قانون دولي

الأسلحة النووية في القانون الدولي
إعداد: د. أحمد سيف الدين
ضابط متقاعد

إشكالية  القانون والسياسة


يعتبر استخدام الطاقة الذريّة في الأغراض العسكرية، من أخطر نتائج التطور العلمي الذي عرفه الإنسان في العصر الحديث، كما أنّ مجرد التهديد باستخدام هذا السلاح، يعتبر جريمة دولية. فاستخدام السلاح النووي يؤدّي إلى سقوط ضحايا بشرية أكثر من أي سلاح معروف لغاية الآن، وآثاره المدمّرة على البيئة تستمرّ ردحًا طويلًا من الزمن.
لقد مرّت خلال شهر آب الماضي الذكرى السبعون لإلقاء قنبلة ذرّية على هيروشيما وأخرى على ناكازاكي خلال الحرب العالمية الثانية، وما تزال آثار هذا الحدث حاضرة في وعي الإنسانية وفي ضميرها.
بسبب كارثتي هيروشيما وناكازاكي، شغل موضوع السلاح النووي المحافل الدولية، وأثيرت مسألة شرعية استخدامه أو التهديد به. في ما يلي أضواء على هذه المسألة كما يتناولها القانون الدولي.


التهديد أو استخدام الأسلحة النووية في الميثاق الأممي
• الأمم المتحدة:

يقوم ميثاق الأمم المتحدة على مبدأي التوازن الدولي والأمن الجماعي، ومع أنه لم يأت على ذكر الأسلحة النووية، فإنّ ديباجته أكّدت ضرورة إنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحروب، فضلًا عن كونها تنصّ على عدم استخدام القوة العسكرية في العلاقات الدولية، علمًا أن السلاح النووي يعتبر ذروة هذه القوة.
لقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة العديد من القرارات (توصيات) حول استخدام الأسلحة النووية، وأهمها القرار 1653 (24/7/1961) الذي يتحدث عن عدم شرعية استخدام الأسلحة النووية بالنظر إلى آثارها المدمرة.
ويشكّل نزع السلاح النووي أو تدميره أقدم أهداف الأمم المتحدة، وهو لم يغب عن اجتماعاتها منذ العام 1959. وإصرار الجمعية العامة على إصدار توصية في موضوع محدد بشكل دوري، يجعل هذه التوصية ملزمة للدول.
خلال أيار 2010، أجمعت 189 دولة على اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية، وقرّرت الجمعية العامة اعتماد تاريخ 26 ايلول من كل عام يومًا عالميًا للتخلص من السلاح النووي. كذلك، عقد في آذار 2013 مؤتمر وارسو لبحث الآثار الكارثية للأسلحة النووية على الإنسان والبيئة، لكنّ الدول الخمس الكبرى وإسرائيل تغيّبت عنه.


• مجلس الأمن:
إتّخذ مجلس الأمن عدة قرارات تتعلق بمنع انتشار الأسلحة النووية، وأكّد الحرص على وجوب تخلّص الدول من هذه الأسلحة وضرورة عدم انتشارها، لكنّه لم يتطرق إلى منع استعمالها. إلى ذلك، لم يناقش المجلس الملف النووي الإسرائيلي وما تملكه إسرائيل من قنابل وصواريخ نووية، مع العلم أنّه أصدر عدة قرارات تتعلّق بالملف النووي الإيراني. وقد فشلت الدول العربية في التأثير على وكالة الطاقة الذرية في ما يتعلق بوضع ملف إسرائيل النووي قيد البحث واتخاذ القرارات المناسبة بشأنه.
أثير موضوع الأسلحة النووية من باب المادة 51 من الميثاق، والتي تمنح الدول الحق بالدفاع المشروع عن النفس، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة أي اعتداء. وتشترط هذه المادة أن تكون وسائل الدفاع متوازية مع وسائل الهجوم، على أن تبلّغ التدابير المتخذة إلى مجلس الأمن فورًا.
خلال الحرب العالمية الثانية، اعتبر الحلفاء أن المادة 107 من الميثاق تشكّل غطاءً دوليًا لاستكمال العمليات العسكرية التي كانت جارية في أثناء وضعه (الميثاق)، وهكذا تمّ استعمال السلاح النووي ضد اليابان. هذا الغطاء نفسه استخدمه رئيس الولايات المتحدة الأميركية في الحرب على العراق (2003) حين قال إنّ المادة المذكورة ما زالت سارية المفعول. ولكنّ الفقهاء يجمعون على أنّ هذه المادة أصبحت بحكم الملغاة بمجرد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتوقيع معاهدات السلام بين المتحاربين.

