الأسلحة الكيماوية: هل يجب إبقاؤها على قائمة أسلحة الدمار الشامل؟

الأسلحة الكيماوية: هل يجب إبقاؤها على قائمة أسلحة الدمار الشامل؟
إعداد: رياض قهوجي لندن
كاتب في الشؤون الاستراتيجية

تعتبر الأسلحة الكيماوية بشكل عام من أسلحة الدمار الشامل التي تشمل قائمتها كلاً من الأسلحة البيولوجية والنووية, إلا أن بعض الخبراء العسكريين يعتقد أن الأسلحة الكيماوية وبالرغم من خطورتها لا ينبغي أن تصنف ضمن قائمة أسلحة الدمار الشامل. ويعتمد هذا الفريق من الخبراء في نظريته على نتائج الصراعات التي شهدت استخدام السلاح الكيماوي والتي كان آخرها الحرب العراقية ­ الايرانية حيث لم يتجاوز عدد ضحايا الهجمات بالأسلحة الكيماوية نسبة الثلاثة بالمئة من مجموع قتلى الحرب طوال السنوات الثمانية بين 1980 و1988([1]). تجدر الاشارة هنا إلى أنه تمّ رصد استخدام الأسلحة الكيماوية خلال 155 يوماً من اصل 2890 يوماً من القتال بين العراق وايران([2]). وقد كان العراق الطرف البادئ باستخدام الأسلحة الكيماوية واعتمد عليها بنسبة أكبر من الطرف الايراني. لكن لو كان السلاح الكيماوي من أسلحة الدمار الشامل فلماذا لم يحسم حرب الخليج الأولى بسرعة وهل كان لاستخدامه تأثير على النتيجة النهائية للحرب؟ هذا ما سنحاول طرحه والاجابة عليه في سياق هذا البحث الذي سيتطرق أيضاً لتطور الأسلحة الكيماوية, وتداخلها مع الأسلحة البيولوجية وسبل الوقاية ضدها, مع التركيز على وضع هذه الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط.
يعتبر بعض المؤرخين للحرب العراقية الايرانية انها اطول حرب في القرن العشرين([3]), وقد خلفت أكثر من مليون قتيل, وبدأت حرب الخليج الأولى عندما شنّ الجيش العراقي هجوماً واسعاً لاستعادة أراض كانت بغداد تخلّت عنها لإيران بموجب معاهدة وقعت بين الدولتين عام 1975([4]). وكانت ايران غداة الهجوم العراقي المفاجئ في حالة انتقال سياسي من عهد الشاه إلى حكم الجمهورية الاسلامية. كما كانت غالبية القوات الايرانية حينها منتشرة على طول الحدود مع افغانستان التي كانت يومها تحت احتلال الجيش السوفياتي. وقد منحت هذه الظروف فرصة ذهبية لحكومة صدام حسين لفرض سيادتها على منطقة شط العرب. لكن القوات العراقية التي احرزت تقدماً ملحوظاً في بداية الحرب وجدت نفسها لاحقاً أمام خصم قوي يفوقها عدة وعدداً. هنا لجأ العراق الى ترسانته الكيماوية في محاولة لقلب المعادلة على أرض المعركة.

