الأكراد أو "الدولة" المتعثّّرة بين الوقائع والوعود!

الأكراد أو "الدولة" المتعثّّرة بين الوقائع والوعود!
إعداد: د. نسيم الخوري
كاتب ومحلل سياسي أستاذ ومدير سابق لكلية الإعلام والتوثيق، الجامعة اللبنانية.

مقدّمات

تتقدّم مسألة الأكراد منذ سقوط بغداد، إلى درجة تثير الباحثين والمتابعين للملف العراقي بشكلٍ واسعٍ  لم يسبق أن شهدناه بهذين النشاط والحماس الذين نلمسهما اليوم بين الألفيتين ، والسبب أن ملفات الأقليات تفتح في العالم  ككل ولا سيّما في الشرق الأوسط ، وهو أمر يتعاظم ويبدو مقلقًا لتعدّده أو لما ما يختزنه من عنف وصراعات ناتجة عن الصعوبات الهائلة التي تحول دون تحقيقه. يمكن الافتراض بأن حضارة العولمة التي تؤسّس لها وسائل الاتصال ومسألة نشر الديمقراطية التي تتنكبها الولايات المتحدة الاميركية في الكرة الأرضية هي التي تغذّي بشكل ملحوظ ما نشهده في هذا الملف القديم/المتجدّد من تاريخ البشر.

والواقع أن مسألة الأقليات ومشاكلها ، ومنها الأكراد، موجودة في القارات الخمس وهي قديمة جدّا عبر التاريخ كونها مرتبطة أساسًا بالتناقض القائم بين زاويتين لمثلّث أو فكرتين فلسفيتين هما الوحدة والانقسام.

 تبدأ معضلة الأقلية غالبًا بالإحتجاجات والخصوصيات الدينية والثقافية والفولكلورية وربّما الإقتصادية، وقد تؤدّي إلى تعقيدات وثورات هائلة مكلفة، وربّما إلى نزاعات خطيرة بين الأمم تسقط المقولة التاريخية الراسخة التي ترجّح الغلبة لمن هو أقوى فلا تعود القوّة معادلة للحق.

 ويرشح عن الصراع بين فكرتي اللحمة أو الوحدة والانقسام فكرة ثالثة مغرية للأفراد والشعوب وهي تمثّّل الزاوية الثالثة من المثلّث غير المتساوي الاضلاع ونعني بها فكرة التمايز والاختلاف التي كادت أن تمحوها النزعة الاشتراكية في العالم الذي انصبّ على الانتاج. إنها فكرة تأخذ مداها بعد سقوط الفكرة الاشتراكية عبر منظومة أوروبا الشرقية التي عاشت لأكثر من سبعين عاما!

تحت هذا الاستهلال نجد أقليات معزّزة وأخرى مقموعة ومضطهدة، للأولى مدارسها وصحفها ووسائل إعلامها وأناشيدها، وللأخرى قهرها أوصراعها الدائم الشاق المتأرجح بين ضفة وأخرى أو بين الحقوق والواجبات في المجتمعات التي تضمّها. وهذا يفترض بالباحث "التمييز الحذر، بالطبع، بين الأقليات من ناحية والمهجّرين أو المجموعات غير الثابتة في العالم، من ناحية أخرى، والتي تتحرّك وفقًا لوطأة الحروب أو التطوّرات الاقتصادية مثل فلسطينيي الشتات أو الفيتناميين والكومبوديين أو الإيرلنديين أو الإسكندينافيين والإلمان والسلاف والايطاليين واللبنانيين في الولايات المتحدة الاميركية وغيرها"([1]).

في ضوء هذه الملاحظات نضع خطّين بالأحمر تحت المسألة الكردية في العراق والمحيط، لسبب بسيط هو أنّ العراق يبدو المنطقة الاكثر التهابًا فوق خريطة العالم، ومنها يتورّط الكثير من الدول الاقليمية والعالمية، ومعها تستيقظ أحلام الأقليات مجدّدًا وتُبعث الافكار التقسيمية والخرائط القديمة التي كان يظنّ الباحث لوهلة بأنها قد طويت أو يبست جذوعها، لكن المحدّق في الخرائط يرى أوراقًا خضراء صغيرة تخرج من تحت الجذور اليابسة وتحاول التشكّل مجدّدًا كأقليات لها خصوصياتها وثقافاتها وبلدانها المستقلة المرسومة.

ويعني الدخول في ملف المسألة  الكردية،إذن، وضع الإصبع على النقطة المشتعلة والمتشظية أي الاكثر خطورة فوق خارطة الشرق الأوسط، حيث يتفرّع منها الكثير من الاشكاليات والشروخات الجيوستراتيجية التي قد تتجاوز في تداعياتها أبعاد هذا الملف المزمن الطويل إلى ما يطاول عددًا هائلًا من يقظة الإتنيات الحيّة المختلفة أو "المنقرضة" المشتّتة والتي تحفل بأدبيّاتها وتواريخها القواميس والموسوعات، وهي في معظمها تترقّّب الفرص السانحة لرفع خصوصياتها وأحلامها في وجه العالم المنفتح على تساقط الحواجز والحدود والجدران في ما بين الشعوب، أقلّه في عصر العولمة الذي يشغل الكرة الأرضية بمفاهيم مثل الحرية والديمقراطية والتواصل([2]).

ويعني هذا الملف في ما يعني ، إذن، مجموعات من الدول العظمى والاقليمية الواقعة كلّها في دوائر الضغوط والصراعات المخيفة بين الغرب والشرق، ولهذا يتوسّع المحور بشكل عام ليطاول بلادًا مثل سوريا وإيران وتركيا والعراق والولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها. ولا نغالي إن اعتبرنا بأنه ملف يطاول مستقبل الاتنيات في العالم المشرقي كلّه، خصوصًا عندما ندرك بأن وضع الإصبع فوق الأكراد يعني أيضًا وضعها فوق أراض مغمّسة بالنفط والماء. فحيث هناك أقليات هناك حضور استراتيجي لتلك الاقليات فوق عصبي الحياة والاقتصاد أي الزيت والخصوبة وهما أساس استمرار الصناعة والحروب والغزوات الصغيرة والكبيرة منها، وفي هذا لبّ المعضلة الكردية المعاصر‍.  ‍‍

من الطبيعي، إذن ، أن تشغل المسألة الكردية حيّزًا مهمًا من السياسة العالمية وتجذب وسائل الإعلام في المنطقة العربية. ليس في الأمر جديد لأنها مسألة موغلة في التاريخ تفصح عن تاريخ مصفوف متجدّد من الصور التي تبرز رتابة أحلام الأكراد في الجغرافيا، فهم يظهرون بقعًا من الناس المتشابهين المتوزّعين من شمال طهران إلى حوض البحر الأبيض المتوسط يجمعهم حلم واحد قائم في اللاوعي ويطفو على مستوى السلوك السياسي والخطاب مع كل ظروف جديدة مستجدّة. ويبدو هذا الحلم مشروع دولة قد تكون ممكنة التحقيق على الدوام، لكن، ليس فوق تلك الجغرافيا المتشظية أو المشتّتة والمشتعلة. وما يسهل تحقيقه في لندن أو في واشنطن أو في أية عاصمة بعيدة، يبدو عسيرًا السير فيه أو رسمه فوق أرض الواقع أو  يبدو،على الأقل، مكلفًا جدًا على الرغم من اندفاعة الاتراك الواضحة بعد غزو العراق.

هذا الحلم المتجدّد كان يورث همّ كلمة "الأمة" الكردية الكثير من النـزاعات الداخلية في ما بين الأكراد أنفسهم حيث كان القتل يتمّ على الالوان في بعض الاماكن ( فاللون الأصفر يمثّّل مسعود البرازاني والاخضر جلال الطالباني وحيث اكتست أماكن نفوذهما كل حسب لونه)، ويتم القتال أيضًا بينهم وبين الانظمة القائمة في مناطقهم، فبدوا مجموعة من "الأقليات المهزومة في التاريخ"([3]) أو التي اعتادت الهزيمة التي يعقبها تحفّز للإستقلالية والخصوصية إلى ما لا نهاية!

وليس أبلغ من عنوان الفصل الذي كتبه "جوناثان راندل" عنهم من أنهم "لا يجدون ما يعوّض هزائمهم المتلاحقة سوى بالاندفاع إلى الامام والمباشرة من جديد، وهذا ما يقرّبهم في شيمهم من العرب الذين لا يعوّضون عن جروحهم النرجسية المفتوحة إلاّ بالهروب إلى الأمام، وهذا ما يجعلهم مع العرب من ضحايا التاريخ المعاصر المدموغة بلادهم بألف ثورة وألف تحسّر"([4])، أو بمعنى آخر، هم البلاد التي تترصّد أو تعيش حالة من الانتفاضة الدائمة والهزيمة الواقعة دومًا ما يقرّبهم من "أمة" الشقاق التي تؤلف أسطورة سيزيف: يدفعون صخرتهم سرًا وبكل الاساليب إلى فوق ثم لا تلبث أن تتدحرج إلى تحت، وهو ما دفع مؤلّف لأن يعنون دراسته للقضيّة الكردية ب"أوكار الهزيمة"([5]). وهكذا كان لا يمكن أن تُعوّض الهزائم في تواريخهم إلاّ بالمزيد من الغوص في "الاوحال السياسية" ظنًّا منهم أنهم يذهبون نحو المستقبل الموعود الذي بات ماضيًا له صفة المتاحف..  والرغبة قائمة دومًا في التطلّع إلى الحكم الذاتي كعنوان دائم للمستقبل.

كان لا بدّ من هذه الافكار تفسيرًا للعنوان المقترح "الأكراد دولة بين قوسين أو الدولة المستحيلة". وإننا إذ وضعنا "الدولة" أو "الأمة" الكردية بين قوسين فلأنهما قوسان أثبتتهما التجارب الطويلة التي جعلت من الأكراد فكرة شقية وعصية على التحقّق أو "قنبلة محشوّة بالبلقنة" على حدّ توصيف الكاتب اللبناني جوزف سماحة ( السفير،8/1/2004) مع ما تحمله هذه الصفة من مخاطر الخلافات الكثيرة التي يحملها الأكراد معهم أنّى ذهبوا... وكيفما فاوضوا أو تطلّعوا!

