain GARNIER, revue par Adolphe BLANQUI, Garnier-Flammarion, Paris, 1991.

[14] يشكل المركنتيليون أول المذاهب الكبيرة في الفكر الإقتصادي, لإهتمامهم الكبير بقضية التبادل التجاري. ونستطيع أن نقول إن الكتاب الرئيسيين في هذا المذهب ساهموا بقـــدر هام في تحليل مشاكل التجارة الدوليـــة. يوجـــد أربع مدارس للمذهــب المركنتيلـــي

Le mercantilisme) ): “المعدنيون” Le Bullionisme) ) وعرفت مدرستهم بهذا الإسم في شبه الجزيرة الإيبيريـــة, وتعرف في فرنسا بـ “الكولبرتيـــه” Le Colbertisme)) وفي بريطانيا بـ”التجارية” Le Commercialisme) ) وفي كل من النمسا وألمانيا بـ “علم الخزانة”

Caméralisme) ) أنظر: عبد العزيز هيكل, موسوعة المصطلحات الإقتصادية والإحصائية, دار النهضة العربية, بيروت, 1986, ص. 564­565.

A. SILEM et alii, Lexique dصéconomie, Dalloz, Paris, 1987, p. 313.

[15] مُنظر في الثورات الإجتماعية يشبه أيضاً التجارة بالحرب, فيقول: “ ... ان الحرب مثلها في الغالب مثل التجارة, والقتال بالنسبة للحرب مثله مثل الدفع نقداً في التجارة, ومهما كان من النادر أن تقضي الضرورة بحدوث القتال فإن كل شيء إنما يتجه نحوه, ولهذا فأنه يجب أن يحدث وأن يكون حاسماً ..”. فريدريك إنجــلــز, رسالة إلى كارل ماركس, بشأن كتاب كلاوزفيتز “في الحرب”, تاريخ 25 أيلول, 1857.

[16] DIAKTINE Daniel, Présentation de la Richesse des Nations, in A. SMITH, Recherches sur la Nature et les Causes de la Richesse des Nations, op. cit., Tome I, p.14.

[17] SCHMOLLER Gustav, The Mercantilism System and its Historical Significance, London & New York 1896.

[18] Friedrich LIST [1841], cité par G. SCHMOLLER, The Mercantilism System and its Historical Significance, op. cit., 293.

[19] حـــــرب السبع السنين (La guerre de Sept Ans, 1756-1763), حاربت فيها بريطانيــــا وبروسيا ضد فرنسا والنمسا والروسيـــا, وإمتــــازت هذه الحرب في البر بمعركة روسبــــاخ وفي البحر والمستعمـــرات بفقدان فرنسا لمستعمراتها في كنـــدا والهند وقد إنتهــــت الحرب بمعاهــــدة باريس. (Cf/ petit ROBERT, Dictionnaire Universel des Noms Propres, p. 1651).

[20] التشكيكية Scepticisme) ) وتعني في الأصل العقيدة الفلسفية التي ترمي إلى أن حقيقة المعرفة يجب أن تكون دائماً موضع بحث يقوم على الشك.

[21] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p. 527.

[22] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p. 663.

[23] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., pp. 615-692.

[24] A. SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.657, pp.677-8, p.682, p.700, p.814, p.964.

[25] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS,op. cit., p.663.

[26] Adam SMITH [1776],... THE WEALTH OF NATIONS,op. cit., p. 690.

[27] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS,op. cit., p.689.

[28] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.663.

[29] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.491.

[30] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., pp.526-527.

[31] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.458.

[32] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.469.

[33] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., pp.747-765.

[34] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., pp.457-458.

[35]  ­ Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.468.

[36] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., pp.472-473.

[37] أنظر سابقاً, الهامش.

[38] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.473.

[39] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.475.

[40] أنظر مقالنا: “تمويل مصاريف الدولة: ضرائب أم دين عام؟”, في الحيـــاة النيابيــــة,

المجلّد (33), كانون الأول1999, المديرية العامة للدراسات والأبحاث, المجلس النيابي اللبناني, بيروت, ص.ص.65­80.

