دراسات وأبحاث

الأطفال والحرب
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

أجيال الأحلام الزائفة والفرص الضائعة
حاضر مفخخ ومستقبل ملغوم

 

المواثيق والأعراف الدولية لم تستطع حماية أدنى حقوق الأطفال. وإذا كان العالم قد شهد منذ القدم استخدام الأطفال واستغلالهم في الحرب، فإنّ هذه الظاهرة تبرز اليوم بفجاجة، وتوجّه إلى الإنسانية أشدّ الصفعات إيلامًا.


الأرقام الموجعة
حذّرت منظّمة الأمم المتحدة للطفولة الـ«يونيسيف» UNICEF العام المنصرم (2016)، من أن نحو 14 مليون طفل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أي ما يقارب 40% من عدد الأطفال في هذه البلدان، لا يلتحقون بالمدارس بسبب الصراعات المسلّحة في بلدانهم. ووفق هذا التقرير فإنّ 3 ملايين طفل في العراق، و2.4 مليون طفل في سوريا، و2 مليون طفل في ليبيا، و3.1 مليون طفل في السودان، و2.9 مليون طفل في اليمن، لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس بسبب الحرب. وكشفت المنظمة أن أكثر من 8850 مدرسة في العراق وسوريا واليمن وليبيا دمرت أو تضررت، كما أن آلاف المعلمين فرّوا من هذه الدول. ويعلق المدير الإقليمي للـ«يونيسيف» بيتر سلامة على ذلك بقوله:
«ليست المدارس هي التي دمّرت فقط، واصبحت أنقاضًا، بل الأحلام والفرص المستقبلية لجيل كامل من الأطفال».

 

دور الأطفال في الحرب
أدّى الأطفال دورًا بارزًا في كثير من الحروب منذ القديم وحتى اليوم. فقد كانوا يتلقون التدريب منذ الصغر ليصبحوا جنودًا وفرسانًا محاربين في المستقبل. وكان ذلك من ضرورات تحضيرهم للدخول في عالم الرجولة والفروسية في مجتمعات تعتمد اعتمادًا كليًا على القوة البدنية والعسكرية، وتعتبر التدرّب على الدفاع عن النفس منذ الصغر من بدهيات الحياة وضرورات البقاء. ومع تغيّر نمط حياة المجتمعات وطبيعة تركيبتها الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية، أصبحت مهمات القتال والحروب محصورة بالجنود الراشدين المتخصصين والمدربين. وبالتالي بدأ عصر جديد من التغيير في المفاهيم والتقاليد، ما أبعد الأطفال عن ميادين القتال والحرب حتى بلوغ سنّ الرشد تقريبًا. وكان ذلك نتيجة إقرار شرعة حقوق الانسان، وشرعة حقوق الطفل وفق ميثاق عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى، وميثاق الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.
لقد قام الأطفال بأعمال عسكرية مهمة خلال مشاركتهم في عدد من الحروب، منذ العصور القديمة مرورًا بالعصور الوسطى، وصولًا إلى العصور الحديثة. وذلك في مختلف دول أوروبا وآسيا وأفريقيا وأميركا.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي، انطلقت دعوات لتنظيم معاهدات وتوقيع اتفاقات دولية بهدف وضع حدّ لإشراك الأطفال واستخدامهم في النزاعات والحروب (بخاصة من قبل الدول)، قبل بلوغهم سن الخامسة عشرة.
يتخذ الاستخدام أو الاستغلال العسكري للأطفال اليوم الأشكال أو المظاهر الآتي ذكرها:
_ أن يتولّى الأطفال دورًا مباشرًا وعملياتيًــا في جبهــات القتــال وخطــوط النار.
- أن يكلّفوا بمهمات الدعم، وهذا ينطوي على خطر جسيم ومشقة بالغة، كأن يعملوا بوصفهم حمّالين حيث يرزحون في الغالب تحت عبء حمل أثقال كبيرة بما فيها الذخائر، أو ينقلون الجنود المصابين.
- أن يستخدم بعض الأطفال في مهمات الاستطلاع، أو كرسل أو طهاة، أو لتنفيذ واجبات روتينية أخرى. أما الفتيات فهن يعانين من حالة الاستضعاف بصورة خاصة، وغالبًا ما يُجبَرن على العمل كإماء أو للأغراض الجنسية.
- أن يتمّ استخدام الأطفال في أعمال الإرهاب، وبخاصة كانتحاريين، وهذه ظاهرة من ظواهر الحرب الحديثة المستندة إلى بعض الأفكار والعقائد الدينية المتعصبة والتكفيرية.
- أن يستخدم الأطفال كدروع بشرية، أو لأغراض الدعاية السياسية عند بعض الأطراف المتحاربة.