فما هو واقع الأكراد؟

 ولماذا تبدو دولتهم محكومة بالاستحالة مع أن الظروف العامّة المستجدّة تشير إلى دلائل مناهضة لهذه التسمية وهي قد تكون الظروف الاكثر خطورة في تاريخ المنطقة؟

 ما هو مستقبلهم بل ما هي ملامح هذا الملف القديم الدائم التجدّد؟

قبل الإجابة عن هذه الأسئلة وأسئلة أخرى، لا بدّ من تسليط الضوء على أكراد العراق اليوم، وخصوصًا من زاوية الحضور الاسرائيلي المتنامي في العراق، خصوصًا وأن العراق، كما أشرنا، يعتبر النقطة الخطرة في معطياتها والتي قد تشكّل شرخًا في الجسد العربي قد لا تميّز ارتداداته بين بلد وآخر، وهذا ما يبرّر الاقبال العام للباحثين والاعلاميين على الملف الكردي.

 

 إسرائيل والعراق: محطّتان استراتيجيتان وإشارتان

تقودنا عملية الغزو الاميركي للعراق، إلى محطّتين أساسيّتين إسرائيليتين تتجاوز في معانيهما عادة الأكراد في مقايضة الاحتلالات بمكافآت جغرافية أو بأثمان أخرى، على حساب قوميات أخرى مهددة في كياناتها ومصالحها. نقول تتجاوز لأن الأكراد سيجدون أنفسهم، ربما، أمام الاستحالة الجديدة، ويسقطون  كذريعة لأجل مزيد من التوغّل الغربي في المنطقة والذي يعني إيقاظ ملفّات أكثر خطورة واشتعالًا  يتراجع معها الملفّ الكردي الأساس الموعود.

الإشارة الأولى وبرزت مع تعثّر الخطى العسكرية الاميركية الأولى، في جنوب العراق، وهو ما لم تتّضح معالمه تمامًا إن كان تعثّرًا استراتيجيًا أو تكتيكيًا. فقد كان للدخول الاسرائيلي إلى غرفة العمليات العسكرية الاميركية بصفة مشارك، إن لم تكن الآمر (بعدما كانت إسرائيل الوكيل الشرعي الاوحد لأميركا قبل غزو قوات هذه الأخيرة إلى العراق) الدور الحاسم في كشح هذا التعثّر وفتح أبواب بغداد لتسقط أمام الجيوش الاميركية الرقمية المتدفّقة من الجنوب بسهولة لافتة لم تر أسراره النور بعد. ولقد جذب هذا التعثّر العسكري بعض وسائل الاعلام آنذاك، التي ألمحت إلى عدم وضوح تلك المجازر الصامتة وأسبابها وخفاياها ونتائجها، التي حصلت في أروقة مطار بغداد.

الإشارة الثانية وقد برزت في تهشيم المتاحف العراقية العريقة، والسطو أو الطمس للمصالح الاثرية العظيمة، التي تعود إلى سبعة آلاف سنة من كنوز بلاد ما بين النهرين. ولعلّ أفجع ما في تلك المحطة، الأيدي الخفيّة التي امتدت إلى حضن بغداد، لتختفي معها لوحة السبي اليهودي على أيام نبوخذ نصّر من متحف العراق. إنّها الاشارة إلى قتل الماضي ومحو التراث والتاريخ، وحصر الزمان بمؤشّر الحاضر (Now).

المحطّة الأولى: منذ أن استردّت مصر سيناء والعدو الاسرائيلي يحدّق نحو الموصل لأنه افتقد مصادر النفط الذي كان يسطو عليه في الصحراء المصرية وكان فيسدّ احتياجاته ويصدّر الفائض عنه، وهو حاول ويحاول الولوج إلى العراق سعيًا وراء هذه المادة الحيوية. ولطالما عرضت إسرائيل وبمختلف السبل والأساليب على العراق إحياء خط الموصل-حيفا، وكانت تجابه بالرفض من قبل العراق كما من قبل تركيا التي كان يعني العرض بالنسبة إليها خسائر كبرى أهمّها إغناء الأكراد نتيجة تكريرهم للنفط وإعادة تصديره، بالإضافة وأنه خط قد يحلّ إن تحقّق مكان خط  كركوك- جيهان.

المحطّة الثانية ونعني بها المياه كأحد أهم العوامل الحيويّة التي تجعل إسرائيل تتطلّع بشكل دائم إلى مياه العراق ومناطق الأكراد الموصوفة بخصوبتها وينابيعها، وذلك منذ أن رفعت الحركة الصهيونية شعار حدودها من الفرات إلى النيل ، وهو الشعار الذي كان وراء قيامها والمحافظة عليها وتقويتها في المحافل الدولية.

وترتفع القيمة الاستراتيجية للمياه مع حاجة إسرائيل الماسة  إلى هذه السلعة الحيوية التي لا تسدّها لا مياه الضفة الغربية ولا مياه الانهر اللبنانية في الجنوب اللبناني التي انتهكت في إبّان الاحتلال، ولا مانع في قناعاتها من شرائها كما من شراء الكهرباء التي لن تتعثّّرً، ربّما، في الحصول عليها من العراق.

بالإضافة إلى هاتين المحطّتين، يمكننا رصد فتح الاسواق العراقية وغيرها أمام البضائع الاسرائيلية، كما المساهمة مع الشركات البريطانية والاميركية في إعادة إعمار العراق كهدف استراتيجي قريب في التطبيع وعملياته. وهذا كلّه يصبّ في مجرى الهدف الاستراتيجي البعيد الهادف إلى تقويض جدار الرفض العربي الممانع للعدوّ الاسرائيلي  على الرغم من انهياراته وتداعياته الكثيرة.

 في ضوء ما تقدّم، ينشط الاسرائيليون بكثافة في شمال العراق أي من الباب الخلفي للعرب عبر علاقات مضطربة مع الأكراد بعد اعلانهم حكمًا ذاتيًا في أعقاب حرب عاصفة الصحراء( 1991). ويشكّل وجودهم المتنامي هناك تهديدًا حقيقيًا لأمن إيران وسوريا والمنطقة العربية ككل. في هذا النشاط في كردستان العراق عبر أنشطة ظاهرها تجاري وخفّيها عسكري في مراكز تدريبية عسكرية لوحدات كردية خاصة ثمة أمر يقلق بعض العرب. وإذا كانت صحيفة "نيو يوركر" الاميركية أوّل مصدر رشحت عنه هذه المعلومات، وعلى الرغم من النفي، فقد بات موضوع الحضور الاسرائيلي المتزايد في العراق واقعًا إعلاميًا يوميًا يؤكّد مشاركة عناصر إسرائيلية في عمليّات التحقيق والتعذيب التي جرت وتجري في السجون والمعتقلات العراقية بالإضافة إلى الامعان في عمليّات القتل والترويع والتفجير الذي يخشى امتداده وعدم التمكّن من ضبطه.

والمعروف، في هذا المجال، أن سوريا لم تستبعد دور جهاز الموساد العامل في شمال العراق من الاحداث التي سبق وشهدتها مدينة القامشلي على الحدود السورية التركية منذ عدّة أشهر، وقد يكون الهدف الاستراتيجي من وراء هذا الأمر، التلاعب بالنـزاعات القومية في المنطقة، وبالتالي تقسيمها إلى دويلات عرقية وقومية متناحرة، وهو ما يصبّ في خارطة "الشرق الاوسط الجديد" ويحقّق ما بات يعرف بـ "الفوضى الخلاّقة"([6]).

لقد بات معلنًا تسريب الكلام عن ضخّ النفط العراقي إلى إسرائيل، وإعادة وصل خطّ نفط الموصل ـ حيفا (600 كلم)، الذي دُشّن في العام 1935 وتوقّف مع حرب 1948،بالإضافة إلى المساهمة الاسرائيلية بإعادة إعمار العراق بما يفوق الـ 800 مليار دولار في عشر سنوات، وبيع إسرائيل لمياه العراق وإمدادها بالكهرباء تحت شمسية الديمقراطية والمصطلحات المستوردة الكثيرة، وكلّ ذلك أمام صمت الكثير من الانظمة والدول، أو توجسها، أو عدم فهمها للنوايا التي تبطنها السياسة الاميركية، أو المعارضة الخجولة، لهذا التهشيم القومي، الحاصل في مستقبل العرب، والذي سيؤدّي قطعًا، إلى تطويق الكثير منهم ومحاصرتهم وتهديد استقرارهم([7]).

وإذا كان يصعب حصر معارضة تركيا للخطّّ النفطي الاستراتيجي المقترح، في اعتباره بديلًا عن خط كركوك ـ جيهان، كما ألمحنا ، ففي الأمر ما هو أكثر خطورة، أي تلاعب الموساد الاسرائيلي بالورقة الكردية، في جنوب تركيا، والتي نتج عنها تدهور بين أنقرة وتل أبيب، بالإضافة إلى حضور الاسرائيليين أيضًا في جنوب العراق، منذ العام 1979، وهو حضور لم يتطوّر بسبب الحرب العراقية ـ الإيرانية(1980) وحسب، بل أنه عاد يتصاعد من جديد بعد حرب الخليج الثانية العام 1991 حيث أنشأت تل أبيب مكاتب مخصّصة لترتيب الاوضاع في عراق ما بعد صدام من جهة، ومتابعة التسلّح النووي الإيراني من جهة أخرى. هذا من دون إغفال العلاقات المعروفة التي نسجتها إسرائيل، منذ الـعام 1991، مع ما يسمّى بالمعارضة العراقية التي عادت على الدبابات الاميركية إلى العراق.

إن أبواب العراق التي بقيت موصدة أمام إسرائيل طويلًا، تبدو الآن، إذن، مشرّعة بعدما تحطّمت مع القوات الاميركية في غزوها الاخير للعراق الذي لم يكن أميركيًا وحسب، بل إسرائيليًا وخصوصًا من خلال الورقة الكردية المعتادة عبر أيّ تدخّلات سعيًا وراء الحلم التاريخي أي إقامة الدولة الكردية.