 

التهديد أو استخدام الأسلحة النووية في القانون الدولي الإنساني والقضاء الدولي الجزائي
يتألّف القانون الدولي الإنساني من عدد لا بأس به من المواثيق الدولية والمعاهدات والقواعد القانونية، والأعراف الدولية. ويمكن إيجاز الغاية من هذا القانون بأنّها تأمين الحماية لضحايا النزاعات المسلّحة. وهذه القواعد كانت تميّز بين الصراعات الدولية وغير الدولية. وقد أدى تطور هذا القانون إلى الدمج بين هذين النوعين من الصراعات، وباتت الغاية سبل توفير الحماية لضحايا النزاعات المسلّحة من دون التركيز على نوع الصراع. والمعاهدات الأساسية في هذا المجال هي:
 

• معاهدة منع جريمة الإبادة الجماعية:
أقرّتها الأمم المتحدة (الجمعية العامة) في العام 1948 وأصبحت نافذة في الـ1951، وهي تحمي الجماعات العرقية أو الإتنية أو الدينية أو غيرها من الإبادة، من خلال استهدافها أو تعريضها لخطر جسيم، أو وضعها في ظروف معيشية صعبة أو منع الإنجاب أو نقل أطفال الجماعة إلى مكان آخر. وقد نصّت المادة الثانية منها على ضرورة توافر النيّة الجرمية التي تهدف إلى القضاء على جماعة معيّنة، وهذا ما يصعب التأكّد منه.
 

• معاهدات لاهاي:
إنّ معظـم قواعد القانون الدولي الإنساني سبقت طرح موضوع التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها، علمًا أن كارثة اليابان في أثناء الحرب العالمية الثانية تمّ التعتيم عليها لأسبـاب مختلفة، لكنّ قواعد لاهاي تمنع استخدام الأسلحة الأقل تأثيرًا والتي لا تقاس بالأسلحة النووية. وإن الإستنتاج بأنّ قواعد لاهاي لا تمنـع الأسلحة النووية، يخالف القواعد والمبادئ التي وضعت خلال مؤتمري لاهاي (1899 و1907)، والتي أضيف اليها بند بغاية الأهمية هو بند مارتينيز. ينصّ هذا البند على الآتـي: يظـلّ المدنيـون والمقاتلون في الحالات التي لا ينصّ عليها هذا البروتوكول أو اتفاقيات دولية أخرى، تحت حماية القانون الدولي العام وسلطانه، كما استقرّ به العـرف والمبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام.
 

• معاهدات جنيف:
إعتبرت اتفاقيـات جنيف الأربعـة المؤرّخة في 12 آب 1949 والتي عقدت في سويسرا، استنتاجًا وتطويرًا للمعاهدات السابقة، أو تعديلًا لها، بما يتوافق مع الغاية الأساسية لحماية الإنسان من الحروب وآثارها. ثم جاء بعدها البروتوكولان أو الملحقان المؤرّخان في 10 حزيران 1977 لسدّ الثغرات. (الاتفاقية الأولى تتعلق بجرحى الميدان، والثانية تتعلق بجرحى وغرقى القوات المسلّحة في البحر، والثالثة تتعلق بالأسرى، والرابعة تختص بحماية المدنيين في أثناء الحرب وتحت سلطة الاحتلال).
واعتمدت قواعد جنيف في الاتفاقيات الأربعة والملحقَين على قواعد الحماية في مختلف الظروف، كما أن مبدأ مارتينيز أعيدت صياغته في الملحق الأول. ونصّت المواد المشتركة في هذه الاتفاقيات على ضرورة معاملة غير المشتركين بالمعارك معاملة إنسانية. كما نصّت المادة 3 على الارتكابات الجسيمة، وهي تحظّر في فقراتها أ وب وج ود، القتل بأنواعه، وأخذ الرهائن، والاعتداء على الكرامة الإنسانية، وإصدار الأحكام والعقوبات من دون محاكمة وغيره.
إنّ مخالفة هذه القواعد تعتبر جريمة دولية تحال أمام القضاء الدولي الجزائي، وتصبح الملاحقة عليها بموجب الصلاحية الشاملة، أي أنه يعود لأي دولة من الأعضاء في المعاهدات، ملاحقة أي دولة ترتكب جرائم مخالفة لهذه المعاهدات، وذلك من دون أن يكون لأي من هذه الدول الأعضاء حق إعفاء الدولة المرتكبة من المسؤولية. ولا بدّ من القول إنّ هذه القواعد أصبحت أعرافًا دولية ملزمة للجميع، وقد وقّعها معظم دول العالم، وبالتالي ينطبق عليها أيضًا قانون المعاهدات. وهذه القواعد قرّرت الحماية للإنسان في أثناء النزاعات المسلّحة، والذي يتعرّض لأسلحة أقل ضررًا من الأسلحة النووية، وبالتالي فإنّ الأسلحة النووية أو التهديد باستعمالها يخالف القواعد الدولية الراسخة.
وتقتضي الإشارة إلى أنّ القضاء الدولي الجزائي بمحكمته الدائمة، أو بمحاكمه المؤقتة، والتي أنشئت بقرارات من مجلس الأمن، لم تطرح عليها هذه المسألة من قبل، والجرائم الدولية التي يعاقب عليها القضاء الدولي الجزائي هي المخالفات ذاتها التي نصّت عليها قواعد القانون الدولي الإنساني، وخصوصًا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة. أمّا جريمة العدوان فقد تأجّل النظر فيها (نظام روما) إلى مطلع العام 2017.
إلى ذلك، يعتبر التهديد بحد ذاته جريمة ضد السلام، عاقبت عليها محكمة نورمبرغ، وهي جريمة شكلية تكتمل أركانها بمجرّد القيام بها، ولا تحتاج إلى ركن مادي، كما أنّها من أخطر الجرائم تأثيرًا في العلاقات الدولية. لكن في الواقع، قلّما يخلو تصريح أو نشاط للدول الكبرى من تهديد، فيما تتخذ إسرائيل من التهديد نهجًا سياسيًا دائمًا، من دون أن يصار إلى محاسبتها أو تحميلها المسؤولية عن جرائمها في المحافل الدولية السياسية والقضائية.

 

