قضايا اقليمية

الأصابع الصهيونية غير الـخفيـــة في الحرب المدمرة على العراق
إعداد: احسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

في الثالث من شهر آذار الماضي, قال عضو الكونغرس الأميركي جيم موردان, الذي يمثل ولاية فيرجينيا, ما يلي: "إن الحرب التي تخيم على العراق, هي نسيج أيدي اليهود الأميركيين وأنه لولا دعم المجموعة اليهودية القوي لهذه الحرب لكنا تصرفنا بشكل مختلف". في ذلك الحين كانت الحرب مجرد شبح يثير القلق والمخاوف. أما الآن, وبعد أن أصبحت حقيقة واقعة بكل قبحها وبشاعتها ومآسيها الإنسانية الماثلة أمام الملأ, فإن موران وأمثاله, بات ممنوعاً من الكلام. ذلك أن المجموعة اليهودية والصهيونية التي ورطت الولايات المتحدة في الحرب, تمارس حالياً كل ما لديها من نفوذ ووسائل من أجل التشهير بالسناتور الكاثوليكي, لحمله على الإستقالة من عضوية الكونغرس, متهمة إياه باللاسامية وبالتحريض على التمييز العنصري الديني, مما يتناقض مع نص الدستور الأميركي!
وبمثل هذه التهم أيضاً, اضطر عضو آخر من الكونغرس, هو ترينت لوت, ممثل ولاية مسيسيبي, الى الاستقالة من الكونغرس في نهاية العام الماضي.
وعلى الرغم من كل ذلك فإن مثل هذه المواقف والتصريحات الشجاعة لاقت أذناً صاغية واحتراماً في أوساط كثيرة من المجتمع الأميركي غير المرتهن لأساليب التضليل والخبث الصهيونية. وسرعان ما اكتشف الرأي العام الأميركي, بالإضافة الى أوساط واسعة جداً أيضاً من الرأي العام العالمي, أن المفاتيح الرئيسة لشن هذه الحرب إنما تملكها العناصر الصهيونية البارزة في الإدارة الأميركية ممن يسمون “المحافظون الجدد” من أمثال بول وولفوفيتز, نائب وزير الدفاع, وريتشارد بيرل رئيس القسم السياسي في وزارة الدفاع, بالإضافة الى عشرين شخصية أخرى أغلبها من اليهود, ممن يدفعون العالم والمنطقة الى حرب “هرمجدون” التي لا تبقي ولا تذر من أجل إعادة هيكلة الشرق الأوسط وتغيير ثقافته السياسية والحضارية من الجذور بما يتلاءم مع مصلحة الكيان الصهيوني وأمنه وأهدافه الأمبراطورية التوسعية.

 

في هذا السياق كتب مراسل صحيفة هآرتس الإسرائيلية من واشنطن تقريراً مطولاً كرّسه لإلقاء الأضواء على النفوذ اليهودي الصهيوني المتطرّف والمتعاظم في دائرة صنع القرار في الولايات المتحدة القطب الوحيد الأعظم في العالم. وكتب المراسل أن هذه المجموعة الصهيونية صنعت قرار الحرب “لاعتقادها بأن بعض الأفكار السياسية تشكل قوة دفع مركزية في التاريخ, ومثل هذه الأفكار لا بد لها من أن تدمج الفكر السياسي الصحيح بأخلاقيات القوة وحقوق الإنسان والصرامة”.
وكتب الصحافي اليهودي الصهيوني ييل كريستول أن المبدأ الأساسي الذي تتبناه مجموعة المحافظين الجدد هذه, يقوم على اعتبار أن أساس المشكلة مع الشرق الأوسط, يكمن في “غياب الديموقراطية والحريات, ويحتم علينا بالتالي العمل من أجل إرساء نظام عالمي جديد, من خلال اللجوء الى القوة, بهدف ترسيخه”. ويخلص الى القول أن الولايات المتحدة “مضطرة” الى ممارسة الصرامة والعنف لفرض الديموقراطية وهكذا, في رأيه, جاءت الحرب على العراق “من خلال إدراك أميركي بأن على الولايات المتحدة أن تبادر الى تصميم عالم جديد على صورتها قبل أن يصممها العالم على صورته”.
إلا أن مثل هذه المزاعم والتلفيقات التبريرية, لم تنطو على أحد من المفكرين والباحثين الأحرار المتفلتين من براثن النفوذ الصهيوني, من أمثال السناتور موران والسناتور بوكانن, المرشح السابق للرئاسة الأميركية, ممن أكدوا أن حرب عاصفة الصحراء عام 1990 كانت بتحريض كامل من وزارة الدفاع الإسرائيلية والمجموعة اليهودية الصهيونية الليكودية في الولايات المتحدة. واعتبرت الدكتورة تيري وليامس الأستـاذة في جامعـة هارفـرد أن الحرب على العراق الآن “أطلقها الأصوليون المسيحيون والأصوليون اليهـود في الولايات المتـحدة”. ولا بد هنـا من الالتفات الى اتساع دائرة الإتهام لليهود الأميركيين النافذين من خلال المظاهـرات المليونية التي اجتاحت كل أنحاء العالم, الأمر الذي ألحق بمكانة وسمعة الولايات المتحدة المعنوية والديمـوقراطية أضراراً فادحة, من دون أن يتـكبد هؤلاء اليهود أي ثمـن وأيـة مشقة.

