مشاكل حياتية

الأسعار تقفز في المجهول فما العمل؟
إعداد: تريز منصور - ليال صقر الفحل

لماذا تتغيّر أسعار السلع، مع «كل شرقة شمس»؟ شحّ السيولة بالدولار الأميركي في اقتصاد «مدولر» استهلاكي يستورد بقيمة ٢٠ مليار دولار هو السبب الأساسي، لكن جشع التجار هو أيضًا سبب مهم في ظلّ الفوضى العارمة. فما العمل؟ ما الإجراءات المتخذة لمواجهة هذا الواقع؟


وفق مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة السيدة عليا عباس، ارتفعت أسعار بعض السلع بنسب تراوح بين ١٠ و١١٪، ووصل الارتفاع إلى ٢٥٪ في سلع أخرى. والمشكلة الأكبر أنّ هناك كل يوم سعرًا جديدًا للسلعة نفسها، كما أنّ السعر قد يختلف من متجر إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى. تردّ عباس السبب إلى أزمة الدولار وما ترافق معها من ارتفاع في سعر صرفه في السوق الموازي (سوق الصيارفة)، إضافة إلى زيادة رسم الـ٣ ٪ على ٩٠ ٪ من السلع المستوردة (باستثناء القمح والمحروقات) والرسوم الوقائية على ١٨ سلعة، مع العلم أن ٩٠٪ من استهلاك لبنان يعتمد على الاستيراد.
وتشير عباس إلى أنّ وزارة الاقتصاد تراقب السوق وفق الصلاحيات التي أعطاها إياها القانون وضمن الإمكانات المتاحة لها. فمديرية حماية المستهلك في الوزارة تقوم بدورها من خلال مراقبة الأسعار في جميع المناطق اللبنانية، ومقارنة سعري الشراء والمبيع، لكن عدد مراقبيها لا يتخطى المئة، لذلك هي تستعين بطلاب الجامعات منذ العام ٢٠١٥، وقد طلبت التعاون مع المزيد منهم في هذه الفترة الحرجة من تاريخ لبنان.
في ٦ تشرين الثاني ٢٠١٩ أصدرت الوزارة تعميمًا (رقمه ٧/١/أ.ت) حول وجوب التزام التجار ومزوّدي الخدمات على الأراضي اللبنانية التسعير بالليرة اللبنانية، واستيفاء الثمن أو البدل، وإصدار فواتيرهم بها، وذلك تحت طائلة اتخاذ التدابير القانونية اللازمة بحق المخالفين.
وبناءً عليه، إذا تبيّن للمراقبين خلال جولاتهم أنّ الأسعار غير واقعية ومضخّمة، تُتّخذ بحق المخالفين الإجراءات اللازمة، للمحافظة على حق المستهلك النهائي (المواطن)، والذي يُعتبر الحلقة الأضعف في المعادلة. وكانت الوزارة قد اقترحت تعديل قانون حماية المستهلك، لناحية فرض الغرامة المباشرة على المخالفين، لما في ذلك من جدوى كبيرة، وترك الأمور الجزائية والاعتراضات للقضاء، ولكن الأخير اعترض على هذا الاقتراح، علمًا أنّ الأحكام القضائية قد تكون غير مجدية في بعض الأحيان، نظرًا لسقوط مفاعيل الغرامة مع مرور الزمن.
لكن وإزاء الفوضى العارمة في الأسعار، وإزاء الصلاحيات المحدودة لوزارة الاقتصاد، وجّهت الوزارة بتاريخ ٢٦ تشرين الثاني ٢٠١٩ كتابًا إلى وزير العدل تطلب فيه إعطاء مديرية حماية المستهلك «صلاحيات استثنائية»، على الأقل خلال فترة الأزمة. تسمح هذه الصلاحيات بمنح المخالفات «صفة العجلة» من خلال تحويلها إلى القضاء المختصّ - القاضي المنفرد الجزائي المختصّ- سندًا لقانون أصول المحاكمات الجزائية، وتحديدًا المادة ٣٩ منه، التي تنصّ على أنّه «يحقّ لنواطير القرى وموظفي المراقبة في وزارة الصحة ومراقبي الأحراج وحماية المستهلك والموظفين المختصين بالرقابة في الجمارك وإدارة حصر التبغ والتنباك وفي المرافىء والمطارات وفي وزارة السياحة والحرّاس الليليين أن يضبطوا، كل في حدود اختصاصه، ووفق الأنظمة المنوط به تطبيقها، المخالفات ويثبّتوها في محاضر منظّمة أصولًا ويودعوها القاضي المنفرد المختصّ».
ومن شأن هذا الاستثناء أن يضفي على تلك المخالفات، صفة العجلة، وأن يوفر صفة «الردع من خلال سرعة التنفيذ».
وأكّدت عباس أخيرًا أنّ هناك تجارًا يمارسون سياسة الاحتكار، وثمّة عمل كثير، وفريق المراقبين قليل، وهؤلاء يعملون أكثر من ست عشرة ساعة في اليوم، وبالتالي فالوزارة بحاجةٍ إلى طلاب الجامعات لمؤازرة فريق حماية المستهلك.

 

استغلال متوحّش
بدوره، أكد رئيس جمعية مستهلك لبنان الدكتور زهير برّو أنّ مسار ارتفاع أسعار السلع كان مرتقبًا حتى قبل أن تبدأ التحرّكات في الشارع، وتحديدًا عند بدء ارتفاع أسعار بطاقات التعبئة المسبقة الدفع للخلوي نتيجة تسعيرها بـالدولار.
وأوضح أنّه في ظلّ الفوضى القائمة وعدم متابعة السلطة السياحية للموضوع، وترك الدولار والليرة بين أيادي المصارف والتجار، بدأ ارتفاع أسعار السلع، مشدّدًا على أنّ اللجوء إلى رفع الأسعار من قبل التجار ليس فقط للحفاظ على مصالحهم ورأسمالهم وإنما أحيانًا لاقتناص الفرص.
وأضاف: ارتفاع أسعار السلع والخدمات في السوق اللبناني بحجّة ارتفاع صرف الدولار، هو نوع من الاستغلال المتوحش من قبل التجار. فالمادة ٢٥ من قانون حماية المستهلك تنصّ على ضرورة تسعير السلع والخدمات المحلية بالليرة اللبنانية.
وعن ما إذا كانت الجمعية قد أصدرت مؤشّرًا للأسعار في هذه الفترة أكد الدكتور برّو «أنّه من المستحيل اليوم حصر سلّة الأساسيات من المواد الغذائية والاستهلاكية، وقد أجرت الجمعية مقارنة بين شهري أيلول وتشرين الثاني، وتبيّن أنّ ارتفاع الأسعار جاء وفق الآتي: ٣٪ على الأجبان والألبان، ٢٧٪ على الخضار، ٢٪ على الفاكهة، و ٧ ٪ على اللحوم».
ولفت إلى أنّ الجمعية تستقبل عشرات المراجعات يوميًا وتحاول مساعدة المواطنين من خلال تلقّي اتصالاتهم على الخط الساخن رقم ٧٥٠٦٥٠/٠١ لمعرفة المشكلة وتشخيصها ومحاولة معالجتها مع الجهات المختصّة، مستندة إلى قانون حماية المستهلك الذي أُقرّ في مجلس النواب اللبناني في العام ٢٠٠٥ والذي يجهله عدد كبير من الموطنين الذين لا يعرفون حقوقهم.

 

ماذا يحصل في السوق؟
ارتفاع جنوني للأسعار... من المسؤول؟

الجولة في عدد من السوبرماركات تظهر ارتفاعًا يزداد يومًا بعد يوم في أسعار السلع الاستهلاكية، وشكاوى كثيرة للمواطنين.
المعلبات، البيض، الزيت، الحبوب، الحليب، الأجبان والألبان، اللحوم، الدجاج، التبغ، أدوات التنظيف... كلّها منتجات زاد سعرها.
واقع هذا الارتفاع فسّره نقيب أصحاب السوبرماركات في لبنان الدكتور نبيل فهد، الذي قال: انطلقت الزيادة في الأسعار قبل الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد اعتبارًا من النصف الثاني من تشرين الأول، وذلك بعد إقرار مجلس النواب زيادة رسم ٣٪ على السلع المستوردة من الخارج. وساعدت أزمة شحّ الدولار والتلاعب بأسعاره في تفاقم الوضع، كما أسهمت عوامل في ارتفاع الأسعار، من بينها: إقفال الطرقات وصعوبة نقل البضائع، ومن ثمّ إقفال المصارف وعدم قدرة التجّار على تأمين الدولار بسعر الصرف الرسمي، بالإضافة إلى تفشّي السوق السوداء، مما رفع أسعار بعض السلع (المستوردة حصرًا وليس السلع المحلية) حتى اليوم، إلى ما يزيد عن ٢٥٪، وهي نسبة مرجّحة للارتفاع.

 

من يراقب، ومن يحاسب؟
وعلى الرغم من تحديد المادة ٢٥ من قانون حماية المستهلك، ضرورة تسعير السلع والخدمات بالليرة اللبنانية تحت طائلة المحاسبة القانونية، إلّا أنّ الأمر بحسب فهد لم يشكل رادعًا أمام استغلال التجّار الذين استفادوا من الأزمة الراهنة. فوجد أصحاب السوبرماركات أنفسهم أمام عدة خيارات كأن يشتروا الدولار من الصرّافين مهما ارتفع سعره لتأمين السلع حتى لا تفقد بعض الماركات عن رفوفه، أو أن يتوقّفوا عن شرائها. وهذه الصيغة اعتمدتها بضع سوبرماركات رفضت دفع ثمن المنتجات بالدولار حتى لا تضطر إلى رفع أسعارها على المستهلكين، ورفعت لوحات تعتذر فيها من الزبائن لعدم توافر بعض السلع لديها بسبب رفضها لاستلامها بضاعة من عدد من التجار رفعوا الأسعار بصورة غير منطقية. وتحاشيًا لخسارة الزبائن، لجأ عدد من أصحاب السوبرماركات إلى شراء ماركات جديدة أقل كلفة.
وأكّد فهد أنّ ارتفاع الأسعار مرتبط مباشرة بارتفاع قيمة الدولار مقابل الليرة اللبنانية، وأنّها لن تعود كالسابق ما لم تحلّ أزمة الدولار. ونظرًا إلى أنّ سعره يختلف من يوم إلى يوم و من أسبوع إلى آخر، نجد أن الأسعار تختلف بين المحال بحسب أي تاريخ اشترت فيه المؤسسة التجارية أو السوبرماركات بضاعتها وبحسب سعر الدولار حينها.
ولفت إلى أنّه مع بداية الأزمة، شعر المواطنون بضرورة تخزين بعض المواد الاستهلاكية الأساسية كالسكّر والطحين والعدس والفاصوليا... خوفًا من المجهول، واستفاد بعض أصحاب السوبرماركات من هذه المخاوف، وعمدوا إلى احتكار كميات كبيرة وخزّنوها لتُباع بأسعار مرتفعة في ما بعد بحجّة أنه تم شراؤها عندما ارتفع سعر الدولار.
وعلى الرغم من تسطير وزارة الاقتصاد يوميًا لمئات محاضر الضبط على التجار والمحال التي تتخطى هامش الربح المنطقي، إلا أنّ قيمة هذه المحاضر ليست رادعًا حقيقيًا للمؤسسات الكبرى يمنعها من المخالفة مرارًا وتكرارًا، كما أنّ هذه المحاضر قابلة للاستئناف أيضًا.
 

مؤسسات الاقتصاد
تؤمّن مؤسسات الاقتصاد في الجيش السلع بأقل كلفة ممكنة، وهي تقدم العديد من العروضات. وبالإضافة إلى العسكريين يستفيد من خدماتها الموظفون المدنيون في الجيش.