فقد جرى أوّل اتصال بين شيمون بيريز والبرازانيين في سويسرا العام 1964 في إطار مؤتمر اشتراكي دولي، وقامت إسرائيل بعدها بتدريب مجموعات من الأكراد في المعسكرات الاسرائيلية في دورة خاصة خلال شهر آب/ اغسطس من العام 1965 إستمرت وتطوّرت في العام 1968 وعرفت بـ "البساط" كتسمية رمزيّة لها ([8]). وفي هذا العام نفسه، قام الملاّ مصطفى البرازاني بزيارة إلى الدولة العبرية للمرّة الأولى وأعقبها بزيارة أخرى في العام 1971 حيث كان الاسرائيليون يتجوّلون في شمال العراق ويرسلون السلاح عبره إلى البارازانيين. وقد قام زئيف زايد الذي كان رئيسًا للموساد الاسرائيلي بين عامي 1972 و1975 بزيارة المناطق الكردية في العراق، وتمّ نقل كميّة كبيرة من الاسلحة السوفياتية إليها، حيث تمَّ الاستيلاء عليها خلال حربي 1967 و 1973 بين العرب وإسرائيل([9]). وما إن أعلن عن تسليم مقادير السلطة إلى العراقيين(2004) حتى سارع سيلفان شالوم وزير الخارجية الاسرائيلي إلى إعلان رغبة بلاده رسميًا في إنشاء علاقات دبلوماسية متينة مع العراق وهي علاقات حافلة بالمصالح والطموحات القديمة البترولية والمائية والاستراتيجية.

ليس الهدف من إيراد هذه الأنشطة من التوغّل الاسرائيلي في المسألة الكردية تأريخًا لتشرّد الأكراد بين العرب وإسرائيل أو بين التغرّب والتعرّب أو بين الوطن والقومية، بقدر ما هو تأكيد على بروز اللحظة الكردية التي تبدو وقد حان معها فكّ الارتباط مع العراق العربي، وهذا لإعادة التذكير بانفجار بلقاني اللون قد يصيب، إن تحقّق، المنطقة كلها بما يؤدّي إلى نزاعات وحروب أهليّة متعدّدة الهويّات. هناك مشاكل واضحة في العراق وغير العراق، كما أن هناك مشاكل أخرى شيعية في دول أخرى من الخليج تجعل المسألة الكردية على الرغم من استحالتها نافذة مشرّعة على مخاطر التقسيم الملفوف بالوعود الديمقراطية، وستفجّر سلسلة من الاحداث والمشاعر المكبوتة المتراكمة في المنطقة منذ قرون. وعلى الرغم من أوجه الشبه بين أكراد الأمس وأكراد اليوم، في لحمة الدم والرغبة في الانفصال، كمعطيين أساسيين في نسج الكيان المنتظر، تعضدهما مسألة ثالثة هي التجمّع الظرفي والانصهار المؤقت بهدف معاضدة الخارج والوقوف إلى جانبه، فإن الثقل الغربي يشغل النشاط الكردي بشكلٍ يجعله نوعًا من الخصوصية في السياسة الأقلوية وليست الكردية بشكل عام.

على أن السؤال الذي يطرح هو: لماذا يمثّل الأكراد منذ الحرب العالمية الأولى إلى اليوم، سيفًا مسلولًا ولامعًا بين أيدي الدول التي تضمّ العدد الأكبر منهم مثل تركيا والعراق وسوريا وإيران بحثًا عن الحكم الذاتي؟

وهل ما كان يحصل في الظروف التاريخية هو مشابه لما يحصل اليوم في العراق؟

الواقع، أن الظروف قد اختلفت تمامًا، إذ لم تعد وعورة الأكراد وتجدّد أحلامهم الانفصالية، ولا تشبّثهم بالقبيلة، أمورًا كافية في اهتمامات الدول الكبرى التي تحرّكهم في اهتزازات الجغرافيا الاستراتيجية. فالعراق في دفعه إلى التفكّك والاهتزاز قد يترك آثارًا اهتزازيّة هائلة، على مستوى الدول الأخرى، وقد لا تقوى الدول العظمى على تحمّل نتائجها، وخصوصًا أن ملامح بداية نهاية العولمة قد بدأت ترشح من سلوك بعض الدول الكبرى الأخرى، مثل الصين والروسيا الاتحادية، وغيرها من الدول القادمة المنتظرة في اصطفافها المتجدّد في مجلس الامن (2006).

 وقد لا يسمح المزاج السياسي العالمي، بتكرار أو اجترار المعطيات والدوافع الخاصة بالأكراد، لأن السياسة ليست عالمًا مفتوحًا على رغبات الاقليّات وتطلّعاتها(باستثناء الحالة الاسرائيلية) بقدر ما هو مشرّع على مصالحها، وتأمين مستقبلها ومشاركتها الفعّالة في الحكم كمحرّك للاشكاليّات والشهوات السياسية للدول العظمى أكثر من النظر اليها ككيانات يمكن الركون اليها والاستناد إلى قوّتها. وبهذا المعنى تصبح الآرية كدعوة تقليديّة، تفضي إلى التتريك ومحاولة التعريب، وبروز "الدويلة" الكردية حبّة لامعة في مخطّط الشرق الاوسطي الجديد، لكنها صعبة الانخراط ككيان في التاج السياسي.

وإذا كان للحضور الاسرائيلي في العراق وزن سياسي جديد كبير، فإن الوعورة في الجغرافيا والسلوك القتالي اللذين يختزنان عنفًا صلبًا هما على تماس مع الطبيعة الصلبة ما يدفعنا لأن نجد أنفسنا أمام مسألة تتقاطع فيها تشظيات الجغرافيا، بطابع مطامع الدول الكبرى وكلاهما يبقي على الحبة الكردية طائفة مؤجّلة التحقيق في وسط هذا الجو المحفوف بالشظايا.

فما هو المقصود بتشظيات الجغرافيا في الحلم الكردي؟

 

المعطيات الجيوستراتيجية

تقدر أعداد الأكراد بثلاثين مليون تقريبًا يتوزّعون في: تركيا50%،إيران25%،العراق 16%، سوريا4%، أذربيجان وأرمينيا وجورجيا وآسيا الوسطى 1%،أوروبا 3%، لبنان واحد بالمئة.([10])

ويقيم هؤلاء الأكراد في مناطق جبليّة متماسكة، تمتدّ من بلاد ما بين النهرين في الجنوب، إلى أذربيجان وأرمينيا في الشمال وإلى جنوب شرق تركيا وحتى شمال غرب إيران.

والواقع أنّ حدود كردستان لم تكن سوى خطّ متعرّج ومتقلِّب، غير واضح وغير دقيق على مرّ العصور، وهذا ما جعل الأكراد يختلطون بالأرمن، وخصوصًا في جنوب أرمينيا، حيث تضاعفت أعدادهم بفضل السياسات التركية التي كانت تشجّع هجراتهم، في أعقاب المذابح الأرمينية الأربع (1895 ـ 1909، 1915 ـ 1916).

وقد اختلط الأكراد بالأتراك، في مناطق ديار بكر ومردين، كما اختلطوا بالعرب والتركمان والأتراك أيضًا، في أعالي بلاد ما بين النهرين. أما في إيران، فبلاد الأكراد هي ذات حدود طبيعية عند بحيرة رومية تمتدّ جنوبًا حتى كرمنشاه.

إنّ كردستان، بلاد جبلية تشمل إذًا جبال طوروس الشرقية وجبال زاغروس الشمالية، وقد ترتفع تلك القمم الجبلية فيها إلى 3200م ليتوّجها جبل أرارات في الشمال شاهقًا في ارتفاعه حتى  5165 مترًا.

بلاد الأكراد خصبة وترويها الامطار التي يراوح هطولها بين 700 ملم سنويًا في السهول و2000ملم في الجبال وهي نسب قياسية مغرية . ومن أنهارها ما يصبّ في بحيرة "فان" في تركيا أو في بحيرة "أورمية" في إيران، أما سواعد نهر دجلة التي تمرّ في بلاد الأكراد فأهمّها "البهتان" و"الزاب" إلى " كاراسو" و"موراسو" اللذين يشكّلان ساعديها في الفرات.(10

يقيم الأكراد في قرى معلّقة تلتصق فيها البيوت، بلحف الجبل، وتعلو صفوفًا بعضها فوق بعض مشابهةً في ذلك بيوت " القز" القديمة المعلّقة في جبال لبنان المارونية بين الصخور في الجبال العالية.

من يدرك تلك المسالك الجبلية الوعرة، يفهم بسهولة ما كانت تصبو إليه الحركة الكردية منذ الأساس، وهو التخلّّص من حال "الأقلية" والمطالبة الدائمة بقيام دولة كردية أو استقلال ذاتي على الأقل، لا سيما أن جغرافيتهم كانت وما زالت تمنحهم نوعًا من المعاندة والتمتّع بحكمٍ أشبه بالذاتي أو الحكم المعلّق بأطراف الجبال والصخور، وعلى مرّ العصور، وهذا ما دفع بهم إلى أن يكونوا خارج كل عصر، بالمعنى الحديث الغربي.

هذه الاستحالة الطبيعية في الانقياد للآخرين الذين لطالما ضايقوا الأكراد، رافقتها استحالة أخرى، هي اصطدامهم الدائم برفض الدول التي يقيمون فيها من إقامة دولة ذاتية لهم، باستثناء محاولة حكم يتيمة في العراق (5 نيسان/ أبريل 1995)، حيث قامت محميّة كردية، إن صحّ التعبير، في شمال العراق طبقًا للقرار 688 الصادر في العام نفسه، عن مجلس الامن، والذي يحفز الأكرادعلى تنظيم حكم ذاتي بهم (إنتخابات لمجلس تشريعي، إعلان دولة فدرالية، إنشاء جيش نظامي... إلخ)، ولكن تركيا وإيران وسوريا، كانت تؤكد معارضتها على الدوام، قيام الدولة الكردية في شمال العراق، متمسّكة بوحدة الدولة العراقية... فالعراق هو المحور الثابت قوميًا، وانفراطه غالي التداعيات على ما يحيط به.

