أفكار واقتراحات

الأسمدة العضوية أساس الزراعة والغذاء الصحي الآمن
إعداد: الدكتور حسين حمود
أستاذ محاضر في كلية الزراعة - الجامعة اللبنانية

لاحظت شعوب الحضارات القديمة على مرّ السنين ومن خلال تجاربها الحسّية، أهمية الأسمدة العضوية في نمو النبات الذي ينمو بشكل أفضل في الأمكنة التي ترعى فيها المواشي وتتجمّع عليها فضلات هذه الأخيرة من روث وبول، مقارنة مع الأمكنة الخالية  منها. وتؤكد الوثائق التاريخية أن الصينيين
والمصريين القدماء والعرب أدركوا أهمية تخمير هذه الأسمدة قبل إضافتها الى الأراضي الزراعية.

 

ما هي الأسمدة العضوية؟
هي كل المواد من أصل نباتي أو حيواني والتي تضاف الى التربة بهدف تحسين خصائصها الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية وتوفير نسبة أعلى من المواد الغذائية التي تحتاجها النبتة كالنيتروجين والفوسفور والبوتاس والكالسيوم والعناصر النادرة. أما إذا شئنا ربطها بالأصل الذي تتحدر منه فيمكننا تقسيم هذه الأسمدة الى خمسة أنواع هي:
1- مخلفات الماشية، وهو ما يسمى بالروث أو البراز أو السواد، ومنها روث البقر والخيل والغنم والماعز والطيور الداجنة.
2- الأسمدة العضوية المكوّنة من حوافر الحيوانات وقرونها ودمها وصوفها ولحمها وعظمها.
3- الأسمدة العضوية النباتية المكوّنة من أوراق الأشجار المتساقطة والأغصان ومخلفات الحدائق.
4- الأسمدة العضوية الناجمة عن تصنيع مخلفات الصرف الصحي، والتي تستعمل في تسميد المزروعات وري الأشجار، أو الناجمة عن إعادة استخدام المخلفات وتدويرها.
5- الكومبوسيدت، وهو السماد الذي يحضّر من ناتج تحلّل المواد العضوية تحت تأثير نشاط الميكروبات في محيط رطب، مما يزيد من محتوى الفوسفور والنيتروجين والمواد الغذائية الأخرى ويجعلها قابلة للإمتصاص من قبل النبات.
تفيد التحاليل المخبرية أن تركيبة السماد العضوي تعتمد على مصدره (نوع الحيوان) وعلى نوع الغذاء الذي يعطى له. من هنا نرى أن روث الغنم غني بالبروتينات والمواد القابلة للتفكك، وفقير بمادة السلولوز على عكس روث الخيل الفقير بالبروتينات والغني بالسلولوز، أما روث البقر فيقع من حيث تركيبته العضوية في نقطة وسط بين الأول والثاني. أما من حيث تركيبته الكيميائية فإن السماد العضوي لا يختلف كثيراً من حيوان لآخر وهو يحتوي بشكل عام على نسبة 0.3 - 0.6٪ من الآزوت ونسبة 0.1 - 0.4٪ من الفوسفور ونسبة 0.3 - 1٪ من البوتاس.

 

فوائد الأسمدة العضوية

للأسمدة العضوية المخمّرة جيداً فوائد جمّة نذكر أهمها:
تحسين قوام التربة من خلال زيادة المادة الغروية بصورة تدريجية، المساعدة على امتصاص الأسمدة الكيميائية، المساهمة في جعل التربة الطينية والكلسية أخف وأطرى والتربة الرملية أكثر قابلية على إحتجاز الماء، تزويد النبات بشكل تدريجي ومستمر كميات قليلة من المواد الغذائية تمتصه النبتة خلال جميع مراحل نموها، تأمين خصوبة التربة وإستدامتها من خلال إعادة إنعاش عمليات التحليل الميكروبيولوجي وتوفير مادة الدبال (الرماد الأسود) ذات القدرة الهائلة على امتصاص المياه وتخزين المواد الغذائية. بالمناسبة فإن تصنيف الأراضي الزراعية على أساس خصوبتها يقوم على نسبة محتواها من المواد العضوية، وعليه هناك ثلاث فئات، الأولى هي التربة التي تحتوي على 2٪ وما فوق من وزنها مادة عضوية (الأراضي الغنية بالمادة العضوية)، الثانية هي التربة التي تحتوي 1 - 2 ٪ من وزنها مادة عضوية (ذات محتوى وسط من المادة العضوية)، أما الثالثة فهي التربة التي تحتوي على أقل من 1٪ من وزنها مادة عضوية.