[41] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., pp.996-998.

[42] ­Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.1004.

[43] “إن كل عجز ــ في موازنة الدولة ــ هام ومتواصل يؤدي بالضرورة إلى الفوضى فالإستعباد” حسب قول مستشار الجنرال ديغول والإقتصادي الفرنسي المعروف جاك رييف.

 (Jacques RUEFF, L'ordre social, Ed. Génin, Paris, 1967, pp. 632-640)

. أنظر : د. عبد الله عطية, “مخاطر العجز والدين العام على الإستقرار والحريات في لبنان”, دار الجديد, بيروت, 1998, ص.ص. 52­53.

[44] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS,op. cit., p.986.

[45] كان جاك نيكــــرJacques NECKER) ) وزير دولة مكلفاً بالخزانة (أي ما يُناظر وزير المالية في يومنا هذا) عشية الثورة الفرنسية. وقد ساهمت إقالته بإنتشار الحركات الثورية داخل باريس والتي أدت في النهاية إلى الهجوم على الباستيل. أنظر مقالنا : “تمويل مصاريف الدولة : ضرائب أم دين عام ؟” ذكر سابقاً, ص.ص. 67­68, الهامش رقم 12.

[46] ­Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p. 1007.

[47] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.984 &996.

[48] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.997.

[49] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.997.

[50] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.996.

[51] على الأقل جزء منه, لأنه, كما يقول آدم ســميــــث : “عندما يتضخم الدين الوطني ويصل إلى حجم معيّن, ليس هناك حالة ولو مثل واحـــد, على ما أعتقـــد, تمّ فيه تسديــد الدين بأمانة وبكاملــه” A. SMITH, op. cit., p.1008

[52] جــ . ف . ميلــون (J. F. MELON, 1675-1738), كان مساعداً لجون لــو

 Jean LAW) ) , وصاحب مؤلـــف ناجـــح في مجــــــال علم الإقتصاد السياسي

(Essai Politique sur le Commerce, 1734(

. انظر كتاب :

 )David RICARDO [1817], Des Principes de l’economie Politique et de lImpot, Flammarion, Collection Champs, Paris, 1977, Note 1 p. 216.)

[53] هذه المعادلة يذكرهـــــا آدم ســميــث (في النسخة الأصلية لكتابــــه) مــــــن دون أن يذكر المؤلف A. SMITH, op. cit., p.5001) )

. ولكن جون باتيست ســـــاي ينسبها إلى ميلــــون, انظر :

)J-B. SAY [1803], Traité dصéconomie politique, 5eme édition [1803], Calmann-Lévy, Paris, 1972, p. 549)

54] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.1005.

[55] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.1006.

[56] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.1006.

[57] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.1006.

[58] المقصود به ذلك الإقتصاد الذي يدرس الترابطات الداخلية لعلاقات الإنتاج.

[59]  ­ Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.747 & p.764.

[60] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.753.

[61] Adam SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., pp.747-765.

[62] قوانين الملاحة The Act of Navigation) ) : سلسلة طويلة من القوانين ذات طابع وقائي صدرت على أوقات متفرقة لمنع التجارة الأجنبية من التنافس على قدم المساواة مع التجارة الإنكليزية. وبالرغم من أن هذه القوانين ترجع إلى عهد ريتشارد الثاني إلا أن أهمها صدر في عهد كرومويل عام 1651 موجهاً بالأخص ضد هولنده ونص فيه على أن كل واردات بريطانيا يجب أن تنقلها سفن إنكليزية أو سفن الدولة المصدرة, وأن كل صادرات بريطانيا يجب أن تحملها سفن انكليزية, وذلك بقصد احتكار نقل السلع الإنكليزية للعالم كله. وقد طبقت هذه القوانين أيضاً في ممتلكات بريطانيا ما وراء البحار. وقد أثار هذا القانون المشاكل ضد بريطانيا في مستعمراتها الأمريكية وفي إيرلندا, ولم تعطل هذه القوانين إلا في منتصف القرن التاسع عشر. وقد نص في أمر التعطيل للقانون على وجوب العودة إليه إذا وضعت أية تحديدات على السفن الإنكليزية في المياه الإقليمية لأي من الدول Standard Encyclopedia) New)

.Sea Navigation Act of England, in A. SMITH [1776], ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., pp.492-494, pp.644-6, p.648, p.664.