وإن من يتأمّل تلك الوعورة الطبيعية لأراضي الأكراد، يدرك بسهولة أيضًا، الأبعاد الاستراتيجية الكبرى، التي دفعت الدول العظمى إلى شقّ الطرق الواسعة في تلك الأراضي، فكان في الشمال طريق "هاملتون" على إسم المهندس الانكليزي الذي شقّّها بين عامي 1927 و1932، إلى الطرقات الواسعة الجميلة التي شقّتها الحكومة العراقية في مناطق الأكراد، ومثلهما تركيا التي ارتبطت بخطّ سكّة الحديد،الذي يمرّ في منطقة فان (van) إلى إيران وباكستان.

وكان يساند هذه التشظيات الجغرافية ثغرات أخرى اجتماعية قوامها تشظيات أخرى في الأصول القبليّة القائمة على التنافر الداخلي الدائم الذي كان يتضاعف بتدخلات الخارج الدائم أيضًا وبمختلف الذرائع والاشكال.

 

الجذور الكردية ولغتهم وديانتهم

ما تزال الأصول التاريخية للأكراد موضوع بحث لدى أهل الاختصاص، وذلك  لشدّة ما لاقى هؤلاء في تواريخهم من ظلم وتضحيات، ولكثرة ما شاب الابحاث حولهم من إسقاطات وتحريفات وتشويش. هناك إعتقاد بأنهم أحفاد الميديين من الشعوب الآرية، أسّسوا في القرن الثامن قبل المسيح، دولة لهم في الاصقاع المعروفة اليوم بأذربيجان ، ثم زحفوا محتلّّين نينوى في الجنوب الغربي، وكانت عاصمة للأشوريين، وذلك في القرن السادس ق.م.، بحيث اختلطوا بالشعب الكردوشي هناك حيث يقيمون الآن وأصبحت أصولهم الميدية والطابع الفارسي للشعب الكردي إعتقادًا  مقبولًا  لدى  بعض  العلماء ([11]) . وأغلب الظن أنه اعتقاد جاء كردّة فعل على تتريكهم أو تعريبهم أو تغريبهم.

والواقع أنّ تداخلًا  رهيبًا وقع بين الإيديولوجيا والقومية في أتون الصراع الذي ما برح يخوضه الأكراد لإثبات أصولهم وهويتهم، وهو ما دفع البعض من مثقفيهم إلى التمسك بهذه الأصول الآرية التي غذّتها وروّجت لها الإيديولوجيات الغربية وهي تدفع بالتالي إلى ترويج طموح الإتحاد الكردي للإنسلاخ عن الجغرافيا الشرق أوسطية والإرتماء فوق خريطة أوروبا السياسية، وأوروبا من جهتها تعجز عن مسايرتهم ودفع طموحاتهم إلى ما يوصلهم إلى حدود الدولة أو الكيان الكردي المستقل.

لقد اختلط الأكراد بالعرب منذ الجاهلية، ووصلت بطون من قبائلهم إلى بقاع الأكراد فاستوطنوها، ثم حدث اختلاط كبير بينهم بعد الفتح الإسلامي وأسلمت كردستان جميعها. وبسبب من النزعة الكردية إلى الإستقلال وخوف القوميين الأتراك والإسلاميون الإيرانيين من الأكراد، سقط الجذر اللغوي المؤلف للفظة "كرد"، وتضافرت المساعي العراقية عبر الحكومات المتعاقبة على حكم العراق في الأمعان في هذه السياسة التي وصلت إلى حدّ الإبادة بالأسلحة الكيماوية من قبل صدّام حسين، ثمّ تمّ إفراغ القرى من سكانها الأكراد الأصليين لملئها بسكان عرب جيء بهم من وسط العراق وجنوبه حتى أننا نسمع بأن هناك أكثر من سبعماية ألف دعوى قضائية مرفوعة أمام محاكم العراق ما بعد سقوط صدّام لأثبات تلك الخلخلة الديمغرافية التي عرفها سكان العراق والمطالبة بتصحيحها والعودة بالأمور إلى أصولها الطبيعية القديمة.

يتكلم الأكراد فئة من اللغات ـ الهندو ـ أوروبية القريبة من الإيرانية وهم لا يعرفون غير لغاتهم بالإجمال، وهي تتفرع إلى لهجات أهمها "الكورمانجي" و"السوراني". تنتشر اللهجة الأولى في تركيا وسوريا حيث تكتب بالحرف اللاتيني كما تنتشر في القوقاز، حيث تكتب بالحرف "الكيريلّي". أما اللهجة "السورانية" أي الثانية فهي تنتشر في العراق وإيران وتكتب بالحرف العربي. وبالإضافة إلى هاتين اللهجتين، هناك لهجات عدّة أخرى، محدودة الانتشار أهمها "زازي".

إن مسألة الإشارة إلى وجود لهجتين كرديتين، وثلاث أبجديات لكتابتها، قضيّة تشغل مفكري الأكراد ومثقفيهم، بهدف توحيد لسانهم، وهو عنصر أساس في تحديد مستقبلهم. وقد عقدوا ندوة في باريس في العام 1983، (كان لنا فرصة الحضور فيها) وكان هناك تجاذب كبير في ما بينهم، بين استعمال الأبجدية اللاتينية، أو العربية، وصدر التمني إلى الكتاب الأكراد باعتماد الأبجدية العربية في العالم. ولهذا مغزى كبير.

كانت ديانة "مازدا" قديمًا منتشرة في بلاد كردستان إلى جانب الوثنية التي كانت طاغية في الأرياف إلى درجة أن الديانة المسيحية واجهت مصاعب كبرى للتغلغل في وعور كردستان التي غزاها تيمورلنك في أواخر القرن الرابع عشر بضربة قضت على الوجود المسيحي في تلك الأصقاع، لكن ما يزال هناك مئات الألوف من المسيحيين وخصوصًا في مناطق "ماردين" في تركيا، والموصل في العراق، وحول بحيرة "أورمية" في إيران.

والمعروف تاريخيًا بأن الأكراد قاوموا الفتح العربي، وخاصة في الموصل وتكريت (607 ـ 616)، وكانت مقاومتهم نوعًا من ردود الفعل القبلية، على قبائل تزاحمهم المراعي وتفرض عليهم الدين، وهي ردود فعل أفضت إلى اعتناق الأكراد بالإجمال الدين الإسلامي مع نهاية القرن السابع بعد الميلاد. فالأكراد مسلمون كلهم وأكثريتهم من السنّة إلا أقلية شيعية موجودة في كرمنشاه في إيران. لكن من بينهم فرقة اليزيدية وهم الذين يتّهمون بأنهم أساس "عبدة الشيطان"، ورئيسهم "الملك الطاووس" وهو الملاك الساقط مثل الشيطان. وليس في طقوسهم من الإسلام سوى الختان والصوم ومن المسيحيين أخذوا العماد. ومن بين الأكراد أيضًا فرقة "أهل الحق"، وهي من الفرق الشيعية المتطرفة التي تعتقد بدورات للخلق في الكون، ومعظمهم يعيش في غرب إيران...

لقد أخلص الأكراد للإسلام وأعطوه محاربين أشداء، وكان لهما بقيادة صلاح الدين الأيوبي دور حاسم في ردّ الصليبيين عن الشرق، وكان منهم العديد من تبوأ مركز "شيخ الإسلام" في السلطنة العثمانية، وهذه من الأمور التي يعتزّ بها الأكراد دليلًا على فضلهم ورفعتهم.

وينتمي معظم الأكراد إلى جمعيات أو أخويات روحانية اتسّمت بالمناهل الصوفية التي كانت تغذيها حتمًا الطبيعة الجميلة، ولهذه المدارس والمذاهب طرائقها في التفكير والسلوك ومن أهمها: القادرية التي أسسها عبد القادر الغيلاني (1078 ـ 1166)، وهي ذات انتشار واسع في الأوساط الكردية في العراق منذ القرن الثالث عشر، وتنتمي إليها عائلة الطالباني. وأيضًا النقشبندية التي أسسها محمد بهاء الدين البخاري (1317 ـ 1389)، وهي منتشرة في صفوف الأكراد في سوريا وتركيا وإيران والقوقاز، وتنتمي إليها عائلة البرازاني. وعلى الرغم من منافسة هؤلاء المشايخ مع زعماء القبائل لكنهم" لعبوا كمشايخ لهاتين الطريقتين في العصر الحديث، وقبل قيام أحزاب الأكراد المنظمة في منتصف القرن الماضي، دورًا بارزًا في قيادة الشعب الكردي في ثوراته على الأتراك، كما على الإنكليز، في العراق كما في إيران، بهدف الدفاع عن الأكراد والمطالبة بحقوقهم حتى باستقلالهم الذاتي"([12]).

 

القبيلة بذرة المجتمعات الكردية

يقود القبيلة الكردية في المناطق الجبلية زعيم الفخذ أو العائلة وهو رئيسها وتمدّه بالولاء الدائم، واليها تنضمّ عوائل أخرى وعناصر من المغامرين والمشردين والعصاة، ويشدّهم الزعيم بالتقاليد والدين والمصالح المشتركة المرتبطة بخصوبة الأرض ومزروعاتها والمواشي. أما سلطة زعيم القبيلة في المناطق الزراعية الخصبة فهي مدعومة بالإقطاعيين وهم يملكون الأراضي ويشتغل الفلاحون تحت أمرتهم. هذا النظام القبلي كانت بذرته قوية هناك منذ القرن السادس عشر بعد الفتح العثماني.