 

تخمير الأسمدة العضوية
إن المعيار النهائي للحكم على سماد عضوي بأنه مخمّر هو عدم انبعاث روائح كريهة منه وعدم تلوّث الأيدي عند لمسه. أما طريقة تخمير الأسمدة العضوية فتقضي بوضع بقايا النبات على الأرض في طبقة سماكتها 50 سم، ثم نثر الأسمدة العضوية فوقها بسماكة متر واحد تقريباً، ورشها بالماء ثم قلبها كل عشرة أيام مع الحفاظ على الرطوبة المناسبة. وبهذه الطريقة يكون السماد جاهزاً بعد حوالى الشهرين. خلال عملية التخمير تصل حرارة السماد الى درجة عالية جداً (75 درجة مئوية)، هي كفيلة بالقضاء على بذور الأعشاب الضارة والميكروبات والحشرات وبيوضها. أما الأسمدة العضوية غير المخمرة فتشكل بؤرة خصبة لتكاثر الميكروبات والنيماتود وبذور الأعشاب الضارة والحشرات.
في ما يتعلق بتخمير الأسمدة العضوية الورقية، بإمكان كل مزارع أو مواطن يملك بستاناً أو حديقة صغيرة، أن ينتج بنفسه أسمدة ورقية مخمّرة، وهذا الأمر لا يتطلب سوى حفر حفرة بعمق حوالى 1.70م وقطر حوالى مترين تكون ذات أرضية مائلة لتصريف الفائض من الماء الذي بإمكانه أن يسبّب تعفّن المحتويات بدل تخمّرها، ثم تلقى في الحفرة بقايا الطعام من الخضار وأوراق الأشجار المتساقطة وأغصان الأشجار الرفيعة بعد تقطيعها الى قطع صغيرة لا يتعدى طولها 3 سم لتسهيل عملية التخمير. كلما تكوّنت طبقة بسماكة 25 - 30 سم يضاف اليها قليل من اليوريا (أو سوبر فوسفات نيترات) والكلس الحي وتروى بالماء ثم تخلط وتقلّب ويتم رصّّها بشكل قوي ليتم تفريغها من الهواء لكي تتحلّل بشكل أسرع، وفوق كل طبقة جديدة نكرّر العملية نفسها الى أن تمتلئ الحفرة. تستمر هذه العملية حوالى الشهرين حيث يتم الكشف عن الحفرة ويوضع السماد في أكياس محكمة الإغلاق بهدف ضمان النوعية الجيدة وتأمين التعقيم الكامل.

 

الأسمدة العضوية أساس الزراعة العضوية في لبنان
تماشياً مع مقتضيات الزراعة العضوية التي باتت اليوم ملاذاً منشوداً في دول العالم المتطور لتجنّب أخطار الزراعة التقليدية وتوفير غذاء صحي وخال من المبيدات ووضع حدّ لتلوث التربة والمياه، رفع وزير الزراعة الحالي مشروع قانون خاص الى مجلس الوزراء بشأن الزراعة العضوية يقوم على إنشاء هيئات رقابية تمنح شهادات للعاملين في مجال الزراعة العضوية. تنتشر هذه الزراعة اليوم في العديد من المناطق اللبنانية ويعمل فيها مئات المزارعين على مساحة تزيد عن 400 هكتار. هذه الزراعة وإن اتسمت بارتفاع أسعار منتوجاتها بنسبة 20 - 50٪ مقارنة بأسعار منتوجات الزراعة التقليدية، فذلك يعود الى ضآلة الإنتاج وارتفاع التكاليف، إلا أن عدد المستهلكين لهذا النوع من الإنتاج هو في ازدياد مستمر وذلك بفضل الوعي المتزايد لأخطار الزراعة التقليدية على الصحة والبيئة، كما وبفضل القناعة بالأسس التي تقوم عليها الزراعة العضوية، وهي استخدام الأسمدة العضوية في تغذية النبات والإدارة المعتمدة على استغلال المخلّفات النباتية والحيوانية.

 

تسميد التربة بالأسمدة العضوية
سبق وأشرنا الى أن الأسمدة العضوية من أصل حيواني (السواد الحيواني) هي غير صالحة لتسميد التربة، بل ينبغي إخضاعها مسبقاً لعملية التخمير أي للعمليات الميكروبيولوجية وبالتالي لما يسمى بعملية «إحتراق السواد»، لا سيما أن السواد الحيواني الطازج يحتوي على كمية كافية من الرطوبة والأوكسجين والمواد الغذائية الضرورية لتكاثر مجموعات مختلفة من الميكروبات التي تقوم بعملية التخمير. نتيجة لذلك، يأتي التسميد بالسواد الحيواني المخمّر ليزيد من نشاط العمليات الميكروبيولوجية في التربة مما يزيد من كمية الآزوت والفوسفور والبوتاس وثاني أوكسيد الكربون فيها، وبدوره يساهم السواد الحيواني المخمّر والمحلل بزيادة كمية الدبال في التربة مما يحسّن من نوعيتها.
تختلف كميات السواد الحيواني وتوقيت وضعها باختلاف نوع المحاصيل الزراعية. فالبنسبة الى الحبوب (القمح والذرة والشعير وغيرها) يتم نثر الأسمدة في مرحلة تجهيز الأرض بمعدل 10 متر مكعب تقريباً للدنم الواحد.
في ما يتعلق بالخضار تضاف الأسمدة نثراً قبل الزرع بمعدل 2.5 - 5 متر مكعب للدنم الواحد. أما الأشجار المثمرة فيفضّل وضع السماد قبل زرعها بمعدل 2 - 3 كلغ في الحفرة، ويفضُل إضافة هذه الأسمدة قبل فترة كافية من الزرع وريّها حتى تتمكن هذه الأسمدة من التحلّل. وحين تكون الشجرة في مرحلة الإنتاج، يضاف خلال الخريف حول جذعها وحسب عمرها كمية تراوح بين 3 و10 كلغ.