 

تعريف الجندي الطفل  Child soldier
تتفق معظم التعريفات القانونية المتداولة اليوم على أن الجندي الطفل «هو أي شخص دون سنّ الثامنة عشرة من العمر، متطوع لمصلحة قوة عسكرية رسمية (دولة)، أو غير رسمية (منظمات من غير الدول)، أو مجنّد، أو مُستخدَم بواسطة قوة عسكرية أو منظمة عسكرية وتحت أي صفة كانت، وبخاصة الأطفال والغلمان والفتيات الذين يتمّ استخدامهم بصفة محاربين، أو طهاة، أو حمّالين، أو جواسيس، أو حتى لأغراض جنسية».

 

حصاد الطفولة في الصراعات المسلّحة
في العقد المنصرم من هذا القرن، أودت الصراعات المسلّحة بحياة ما يزيد على مليوني طفل وفق تقارير الـ«يونيسيف»، بينما تعرض نحو ستة ملايين آخرين لإصابات أو إعاقات لمدى الحياة. كذلك، أصبح نحو مليون طفل في عداد اليتامى. وتشير إحصائيات حديثة (العام 2015) إلى أن أكثر من 300.000 طفل قد جُنّدوا في الميليشيات والجيوش وأجبروا على حمل السلاح.
ويوجد اليوم مئات الآلاف من الأطفال المُستخدَمين بوصفهم جنودًا في معظم النزاعات المسلّحة حول العالم، ومن غير الجيوش الرسمية. كثير من هؤلاء الأطفال مختطفون ومستلبون، وقد تعرّضوا للضرب أو لغسل الدماغ لإخضاعهم، فيما ينضم آخرون إلى الجماعات المسلّحة فرارًا من الفقر أو من أجل حماية مجتمعاتهم، أو انطلاقًا من شعور برغبة الانتقام، أو لإشباع العاطفة الدينية، أو لإغراء نفسي ما، كما حدث في تجنيد كثير من الاطفال مع تنظيم «داعش». ومن الملاحظ، وفق بعض الدراسات الحديثة، أن تطويع الأطفال الجنود وإشراكهم في الحرب يطيل في أمد الحروب الأهلية والنزاعات المسلّحة بين حركات التمرد والحكومات المحلية في معظم الأحيان.

 