ويسود النظام القبلي في جبال كردستان التي كان يتمتع أهلها باستقلال ذاتي فعلي شرط أن يدفعوا الضرائب إلى السلطان العثماني أو إلى الشاه الفارسي. وإذا كان الأكراد قد تقدّم بهم الزمن نحو إضعاف القبيلة بسبب قيام الدولة الحديثة في مناطقهم وقسمتها بين الدول المستعمرة بعد الحربين العالميتين في حدود واضحة المعالم، ثمّ إلى نزوح العديد منهم نحو المدن وقيام الإصلاح الزراعي بالقضاء على الملكيات الواسعة مقسمًا أملاك القبائل، وصولًا إلى تنظيم الأحزاب، فإنّ شعورًا طاغيًا بالإنتماء القبلي، وعلى الأخص في الأوساط الريفية، ما زال متجذرًا في الشخصية الكردية والعربية بشكل عام. ومن يقرأ كتاب عبّاس العزّاوي في أجزائه الأربعة حول عشائر العراق ، يجد تشابهًا قويًّا بين بنى العشائر العربية والكردية، وكأنها كلها "عشائر جاهزة للحرب"([13]) تتحالف وحسب لأجل الحروب والغزو الخاطف والسرية والتخفي ... والغدر والأذى والشعور الدائم بالقهر الدائم، والمازوشية التي قد تكون من ضرورات البقاء والإستمرار في تعزيز الحرب وأجوائها.

"إنّ القول بأن المجتمعات البدوية، سواء منها الكردية أو العربية، هي مجتمعات من أجل الحرب، يشير إلى أمرين ذوي دلالة... وأولهما ضعف المدينة مقابل الريف، فالعشيرة هي الجماعة الوحيدة المنظمة اجتماعيًا، من هنا نفسر رفض البدوي سكن المدن العاجزة عن حمايته، وثانيهما احتقار البدوي للعمل وبخاصة عمل الفلاحة وهذه ميزة كردية حيث الفلاحة بين الأكراد حكر على ما يعرف من الأكراد بالمساكين الذين لا تعرف أصولهم القبيلة أو الإتنية"([14]).

تقودنا، بالطبع، هذه البذرة العصبية، بالمعنى التاريخي، إلى تلمّس تاريخ عاصف من التشظيات والصراعات، كان يضع قادة المشايخ في وجه زعماء القبائل، مع أرجحية للقبلية التي نسجت نواة العقل الكردي حيث منها ترسخت مفاهيم أساسية مثل السلطة والزعامة والإقطاعية والميل إلى الاستقلال الذاتي الفعلي.

ويصح القول بأن الأكراد، بهذا المعنى، بقوا وفق تكوينهم المتشظّي يتأرجحون بين سلاطين عثمان والشاهانات الفارسية. وعلى الرغم من ارتقاء بعض زعماء القبائل، إلى الحظوة بلقب الملوك، فإنّ شيخًا لم ينجح في توحيدهم أو إعلان وحدتهم في كيان. بقوا منتظمي أو ناظمي حدود بين الفرس والأتراك، ولا يقربهم  من التوحيد سوى الإسلام.

نقارب هذه المسائل على سبيل المثال لا الحصر، من أجل فهم المعطيات الداخلية التي تساهم في طبع الشخصية الكردية الجماعية، والتي تجعلها عالمًا قابلًا للتشرذم والانكسار والمعاندة في الوقت نفسه، وكان خلال التاريخ الطويل، سلسلة من التدخلات الخارجية، كانت تخضع لها المنطقة بشكل عام بما فيها الأكراد، وهم جزء أصيل منها، منذ آلاف السنين. وإذ عرفت مناطقهم سلسلة من التقسيم وإعادة التقسيم، بمباركة وسعيهم ورغباتهم بعضهم، أو ممانعة غالبيتهم، فإن ما كان حصل ويحصل، كان على الدوام ممهورًا بإ رادات الدول والحكومات، أو القوى الكثيرة التي تعاقبت على هذه المنطقة أكثر مما هو مدموغ بالإنسجام القومي على مختلف الصعد السياسية والفكرية والثقافية.

 

بانوراما التاريخ الكردي

كيف تبدو بانوراما التاريخ الكردي([15]) وفق هذه المعطيات؟

عاش الأكراد في مناطقهم الجبلية وفي ظل نظامهم القبلي والإقطاعي مضطلعين بأدوارًا هامة في أحداث آسيا الصغرى، ووجدوا أنفسهم على الدوام سلاحًا متنقلًا في صراعات العرب والفرس الطويلة، ثم انهم تحالفوا مع القبائل التركية القادمة من آسيا الوسطى وعلى رأسها السلجوقيون الذين تفوقوا على الأكراد وأخضعوهم لنفوذهم في القرن الثاني عشر.

وقد أتت غزوات المغول لتخضعهم مجددًا، ليأتي بعدهم دور التركمان المنقسمين إلى فتنتين بين سنّة وشيعة محمّلين الأكراد وخصوصًا زعمائهم أسباب هذا الانقسام، الأمر الذي كان يمهد لتيمورلنك في أواخر القرن الرابع عشر الذي جاء مثل عاصفة اجتاحت بلاد كردستان، فقضت على زعمائهم واقتصّت منهم.

في مطلع القرن السادس عشر، كان الصراع قويًا بين شاه إيران وسلاطين بني عثمان لخلفيات  مذهبية، وبسبب من شراسة الأكراد إلى جانب السلطان سليم الأول في العام 1514 حيث تغلب على الإيرانيين، وقد كافأهم بتثبيت زعمائهم في إقطاعات مقابل حماية الحدود مع الفرس ومع جورجيا، ومنحهم استقلالًا ذاتيًا. واستمرّ التجاذب الفارسي ـ التركي حتى معاهدة 1639 التي رسمت الحدود بين الدولتين حتى جبال زاغروس، فأصبح الأكراد حكمًا في ظل الدولة العثمانية، حتى الحرب العالمية الأولى العام 1914.

استجاب الأكراد للدولة العثمانية والجهاد الإسلامي، في وجه الغرب المحتل، لكنهم انقلبوا عليهم عندما باتت تركيا "الرجل المريض"، واتجهت النوايا الدولية إلى تقسيم المنطقة إلى دول. وما قيادة الشيخ الكردي عبد الله في العام 1880 ثورة مسلحة كردية موحدة باسم الإسلام ضد الفرس إلاّ مراهنة على تركيا التي توجست منه بإلحاحه على توحيد الأكراد في فارس وتركيا، والمطالبة بدولة كردية مستقلة في ظل الشريعة الإسلامية، الحلم الذي أنهاه في العام (1880) السلطان العثماني وبمساعدة قبائل كردية إيرانية. وعندما اتصل الشيخ عبد الله بالروس، للحصول على مساعدتهم في وجه تركيا، انتهى في مكة، حيث مات هناك العام 1883.

وقد استقطب السلطان عبد الحميد الثاني (1876 ـ 1909)، مشايخ الأكراد بالتماس سياسة إسلامية، فأنشأ "الحميدية"، وهي فرقة مسلحة من الأكراد، وعهد إليها بكبح جماح الحركة القومية الأرمنية  في العام (1895)، لكنها راحت بعد قمع الأرمن تبطش بالقبائل الكردية لإخضاعها للسلطان، الأمر الذي ترك ندوبًا لا تمحى جرّاء الصراعات الكردية ـ الكردية، والتي كان أشدها حضورًا في ذاكرة الأكراد، ما عرف بـ "حرس القرى"، الذي ألفته وعززته تركيا في العصر الحديث، من أبناء الأكراد بهدف قمع الأكراد المتمردين بأساليب الدهم والتخويف وخصوصًا ضد المنضوين منهم في حزب العمال الكردستاني وأنصاره.

قد لا يمكن حصر الأحداث المتوالية التي كانت تختفي وتظهر على السطح بفعل عوامل خارجية مطالبة بالاستقلال والحكم الذاتي الكردي، لكننا نشير إلى أبرز هذه الأحداث:

أ ـ أضاف لويد جورج رئيس الحكومة البريطانية كلمة الكردستان إلى مشروع قراره الذي قدّمه إلى مؤتمر السلام في باريس (30 كانون الثاني 1919) وفيه يعدد البلدان التي يفترض سلخها عن الإمبراطورية العثمانية، وبعد شهرين قدّم رئيس البعثة الكردية الجنرال شريف باشا، إلى المؤتمر نفسه، مذكرة إقامة الدولة الكردية، مستندًا إلى مبدأ الرئيس الأميركي ولسن باستقلال القوميات استقلالًا تامًا.

ب ـ تقدّم الأرمن والأكراد بورقة مشتركة إلى رئيس مؤتمر السلام، وذلك في 20 تشرين الثاني 1920، تقضي بقيام دولة مستقلة لكل منهما وبرعاية دولة عظمى هي الولايات المتحدة الاميركية. وفي فترة التحضير لمعاهدة "سيفر" مع الأتراك، لم يتحرك الأكراد لمتابعة قضيتهم، وكانت هذه المعاهدة قد خصّتهم في موادها 62 و63 و64 بادارة ذاتية لفترة قصيرة بأن أعطتهم مهلة ستة أشهر من أجل اثبات وجودهم ضمن حدودهم والبرهان على أنهم يمثّلون الأكثرية فيها، كما أعطت المادة 62 ضمانات للأقليات المسيحية الأشورية والكلدانية وبقية الأقليات. وسقطت معاهدة "سيفر" بفعل الإنتصارات التي حققها مصطفى كمال في شرقي تركيا في المناطق الكردية والأرمنية( باستثناء أرمينيا التي ستصبح السوفياتية) وسقطت بالتالي القضيّة الكردية من حساب عصبة الأمم، وعقدت في لوزان بسويسرافي 24/7/1923 من دون أي ذكر للأكراد الذين قاموا بثورتهم في شباط 1925 بقيادة الشيخ سعد، فقضت عليها تركيا وشنقته مع بعض أتباعه في أيلول 1925.

ج ـ كان في ذهن الأتراك والفرس والبريطانيين والعراقيين بدءًا من العام 1920، وسقوط القضيّة الكردية، واحتفاظ بريطانيا بولاية الموصل الغنيّة بالنفط، في الأراضي العراقية، كان هناك قناعة مشتركة بأن الأكراد قبائل غير قادرة على الاتحاد في ما بينها، ولن ينتج عن استقلالهم سوى الفوضى في مناطقهم والسطو والتهريب في مناطق الحدود.

وقامت في تركيا والعراق وايران حركات ثورية كردية، تمّ قمعها كلها بالقوة، ولم تخل تلك الإنتفاضات من طابع السطو والفوضى. وكان أشدها ما قام في تركيا لمقاومة حركة العلمنة والتحديث التي فرضها مصطفى كمال مع الغائه الخلافة في العام 1924، مما لم يرق للأكراد المحافظين على التقاليد الإسلامية.

 وبهدف الوقاية من أعمال الشغب الكردية، تمّ التوقيع في 8 تموز 1937 على معاهدة "سعد آباد" في طهران بين تركيا والعراق وإيران وأفغانستان بهدف مكافحة الحركات الثورية الكردية المستمرة.

 

جمهورية الأحد عشر شهرًا

تعتبر جمهورية مهاباد الكردية الجمهورية المخطوفة الأقصر عمرًا والتي تمكن الأكراد من إعلانها في إيران لكنها لم تدم أكثر من أحد عشر شهرًا!

فقد تمكن الأكراد من إعلان دولتهم المستقلة خلال فترة لم تتجاوز الأحد عشر شهرًا، أي بين كانون الثاني/يناير وكانون الأول/ديسمبر 1946، وذلك بعد دخول الاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية الثانية، إلى جانب الحلفاء في حزيران/ يونيو 1941، وهي حرب كان لها تأثير كبير على الحركة القومية الكردية في إيران.

وقد سميت هذه الجمهورية مهاباد، وهي منطقة تقع بين مناطق النفوذ السوفياتي في شمال إيران والنفوذ البريطاني في جنوبها. بدأت هذه الدولة في منطقة كانت فارغة من السلطات الإيرانية، نواتها جمعية أنشأها مثقفون أكراد باسم "جمعية من أجل تجديد كردستان" عرفت باسم "كومالا" وحظيت بدعم السوفيات وحمايتهم، إلى أن حوّلها القاضي الكردي محمد إلى "الحزب الديمقراطي الكردي" الذي وضع الاستقلال الذاتي، وتعليم اللغة الكردية، واستعمالها في مهاباد، وإدارة الأكراد لحكمهم الذاتي في أولويات برنامجه.

وفي 22 كانون الثاني/ يناير 1946، أُعلنت جمهورية مهاباد الكردية وانتُخب القاضي محمد رئيسا لها في 11 شباط/ فبراير، ودعمها مصطفى البرازاني آتيًا بمؤازرة عسكرية من العراق، وكان شعاع تلك الدولة 80 كلم فقط، كان لها علمها ووزاراتها وجيشها وصحافتها وإذاعتها وبرامجها التعليمية باللغة الكردية، وبداية العلاقات الخارجية مع أذربيجان، المجاورة، والتي كانت أعلنت بدورها انفصالها عن إيران في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 1945.

وبعد انسحاب الحلفاء من إيران، في أيار/ مايو 1946، أسقطت طهران جمهورية مهاباد في 17 كانون الأول/ يناير 1946، وعاد البرازاني مع رجاله إلى العراق ثم التجأ إلى الاتحاد السوفياتي ليعود إليه بعد ثورة عبد السلام عارف، في العام 1958، أما رئيس الدولة ، فقد تمّ شنقه في 30 آذار/ مارس 1947 في مهاباد.

وعلى الرغم من أن مهاباد حيّة أبدًا في ذاكرة الأكراد،  ولاوعيهم كتجربة قابلة للتكرار، وكمرجع قومي حسي لهم، فإنها تجربة محفوفة بالمحاذير والمخاطر، سواء أكان الأمر في تركيا أم في العراق وإيران، وهي كلّها دول تسعى متضامنة على الدوام إلى الحدّ من أية سلطة تعطي الأكراد تفكيرًا جديًا من تكرار تجربة مهاباد.

 

الأكراد كرة تجاذب متحركة

وضع الأكراد ثقتهم بمصطفى كمال وجهوده في محاربة أعداء الخارج، لكنه أخذ موقفًا صريحًا منذ العام1922  بأن أعلن بأن الدولة التي يقيمها هي تركية محض. يمكن القول اذن أن تركيا العلمانية قد قادت الأكراد، إلى جعلهم "أتراكًا جبليين" ونزعت التسمية عنهم في المدن والقرى والمدارس والجمعيات والنشرات. وعلى الرغم من تأسيسهم للأحزاب والروابط، وفوزهم في الانتخابات البرلمانية ومطالباتهم بأن تصبح تركيا دولة فدرالية بين الأتراك والأكراد، ودعمهم من الولايات المتحدة الاميركية، فإن الحكومات التركية انتهجت سياسات لا تنظر بعين الرضى والاطمئنان، إلى المنطقة الكردية المحمية في شمال العراق، تخوّفًا من العدوى التي من الممكن أن ينقلها أكراد العراق إلى أكراد تركيا.

وقد بدأ تأسيس الأحزاب السياسية الكردية على يد المثقفين من أبناء المدن بالتعاون مع أبناء زعماء القبائل، وانتقلت القيادات المطالبة بالحكم الذاتي إلى الشبان من أبناء المدن الذين استقطبوا أبناء القبائل في الريف كمحاربين أشداء في صفوف الميليشيات. وتمّ تأسيس "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في تركيا الذي لم يلتحق به تقدميو الأكراد الذين انضووا في صفوف "حزب العمل التركي" الذي تأسس في العام 1912، ونالوا في انتخابات 1965 خمسة عشر مقعدا ً في البرلمان التركي، وأصبح رئيسه في العام 1969 علي أصلان وهو كردي. وقد أوصى الحزب بمساندة الأكراد من أجل الحصول على حقوقهم الديمقراطية. ومع أنه صدر في أنقرة أربعة أعداد من أول مجلة اشتراكية كردية هي "التيار الجديد"، وغضّت تركيا النظر عن أنشطة "رابطة الشبيبة الكردية" التي دعت إلى توعية شباب الأكراد إلى حقوقهم الخاصة والدفاع عنها كما عن المرأة الكردية وفقًا للدستور التركي، وبدأوا بإصدار نشرة لهم، لكن الحكومة التركية سرعان ما قبضت على زعماء الرابطة في تشرين الأول 1970. وعندما عاد العسكر إلى الحكم بانقلاب، منعوا كل جمعيات الشباب، وحظّروا حزب العمل التركي، ولقي زعماؤه الملاحقة والإضطهاد.

وقد نظم الأكراد أنفسهم بعد انتخابات 1973 واصدار الحكومة التركية العفو العام، فاسسوا أحزابهم وأعطوها بعدًا قوميًا معلنًا هو تحرير كردستان، والمطالبة بأن تصبح تركيا دولة فدرالية بين الأتراك والأكراد إلى مطالبة البعض بالإستقلال التام عنها. ومنذ العام  1980يعيش زعماء الأحزاب الكردية ويعملون كما كانوا على الدوام في الخفاء حتى ليمكن القول، أن للأكراد في إيران، تاريخًا مشابهًا لأخوانهم في تركيا، وأن تشابهًا ممثلًا في القناعات والسلوك تجاههم بين مصطفى كمال أتاتورك، ورضا بهلوي، الذي أصبح شاه إيران في العام 1925، وكان أول ما قام به مصادرة أملاك القبائل الكردية، وإجبار البدو فيها على الاستقرار، ونقل القبائل منها إلى مناطق أخرى، وفرض اللباس الأوروبي على أبنائها، وفتح مدارس لهم باللغة العربية لا الكردية. وقد اتفق الشاه وأتاتورك على ثابتة سياسية مشتركة، هي المكافحة الدائمة لقبائل الأكراد وتطلعاتهم، وكان هذا الاتفاق، البذرة التي مهّدت المعاهدة سعد آباد (1937)، التي ذكرناها، بين إيران وتركيا والعراق وباكستان. وعلى الرغم من تعاطف الأكراد في إيران، سواء مع "الثورة البيضاء"، التي أعلنها الشاه في العام 1963، للقيام بالإصلاح الزراعي، أو مع الثورة الإسلامية، وعودة الإمام الخميني، في أول شباط 1979، فإن مواقفهم تلك لم تلقَ تجاوبًا تحقق أحلامهم وطموحاتهم، في الحكم الذاتي.

كيف تبدو الصورة الآن؟

يبقى المسلّحون الأكراد يلوذون في الجبال الوعرة، وهم مسكونون بالنظرة القومية والحصول على الحكم الذاتي، أما الجمهورية الإسلامية، فلا تفريق بين رعاياها ومواطنيها من حيث النظرة القومية العامة.

بعد حرب الخليج، وقيام محمية كردية في شمال العراق، بتشجيع الولايات المتحدة الاميركية وحمايتها وقيادتها، لم ترتح إيران لهذا الوجود العسكري الكثيف، في المنطقة، وباتت الدول المحيطة بالعراق متوجسة من انتقال عدوى القومية الكردية، إلى الأكراد فيها. وهنا نصل إلى لبّ الملف الكردي الملتهب اليوم ونعني به أكراد العراق.

 

"الدولة المستحيلة" بين قوسين أو دولة "البازل" التاريخي

رفض الزعيم الكردي مسعود البرازاني، منذ سقوط بغداد، علم الجمهورية العراقية، الذي خطّ صدام حسين عبارة "الله أكبر" في وسطه، معتبرًا إياه البيدق الذي سقطت تحته مئات الألوف من الأكراد، ولهذا أعلن رفضه أو الاعتراف به، الأمر الذي اعتبر إعلانًا للانفصال عن العراق، والدعوة الصريحة إلى الطروحات الفدرالية المزمنة، التي ترشح عن القيادات الكردية، منذ العام 1992، في أعقاب موافقة البرلمان الكردي على تحديد العلاقة مع المركز بالشكل الفدرالي، وهو طرح، "يهدف إلى الاستقلال والابتعاد عن المركز.. أو هو الخطوة الأولى، والأهم، هو نشوء دولة كردستان الكبرى".

تشابه منطقة كردستان، قطعة "البازل"، أو اللعبة "السهلة التفكيك"، وإعادة التركيب على السواء. هذا ما يلمسه المتتبع لتاريخها "البازلي"، الذي شهد أفكارًا وتجاذبات ومشاريع كثيرة، كان آخرها، في العام 1923، مع معاهدة لوزان التي سبقت الإشارة إليها، وبموجبها أصبحت دولة العراق الحديث، مؤلفة من ثلاث ولايات، هي بغداد والموصل والبصرة. وقد قسّمت الموصل كولاية، إلى أربع محافظات هي الموصل ومعظم سكانها من العرب، وأربيل والسليمانية، ومعظم قاطنيهما من الأكراد، وكركوك يقطنها التركمان.

وكي نعطي المسألة أبعادها الثمينة في المعطى الجيوستراتيجي، يمكن القول بأن الأكراد وجدوا أنفسهم في دولة العراق، بعد الربط بين الموصل والبصرة، ولذلك لم يكونوا على وفاق مع الحكومات العربية في بغداد، منذ إلحاق إقليمهم بالعراق، وإنشاء كيانه في العام 1932. ومنذ ذلك التاريخ، لم يتراجعوا عن مطالبهم بالقومية الثانية في الدولة العراقية.

وقد بدأت المواجهات الدموية، فعليًا بين الأكراد والحكومات العراقية، منذ ثورة 17 تموز/يوليو 1958، واستمرت حتى 9 نيسان/ أبريل 2003، حين شارك الأكراد وبحماس منقطع النظير، حاملين خلافاتهم إلى مجلس الحكم الانتقالي، كما إلى الوزارة ، التي شغلوا فيها مراكز حيوية وفعّالة.

وإذا كانت "الإدارة البريطانية تستخدم الورقة الكردية، في الأساس كأداة للتأثير والضغط على الحكومات العراقية المتعاقبة، وإجبارها على توقيع الاتفاقيات والمعاهدات الطويلة الأمد، والتي كانت تصبّ في مصلحة بريطانيا... كانت بريطانيا تحرّض، الأكراد من جهة.... وتقصف المناطق الكردية، من جهة أخرى، أو تنفي القيادات الكردية، إلى خارج كردستان العراق، أو إلى خارج العراق".

شابه اليوم أمس حيث اعتبرت الأحزاب السياسية، في كردستان العراق، المشاركة في الحكم الانتقالي، قرارًا بالعودة إلى المركز في العاصمة بغداد والمشاركة في السلطة على أساس التكافؤ مع العرب والاثنيات العراقية الأخرى. والمعروف، أن الأكراد كانوا يتمتّعون ما بين 1991 وعام 2003، بالاستقلال عن المركز بغداد بموجب قرار مجلس الأمن 688، إثر إنشاء منطقة محميّة دوليًا في كردستان، لحماية الأكراد من هجمات النظام البعثي السابق وترحيله وتصفيته للأكراد، إلى استخدام الاسلحة المحرّمة دوليًا كوسيلة لتأمين الأمن الوطني العراقي، كما روّجت سلطات البعث العراقية آنذاك، مع أنها محطّة بطش ومجازر كان لا يمكن القبول بها أو إقرارها، بحقّ الشعب الكردي في كردستان العراق.

الواقع أن لهذا القرار أهمية غالية لدى الأكراد بشكل عام" لأنهم تمكّنوا من خلاله من الانتقال من حال الاضطهاد والظلم إلى حال حماية دولية أو ملاذ آمن( بروفايت كومفرت)، وفي ظلّه يستمرّ الأكراد يحكمون أنفسهم بأنفسهم من دون رقيب أو حسيب.([16])

صحيح أن شرخًا كان يصعب ردمه بين العروبة والأكراد، في أعقاب مآسي "حلبجة" الوحشية، لكن الانسحاب الرسمي العراقي الذي فرضته قوات التحالف على العراق، من منطقة كردستان، على مستوى الجيش والإدارات الرسمية وقوات الشرطة والأمن أقام نوعًا من الاطمئنان لدى الحزبين الكرديين الرئيسين هناك وهما: "الحزب الديموقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستان"، وقد أسّسا حكومة لإدارة المنطقة استمرّت 12 عامًا، حتى سقوط صدام حسين، الذي أوجد واقعًا جديدًا. وهنا لا يمكن أن نتغاضى عن الخلافات التي دارت بين الحزبين ووصلت حدود الاقتتال الدموي، الذي نشب في العام 1994، واستمرّ لأربع سنوات. أذكى هذا الاقتتال مآسي الأكراد، على الرغم من تدخلات الولايات المتحدة لفرض التوافق المتقطع بينهما، وغير الحاسم. السبب أن أميركا، بالطبع، كانت تعدّ العدّة لإسقاط النظام العراقي، كبند أول في جدول مصالحها القادمة.

 

مرارة الواقع الجديد

لم تنقطع قنوات الاتصال بين الأكراد والحكومة العراقية، حتى الاحتلال الأميركي في نيسان/ أبريل 2003، وكان المحور الاتصالي، مسألة واحدة، هي كيفية التوفيق بين تطوير قوانين الحكم الذاتي للأكراد، على قاعدة الاحتفاظ بالحقوق القومية والثقافية، وفي الوقت نفسه، الحفاظ على وحدة دولة العراق وسيادتها.

وعلى الرغم من الامتيازات الكبيرة التي يتمتع بها القادة الأكراد، بمباركة القوات الاميركية، مقابل التشظي والضعف اللذين تعيشهما السلطة العراقية المركزية، فإن الإصرار على مسألة الفدرالية، وتصرف حكومة إقليم كردستان، بكونها إدارة مستقلة على المستويات العسكرية والاقتصادية، يصطدم وسيصطدم أكثر بمواقف الغالبية العربية الرافضة "للتسمية والمتفوّقة في شكلها الموسّع، والذي قد يؤدي في ظل الظروف المستجدّة إلى تكريس الواقع، بوجود إدارتين منفصلتين... على أن المشكلة هي ليست بالتسمية بقدر ما هي بالمضمون، وأن التحفظ عن فكرة الفدرالية، يأتي بعد أن أصبحت هذه التسمية تستخدم للتدليل على أمور بعيدة عن فكرة الوطن الواحد والشعب الواحد والمصالح المشتركة".([17])

ولا نشكّ بأن الأكراد كانوا قد فوجئوا بنقل السلطة والسيادة الذي كان يعني بالنسبة إليهم إنضمام كردستان مجدّدًا إلى العراق، وهو الأمر الذي لم يكن يومًا في حسبانهم، بأن ما منحهم إياه القرار 688 سيأتي القرار 1546 في مجلس الأمن ليفرغ مضمون الأول وتعود كردستان جزءًا طبيعيًا وصحيًا إلى العراق، حتى ولو كانت وفقًا لصيغة فدرالية. وهذ ما يفسّر الحدة أو القلق الذي يعيشه قادة الأكراد أمام حتمية استحالة كسب المعركة التاريخية الخاصة بهم، فيصبون جام غضبهم على قادتهم أو يلجأون إلى إلتماس القدر الذي يتحكّم بمصيرهم طوال تاريخهم السياسي.

إننا أمام واقع من المطالبة الكردية جديد يكاد يختلف عمّا عرف ونشر بعد احتلال العراق، فقد توسّع مفهوم الفدرالية، وبات الأكراد يطالبون وبقوّة بتحديد العلاقة مع العراق في إطار فدرالية قومية تضم منطقتين مختلفتين تجعل من كردستان "كيانًا" مستقلًا عن الإدارة المركزية، وعلى مختلف المستويات. وتولّد هذه الدعوات الكردية المفتوحة ردود فعل عراقية وعربية حيال قدسية وحدة التراب العراقي، كما تخلق نوعًا من الاهتزاز في الوجدان التركماني الذي يضمّ الفئة الأساسية الثالثة في العراق، خصوصًا عندما يرتفع الصوت الكردي باعتبار كركوك "قدسًا للأكراد"([18])، فقد أعلنت صنكول جابوك عضوة مجلس الحكم العراقي التركماني مثلًا بأن التركمان سيعلنون دولتهم عندما يعلن الأكراد فدراليتهم القومية.... ونحن لنا خريطتنا ونستطيع أن نشكل دولة فدرالية مثلما يفعل الأكراد، وكلّ شيء جاهز عندنا... وفيما حصل التركمان على ضمانات حول مستقبل كركوك، فإن قضيّة هذه المدينة لها خصوصية لأن فيها الكثير من القوميات، وهي مدينة تركمانية أساسًا ومنذ أقدم العصور يعيش فيها التركمان مع باقي أبناء القوميات الأخرى الكردية والعربية والأشورية...([19]).

وتأتي ممارسات البيشمركة الأكراد وحملاتهم لتطهير كركوك من المسائل الشديدة التعقيد، وخصوصًا أن قوات التحالف تعيد إلى المدينة الغنية بالبترول العوائل التي كان قد طهّرها صدام حسين، وقام بترحيلها عن أراضيها منذ العام 1963.  وإذا ما استمرّت حكومة إقليم كردستان في مزاولة أعمالها مثل السيطرة الإقليمية على الأمن الداخلي وقوات الشرطة وحقّ فرض الضرائب والرسوم داخل اقليم كردستان وفقًا للمادة 54 من الدستور العراقي، فإن المادة 58 منه رسّخت الدوران الكردي المألوف في حلقة مفرغة عندما أرجأت التسويات النهائية للأراضي ومن ضمنها كركوك إلى إمكان إجراء إحصاء سكاّني عادل وشفّاف.([20])

والمعروف بأن كركوك هي قلب التركمان ورمز حضورهم القوي، عرفت في التاريخ باسم "كرخينة"، ومع اكتشاف النفط تجمّع فيها المسلمون من الأكراد مع أن فيها أشوريون وأرمن، وهي تتبدّى اليوم وكأنها مدينة كردية يحلم الأكراد بأن يقدّمها لهم الأميركي نتيجة تحالفهم معه.." وما المطالبةالكردية بكركوك كغنيمة حرب مع قناعة الأكراد بأنها مدينة عربية بامتياز سوى التغليب المتجدّد لمنطق القبيلة والغزو والغنائم الذي يعشش في داخل العقل السياسي الكردي الذي لا يخدم، القضيّة الكردية في نهاية المطاف..."([21]).

