من الصحافة

الأمور السياسية تحل بالسياسة وأي تقاتل يؤدي الى «عرقنة» لبنان

العماد قهوجي في حديث الى «النهار»: الجيش سيستخدم كل طاقاته لمنع الفتنة وقادرون على رفع الجهوزية الى 100٪ خلال ساعة

 

قالت صحيفة «النهار» إنه «في خضم التوتر الحالي الذي يعيشه لبنان، وعلى إيقاع القرار الإتهامي المنتظر، تشهد وزارة الدفاع حركة سياسية ودبلوماسية إستطلاعية، لاستيضاح قائد الجيش العماد قهوجي وضع المؤسسة العسكرية وجهوزها لمواجهة أي توتر محتمل». وأضافت الصحيفة إن «ما يزيد من حدة الأسئلة، كمية السيناريوات التي تضخ يومياً إعلامياً وسياسياً، وترسم معالم التوتر المحلي وآفاقه وتداعياته، كما ترسم تأثيراته على وضع الجيش»...
«النهار» التي أجرت حواراً مع قائد الجيش العماد جان قهوجي نشرته في 6 تشرين الثاني المنصرم، قالت إن العماد قهوجي «لا يبدي أي خوف على مستقبل الوضع، لكنه يبدي قلقه، في مقابل تأكيده الخطة العسكرية... وتشديده على حماية المناطق كافة، وعلى أن الجيش سيكون حاسماً في كل المناطق خصوصاً المسيحية».
في ما يلي نص الحوار الذي أجرته الزميلة هيام القصيفي.

 

سيناريوات الفتنة!
• كثر في الآونة الأخيرة نشر سيناريوات عن الفتنة في لبنان، وعن توتر الوضع الأمني بعد صدور القرار الإتهامي. أين يقف الجيش مما يحكى عن مشاريع الفتنة التي يجري الحديث عنها؟
- من يروج لهذه السيناريوات يخدم أولاً وآخراً العدو الإسرائيلي. وكل من لديه مخيّلة واسعة يكتب السيناريو الذي يريد. في أي حال لا يحتاج الوضع الى سيناريوات لتكتب، فالكل يعرف وضع بيروت والتوزّع الطائفي والمذهبي في أحيائها، ومن سينزل الى الشارع إنما سيكون من أبناء البيئة الموجودة في كل حي وشارع، ولن يستقدم أحد من الخارج. ومن يعمل على هذه التصورات، لم يعش فترة العامين 1975 - 1976. وأنا أتوجّه بداية الى الأهالي والى كل أم وأب يريد إبنهما أن يحمل السلاح، لأقول لهم: خذوا العبرة من الحرب الأهلية التي لم تميّز بين كبير وصغير، لأن الأمور في النهاية ستحل بالسياسة والمشاريع التي ترسم لن يكتب لها نهاية إلا بالحوار والسياسة.
أما بالنسبة الى الجيش، فنحن نعمل كل واجباتنا، ولدي النية الكاملة لمنع أي فتنة، ومهمة الجيش منع أي تقاتل بين اللبنانيين. وأنا مقتنع أن أحداً لن يربح من جرّاء أي تقاتل، ولبنان وحده الذي يخسر، وإذا خسر لبنان سيتعرقن.
لذلك فإن الجيش اليوم يضغط بكل قواه من أجل أمرين، منع أي تقاتل داخلي ومنع أي تحرّك للأصوليين الذين يريدون الإفادة من التوتر الداخلي، مثلهم مثل الإسرائيليين الذين يستفيدون من التوتر الداخلي كي يتسللوا الى الداخل، ويحاولون تشتيت انتباه الجيش عن الوضع الداخلي.

 

• حكي عن سيناريو يتحرك فيه «حزب الله» لإجراء مناورة ميدانية وإحكام السيطرة فيه على بيروت. هل قام «حزب الله» فعلاً بهذه المناورة؟
- لا، لا علم لي بمثل هذا الأمر. وعلى كل، فالمناطق التي يفترض أن يكون تحرّك فيها ليست خالية من السكان، بل مأهولة، والسكان معروفو الإنتماء، كما هو معروف توجّههم السياسي. لذا لا يحتاج الحزب أو غيره للقيام بمناورة حيث هو موجود أصلاً.