برنامج العراق الكيماوي
يعود اهتمام العراق في الأسلحة الكيماوية الى حقبة الستينات, لكن سعي القيادة العراقية لتطوير هذا السلاح زاد بعد حرب عام ثلاثة وسبعين بعد شيوع أنباء عن نشر كل من مصر واسرائيل أسلحة كيماوية على الجبهة([5]). إلا أن الأسلحة الكيماوية لم تستخدم في أي من الحروب العربية ­ الاسرائيلية. وقد حصل العراق في السبعينيات على أسلحة كيماوية من الاتحاد السوفياتي. وساعدت موسكو يومها كلاً من مصر والعراق على بناء منشآت لتصنيع غاز الخردل وتحميله في قذائف هاون عيار 120 ملم وقذائف مدافع ميدان من عيار 130 ملم([6]). وبدأ العراق منذ يومها سلسلة برامج سرية لبناء ترسانته من الأسلحة الكيماوية. وبما ان معظم المعدات والأجهزة المستخدمة في تصنيع الأسلحة الكيماوية ذات استخدام مزدوج, اي للاستخدام المدني والعسكري, فقد تمكنت بغداد من الحصول على حاجتها من المعدات لإنتاج انواع متعددة من الغازات السامة. وكان العراق يدّعي أن المعدات التي يطلبها هي لتصنيع مبيدات للحشرات ومواد كيماوية للزراعة. ولم تكن جهود العراق مثمرة في عامي 75 و76 عندما حاول الحصول على معدات من شركتين صينية وأميركية, فقد رفضت الشركتين تقديم أي مساعدات للعراق بعد أن شكت بنوايا بغداد([7]), لكن جهود العراق الدؤوبة أتت ثمارها في المانيا الغربية حيث, وحسب تصريح وزير الاقتصاد الألماني السابق هلموت هوسمان, قامت خمس وعشرين شركة حتى عام 1990 بتزويد بغداد تكنولوجيا وتجهيزات لتصنيع أسلحة كيماوية([8]). كما ساهمت شركات في كل من النمسا وسويسرا وهولندا وبلجيكا وايطاليا في بناء ترسانة العراق من الأسلحة الكيماوية.
عندما بدأت الحرب العراقية ­ الايرانية كانت بغداد تملك مخزوناً من غاز الخردل وغاز سي اس
(CS) تمّ انتاجها في مجمع سمارا. وقد استخدمت الأسلحة الكيماوية في شكل محدود خلال أول سنتين للحرب. ولكن مع تصاعد الحرب وتمكن ما يسمى “بالأمواج البشرية” الايرانية من تحطيم خطوط الدفاع العراقية, ركزت بغداد جهودها على زيادة انتاجها من غاز الخردل وتصنيع غازات سامة جديدة. وتمّ عام 1982 بناء مجمعات صناعية لإنتاج الأسلحة الكيماوية في كل من عكاشات والبصرة وسبب وسلمان بك والفالوجه([9]). ومع نهاية عام 82 كان العراق قد بدأ يصنع نوعين من غازات الاعصاب وهي سارين (Sarin) وتابون (Tabun), وأخذت قواته تستخدمهما بشكل كثيف ضد القوات الايرانية. ويعتبر سارين وتابون من الغازات السامة التي تدخل الجسم عبر الجلد أو المجاري الهوائية, وتبدأ عوارضها بالظهور خلال أقل من دقيقتين حيث تبدأ عضلات الجسم بالانكماش والتوقف عن العمل تدريجياً وبسرعة كبيرة إذ يفارق المصاب الحياة في أقل من خمس عشرة دقيقة([10]).
إلا أنه حسب التقارير فإن الغازات المفضلة للقوات العراقية كانت تابون وغاز الخردل. ويعتبر غاز كبريت الخردل, الذي استخدمه العراق, من أول أنواع الأسلحة الكيماوية, واستخدم بشكل كبير خلال الحرب العالمية الأولى. وينتقل هذا الغاز الى المصاب أما عبر الاحتكاك الجلدي أو عبر المجاري الهوائية. ويسبب غاز الخردل تقرحات في الجلد والقصبة الهوائية وهذا يؤدي إلى آلام سطحية حادة في مختلف أنحاء الجسم وإلى صعوبات في التنفس مع التقيؤ. لكنه نادراً ما يؤدي إلى وفاة المصاب, خصوصاً إذا ما توفرت