[63]  ­ G. S. GRAHAM, Sea Power and British North America, Cambridge Press, 1941, pp. 15-17.

[64]  ­ Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.492.

[65] ­ “البرلمان الطويل الأجل”: هو البرلمان الذي دعى للإنعقاد بأمر من شارل الأول في الثالث من نوفمبر سنة 1640, وقد كان هذا البرلمان هو الذي قام بالحرب الأهلية ضد شارل الأول, وقد بدأ الإصطدام عندما قرر البرلمان أن فرض الضرائب إنما يرجع إلى سلطة مجلس العموم وليس إلى الملك, وقد بدأت الحرب الأهلية في يناير سنة 1642 عندما أبى النواب إطاعة الملك بتسليم زعماء المجلس “هامبرن وبايم وهوليس وهازلريغ وسترود” للمحاكمة؛ وقد أدى هذا إلى إلغاء مجلس اللوردات وتعيين المحكمة العليا التي حاكمت شارل الأول وحكمت بإعدامه, وقد استمر المجلس قائماً حتى سنة 1653 عندما حلّه كرومويل بقوة الجيش, وعاد المجلس نفسه للإنعقاد سنة 1659 بعد موت كرومويل وكان هذا المجلس هو الذي استدعى شارل الثاني للحكم وحُل هذا المجلس سنة 1660 وبذلك كانت مدته قرابة العشرين السنة وهي أطول مدة بقي فيها مجلس نيابي في تاريخ بريطانيا ( Encyclopedia New Standard )  

[66] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.493.

[67] أوليفر كرومويل ولد سنة 1599, كان عضواً في البرلمان الطويل الأجل. أعد للثورة وهزم قوات الملك باسم البرلمان في ناسيلي عام 1640, وكون المحكمة التي قضت بإعدام شارل الأول في عام 1649, حل البرلمان الطويل الأجل عام 1653 وتولى الأمر مطلق السلطان مع لقب “حامي الجمهورية”. ويعتبر كرومويل واحداً من أعظم الرجال في تاريخ بريطانيا طوال العصر الذي عاش فيه حتى عام 1658.

 (Cf. R. MARX, L’Angleterre des révolutions, Armand Colin, 1971. A. WOOLRYCH, Oliver Cromwell, University Press, Oxford, 1964. C. HILL, The Century of Revolution, 1603-1714, Nelson, London, 1961 & Sphere Book, 1969) .

[68] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.493.

[69] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.493.

[70] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.494.

[71] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.554.

[72] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., pp.554-555, note 39, pp.554-559.

[73] ­ Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.492.

[74] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.492.

[75] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., pp.554-555, note 39, pp.554-559.

[76] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.559.

[77] ­ وليم بيـــتــي (Sir William PETTY, 1623-1687) طبيب وإحصائي إنكليزي بارز عمل طبيباً في الجيش الإنكليزي ثم مستشاراً لكرومويل ولشارل الثاني بعده. وقد دافع عن حرية التجارة وكان أول المعترفين بـأن سعر السلع تحـدده كمية العمل اللازمة لإنتـاجـه

Dictionnaire petit ROBERT, des Noms Propres) ) . يعتبر بيــتـــي أول مـن إهتم بعلم الإقتصاد على أسس حسابية, وكان إهتمامه الأسـاسي موجهاً إلى المالية العامة حيث قدم دراسات هامة في نظرية الـنقود والسياسة الماليـة

 Essais d'arithmétique économique, 1680; Anatomie politique, 1691) )

