وجوه

الأم الطيبة على الشاشة وفي الحياة
إعداد: تريز منصور

علياء النمري وجه لا تبهت ملامحه

وجه لا تبهت ملامحه، ولا يخبو وهجه. علياء النمري، الممثلة الإستثنائية القدرات المبهرة باداء فائق الإحتراف وفائق العفوية، تألقت على الشاشتين الصغيرة والكبيرة، كما على المسرح وعبر أثير الإذاعة طوال 50 عامًا.
إنها جزء من ذاكرتنا الجميلة.

 

من الحبلة الى... الزواج
 في بلدة الدامور الشوفية، ولدت عليا نمري (1932 - 2005)، والدها أمين شعيا مزارع بسيط، لكن هذه الصفة ليست وحدها ما يؤشر إلى مسيرة حياته. فالرجل كان فنانًا بالفطرة، شارك في أداء أدوار مسرحية في الاحتفالات التي كانت تقام في بلدته. وحين حلّت الحرب العالمية الثانية، كان من بين اللبنانيين الذين قاتلوا إلى جانب قوات الحلفاء ضد العثمانيين.
لم تدخل عليا المدرسة، ففي تلك الأيام كانت المعادلة: الصبي بالمدرسة والبنت بالبيت. عاشت طفولة هادئة، تعلّمت الحياكة من والدتها سارة وظلت طوال حياتها تحيك الملابس لها ولأولادها.
لم يخطر ببالها أو ببال أحد من العائلة أنها ستكون يومًا ممثلة. لم تظهر أبدًا عليها ملامح موهبة التمثيل، كان الرجال في الماضي يمثّلون أدوار النساء.
في يوم من الأيام زار الفنان الراحل، وكوميدي لبنان الأول آنذاك عبدو نمري المعروف بـ«شرنّو» مطربة العائلات في المنطقة، للاتفاق معها على المشاركة في إحدى أعماله المسرحية، وهناك رأى عليا وهي في سن الخامسة عشر تلعب على الحبلة قرب منزلها الريفي البسيط، فأعجب بها كثيرًا.
دخل الزائر البيروتي المنزل وطلب يدها للزواج، فتزوجا بعد أسبوع، وأنجبا خمسة أولاد: إيلي (مخرج سينمائي)، جورج وميشال (مهندسا ميكانيك)، طوني (شيف في أحد أرقى الفنادق الأوسترالية) وليليان الممثلة الكوميدية المعروفة، والتي قدمت وتقدم عدة برامج تلفزيونية وإذاعية.

 

الشهرة وليدة الصدفة
بدأت مشوارها الفني مع زوجها شرنو عندما كان يعرض مسرحية «الضرير»، فبطلة المسرحية تخلّفت عن المجيء بسبب سفرها إلى العراق لإحياء حفلة غنائية، أنقذت عليا الموقف، صعدت إلى خشبة المسرح ومثلت الدور بإتقان وبمهنية عالية. فهي كانت قد حفظت جميع الأدوار والحوارات، إذ أن البروفات كانت تتمّ في منزلها.
منذ ذلك الحين، الجميع شجّع زوجها شرنو، على السماح لها بممارسة التمثيل، لكن عليا خافت في البداية من معارضة أهلها، ولا سيّما أن عماتها راهبات. ارسلت رسالة الى الإعلامية الكبيرة إدفيك شيبوب وسألتها عن الموضوع فشجعتها وقالت لها: «أنت بكنف زوج ممثل... والقرار النهائي عائد لك، لكن بما ان عائلتك متحفظّة وملتزمة دينيًا، يمكنك اختيار أدوار الأم أو الجدة والخالة».
أخذت عليا النمري بالنصيحة، وعلى الرغم من العروض التي تهافتت عليها بسبب جمالها الباهر، رفضت جميع الأدوار وتقمصت ببراعة استثنائية أدوار الأم والجدة والخالة طوال حياتها المهنية، وقد كان عمرها 23 سنة عندما لعبت دور «ستي الختيارة».
تتلمذت على يد زوجها شرنو الذي علّمها أصول الكتابة والقراءة في المنزل، ومعًا سارا دربًا طويلة تألقت فيها من دون أن تخسر ذرة تواضع أو طيبة.
بدأت عليا مشوارها مع زوجها الذي رافق تلفزيون لبنان منذ انطلاقته الأولى، وشاركته حلقات كثيرة في برنامج «يا مدير»، ثم أُسند إليها بعد ذلك دور البطولة في مسلسل «الأم الختيارة» من كتابة إيلي ضاهر وبطولته. وما لبث ان لمع اسمها بسرعة لا مثيل لها في عالم الفن، وبدأت الصحافة اللبنانية تكتب عنها وتراقبها، فكلما أطلّت عبر الشاشة الصغيرة، كتبت عنها مئات الأقلام الصحافية بحب وإنصاف.