كميات من المياه والأدوية المضادة للالتهابات([11]). وقد استغل العراق ثروته الطبيعية من الكبريت لإنتاج غاز الخردل خصوصاً في مجمع الرطبه([12]). وازدادت كمية الانتاج للغازات السامة العراقية مع مرور الزمن. ففي عام 1985 كان العراق ينتج شهرياً عشرة أطنان من أنواع الغازات السامة كافة, في حين بلغ انتاجه عام 1988 من غاز لخردل وحده سبعون طناً شهرياً بالإضافة إلى ستة أطنان شهرياً من كل من غازي تابون وسارين([13]). وقد حملت هذه الغازات على أنواع مختلفة من الذخيرة مثل قذائف هاون عيار 81 ملم و120 ملم. وقذائف مدفعية من عيار 122 ملم و152 و130ملم, وصواريخ عيار 120ملم, وقنابل للطائرات وصواريخ جو ­ أرض عيار 90 ملم ورؤوس حربية لصواريخ أرض ­ أرض طراز فروغ­7([14]). وهذه الذخائر تشير إلى امتلاك العراق مقدرة على استخدام الأسلحة الكيماوية من الجو والبر ضد أهداف قريبة وبعيدة نسبياً.

برنامج ايران الكيماوي
كان برنامج ايران لتصنيع الأسلحة الكيماوية صغيراً جداً بالمقارنة مع البرنامج العراقي. ومرد ذلك إلى عدم وجود منشآت لتصنيع الغازات السامة في ايران قبل اندلاع الحرب. وهناك سبب آخر لتأخر البرنامج الايراني وهو ايديولوجي أو ديني, اذ كان قائد الثورة الاسلامية آية الله الخميني يرفض باستمرار السماح بانتاج غازات سامة بحجة أن الاسلام يحرّم على المحاربين تلويث الهواء والجو حتى ولو كان ذلك ضمن اطار حرب جهادية([15]). إلا أن القيادة الايرانية لم تعلن عن قرار الخميني بخصوص الأسلحة الكيماوية مما أبقى القيادة العراقية في حيرة من أمرها وغير أكيدة ان كانت طهران تنوي تصنيع غازات سامةأم لا. وعندما تمّ تجاوز العقبات الايديولوجية وقرّرت ايران الحصول على أسلحة كيماوية عام 1984, اصطدمت طهران بعقبات كبيرة في سعيها لشراء معدات لإنتاج غازات سامة بسبب العزلة الدولية التي فرضت على ايران بعد نجاح الثورة الاسلامية وسقوط الشاه وقطع العلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية. وبدأت مساعي ايران تتكلّل بالنجاح عام 1986 بعدما وافقت بعض الشركات الاوروبية على بيع طهران تكنولوجياً ومعدات مكّنت الايرانيين من تصنيع بعض الغازات السامة مثل غاز الخردل وسيانايد (Cyanide) وفوسجين (Phosgene) وكلورين (Chlorine)([16]). وقد تمّ انتاج معظم هذه الغازات في منشآت باسداران, باستثناء غاز الخردل. وقد انتجت ايران أنواعاً من الغازات مختلفة عن تلك الموجودة في الترسانة العراقية. فغازا فوسوجين وكلورين متقاربان نوعاً ما, وكلاهما ضمن فصيلة “الغازات الخانقة”, ويدخلان الجسم عبر المجاري الهوائية فقط ويسببان العوارض ذاتها. إلا أن غاز الكلورين اسرع وأقوى فعالية حيث يسبب افرازات داخل الرئة مما يؤدي الى امتلائها بسوائل تمنع التنفس وتقضي على المصاب خلال نصف ساعة. بينما غاز الفوسجين أبطأ, مما يمكن معالجة المصاب في حال توافر مراكز طبية قريبة([17]). أما غاز سيانايد فهو يصنف ضمن قائمة الغازات التي تسبب تسمماً بالدم, ويدخل الجسم عبر المجاري الهوائية فقط ويؤدي الى تقلصات وانكماشات في شرايين وأوعية الدم. العوارض التي تظهر على المصاب تتراوح حسب نسبة الكمية التي تنشقها. وفي حالة الجرعات الكبيرة, يفقد المصاب وعيه ويفارق الحياة في دقائق معدودة([18]).