 

ما هو مستقبل الأكراد؟

يريد المشروع الكردستاني  مقايضة الاحلام الجغرافية الفورية على حساب قوميات وتكوينات دينية متعدّدة مثل العرب والتركمان والأشوريين والكلدان واليزيديين، لهذا كانت الصدمات متجددة على اعتبار أن المسألة الفدرالية ليست محض كردية، بل أنها معضلة تخصّ العراقيين الذين يعارضون هذه الفكرة متوجّهين إلى اللامركزية الإدارية أو الاتحادية كدليل صارخ على وحدة العراق. إنها مسألة تخص العرب أيضًا. والمشروع الكردي القومي مهما كانت تسمياته خاضع ديمقراطيًا في قراره للشعب العراقي كلّه! لهذا سيبقى التأرجح قائمًا بين الطريق القومي والطريق الوطني مهما أصاب التفتيت وحدة العراق، وحتى ولو طغت القوميات والطائفيات والمناطق والعشائر على الوطن، فإنه يبقى مرجّحًا في المستقبل!

وكي يكون السؤال شاملًا نقول:

ما هو مصير العراق، بل ما هو مصير المنطقة بشكل عام، وخصوصًا أن مستقبل العراق، هو الذي يحدد مستقبل دول المنطقة بشكل عام، وتصبح المسألة الكردية، على الرغم من تعقيداتها، دون خطورة المعضلات والمشاريع التي يطرحها الأميركيون ومعهم الاسرائيليون في المنطقة؟.

الأرجح أن تبقى المسألة الكردية، قضيّة مؤجّلة تحول دون التفاهم، أو إيجاد الحلول أقلّه في قضايا جغرافية معقّدة، مثل كركوك (المؤجّلة بدورها حتى 2007)، أو سياسية مثل الفدرالية، أو ثقافية لغوية، ومعها تطرح مستقبل اللغة الكردية.

تبقى المسألة الاكثر خطورة وهي العراق، أو العرب ككل بين التغيير والغير، إذ أن التغيير قضيّة ملازمة للتطوّر والارتقاء، ولكنها، إن فرضت من الغير وخصوصًا إن كان هذا الغير، أجنبيًا أميركيًا، فإنه يورث الكوارث على الأكراد والعرب على السواء ولقرون مقبلة.

فكيف بالتغيير، إن كان متأبطًا عدو العرب الأساسي، أي إسرائيل، عندها تصبح مقولة الكتابة أو التسمية للأكراد، بالدولة المستحيلة، أمرًا مستحيلًا أيضًا؟

قد يسعف تدهور الاوضاع، وتعقيداته في العراق، إلى إقامة "دويلة كردية"، تمهّد لتقسيم العراق، طائفيًا وعرقيًا كما تجهد إسرائيل بالتعاون مع الجناح المتشدّد في الإدارة الاميركية، لكن مثل هذا المشروع لن يثير الأتراك والسوريين والعراقيين والإيرانيين وحسب، بل سيكون التفجير الذي يجعل الاستحالة أمرًا حتميًا في وجه الأكراد.

 


[1] Abel Claret: Les Minorités, Les dossiers de l’histoire, No27, Belgique, Octobre, 1980. p.6

[2] نسيم الخوري: الإعلام العربي وانهيار السلطات اللغوية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2004.

[3] جوناثان راندل: أمة في شقاق، دروب كردستان كما سلكتها، بيروت، 1997.

[4] المرجع نفسه

[5] هاني الفكيكي: أوكار الهزيمة، بغداد، 1997

[6] في ضوء طرح المشروع الأميركي للشرق الأوسط، وأيضًا مشروع شيمون بيريز للشرق الأوسط الجديد تؤلف فيهما كل من تركيا وإسرائيل مرتكزين اساسيين، حيث بلغ التطور في العلاقات بين الدولتين ذروته في التوقيع على اتفاق التعاون الإستراتيجي بينهما في المجالين العسكري والأمني عام 1995، إلى جانب اتفاق الشراكة التركية الاسرائيلية في مشروع شرق جنوب الأناضول( الغاب) إذ لا تزال تعمل حتى اليوم في هذا المشروع أكثر من 118 شركة إسرائيلية، ووصل حجم السياحة الاسرائيلية إلى تركيا إلى مستويات غير مسبوقة،كذلك وصل حجم التجارة الاسرائيلية مع تركيا إلى ما يقارب ملياري دولار سنويًا. راجع للمزيد من التفاصيل حول مشروع الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاّقة راجع مجلة الدفاع الوطني عددي 50( تشرين الأول 2004) و53( تموز 2005)

[7] عمّار علي حسن: العراق وإسرائيل باب موارب أمام التطبيع، صدى البلد، اتجاهات، عدد196، 2004، بيروت.

[8] عبدالله عوّاد: عن الحضور الاسرائيلي المتصاعد في العراق، الايام، فلسطين المحتلة، 7/4/2004.

[9] عمّار علي حسن، المصدر نفسه.

[10] Hamit Bozarslan: La question Kurde, La documentation Française, No 709, 20 août 1993, p.p. 10-17.


[11] Laurent Charby: Politique et Minorités au Proche- Orient, ed. Maisonneuve, Paris, 1987, p.25 

[12] Christiane More: IbId.

[13] تركي علي الربيعو:كركوك مدينة كردية أم غنيمة حرب؟ السفير، بيروت، 15/1/2004.

[14] المرجع نفسه.

[15] لقد  اعتمدنا في ايراد التفاصيل المتعلقة بالتاريخ الكردي على المراجع المذكورة آنفًا1و11وخصوصًا على المرجع 10.

[16] فاروق حجّي مصطفى : نقل السلطة والحديث عن انفصال الأكراد،www. Albaladonline.com ، اتجاهات.

[17] برنامج لمستقبل العراق بعد انهاء الإحتلال، أعمال ندوة مركز دراسات الوحدة العربية حول" مستقبل العراق"، منشورات المركز المذكور، بيروت، تشرين الأول/ أكتوبر 2005.19.

[18] محمد قاسم: الإزدواجية الكردية، إيلاف، الجمعة ، 2 كانون الثاني 2004.

[19] عضوة مجلس الحكم العراقي التركمانية صنكول جابوك تهدّد: سنعلن دولة تركمانستان إذا أعلن الأكراد فدراليتهم القومية، موقع إيلاف الإلكتروني، الجمعة 9 يناير 2004.

[20] راجع الصحف ووسائل الإعلام الأخرى في 9آذار/ مارس 2004 حيث نصوص الدستور العراقي المؤقت.

[21] تركي علي الربيعو: المصدر نفسه.

The Kurdish State, between the possibility and the impossibility of existing

The Kurdish question is in the spotlight since the fall down of Baghdad, due to the opening of minority files all over the world, especially in the Middle-East. This situation calls for worry because of the difficulties to find solutions to the conflicts. The researcher raises questions about the reality of the Kurdish people, especially the Iraqi Kurds today, and sees that the danger resides in the American invasion to Iraq and the strategic reevaluation of water resources, accompanied by an urgent Israeli need for these resources, what leads Israelis to activate in an intensive way in Northern Iraq, through disturbed relations with Kurds following the proclamation of the Kurdish self governance.    

Regarding geo-strategic data, Kurds are about 30 millions people, and their historical origins are still subject of study for the specialists, while the tribe has built some alliances with other Turkish tribes coming from Major Asia.

The laic Turkish Republic has likely led the Kurds to become Turkish living in the mountains. However, following the Gulf war, a Kurdish reserve was established Northern Iraq, with the support and protection of the United States of America. The Iranian Republic thus looked with great concern over this military presence, and this is where lies the core of the Iraqi-Turkish file, whereas effective bitter confrontations between the Kurdish people and the Iraqi governments started since the Revolution of July 17 1958 until April 9 2003, when the Kurds participated in politics.

The research raises finally some questions about the future of Kurdish people and the destiny of Iraq, as well as the region in general. The author of the research mentions also that the Kurdish issue will remain a postponed cause that offers no perspective to the conflict resolution, at least in regards with complicated geographic matters.

L’Etat Kurde entre la possibilité et l’impossibilité d’exister

La question kurde prend les devants de la scène depuis la chute de Bagdad, et ce à cause de l’ouverture des dossiers des minorités partout au monde, notamment au Moyen-Orient. Cette situation revêt un aspect inquiétant dû aux difficultés qui entravent la résolution des conflits. Le chercheur avance ainsi des interrogations concernant la réalité kurde, notamment les kurdes d’Irak dans la situation courante, et considère que le danger réside dans l’invasion américaine de l’Irak et la revalorisation stratégique de l’eau, avec le besoin israélien urgent en eau, ce qui amène les israéliens à s’activer d’une manière intensive au Nord de l’Irak par le biais de relations perturbées avec les kurdes, à la suite de la proclamation de leur auto gouvernance.      

En ce qui concerne les données géostratégiques, les kurdes sont au nombre de 30 millions environ, et leurs origines historiques demeurent un sujet d’étude pour les spécialistes, tandis que la tribu kurde a construit des alliances avec les tribus turques provenant de l’Asie majeure.  

Il est possible d’avancer que la Turquie laïque a amené les kurdes à devenir des montagnards turques. Cependant, à la suite de la guerre du Golfe, une réserve kurde a été créée au Nord de l’Irak, avec le soutien et la protection des Etats-Unis d’Amérique. L’Iran s’est inquiété de cette présence militaire, et c’est là que réside le noyau du dossier irako-turque, alors que les confrontations meurtrières effectives entre les kurdes et les gouvernements  irakiens ont débuté depuis la révolution du 17 juillet 1958 jusqu’au 9 avril 2003, lorsque les kurdes ont participé dans la vie politique.

La recherche pose finalement des questions sur le futur des kurdes et le destin de l’Irak ainsi que de la région en général, tout en mentionnant que la question kurde demeurera probablement une cause ajournée qui n’offre aucune perspective de résolution, tout au moins à propos des questions géographiques compliquées.