 

أم لأكثر من جيل
شاركت عليا نمري أبو ملحم في مئات الحلقات ولعدة سنوات، مجسّدة دور الأم.
وقدمت العديد من الأعمال التلفزيونية والمسرحية والسينمائية والإذاعية لسنوات طويلة، وحملت ألقابًا كثيرة من قبل الصحافة في لبنان. ومن ألقابها الشهيرة «أمينة رزق لبنان»، «الأم البلدية»، «إم خليل»، «إم الأخوت»، و«إم لبنان».
من المسلسلات التي مثلت فيها: «أخوت شاناي»، «السراب» «مذنبون ولكن»، «فارس يقبر أمو»، «لا أمس بعد اليوم»، «ميليا»، «عاشق الذهب»، «المعلمة والأستاذ»، «إبراهيم أفندي»، «كابتن بوب»، «جرجي إبن إم جرجي»، «الضيعة بألف خير»، «اللعبة»، «ريكي وربيع»، «لوحة وكذبة ملوّنة»، « الدنيي هيك»، «العائلة السعيدة»، «عائلة الشوبكلي»، «مذكرات ممرضة»، وكان «أوراق الزمن المر»، آخر المسلسلات التي شاركت فيها.
هذا في التلفزيون، أما في المسرح فقد شاركت نبيه أبو الحسن في «أخوت شاناي». ومثلت 16 مسرحية مع زوجها، منها، «طبيب بلا شهادة»، «إستراحة أميركية بالأراضي اللبنانية»، «شو بيت يا بيك» و«الضرير»، بالإضافة إلى «صبي وين بدو يروح» لمروان نجار، و«كراسي ومفاتيح»، و«برلمان عين كفاع» مع فيليب عقيقي.
على الشاشة الكبيرة شاركت في أكثر من 12 فيلمًا سينمائيًا من أهمها: «مولد الرسول» للمخرج هنري بركات، «العمياء» مع سميرة أحمد، «كلنا فدائيون» مع أندره جدعون، «شارع الضباب» مع صباح، «موعد مع الحب» مع ألسي فرنيني، «حسناء وعمالقة» مع محمد المولى وحكمت وهبي وفؤاد شرف الدين، «المخطوف» مع إبراهيم مرعشلي، و«الرهينة» مع إحسان صادق.
عبر أثير الإذاعة، أطلت بدور «إم خليل»، وكانت «مختارة بالوكالة» فقد قدمت العديد من الأعمال من كتابة الشاعر يونس الابن وزوجها شرنو، والياس ناصر وطلال الدجاني. كما مثلت في عدة أفلام تلفزيونية منها، «الحلم الكبير» مع فيليب عقيقي، «حكاية الإسوارة» مع السيدة فيروز، «الأبواب المغلقة» مع زياد أبو عبسي.
لعبت عليا نمري دور الأم لأكثر من جيل مرّ في تاريخ التلفزيون في لبنان، لكن أبعد من الفن والتمثيل كانت هذه المرأة أمًا بالفعل لجميع من عملوا معها وعرفوها عن كثب. الممثلة القديرة والإنسانة الخلوقة، عملت كثيرًا تحت الأضواء، لكنها ظلت تلك الممثلة القديرة والإنسانة الخلوقة الصامتة، المنصرفة إلى عملها وعائلتها وبيتها وكتابها، فقد كانت تعشق المطالعة، والمرأة التي لم تدخل المدرسة يومًا، قرأت مئات الكتب.