­أنظر : د. عبد العزيز فهمي هيكل, موسوعة المصطلحات الإقتصادية والإحصائية, دار النهضة العربية, بيروت, 1986, ص. 655. ­ ويعتبر بما كتبه في هذه المصطلحات مؤسس الإقتصاد السياسي الكلاسيكي في إنكلترا ­المقصود به ذلك الإقتصاد الذي يدرس الترابطات الداخلية لعلاقات الإنتاج­ أنظر كارل ماركــس, رأس المال, المجلّد الأول, دار التقدم, موسكو, ص. 119 & ص. 757. كما أن ما كتبه في الإحصاء المقارن يعتبر أساساً لما كتبه الإقتصاديون المحدثون في حقل الإحصاء الإقتصادي المقارن. أنظر : د. فهمي هيكل, المرجع السابق, ص. 655.

[78] هانس بيتر مارتن & هاراد شومان, فـــخ العولمــــــــة, الإعتداء على الديموقراطية والرفاهية, المجلس الوطني للثقافـــة والفنــــون والآداب, سلسلة عالم المعرفة, العـــدد 238, الكويت, 1998, ص. 29.

[79] نستعمل هنا عبارة جيش نظامي وجيش من المحترفين وجيش عامل وجيش قائم وجيش ثابت وجيش دائم المعنى نفسه.

[80] أنظر : جون نيــــف, ترجمة محمد عبد المجيد رؤوف وآخرون, “الحرب والتقدم البشري, دراسة في نشأة الحضارة الصناعية”, دار المأمون للترجمة والنشر, بغداد, 1991, ص. 279.

[81] Francis BACON, Essais Civil and Moral, n!19, زOf the Greatness of kingdom and statesس, in The Works of Francis Bacon, Edited by James Speedding, Boston, 1840.

[82] فرنسيس بيكون (Francis BACON, 1561-1626), بارون ورجل دولة وفيلسوف إنكليزي بارز, أبو المادية الإنكليزية, عالم طبيعيات ومؤرخ. يعتبر بيكون رائد المذهب المادي التجريبي, ناقض ضلالات الذهن البشري أو الأصنام الأربعة (أصنام الطبيعة البشرية, أصنام الفرد, أصنام اللغة, أصنام المسرح أو المذاهب الفلسفية), مؤسس “التقنية” ضد “السحر”, التقنية هي السحر الحقيقي, أي الفاعل والنافع والمجدي.

[83] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.844.

[84] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.845.

[85] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.845.

[86] كوبدن ريتشارد (COBDEN, 1804-1865), صناعي إنكليزي, شخصية سياسية, أحد أنصار حرية التجارة ومن مؤسسي الرابطة ضد قوانين الحبوب؛ عضو في البرلمان البريطاني.

[87] برايت جون (BRIGHT, 1811-1889), صاحب مصانع ورجل سياسة إنكليزي, واحد من زعماء أنصار حرية التجارة ومؤسسي الرابطة ضد قوانين الحبوب. إعتباراً من بداية الستينات, زعيم الجناح اليساري للحزب الليبرالي. شغل عدداً من المناصب الوزارية في حكومات الليبراليين.

[88] آل ستيوارت : أسرة سكتلندية قديمة حكمت سكتلندا لفترة طويلة (1714-1371)

ثم إنكلترا (1714-1603)

وينتسب إليها كثيرون من ملوك انجلترا, منهم ماري ستيوارت وشارل الأول والثاني وجاك الأول والثاني وغيرهم.

[89] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., pp.762-763.

[90] هاجم الشاعر جون دريدن John DRYDEN, 1700-1631) ) ـ وهو شاعر إنكليزي كلاسيكي أصبح الشاعر الرسمي للعرش الملكي في إنكلترا ـ الجنود من الميليشيا في قصيدة شهيرة (سيمون وأفيجينيا) بصور تنطبق على أوصاف شبيهة برجال الميليشيات في العالم الثالث في عصرنا الحالي. ورغم مضي ثلاثمئة سنة على القصيدة فإنها تتمتع بحقائق خالدة:
إن الأرض لتمتلىء بصرخات الفزع عالية
عندما ينساب جنود الميليشيا في الحقول
إنهم أفواه بلا أيد يتطلب إطعامها النفقات الطائلة
وهم في السلم يهاجمون ويهددون ...
فإذا جاءت الحرب كانوا ضعافاً في الدفاع عن البلاد
إنهم يسيرون مرة كل شهر خلف موسيقى صاخبة
وهم دائماً في المقدمة, إلا إذا كانت هناك حاجة ملحة لسواعدهم فإنهم يتقاعسون ...

[91] توماس بابينغتون ماكولي (1800­- 1859), مؤرخ ورجل سياسة إنكليزي, عضو البرلمان عام 1830. نجح ككاتب وإشتغل على كتابه تاريخ إنكلترا وقد غطى فيه المدة من ثورة كرومويل حتى موت جون الثالث. وقد صدر الجزء الخامس من هذا الكتاب بعد وفاته بعامين.

MACAULAY Thomas Babington, زHistory of Englandس, vol. IV, Riverside Edition, Boston, pp.186-187.

[92] SMITH Adam, Lectures on Justice, Police, Revenue and Arms, delivered in the University of Glasgow. Reported by a student in 1763, and edited with introduction and Notes by Edwin Canan, 1896.

[93] HUTCHESON Francis, A short Introduction to Moral Philosophy, vol. II, Edited by Glasgow University, 1764, pp.348-349.

[94]  ­ SMITH Adam, ... THE WEALTH OF NATIONS, p. XXVII & p.763.

[95] SMITH Adam, ... THE WEALTH OF NATIONS, p.763.

[96] SMITH Adam, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.845.

[97] SMITH Adam, ... THE WEALTH OF NATIONS, pp.755-756.

[98] أنظر تجربة كل من الجيش النظامي المقدوني (الذي أصبح نظامياً بإستمرارية المعارك) وتجربة جيش هنيبعل القرطاجي. كان تنظيم الجيشين كجنود محترفين هو السبب الرئيسي بإنتصار الأول على ميليشيا المدن اليونانية والفارسية ولإنتصار هنيبعل على روما (الإنتصار الأول).

(A . SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., pp.758-759)

[99] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.753 & pp.764-765.

[100] A. SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, Introduction and plan of the work, op. cit., p.Lix.

[101]  ­ A. SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, Book I, Chapter I, op. cit., p.3.

بالرغم من أن “تقسيم العمل” لم يبدأ منذ البارحة, فإن المجتمعات, منذ القرن الثامن عشر فقط, بدأت تشعر بهذا القانون, الذي كانت, حتى ذلك الحين, تخضع له, بطريقة تكاد تكون غير واعية. ومما لا ريب فيه أن مفكرين كثيرين, منذ الزمن القديم, قد أدركوا أهميته ­ . ولكن آدم سميث هو أول مفكر حاول أن ينشىء نظريته. وهو الذي إبتكر هذه الكلمة, التي أعارها العلم الإجتماعي في ما بعد إلى علم الحياة (البيولوجيا).

DURKHEIM Emile [1893], De la division du travail social, P. U. F. , Coll. Quadrige, Paris, 1986, p.1. & A. FERGUSON, Qu’est-ce que la division du travail?, Vrin, Paris, 1994, pp.5-6.

[102] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.753.

[103] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p. 754.

[104] أعلن إستقلال أمريكا في الرابع من يوليو عام 1776, وشمل هذا الإعلان ثلاث عشرة ولاية تحت اسم “الولايات المتحدة الأمريكية” وقد اضطر الإنكليز لإعلان هذا الإستقلال بعد هزيمتهم أمام جورج واشنطن, واعترفت حكومة لندن بسيادة الولايات المتحدة في معاهدة 3 أيلول سنة 1783, وأصبح واشنطن أول رئيس جمهورية للولايات المتحدة.

[105] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., pp. 599-691.

[106] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.629.

[107] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., pp. 640-641 & p.665.

[108] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.665.

[109]  ­ Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.666.

[110] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., pp.672-673.

[111] Adam SMITH, ... THE WEALTH OF NATIONS, op. cit., p.494.