التهديد أو استعمال الأسلحة النووية في فتاوى محكمة العدل الدولية
أتيح لمحكمة العدل الدولية أن تنظر بالموضوع النووي للمرّة الأولى في العام 1973، عندما تقدّمت كل من أستراليا ونيوزيلندا الجديدة بدعوى أمام المحكمة ضد فرنسا بسبب إجراء اختبارات نووية، ولكنّ مسارعة فرنسا إلى إلغاء تلك التجارب التي كانت مقررة في إقليم هاتين الدولتين، جعل المحكمة تحجم عن الحكم بهذه الدعوى لانتفاء موضوعها.
المرّة الثانية كانت عندما تقدّمت منظمة الصحة العالمية بسؤال حول التهديد أو استخدام الأسلحة النووية، إلا أنّ المحكمة تمنّعت عن إصدار فتوى إلى حين إعادة طرح السؤال من قبل الجمعية العامة في الأمم المتحدة لأسباب عديدة، وأصدرتها بتاريخ 8/7/1996. وقد لاقت هذه الفتوى اهتمامًا كبيرًا في الأوساط الدولية ولدى رجال القانون الدولي. استندت المحكمة إلى القانون الدولي الإنساني للقول بعدم مشروعية التهديد أو استخدام الأسلحة النووية، إلا أنّها أضافت أنه: «بالنظر إلى الحالة الراهنة للقانون الدولي إذا نظر إليه في مجموعه... فإنّ المحكمة لا تستطيع الوصول إلى استنتاج حاسم في ما يتعلق بمشروعية أو عدم مشروعية استخدام دولة ما للأسلحة النووية في ظرف أقصى من ظروف الدفاع عن النفس، حيث يكون بقاؤها ذاته معرّضًا للخطر». هذه الفتوى تضمّنت اعترافًا بالقانون الدولي الإنساني، ولكنّها أعادت تأكيد هيمنة الدول الكبرى النووية في موضوع يجب إبقاؤه ضمن مبدأ الأمن الجماعي، وفي عهدة أجهزة الأمم المتحدة وخصوصًا مجلس الأمن، في إطار رؤية شاملة تقوم على حل هذه المسألة من خلال القرارات الدولية. فكيف يترك هذا الموضوع لتقرير الدول الكبرى، والعالم يشهد أن رؤية دولة واحدة لمفهوم الأمن أغرقت منطقة الشرق الأوسط بحروب لا نهاية لها؟ ثم إنّه لا يمكن لسلاح له مثل هذه الآثار الكارثية على مصير البشرية أن يحمي دولًا. وقد تساءلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي كيف يمكن التصور أنّ استعمال الأسلحة النووية يكون متوافقًا مع متطلبات القانون الدولي الإنساني وقواعده، علمًا أن هذا القانون يضع قيودًا على بعض أنواع القذائف، أو الأسلحة، كالغازات السامة والألغام... التي لا يمكن مقارنة مفاعيلها بمفاعيل الأسلحة التي تدمّر البيئة وتقتل البشر؟
لقد أجرت الدول النووية مفاوضات لا نهاية لها وبذلت جهودًا مضنية حول الملف النووي، إلا أنّ ذلك بقي في إطاره النظري من دون نتائج ملموسة. وبقي الخطر على البشرية محدقًا في ظل وجود حوالى تسعة عشر ألف صاروخ (إحصائيات الأمم المتحدة) وقدرة تدميرية هائلة، في حين أنّ هذه الدول تدقق في موضوعات بسيطة حول حقوق الإنسان وغيرها. كما أنّ هذه الدول تتعامل مع القضايا النووية بانتقائية ليصبح معها وجود الملف النووي الإسرائيلي في خدمة السلام، وملف دول أخرى مثل الملف الإيراني، مصدر خطر على السلام. وهذا ما يستنتج منه أن الدافع أو المحرك لهذه المواقف يرتكز على المصالح الكبرى للدول وليس على الاعتبارات الإنسانية أو غيرها.
إنّ موضوع الأسلحة النووية لا تحكمه الاعتبارات القانونية فقط، إنّما يتصل اتصالًا وثيقًا بالسياسة الدولية، فكيف لهذه السياسة أن توازن ما بين الردع الذي يحقّقه امتلاك هذا السلاح وبين السعي إلى منع انتشاره وصولًا إلى التخلص منه؟؟؟

 

الهوامش:
1- الشبكة العربية للأمن الانساني.
.Arabhumansecurity.network press.com
2- حول نشاط الأمم المتحدة، انظر موقع Moqatel.com.
3- التنظيم الدولي، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2005، د. محمد المجذوب.
4- الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة
 Un.org.com
5- راجع دراسة د. سامي سلهب، دور محكمة العدل الدولية في ترسيخ قواعد القانون الدولي الإنساني، المجلة القانونية الصادرة عن كلية الحقوق في جامعة بيروت العربية، منشورات الحلبي، بيروت 2005، ص 32.
6- يوجد معاهدات أقل اهمية من معاهدات لاهاي أصبحت ملزمة، فقد فرضت اتفاقية واشنطن (1922) حول القرصنة على الدول، إلزامية ملاحقة مرتكبي جريمة القرصنة. راجع:
Henri Donne Dieu de Vabres les principes modernes du droit
7- البروتوكولان الملحقان باتفاقيات جنيف، اصدار اللجنة الدولية للصليب الأحمر، القاهرة، 2007.
8- د. محمد سامي عبد الحميد، قانون الحرب، دار المطبوعات الجامعية 2004، صفحة 63، Icrc.Org.