 

خطة الجيش للتحرك
• لا شك في أن صدور القرار الإتهامي يثير بلبلة، وقد بدأ الحديث عن مخاوف عكستها كل الشخصيات السياسية سواء في المناطق المسيحية أو في المناطق السنية - الشيعية. ألست متخوفاً من الوضع؟

- أنا قلق ولست خائفاً. والقلق يعطينا الحافز كي نظل على جهوز تام 24 ساعة. أما الخوف فيشلّنا عن العمل. لقد ضاعفنا في الآونة الأخيرة وتيرة عملنا واستعداداتنا. والضباط والعسكر يعيشون هذا الجو القلق، ولذلك صار الجهوز شبه كامل ميدانياً للتدخل في أسرع وقت، وأينما كان لحظة وقوع أي توتر داخلي.

 

• هل الجيش في حال تأهب اليوم؟
- حالياً العسكر في حالة حجز الرقم 3. ورفعنا الجهوزية الى 65 في المئة، وأصبحنا قادرين على رفعها الى 100 في المئة خلال ساعة واحدة، إذا استدعى الأمر ذلك. والضباط والجنود موضوعون في هذا الجو، والجهوز يشمل العسكر المنتشرين على الأرض حتى يبقوا مستعدين لمهماتهم.

 

• وضعتم أخيراً خطة لمواكبة التطورات الأمنية، ما هي خطوطها العريضة؟
- أعددنا ما يكفي من الجيش في قلب بيروت، مع درس كل الأماكن الأخرى التي تشكّل المناطق الأكثر حساسية، وتعد بمثابة مفاتيح لأي توتر. ونحن نعرف قدر الإمكان صعوبة ما يمكن أن يواجهنا. فالحرب المفتوحة أسهل من حرب المدن، لأن أي توتر داخل بيروت مثلاً يمكن أن يشكل صعوبة كبرى لأي جيش، إذ أن أي تدخل عسكري سيؤدي الى سقوط ضحايا وحدوث مآسٍ، وهو ما يحاول الجيش تفاديه.

 

ممنوع المسّ بالأمن
• إضافة الى المناطق ذات الوجود السني - الشيعي المشترك، يحكى عن احتمال نقل التوتر الى المناطق المسيحية، وقد تحدّث عدد من قيادات هذه المنطقة عن خوفهم ورهانهم على دور الجيش. فهل لديكم تصوّر محدّد لهذه المناطق؟


- نتعامل مع مناطق التوتر بحسب جدول أولويات، لذا تشكّل بيروت بالنسبة الينا الأولوية، تليها طرابلس، ثم صيدا وأخيراً المناطق المسيحية. لا أرى أن ثمة ما يقلق في هذه المناطق، وحجم المشكلة الداخلية ليس كبيراً بما يكفي لكي يستطيع أي طرف إنهاء الوضع لمصلحته.
في أي حال نحن نركّز عملنا على هذه المناطق، وأقول للجميع ممنوع المسّ بالأمن، وقد أبلغنا الأطراف المعنيين بمحاذير المسّ بالأمن في أي منطقة، لأن الجيش سيكون حاسماً جداً مع أي توتر أمني في المناطق كافة وخصوصاً المناطق المسيحية.

 

• هل يكفي عديد الجيش لتغطية التوترات الأمنية في هذه المناطق؟
- ميدانياً نعم. وإذا اضطررنا سنسحب من الإحتياط والأفواج الخاصة التي أصبحت جاهزة لمواكبة الجيش الموجود أصلاً على الأرض. وأقولها على رأس السطح، أي توتر أمني في الداخل قد يضطرني الى سحب ما أحتاج اليه من قوة عسكرية من العناصر المنتشرين في الجنوب. فالوجود العسكري في الجنوب فحسب لن ينفع لبنان إذا «فرط» الوضع في الداخل.

 

• في أي مدى زمني تضعون خططكم؟ وهل تتوقع صدور القرار الإتهامي في فترة قريبة، بما يجعل الجيش في حالة تأهب مستمر؟
- نحن جاهزون، ونفّذنا انتشارنا في بيروت، وأصبحنا جاهزين سواء صدر القرار اليوم أو بعد أسبوع أو أكثر. الأفواج كلها وقوات التدخل كلها مستعدة للتدخل فوراً.

 

• هل الجيش قادر فعلاً على منع التوتر؟
- القضية ليست سهلة والحرب ليست لعبة. الجيش سيستخدم كل إمكاناته لمنع حصول الفتنة. لكن الأمر لا يتوقف على الجيش فحسب إنما على القوى السياسية مجتمعة.

 

• ذكر تقرير أميركي أخيراً صادر عن مركز «ستراتفور» أن هناك نحو 6 آلاف عنصر من الحرس الثوري الإيراني في بعض مناطق جبل لبنان كالقماطية والبقاع، هل لديكم أي معلومات عن ذلك؟
- لا تقارير لدينا حول هذا الموضوع. ولكن نحن لم نرَ أي تضخم في أعداد السكان الموجودين مثلاً في القماطية أو غيرها، ولم نلمس حركة غير طبيعية. ورقم ستة آلاف لا يمكن أن يختفي بسهولة. في أي حال لم نبلّغ عبر المطار أو الحدود بدخول هذا العدد من الذين دخلوا ولم يخرجوا من لبنان.

 

نعمل بتوجهات السلطة السياسية
• لقد حذّر الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الجميع من التعامل مع فريق المحققين الدوليين والمحكمة الدولية، فهل يشملكم هذا التحذير وهل وصلكم أي أمر من هذا النوع؟

- الجيش مؤسسة تعمل بتوجهات الدولة والسلطة السياسية الممثلة بمجلس الوزراء مجتمعاً، ووفق ما يمليه عليّ ضميري.

 

• كيف يتم تعاطيكم مع فريق المحققين الدوليين، وخصوصاً بعد حادثة الضاحية الجنوبية؟
- لم نتدخل ولا مرة في عمل المحقّقين، ولا أين يذهبون وأين يحقّقون. حتى فريق المواكبة وهو مؤلف من عدد من الأجهزة الأمنية، يقف بعيداً عن أي مكان يقصده فريق التحقيق وذلك بطلب من المحقّقين.

 

• كيف سيتعامل الجيش بعد صدور القرار الإتهامي إذا طال عناصر من «حزب الله» وسوريا؟
- لست معنياً بأي أمر لا يؤدي الى خربطة الوضع الأمني. الأمور السياسية تحل بالسياسة، وفي مجلس الوزراء وعلى طاولة الحوار. أنا معني بالوضع الأمني فحسب وبما يمكن أن يحدث على الأرض.

 

• إذا استمر تعطيل مجلس الوزراء وشلّ عمل الحكومة، بمن تأتمرون؟
- إن شاء الله لا نصل الى هذه المرحلة. حينها لا سمح الله يكون لكل حادث حديث. وأعتقد أن السياسيين أذكى من أن يكسروا البلد ويوصلوه الى الفراغ، أو أن يتقاتلوا لأنهم يعرفون أنهم سيخسرون جميعاً.

 

• ولكن سبق أن وصل البلد الى حالة الفراغ؟
- الفترة السابقة تختلف عن المرحلة الراهنة. صحيح أن ما حدث حينها أوصلنا الى اتفاق الدوحة، لكن الدول العربية ملّت من مشاكلنا.

 

• لكن الأميركيين لم يملّوا، واليوم عادوا بقوة الى دعم لبنان والتحدث عنه في شكل يومي؟
- أساساً لم يذهبوا كي يعودوا. هم دوماً يؤكدون دعمهم لبنان ويبدون اهتمامهم به.

 

• لقد التقيت في الأسبوعين الأخيرين مجموعة من السفراء، وآخرهم السفيرة الأميركية والسفير الفرنسي، هل هم قلقون من الوضع؟
- لقد أبدوا قلقهم من الوضع، ويسألون عن احتمالات التوتر. وأنا أطمئنهم أننا سنقوم بواجبنا لمنع الإقتتال الداخلي، إذ لدينا النية والجهوز للقيام بذلك.

 

مخاطر التوترات
• تردّد أن السفير الفرنسي أبدى قلقه أخيراً لدى «حزب الله» على وضع القوة الدولية «اليونيفيل»، والخوف أن يتحولوا رهائن كما في فترة خطف الرهائن، إذا حدث توتر داخلي، فهل نقل لكم هذا القلق؟ وهل أنتم خائفون على القوة الدولية؟

- لم يبد أي قلق من هذا الأمر. إن وضع «اليونيفيل» جيد جنوباً، والعلاقة مع الناس هناك جيدة وعظيمة. أما بالنسبة الى قضية الرهائن فلقد أثبتت التجربة أنها لم تعط أي نتيجة. لا أعتقد أن أحداً اليوم يفكر هكذا. الجيش موجود جنوباً وسنستمر في تطبيق مندرجات القرار 1701.

 

• من بين الأخطار المحدقة، برز في الأيام الأخيرة موضوع تهديد «القاعدة» لمسيحيي بلاد الشام، وأنتم سبق أن عانيتم الخطر الأصولي، وآخر ما حدث في مجدل عنجر. في أي مرتبة تضعون الخطر الأصولي حالياً؟
- نضعه في المرتبة الأولى في تعاملنا معهم، ولكن خطر «القاعدة» والأصوليين لم يعد حالياً في لبنان في المرتبة الأولى، بعد الضربات التي وجّهناها اليهم. ولا ننسى أننا عثرنا في مجدل عنجر على بؤرتين فيهما متفجرات.

 

• ألم توقفوا بعد قاتل الضابط؟
- لا، هو الوحيد الذي لم نستطع القبض عليه. إنما أوقفنا كل أفراد المجموعة المسؤولة عن المكمن وكل من ساهم في العملية. وأؤكد أن جميع أبناء المنطقة متعاونون معنا.

 

• هل تأخذون خطر التهديد الأخير لـ«القاعدة» باستهداف كنائس منطقة الشام بالاعتبار؟
- نأخذ كل كلام لـ«القاعدة» في الاعتبار. ولكن أريد أن أطمئن الى أننا نرصد كل تحرك إرهابي في لبنان ونستعد له.

 

لا انقسام في الجيش
• لقد احتضنت الطائفة السنية الجيش خلال معركة نهر البارد. هل تعتقد أن هذا الإحتضان ما يزال موجوداً، فيما يتهم البعض الجيش أنه أقرب الى المعارضة منه الى الأكثرية؟

- جميع الطوائف في لبنان بمن فيهم الطائفة السنية احتضنوا الجيش. وأؤكد ايضاً أنني لست أقرب الى طرف من طرف آخر. وأنا على مسافة واحدة من الجميع لكنني لست على مسافة واحدة من المخلين بالأمن. أنا مع الجميع ضد إسرائيل. وهذا أمر لا أهادن به. إذا كانت علاقتي جيدة مع سوريا فهذا لا يعني أنني مع فريق سياسي ضد آخر. بالعكس يحظى الجيش بالإحتضان والدعم من جميع القوى والطوائف. وعسكرنا مرتاح جداً في أي منطقة يخدم فيها، وتربطه علاقة جيدة مع جميع أبناء هذه المناطق. من حين الى آخر يتعرّض الجيش لبعض الحملات السياسية التي لا تخفى أهدافها السياسية والخاصة على أحد، وذلك على خلفيات مذهبية وطائفية.

 

• لقد أقدم عدد من الضباط السنة في مرحلة سابقة على تقديم استقالاتهم احتجاجاً، فهل الجيش اليوم موحّد وهل تخاف عليه من الإنقسام، فيما يكثر الحديث عن مجموعات في الجيش تابعة لهذا الطرف أو ذاك؟
- أريد أن أؤكد أن الجيش أكثر وحدة وتماسكاً من ذي قبل. وما حصل مع بعض الضباط كان قبل أن أتسلم مسؤولية قيادة الجيش. ومنذ عامين وحتى اليوم، أعتبر أنني أبعدت الجيش عن السياسيين، وأبعدت أي تدخل للسياسيين في الجيش. علاقتي جيدة مع كل الأطراف، ولا مشاكل لدينا مع أي طرف.  لكن لا أريد أن يضع أي طرف إصبعه داخل المؤسسة العسكرية، حتى يبقى الجيش حراً. لا أتخوف من أي استقالات ولا من أي محسوبيات لأي طرف سياسي. الضباط هم تابعون في ولائهم للمؤسسة العسكرية. وأنا من الذين خبروا انقسام الجيش، وأتحدث دوماً أمام الضباط عن تلك المرحلة التي أصفها بأنها مرحلة الذل في الجيش. وأؤكد أن المؤسسة ستكون الضمان لجميع الناس، وستبقى بعيداً عن أي انقسام وتوتر يشهده البلد.

 

• إذا شلّ عمل الحكومة ألن يتأثر عملكم؟
- عملنا لن يشلّ. فالجيش مؤسسة تملك مقومات الاستمرار كما تملك من القوة والمناعة والانضباط ما يجعلها بمنأى عن أي تأثيرات سياسية أو دستورية.

 

• هل لديكم تقدير عن عدد السلاح الموجود لدى الناس؟
- كلا، لكن يوجد في كل بيت قطعة سلاح. إنما ليس لدى كل بيت النية لاستخدامه أو للقتال.

 

• هل هناك تدريب في لبنان لبعض الفئات السياسية، أو حتى خارجه؟
- نحن لم نرصد أي شيء في الداخل. ولا نعرف شيئاً عن أي عمليات تدريب خارج الأراضي اللبنانية.