 

وما من شك, بعد استعراض كل هـذه الحقائـق, بأن إسرائـيل هي المستفيد الأول والأخير من هـذه الحرب, التي أدت الى تحقير وتمزيق الأمم المـتحدة وجميـع مبادئها وقراراتها, مما يبرر لإسرائيـل أيضاً الاستمـرار في الاستهانـة بقـرارات هذه المنظـمة الدولية وفرض المصلحة الصهيونية الظالمـة على المنطـقة والعالـم بأسلوب لا أخلاقي ولا إنساني من التسلط والسيـطرة والبلطجة الدولية.
وفي هذا السياق أيضاً أعرب وزير الدفاع الإسرائيلي, الجنرال شاؤول موفاز عن اعتقاده بأن الحرب على العراق تمثل مصلحة استراتيجية عليا لأمن إسرائيل القومي, لأنها ستعيد رسم خريطة الشرق الأوسط بما يحد من مصادر الخطر على مصالح إسرائيل الحيوية.
واعتـبر وزير الأمن الداخـلي الإسرائيـلي السابق عوزي لانداو, بأن اسقاط النظـام العراقي يعـتبر واحداً من أهم الإنجازات الاستراتيجية التي تحقـقها واشنطن لحساب تل أبيـب بشكل غير مبـاشر, وأضاف إن “إسقاط صدام هو بمباثة إجراء ردعي لا مثيل له لأنه يثبت لقادة الأنظمة العربية والإسلامية أنه ليس من الحكمة تحدي الغرب وإسرائيل”. وبتعبير آخر فإن الصهيونية الإسرائيلية والعالمية ترى أن نجاح الغزو الأميركي للعراق إنما يمثل ضربة قاصمة للروح المعنوية لدى الفلسطينيين بخاصة والعرب عامة, الأمر الذي سيكسر شوكة التيارات الدينية والقـومية والتـحررية في العالـم العربـي المعادية للتوسع الصهيوني على حساب دول الجوار الإقليـمي, ومن شأنـه أن ينشر الشعور باليأس من إمكانية حسم المواجـهة مع الجبروت الإسرائيلي بالوسائل القتالية العسكرية, وبالتالي من إمكانية الإستمرار في المواجهة من الأساس, مهـما كان مستواهـا ووتيـرتهـا. وهذا ما يمـكن أن ينعكس إيجابـاً على المواقـف والشخصيات العربية والفلسطيـنية الداعية الى الإستسلام وتقديم المزيد والمزيد من التنـازلات لمصلحة إسرائيـل في وجودهـا وأمنها على حساب المصالح الوطنية الحيوية للأطراف المعنية بالعدوان.

 

صحافي يهودي صهيوني يقول أن الحرب على العراق جاءت من خلال إدراك أميركي بأن على الولايات المتحدة أن تبادر الى تصميم عالم جديد على صورتها قبل أن يصممها العالم على صورته

 

عضو الكونغرس الأميركي جيم موردان الذي يمثل ولاية فيرجينيا قال: "إن الحرب التي تخيم على العراق هي نيج أيدي اليهود الأميركيين

 

وزير الدفاع الإسرائيلي يعرب عن اعتقاده بأن الحرب على العراق تمثل مصلحة استراتيجية عليا لأمن إسرائيل القومي

 

مراسل صحيفة هآرتس الإسرائيلية في واشنطن يكتب أن المجموعة الصهيونية صنعت الحرب لاعتقادها بعض الأفكار السياسية تشكل قوة دفع مركزية في التاريخ