الموقف الدولي من تزايد اشتراك الأطفال في النزاعات المسلّحة
بعد توقيع بروتوكولي جنيف للعام 1977 الملحقين باتفاقية جنيف للعام 1949، واللذين يمنعان استخدام الاطفال وتطويعهم لغايات عسكرية، قبل سن الـ15، لم تتوقف ظاهرة الزجّ بالأطفال في الحروب والنزاعات، وبدت هذه الظاهرة واضحة في أماكن متفرقة من العالم، وهذا ما أكدته اللجنة الدولية للصليب الأحمر، باعتبارها الجهة صاحبة الوصاية الأصلية في الرقابة على تطبيق القانون الدولي الإنساني والمبادئ التي يحميها.
فقد تحدّثت اللجنة في نشرتها للعام 1984، عن اشتراك أطفال لا تزيد أعمارهم عن إحدى عشرة أو اثنتي عشرة سنة في القتال، في أماكن كثيرة من العالم كالعراق وإيران، (حرب الخليج الأولى) وأميركا الوسطى وآسيا وأفريقيا. وفي ذلك إشارة واضحة إلى المخالفة الصريحة لمبادئ القانون الدولي الإنساني. وقد أيّدها في ذلك تقرير للـ «يونيسيف» صادر في العام 1986، ورد فيه أن الدراسة التي أجرتها المنظمة أسفرت عن اكتشاف أكثر من عشرين دولة تسمح بإشراك الأطفال الذين تراوح أعمارهم ما بين العاشرة والثامنة عشرة، وربما أقل من ذلك، في التدريب العسكري، والأنشطة غير الرسمية المتصلة بالحروب الأهلية، وفي جيوش التحرير، بل وفي الحروب الدولية أحيانًا، وأنّ هذه الظاهرة تتفاقم فى مناطق النزاع في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.
وبناءً على هذه التقارير وغيرها، بذلت جهود دولية حثيثة في أثناء إعداد مشروع اتفاقية حقوق الطفل، بهدف تحديد واعتماد سنّ لا يجوز دونها للأطفال أن يشاركوا في الأعمال العدائية، على أن تكون ما بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة. إلّا أن المادة 38 من اتفاقية حقوق الطفل المؤرخة في 20 تشرين الثاني 1989، لم تسجّل أي تقدم في ذلك، فقد جاءت تكرارًا للفقرة 2 من المادة 77 من بروتوكول جنيف الأول، وهذا نصها: «يجب على أطراف النزاع اتخاذ كافة التدابير المستطاعة، التي تكفل عدم اشتراك الأطفال الذين لم يبلغوا بعد سن الخامسة عشره في الأعمال العدائية بصورة مباشرة، وعلى هذه الأطراف، بوجه خاص، أن تمتنع عن تجنيد هؤلاء الصغار في قواتها المسلّحة. ويجب على أطراف النزاع في حالة تجنيد هؤلاء ممن بلغوا سن الخامسة عشرة ولم يبلغوا بعد الثامنة عشرة، أن تسعى لإعطاء الأولوية لمن هم أكبر سنًا...».
ولكنّ اتفاقية OPAC للعام 2000، سمحت لبعض الدول (انكلترا والولايات المتحدة) بتطويع الأشخاص ابتداء من عمر 16 و17 سنة، وإنما بشرط عدم إرسالهم للحرب قبل بلوغهم 18 سنة من العمر.
أما المادة 4 من البروتوكول الاختياري للاتفاقية نفسها (OPAC)، فقد نصت على ما يأتي:
1. لا يجوز أن تقوم المجموعات المسلّحة المتميزة عن القوات المسلّحة لأي دولة في أي ظرف من الظروف بتجنيد أو استخدام الأشخاص دون سن الثامنة عشرة في الأعمال الحربية.
2. تتّخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة عمليًا لمنع هذا التجنيد والاستخدام، بما في ذلك اعتماد التدابير القانونية اللازمة لحظر هذه الممارسات وتجريمها.
3. لا يؤثر تطبيق هذه المادة بموجب هذا البروتوكول على المركز القانوني لأي طرف في أي نزاع مسلّح.

 

جدلية القانون الدولي والواقع
يلاحظ الباحثون أن التناقض كان واضحًا وصريحًا في اتفاقية حقوق الطفل، بحيث أن مادتها الأولى عرّفت الطفل بأنه «كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه»، ثم طلبت من الدول عدم تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة في قواتها المسلّحة. ومعنى ذلك أن الطفل ما بين سن الخامسة عشرة والثامنة عشرة، مسموح بتجنيده في القوات المسلّحة للدول الأطراف، وهو مازال طفلًا، طبقًا لتعريف المادة الأولى لسن الطفولة. ومن نتائج هذا التردد في رفع سنّ تجنيد الأطفال إلى الثامنة عشرة، وعدم إقرار اتفاقية دولية خاصة بحقوق الطفل، فتح المجال واسعًا أمام بعض الدول وكثرة من الجماعات، لتستمر في استغلال هذه الثغرة واستخدام الأطفال، لأهداف عسكرية وحربية وغير انسانية قبل بلوغهم سن الرشد.