الأسلحة الكيماوية في النصف الأول من حرب الخليج الأولى
يتفق غالبية المؤرخين والخبراء على أن العراق لم يلجأ إلى الأسلحة الكيماوية حتى بعد مرور سنة على اندلاع الحرب. وقد لجأ العراق الى الغازات السامة في محاولة يائسة لوقف “الموجات البشرية” للقوات الايرانية. إذن, ادخل العراق الأسلحة الكيماوية الحرب بشكل تصاعدي في مسعى لوقف توغل القوات الايرانية في أراضيه([19]). واعتمدت القوات العراقية استراتيجية دفاعية فور انسحابها من الأراضي الايرانية عام 1982. ولم تتمكن الهجمات الايرانية من تحقيق نصر حاسم ينهي الحرب, مما أبقى المعارك مشتعلة بشكل شبه مستمر على طول جبهة ثابتة, مما حول الحرب العراقية ­ الايرانية إلى حرب خنادق شبيهة بتلك التي شهدتها اوروبا خلال الحرب العالمية الأولى([20]).
كان للمناخ وطبيعة الأرض تأثيراً كبيراً على التكتيكات والأسلحة في الحرب العراقية ­ الايرانية. فقد امتدت الجبهة من البصرة ومنطقة الفاو على ساحل الخليج العربي حتى المناطق الكردية في شمال العراق قرب الحدود مع تركيا. ومنحت المستنقعات والأغوار في المناطق الجنوبية بين البصرة والفاو تضاريس طبيعية جيدة لخطوط دفاعية استفاد منها كلا الطرفين. بينما في الشمال, كانت المناطق جبلية ووعرة. أما المناخ فقد كان حاراً جداً في الصيف على طول الجبهة في حين كان ممطراً في الجنوب وبارداً جداً مع هطول الثلوج في الشمال. وأثر الطقس على استخدام الأسلحة الكيماوية. وعلى سبيل المثال, فإن إحدى مزايا غاز الخردل هو استمرار فعاليته لفترة زمنية تمتد إلى بضعة أيام على أرض المعركة. لكن من أجل استمرار فاعلية غاز الخردل يجب أن تكون درجة الحرارة ونسبة الرطوبة في الجو منخفضتين, وهما شرطان غير متوافرين في الجنوب خلال فصل الصيف حيث كان معدل درجة الحرارة يتعدى الأربعين درجة مئوية. وقد دفع هذا الأمر العراقيين الى أن يجعلواغاز الخردل أكثر سماكة ليستقر مكانه أو أن يرفقوه بمواد تعمل كوسيط للنقل تساعده على الثبات في موقعه([21]). ولم تمكن حرارة الجو المرتفعة الجنود الايرانيين من إبقاء الأقنعة الواقية من الغازات على رؤوسهم مما زاد من حجم الاصابات في صفوفهم خلال الهجمات العراقية المفاجئة بالأسلحة الكيماوية([22]).
كانت الاستخدامات الأولى للأسلحة الكيماوية عام 1982 تستهدف تشتيت جنود المشاة الايرانيين وفك صفوفهم. واستخدم العراق في تلك المرحلة غاز سي اس, وهو أحد أصناف الغازات المسيلة للدموع, وبسبب ايضاً حكاكاً في الجلد وصعوبة في التنفّس([23]). كذلك استخدم العراق غاز الخردل بشكل كثيف للمرّة الأولى لوقف تقدم جحافل القوات الايرانية في هجوم الفجر ­ 3 عام 1983. ولم يكن العراقيون في تلك الفترة قد أيقنوا طرق الاستعمال الميدانية للأسلحة الكيماوية, وكانوا لا يزالون في مرحلتي التطوير والتجربة. وقد أدّى هذا أحياناً إلى أخطاء قاتلة, وخير مثال على ذلك ما حدث في معركة حج عمران في الشمال عام 1983. فقد أطلقت يومها القوات العراقية قذائف محملة بغاز الخردل على مواقع الايرانيين في أعلى الجبل دون أن تعلم بأن هذا الغاز هو أثقل من الهواء ويتجه دوماً نحو الأسفل. ونتيجة لذلك وجد العراقيون يومها أنفسهم ضحية سلاحهم إذ اتجه غاز الخردل نحوهم ملحقاً بهم عدداً من الاصابات([24]). وواجه العراقيون مشاكل اخرى أثرت على فعالية استخدامهم للأسلحة الكيماوية مثل عجزهم عن التعامل مع أهداف خارج مرمى النظر وسوء توقيت الصواعق للقذائف المحملة بالغاز وعدم تقديرهم لأهمية العوامل الجوية وعجزهم عن تنسيق هجوم شامل يشمل قطاعات مختلفة مع هجوم بالأسلحة الكيماوية([25]). وبما أن العراقيين لم يكونوا في النصف الأول من الحرب قد خبروا الوسائل الفعالة والصحيحة لاستخدام الأسلحة الكيماوية في ساحة المعركة فإن غالبية الخبراء يعتقدون أن ما أنجزه العراق من مكاسب في تلك الفترة خلال هجماته بالغازات السامة كان مرده لعاملي المفاجأة والرعب اللذين حققتهما الأسلحة الكيماوية في صفوف الايرانيين([26]).
لم تطور ايران أسلحة كيماوية خلال النصف الأول من حربها مع العراق. إلا ان القوات الايرانية غنمت قذائف هاون محملة بالغازات السامة من القوات العراقية واستخدمتها في هجمات ضد العراقيين عامي 1983 و1984(27). لجأت ايران حينها إلى المجتمع الدولي ورفعت عدّة شكاوى ضد العراق لدى مجلس الأمن الدولي لخرقه القانون الدولي الذي يحظر استخدام الأسلحة الكيماوية. الا ان جهود طهران الديبلوماسية لم تلق دعماً حقيقياً من المجتمع الدولي كما أن بغداد لم تكترث لها, واستمرت بتطوير مقدرات قواتها بالأسلحة الكيماوية. وحتى نهاية عام 1984 كان عدد ضحايا الغازات السامة في صفوف الايرانيين قد بلغ 1200 قتيلاً و5000 جريحاً, حسب احصاء السلطات في طهران([27]). ويشكل هذا العدد حوالى خمسة في المئة من مجموع القتلى والجرحى في صفوف الايرانيين.

الأسلحة الكيماوية خلال النصف الثاني من الحرب
يمكن تقسيم هذه الحقبة الى مرحلتين: الأولى وتمتد من عام 1984 حتى أواخر عام 1986, وقد شهدت تقدماً ملحوظاً في اتقان القوات العراقية لاستخدام الأسلحة الكيماوية في ميدان المعركة الثانية, وتشمل العامين الاخيرين للحرب, وشهدت هذه المرحلة استعادة القوات العراقية لزمام المبادرة والانتقال من الدفاع الى الهجوم مظهرة استخداماً ممتازاً وفعالاً جداً للغازات السامة في أرض المعركة, في حالتي الهجوم والدفاع, وشهد النصف الاخير من الحرب دخول الصواريخ الباليسيتية التي استخدمها الطرفان لقصف مدن البلدين, لكن دون تزويدها برؤوس كيماوية([28]). وبدأ المجتمع الدولي في تلك الفترة يبدي قلقه من استخدام الأسلحة الكيماوية في الحرب العراقية ­ الايرانية وأخذت الامم المتحدة ترسل منذ نهاية عام 1984 بعثات خاصة للتحقيق باستخدام البلدين للغازات السامة([29]).
تمكنت القوات العراقية في أوائل تلك الحقبة من التمييز بين الغاز المستقر والغاز غير المستقر أو سريع التبخر والطرق الصحيحة لاستخدام كل منهما بفعالية في ميدان المعركة. فالغاز المستقر والذي لا يتبخر بسرعة مثل غاز الخردل يصلح لعزل مناطق أو قطع طرق. فهو يبقى منتشراً في المنطقة لفترة تتراوح بين يوم ويومين (حسب الاحوال الجوية), مما يمنع الخصم من استخدام المنطقة أو الطريق المستهدفة. في حين يصلح الغاز غير المستقر والذي يتبخر بسرعة مثل سارين وتابون ضد أهداف ثابتة مثل مرابض المدفعية ومراكز القيادة وأماكن تجمع القوات والثكنات. وسجل أول استخدام صحيح وفعال للأسلحة الكيماوية من قبل العراقيين في معركة خيبر, على الجبهة الجنوبية في أواخر عام 1984, فقد قام العراقيون يومها بإلقاء غاز الخردل على مؤخرة قوات المشاة الايرانية المهاجمة مما قطع خطوط الامداد وعزلها عن مراكز القيادة, في حين ألقيت قذائف محملة بغاز الاعصاب (تابون) على بطاريات المدفعية ومراكز القيادة الايرانية. وتمكن العراقيون من احتواء وصد هجوم خيبر, لحسن استخدامهم للأسلحة الكيماوية([30]). ويقول المؤرخ والخبير الاستراتيجي أنتوني كوردسمان أن القوات العراقية قد تمكنت في السنتين الاخيرتين للحرب من اتقان استخدام الأسلحة الكيماوية الى درجة أنها كانت تستعملها في اشتباكات على مسافة قريبة من الخصم مثلما حدث في الهجوم الذي شنّه العراقيون لاستعادة جزيرة مجنون في منطقة الفاو عام 1988([31]).
كما استطاع العراق, نتيجة اتقانه لسبل استخدام الأسلحة الكيماوية بشكل صحيح, ان يتغلب على عقبات واجهتها قواته بسبب طبيعة الأرض والتضاريس في الجبهة الشمالية. فقد كان للايرانيين تفوق تكتيكي في قتال الجبال والاشتباكات الليلية([32]), ومع نهاية عام 1988 تمكن التقنيون العراقيون من ضبط توقيت الصواعق على القذائف والصواريخ المحملة بالغازات السامة. وقد مكن هذا الامر الطيارين العراقيين من إلقاء قنابلهم المحملة بالغاز بدقة على المواقع الايرانية في الجبال من ارتفاع يجعل الطائرات المغيرة خارج مرمى نيران المضادات الايرانية. ومكنت هذه الغارات القوات العراقية من احتلال مواقع جبلية دون التعرّض لخسائر كبيرة في الأرواح([33]). كان الايرانيون لايزالون يواجهون مشاكل مع السترات الواقية والأقنعة لسببين أساسيين: الأول هو الحر الشديد خلال فصل الصيف. والثاني هو اللحى التي كان يطلقها غالبية الجنود الايرانيين لدواع دينية. فقد حالت اللحية في معظم الاحيان دون إطباق القناع بشكل محكم حول الوجه مما مكّن الغاز من التسرّب إلى داخل القناع والفتك بالجندي([34]). كما لم تملك القوات الايرانية حينها أجهزة جيدة للانذار المبكر ومعدات للتعقيم([35]). وبدأت القوات الايرانية منذ أول عام 1986 بتصنيع واستخدام أنواع عدة من الغازات السامة مثل فوسجين وسايانيد وغاز الخردل, والتي استعملت في عدة معارك قرب البصرة في الجنوب والهجوم لاسترداد مهران عام 1987([36]). إلا أن الايرانيين لم يكونوا على المستوى ذاته من الاحتراف والخبرة التي كان يتمتع بها العراقيون في استخدام الأسلحة الكيماوية.
وسجل في النصف الثاني من حرب الخليج الأولى وقوع مجازر ضد المدنيين عندما ألقيت غازات سامة على قرى كردية في شمال العراق. فقد قامت القوات العراقية بمطاردة مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني الذين كانوا يحاربون إلى جانب القوات الايرانية. وتجدر الاشارة الى ان المقاتلين الاكراد يخوضون حرب عصابات منذ فترة طويلة للانفصال عن العراق أو فرض حكم ذاتي في مناطق تواجدهم في شمال العراق. وقد استخدم الجنود العراقيون أسلحة كيماوية في حملتهم لقمع الثوار الأكراد, مستهدفين تجمعات سكنية وقرى. وسقط حوالى 4000 قتيل مدني غالبيتهم من النساء والأطفال الأكراد في بلدة حلبجة بعد تعرضها لهجوم مباغت بالأسلحة الكيماوية. وحدثت مجزرة حلبجة خلال الهجوم الايراني “والفجر10” عام
1988([37]). لم يستطع المحققون تحديد مصدر القصف الذي تعرضت له حلبجة. إلا أن غالبية الخبراء يعتقدون أن كلا الطرفين ­ العراقيين والايرانيين ­ قاموا بقصف القرية, وأن معظم الضحايا بدت عليهم العوارض التي يخلفها غاز سايانايد الذي كانت تستخدمه القوات الايرانية([38]). وشنّت القوات العراقية هجوماً كبيراً ضد المقاتلين الاكراد بعد انتهاء الحرب مع إيران من اجل اعادة سيطرتها الكاملة على شمال البلاد. وعمدت القوات العراقية خلال هذا الهجوم, والذي عرف باسم حملة الانفال, الى قصف القرى الكردية بغاز الخردل من أجل اخلائها من سكانها ومن ثم تدميرها بشكل تام([39]).

 

تأثير الأسلحة الكيماوية على نتيجة الحرب
كان, ولايزال, موضوع مدى تأثير الأسلحة الكيماوية على نتيجة الحرب العراقية ­ الايرانية مركز حوار ونقاش الخبراء والمؤرخين. فقد انتهت الحرب بموافقة ايران على وقف اطلاق النار وسحب قواتها من الأراضي العراقية كافة وتبادل الأسرى, وهي بمجملها مطالب عراقية. ويقول الفريق المشكك بفاعلية الأسلحة الكيماوية أن هذه الأسلحة استخدمت خلال فترة لا تتجاوز الستة بالمئة من فترة الحرب, وعدد ضحاياها لم يتجاوز الثلاثة بالمئة, وأنها لم تمكن بغداد من انهاء الحرب بسرعة وبشكل حاسم. ولذلك, يقول هذا الفريق أن الحرب العراقية ­ الايرانية أثبتت بشكل قاطع أن السلاح الكيماوي ليس كما يقال عنه: “القنبلة النووية للرجل (الدولة) الفقير”([40]). ويعتقد هذا الفريق أن الغازات السامة يمكن أن تلعب دوراً حاسماً على المستوى التكتيكي على أرض المعركة في حال استخدمت بالشكل الصحيح. لكن الفريق الآخر من الخبراء يعتقد أن السلاح الكيماوي لم يستخدم إلى أقصى طاقاته ولذلك لم يحسم الحرب بشكل أسرع. ويرى هذا الفريق أن كلاً من العراق وايران واجها مشاكل تقنية في تطوير الأسلحة الكيماوية, وان العراق, الذي كان متقدماً على ايران, لم يتقن تصنيع واستخدام الغازات السامة إلا في السنتين الاخيرتين من الحرب. كما يقول هذا الفريق أن هذه الأسلحة ألحقت خسائر فادحة عندما استخدمت ضد المدنيين في المناطق الكردية, ولو كان الطرفان استخدما هذه الأسلحة ضد مدن بعضهما البعض خلال فترة “حرب المدن” بالصواريخ الباليستية لكان عدد الضحايا اكبر بكثير ولانتهت الحرب بسرعة. لكن الطرفين العراقي والايراني اختارا على ما يبدو تجنّب سلوك هذا الدرب لما يترتّب عليه من عواقب وخسائر فادحة.
إلا أنه لا يمكن نفي دور الأسلحة الكيماوية بشكل تام من قائمة الأسباب التي أنهت الحرب بهذه النتائج, اتفق المؤرخون والخبراء على أنه كان للأسلحة الكيماوية تأثير سيكولوجي كبير على الجنود الايرانيين. فقد فرّ العديد من الجنود من خطوط المواجهة عند رؤيتهم القذائف تنشر الغاز السام في الهواء مما كان يؤدي إلى تقهقر القوات الايرانية وانسحابها وهي في خضم هجوم كان يسير بشكل ناجح([41]). وانتشر هذا الخوف لاحقاً في صفوف الشعب الايراني الذي وقع ضحية الحملة الاعلامية التي كانت تشنها طهران لحمل المجتمع الدولي على إجبار بغداد وقف استخدام الأسلحة الكيماوية. وأدى هذا الخوف الى تضاؤل حماس الشبان للالتحاق في صفوف القوات المسلحة والذهاب الى الجبهة وزاد من رغبة الايرانيين بوقف الحرب([42]). وتجدر الاشارة إلى أن هناك عوامل أساسية شكلت ضغطاً كبيراً على القيادة الايرانية ودفعتها لوقف الحرب, مثل العزلة الدولية التي كانت تخضع لها طهران وانهيار الاقتصاد والنقص في المعدات والتكنولوجيا العسكرية. باختصار, كانت الحرب العراقية ­ الايرانية بغالبيتها حرب استنزاف لعبت الأسلحة الكيماوية دوراً كبيراً فيها لكنها لم تكن سلاحاً حاسماً.

تطور الأسلحة الكيماوية اليوم وانتشارها
الأسلحة الكيماوية, كغيرها من الأسلحة, تتطور بطريقة الفعل وردّ الفعل, إذ أنه عندما يجد طرف ما وسيلة لدرء خطر هذا السلاح, يعمد طرف آخر لتطوير هذا السلاح بطريقة تقلص أو تنفي فعالية الوسائل المضادة له. بالنسبة للأسلحة الكيماوية, فهناك عدة سبل للوقاية منها وهي: الألبسة والأقنعة الواقية لحماية الأفراد, العقاقير والمضادات الحيوية لمعالجة المصابين ببعض الغازات السامة, والتعقيم لمنع انتشار العوامل الكيماوية([43]). كما ساهم التطور التكنولوجي بابتكار اجهزة رصد وإنذار مبكر لتحديد أماكن انتشار الأسلحة الكيماوية ومعرفة ما إذا كان الخصم قد استخدم غازات سامة بشكل مفاجئ. هذا التقدم في مجال الوسائل المضادة للغازات السامة دفع ببعض الخبراء للاستنتاج بأن الأسلحة الكيماوية لن تشكل تهديداً حقيقياً على أرض المعركة في المستقبل([44]). ويبدو أن هذه العوامل قد دفعت بمصنعي الأسلحة الكيماوية للتفتيش عن وسائل لزيادة فعالية هذه الغازات بحيث تدوم وقتاً أطول (لا تتبخر بسرعة) وتكون أكثر فتكاً عن طريق جعل حجم الجرعة القاتلة أقل وأسرع فعالية. واستعان صانعو الأسلحة الكيماوية الحديثة بمواد مشتقة من كائنات عضوية حيّة مثل البكتيريا لإنتاج غازات سامة جداً. وهنا اختلط الأمر على العديد من الخبراء إذ أن التعريف التقليدي للسلاح الكيماوي هو انه “مواد كيماوية تستعمل في العمليات العسكرية لقتل أو جرح الأفراد”, في حين ان التعريف التقليدي للسلاح البيولوجي هو أنه “مواد مشتقة من مخلوقات عضوية حيّة تستعمل لقتل أو جرح الأفراد في الحرب”([45]). لذلك فإن إدخال مواد من مخلوقات عضوية حيّة على صناعة الأسلحة الكيماوية لزيادة فعاليتها قد دفع بالبعض لاستخدام تعبير “أسلحة الحرب السامة” (Toxic Warfare) لوصف الأسلحة الكيماوية الحديثة.

الأسلحة الكيماوية في الشرق الأوسط
كما ذكر سابقاً, فإن الأسلحة الكيماوية لم تستخدم في الحرب العربية الاسرائيلية, إلا أن هذا لا ينفي خطرها وإمكانية استخدامها في حروب مستقبلية. الدول العربية التي يعتقد أنها تملك وتنتج أسلحة كيماوية هي مصر وسوريا وليبيا والعراق. وقد استخدمت القوات المصرية غاز الخردل خلال الحرب الاهلية اليمنية في الستينيات([46]). وتملك مصر اليوم بعض غازات الأعصاب, حسب مصادر الاستخبارات الغربية. أما سوريا فيعتقد أنها تملك برنامجاً متقدماً لتصنيع الأسلحة الكيماوية وبأنها تمكنت من بناء ترسانة كبيرة من قذائف المدفعية والهاون ورؤوس حربية لصواريخ سكود وفروغ محملة بغازات سامة مثل سارين وتابون([47]). وتفيد بعض التقارير من الاستخبارات الغربية بأن سوريا قد تكون قد تمكنت من انتاج غاز في اكس (VX). أما ليبيا فيعتقد انها تملك منشآت لانتاج غازات الاعصاب وغاز الخردل. اسرائيل بدورها تملك أكبر وأحدث برنامج لتطوير وتصنيع الأسلحة الكيماوية في المنطقة. ففي مصانع في صحراء النقب قرب مفاعل ديمونة النووي تقوم اسرائيل بإنتاج أنواع مختلفة من غازات الأعصاب و”الغازات السامة”([48]). كما أنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك منشآت لتصنيع عقاقير مضادة للغازات السامة وأجهزة انذار مبكر لرصد انتشار الاسلحة الكيماوية ووسائل وألبسة للوقاية. كما أن الدولة العبرية تجري مناورات عسكرية منتظمة على الحرب الكيماوية ­ البيولوجية. وتتقدم اسرائيل على الدول العربية بشكل كبير جداً في حقل الدفاع المدني ضد خطر الغازات السامة حيث أن غالبية السكان يملكون ألبسة وأقنعة واقية وغالبية منازلهم مجهزة بملاجئ خاصة لحمايتهم من الأسلحة الكيماوية.
وتجدر الاشارة هنا إلى أن اسرائيل التي وقعت على اتفاقية منظمة حظر الأسلحة الكيماوية لم تصادق عليها حتى اليوم, في حين أن الدول العربية كافة, باستثناء مصر وسوريا قد وقعت وصادقت على هذه الاتفاقية. وتعتبر كل من دمشق والقاهرة توقيع اسرائيل على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية شرطاً مسبقاً لتوقيعهما على اتفاقية منظمة حظر الاسلحة الكيماوية.

الخلاصة ولاستنتاج
ان الأسلحة الكيماوية هي بالتأكيد ضمن الأسلحة الفتاكة, الا ان حجم خطرها يعتمد على عوامل اساسية عدة وهي:
* نوع الغاز المستخدم (نسبة وسرعة العامل الكيماوي السام الذي يحتويه).
* طبيعة الهدف وهل هو عسكري أم مدني.
* مدى جهوزية الطرف المستهدف للحرب الكيماوية.
* توفر الاحوال الجوية المناسبة.
* تضاريس المنطقة المستهدفة.
فالأهداف المدنية أكثر تأثراً من الأهداف العسكرية خصوصاً إذا ما قارنّا تأثير الغازات السامة على جنود منتشرين على طول جبهة القتال مع مدنيين في قرى أو مدن مكتظة. كما أن القوات العسكرية المجهزة بأحدث معدات الرصد والوقاية ضد الأسلحة الكيماوية لن تتأثر بشكل يذكر من هجوم بالأسلحة الكيماوية, ويمكن قول الأمر ذاته عن مدنيين مجهزين بملاجيء وألبسة وأقنعة واقية من الغازات السامة. كما أن العوامل الجوية وطبيعة الأرض أمران أساسيان لتحديد امكانية ومدى نجاح هجوم بالأسلحة الكيماوية. فنسبة تأثر هدف على قمة جبل أقل بكثير من نسبة تأثر هدف على أرض منبسطة, كما اكتشف العراقيون في حرب الخليج الأولى. كما أن درجة الحرارة المرتفعة او هطول الأمطار يقلّلان من فاعلية الأسلحة الكيماوية بشكل كبير. الحالة الوحيدة التي يؤدي فيها السلاح الكيماوي الى خسائر كبيرة تؤهله لصفة سلاح الدمار الشامل هي عند افتقار الطرف المستهدف ­ المدني خصوصاً ­ لوسائل الوقاية, وحين تتوفر الاحوال الجوية المناسبة والأرض المنبسطة. وبما أن غالبية دول العالم, وخاصة العالم الثالث تفتقر لوسائل الوقاية, فإن السلاح الكيماوي لايزال يعتبر قادراً على الفتك بالآلاف في حال استخدامه, وهو بهذه الحالة من ضمن قائمة أسلحة الدمار الشامل.
إن حجم الجهوزية الاسرائيلية لحرب كيماوية قد حدّت الى درجة كبيرة من مدى فعالية الترسانة العربية او الردع العربي الذي يتضمن الأسلحة الكيماوية بشكل أساسي, الا ان التأثير السيكولوجي للأسلحة الكيماوية لايزال كبيراً بغض النظر عن مدى جهوزية الطرف المستهدف. فقد أثبتت تجربة حرب الخليج الأولى مدى التأثير النفسي الذي خلفته الأسلحة الكيماوية على الايرانيين بشكل عام مما ساهم في إنهاء الحرب مع العراق. وقد لاحظ المراقبون الأمر ذاته في اسرائيل حيث سجلت حالتا وفاة بسبب خوف السكان من استخدام العراق أسلحة كيماوية خلال قصفه الصاروخي لاسرائيل في حرب الخليج الثانية. فقد توفي شخصان عندما حقنا نفسهما بجرعات زائدة من عقاقير مضادة لغاز الاعصاب([49]). فحتى يتم تزويد غالبية دول العالم بوسائل الوقاية الحديثة ضد الغازات السامة, فإن الأسلحة الكيماوية ينبغي أن تبقى ضمن أسلحة الدمار الشامل.

 

[1]   Stephen S. Pelletiere and Douglas V. Johnson: Lessons learned; The Iran- Iraq War (Pennsylvania: Strategic Studies Institute, 1991) , p. 100.

[2]  Peter Herby: The Chemical Weapons Convention and Arms Control in the Middle East (Oslo, International Peace Researche Institute, 1992) , p. 24.

[3]  Dilip Hiro: The Longest War: The Iran - Iraq Military Conflict (London: Grafton Books, 1989) , p.1.

[4]  Ibid, p.2.

[5]  Anthony Cordesman: Weapons of Mass Destruction in the Middle East (London: Brassey’s Press, 1991) , pp. 62 - 75.

[6] Anthony Cordesman and Abraham Wagner: Lessons of Modern War, Vol. II (Colorado: Westview Press, 1990) , pp. 506 -7.

[7]  Ibid, p. 507. The Two companies were the American Pfaudler Company and the Chinese Imperial Chemical Industries.

[8]  Cordesman: Weapons of.. pp. 63 - 7.

[9]  Ibid, p. 67.

[10]  Medical Charateristics of Chemical Warfare Agents, Chemical and Biological Weapons Nonproliferation Project, The Henry, L. Stimson Center, http://www.stimson.org/cwc/cwagcnt3.htm (Downloaded: 31/5/2001)

[11]  Ibid.

[12]  Cordesman: Weapons of... p. 69.

[13]  Ibid, p. 71.

[14]  Ibid, p. 72

[15]  Hiro: Thw Longest..., p. 201.

[16]  Cordesman: Weapons of..., p. 83.

[17]  Medical Characteristics..., Web Site.

[18]  Ibid.

[19]  Pelletiere and Johnson: Lessons Learned.., p. 97.

[20]  Jeffrey Kemp and Robert Harkavy: Strategic Geography and the Changing Middle East (Washington DC: Brookings Institute Press, 1997) , p. 177.

[21]  Pelletiere and Johnson: Lessons Learned..., p. 98.

[22]  Hiro: The Longest..., p. 206.

[23]  Ibid, p. 97.

[24]  Pelletiere and Johnson: Lessons Learned..., p. 97-8.

[25]  Cordesman: Weapons of..., p. 85.

[26]  Pelletiere and Johnson: Lessons Learned..., p. 98.

[27]   Cordesman and Wagner: Lessons of..., p. 185.

[28]  Hiro: The Longest..., pp. 200 - 1.

[29]   Trevor Findlay (ed): Chemical Weapons and Missile Proliferation: With Implications for the Asia/Pacific Region (Colorado: Lynne Rienner, 1991) , pp. 39- 147.

[30]   Ibid.

[31]   Cordesman: Weapons of..., p. 90.

[32]   Kemp and Harkavy: Strategic Geography..., p.176.

[33]  Cordesman and Wagner: Lessons of..., p. 516.

[34] Ibid.

[35]   Cordesman: Weapons of..., p.88.

[36]  Ibidl, p. 92.

[37]  Hiro: The Longest..., p. 200 - 201.

[38]  Cordesman and Wagner: Lessons fo..., p. 517.

[39]  Human Rights Wathc/ Middle East Book; Iraqصs Crime of Genocide: The Anfal Campaign Against the Kurds (New Haven: Yale University Press, 1995) .

[40]  Pelletiere and Johnson: Lessons Learned..., p.100.

[41]  Cordesman: Weapons of..., pp. 90-2.

[42]  Herby, The Chemical..., p.28.

[43]  John Norris and Will Fowler. NBC: Nuclear, Biological and Chemical Warfare on the Modem Battlefield (London: Brassey’s Ltd. 1997).

[44]  David Baker: “Chemical and Biological Warfare Agents - A Fresh Approach: Jane’s Intelligence Review, Vol. 5, No. 1 (January 1993) , p. 42.

[45]  Ibid.

[46]  Anthony Cordesman: Perious Prospects: The Peace Process and the Arab - Israeli Military Balance (Coloradi: Westview Ress, (1996 , p. 232.

[47]  Ibid, p. 235.

[48]  Ibid, pp. 233-4

[49]  Martin Van Creveld: The Sword and the Olive: A Critical History of the Israeli Defence Force (New York: Public Affairs, 1998) , pp. 333-4