 

لماذا يذهب الأطفال إلى الحرب؟
من الأمور التي ساهمت بشكل رئيسي في زيادة استغلال الأطفال، واشتراكهم في الأعمال العدائية، توافر أكوام من السلاح المخزون نتيجة انتهاء الحرب الباردة، وانتشار الأسلحة الرخيصة والخفيفة الوزن (كلاشنيكوف وإم 16)، وكون الأطفال يقبلون برواتب أقل من الكبار.
وثمة سبب آخر يرجع إلى انتشار مجموعة كبيرة من النزاعات غير الدولية والتي قامت على أساس قومي أو ديني أو قبلي، حيث يسهل فيها التأثير على الأطفال وإغواؤهم وغسل أدمغتهم وإجبارهم على الانخراط في أعمال القتال والتخريب والتجسس، بل إن الأطفال الذين نشأوا في ظل هذا العنف باتوا ينظرون إليه وكأنه نمط حياة دائم.
تعتبر الحرب الأهلية في ليبيريا والتي استمرت من العام 1989 إلى العام 1997، والتي راح ضحيتها مائة وخمسون ألف شخص، وأجبرت مليون نسمة على النزوح والهجرة، مثالًا بارزًا لاستخدام الأطفال كجنود. تشير بعض الاحصاءات إلى أن نحو 15 ألف طفل (معظمهم لم يتجاوز سن السادسة عشرة)، جرى تدريبهم كجنود، لكن ليبيريا ليست المثال الوحيد، فقد تمّ تجنيد الأطفال في العراق وسوريا، وليبيا واليمن والسودان والصومال وأوغندا، وأفغانستان وكردستان وميانمار والفليبين.
فمع ابتكار أسلحة جديدة خفيفة الوزن وسهلة الاستعمال بات تسليح الأطفال وتدريبهم أسهل مما كان عليه في أي وقت مضى. وتستخدم الجماعات المسلّحة الأطفال لسهولة التحكّم بهم، فهم يقومون بالقتل من دون خوف ويطيعون الأوامر من دون تفكير.

 

الأطفال ضحايا أنفسهم
بصرف النظر عن كيفية تجنيد الأطفال، وعن الأدوار والمهمات التي توكَل إليهم، فالأطفال الجنود هم بذواتهم أول ضحايا أنفسهم في هذه الحرب، لما لمشاركتهم في النزاع من انعكاسات وتأثيرات في صحتهم الجسدية والنفسية. وأول ما يخسره هؤلاء الأطفال هو طفولتهم، فهم يشهدون أو يشاركون في أعمال ذات منسوب مرتفع من العنف، وقد تكون موجهة ضد عائلاتهم أو مجتمعاتهم المحلية، وهم غالبًا ما يكونون خاضعين لأصناف متنوعة من الأذى، ويواجهون بمعظمهم الموت والقتل، والعنف الجسدي والجنسي. كما يجبر كثيرون منهم على ارتكاب هذه الجرائم لدرجة أنهم يعانون آثارًا سيكولوجية خطيرة، تستمر لفترة طويلة. وبذلك فإن عملية إعادة دمج هؤلاء الأطفال في المجتمع تصبح أمرًا بالغ التعقيد والصعوبة، وأما عدمها فيشكل تعقيدًا مستقبليًا أكبر يحمل في ثناياه أخطارًا اجتماعية كثيرة.
إنّ الوضع المأساوي للأطفال المتأثرين بالنزاعات المسلّحة، وخصوصًا الحالات البالغة الشيوع التي يتم فيها إجبارهم على الاشتراك في الأعمال العدائية أو السماح لهم بالاشتراك فيها، تقتضي تطوير وبلورة بروتوكول إضافي عملي، أو أشد إلزامًا يضاف إلى إتفاقية حقوق الطفل. وهذا ما يستوجب العمل الحثيث من قبل المجتمع المدني والدولي والإنساني والأمم المتحدة وعلى مستويات متنوعة، وبأسرع وقت ممكن.
 
 

مراجع وروابط:

 

- https://childrenandarmedconflict.un.org/ar/
- https://www.icrc.org/ara/resources/documents/misc/5krczx.htm.
- www.childprotectsyria.org
- https://www.icrc.org/ara/resources/documents/misc/additional-protocols-1
- http://www.mofa.gov.iq
- https://www.unicef.org/arabic/protection
- OPAC: Optional Protocol to the Convention on the Rights of the Child on the involvement of children in armed conflict:البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلّحة